"ويُسنُّ أن يتوجه جميع الحجاج إلى مِنى فيصلون فيها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ويمكثون فيها حتى تطلع الشمس، هذا إن تيسر لهم ذلك؛ فإن لم يتيسر لهم ذلك فلا شيء عليهم بالاتفاق".
إذا أحرم الحجاج توجهوا إلى مِنى وصَلَّوْا بها الظهر، فالسنة أن يُصَلوا الظهر في مِنى، هذا ما فعله رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ يُصلون بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، وهذا سُنَّة بالاتفاق، لا خلاف بين العلماء أنه يسن للحجاج أن يأتوا إلى مِنى، وأن يُصَلوا بها هذه الصلوات كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وفي هذا اليوم ليس هناك عملٌ يقوم به الحجاج من رمي جمارٍ أو نحو ذلك سوى المُكث في مِنى والاشتغال بذكر الله -عز وجل-، فليس ثمت عملٌ بهذا اليوم إنما هو اشتغالٌ بذكر الله -عز وجل-، والصلوات، والتعبد لله بالمُكث في مِنى.
ولا خلاف بين العلماء أن المجيء إلى مِنى في اليوم الثامن هو من سنن الحج، فإن لم يفعله الحاج لا ينقصه ذلك في صحة حجه، وإنما يفوته أجر السُّنَّة؛ أجر سنة المجيء إلى مِنى.
ولْيُعلم أنَّ هذه السُّنَّة في حق مَن كان يمكنه المجيء ممن له مكانٌ في مِنى، أما من كان لا مكان له في مِنى كالذين تكون مخيماتهم في خارج حدود مِنى؛ لضيق المكان أو في جهةٍ من جهات مكة، فإنه لا يلزمهم المجيء، ويكون تركهم المجيء في هذه الحال لا ينقصهم أجر السنة التي نووها ولم يتمكنوا منها؛ فإنَّ كل من نوى عملًا صالحًا، وحال بينه وبين فعله عدم القدرة كتب الله تعالى له ما نوى «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات» أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907) وقد قال الله -عز وجل-: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ النساء:100 ، فكل من جزم، ونوى عملًا صالحًا لكن لم يتمكن من فعله؛ لوجود ما يمنعه، ويحول بينه وبين فعله، فإنه يُكتب له أجر ما نواه تامًّا.
الذين لا يستطيعون المجيء إلى مِنى في يوم الثامن من ذي الحجة يُشرع لهم أن يحرموا في أماكنهم ومنازلهم؛ ذاك أن من أعمال هذا اليوم الإحرام، ومن أعماله المجيء إلى مِنى، فمن لم يتمكن من المجيء إلى مِنى لعدم وجود مكان أو لغير ذلك من الأسباب فإنه يُحرم في مكانه، ويُسن أن يصلي الظهر محرمًا.
