وما يكون عند الانصراف من مكة في الوداع، فهو ختم لأعمال النسك، لكنه ليس من أعمال الحج.
ولذلك لا يشرع هذا العمل لأهل مكة الذين يقيمون فيها، ولا لمن يخرج من مكة ويرجع إليها إذا كان خروجه لا للانتقال منها، فإنه لا يكون إلا لمن أراد الرجوع إلى بلده، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» أخرجه مسلم (1327). .
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الناس ينفرون من كل جهة أمر الناس بأن يكون آخر عهدهم بالبيت، هذا العمل هو تعظيم لهذه البقعة، أنت لم تأتِ من بلدك قريب أو بعيد إلا لتعظيم هذا المكان المبارك، تعظيم الكعبة البيت الحرام، فكان أول ما يشرع لك إذا جئت إلى مكة أن تبتدئ بالطواف؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان آخر ما يشرع لك إذا أردت المغادرة والمفارقة والرجوع إلى بلدك أن يكون آخر عهدك بالبيت فتطوف، هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
النبي عليه أفضل الصلاة والسلام لما فرغ من الحج برمي جمرة العقبة، آخر ثلاث جمرات رماها النبي صلى الله عليه وسلم؛ الصغرى، والوسطى، والكبرى بعد زوال الشمس في اليوم الثالث عشر خرج من منى، ولم يصلِّ بها الظهر، بل صلى الظهر صلوات الله وسلامه عليه في المحصب.
المحصب هو مكان اجتماع الحصباء، وهو في بطن مسيل، وذلك في الششة إلى تقريبًا ما يُعرف بالمعابدة اليوم، كله يسمى المحصب.
نزل به النبي صلى الله عليه وسلم، ونام شيئًا من الليل، ثم سار صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه إلى البيت، فطاف صلى الله عليه وسلم، ثم صلى الفجر -فجر اليوم الرابع عشر- في البيت الحرام عند الكعبة، ثم انصرف صلوات الله وسلامه عليه بعد صلاته.
هذا الطواف هو طواف الوداع الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ».