صفحة جديدة 1
الحمد لله رب العالمين، نحمده جل في علاه، وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.
ففي هذا اليوم نبدأ إن شاء الله تعالى قراءة قاعدة في الوسيلة لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية –رحمه الله-تعالى.
ومن المهم والمفيد أن نعرف أهمية هذه الرسالة، وضرورة العناية بهذا الموضوع في الجملة من خلال ما كتبه علماء الإسلام، وألفه أهل الذكر وذكروه في هذه القضية وهي قضية التوسل والوسيلة.
هذه الرسالة هي رسالة مقتضبة مختصرة، هي في الحقيقة جواب لسؤال ورد على الشيخ حول قضية الوسيلة والتوسل، وأهمية هذا الموضوع تنشأ وتظهر من معرفة أن غالب ما وقع بسببه الانحراف، والخروج عن طريق الحنفاء وتوحيد رب العالمين، كان من طريق الوسيلة والتوسل، فإن كثيرًا ممن يقعون في ألوان من الشرك التي نهت عنها الأنبياء، وحذرت منها الرسل، وجاءت الدعوات متوالية لتحذر منه، وتنفر عنه، تدور في الحقيقة على قضية التوسل والوسيلة، فكان من الضروري لطالب العلم الذي يدعو إلى الكتاب والسنة، ويلتزم ما كان عليه رسل الله تعالى من الدعوة إلى التوحيد، والنهي عن الشرك أن يكون على إحاطة بما يتعلق بهذه القضية وهي قضية الوسيلة والتوسل.
والشيخ –رحمه الله-شيخ الإسلام ابن تيمية ألف في هذا الموضوع كتابًا ماتعًا معروفًا، وهو كتاب قاعدة في التوسل والوسيلة، وقد بسط القول فيه، وعلى عادة الشيخ فيه على مؤلفاته يستطرد، ويأتي بما له صلة مباشرة، وما هو من منح العلم وفوائده.
ولذلك كانت تلك الرسالة أو ذلك الكتاب موسعًا في استدلالاته وفوائده المتعلقة بقضية التوسل وبغيره، وفي هذه الرسالة أجمل الشيخ –رحمه الله-ما بسطه وشرحه في تلك الرسالة، وتلك القاعدة، فهذه الرسالة قاعدة في الوسيلة عبارة عن مختصر لكتاب قاعدة في التوسل والوسيلة.
ولذلك حوى مهمات ما يتعلق بالقضية، وأصول ما يتعلق بمسألة التوسل، فمن قرأ هذا الكتاب علم روح ومضمون ما تضمنه كتاب قاعدة التوسل والوسيلة، فيغنيه إدراك ما في هذه الرسالة عن تفصيلات في ذلك الكتاب، وإن كان فيه خير وفائدة ومزيد بيان وإيضاح، لكن من أراد الاكتفاء، فإن فهم هذه الرسالة، وإدراك ما في هذه القاعدة كاف إن شاء الله تعالى.
الوسيلة المؤلف –رحمه الله-أطلق على هذه الرسالة قاعدة في الوسيلة، ولا ندري هل هذه التسمية من المؤلف أم من الناشر؟
وعلى كل حال ما تضمنته هذه الرسالة، هو قاعدة في الوسيلة، والقاعدة هي في الحقيقة قضية كلية هكذا يعرفها العلماء من حيث معناها العام، قضية كلية، وتكون في الفقه، وتكون في الحديث، وتكون في الاعتقاد، وتكون في اللغة، وتكون في أبواب شتى، وعليه فإن هذه القاعدة، هي قاعدة كلية فيما يتعلق بالاعتقاد، وهو ما يتصل بقضية التوسل والوسيلة.
وأما قوله –رحمه الله-في الوسيلة، الوسيلة مأخوذة من وسل إلى الشيء، وهو ما يتوصل به إلى الشيء، فالوسيلة وسيلة يتوصل بها إلى المقصود والمطلوب هذا من حيث اللغة.
والله تعالى أمر بأن تتخذ إليه الوسيلة، فقال –جل وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ﴾(المائدة: 35)، فأمر بابتغاء الوسيلة، والوسيلة التي أمر الله تعالى بابتغائها أي طلبها والسعي في تحصيلها، هي ما يوصل إلى المطلوب، والمطلوب هو رضا الله –جل وعلا-، المطلوب هو الجنة والفوز بها، فالوسيلة هي ما يوصل إلى رضا الله تعالى، وإلى الفوز بالجنة في الآخرة.
نبدأ بعد هذا التقديم بما ذكره المؤلف –رحمه الله-وقد ذكرت أن هذه القاعدة جواب لسؤال، فنقرأ السؤال، ثم ننظر كيف أجاب الشيخ –رحمه الله-على هذا السؤال الوارد عليه.
بسم الله الرحمن الرحيم
ما تقولُ السادةُ العلماءُ أئمةُ الدين وهُداةُ المسلمين -رضي الله عنهم أجمعين-فيمن عابَ أقوالاً نَقَلَها جماعة من أكابرِ الأئمةِ وأعيانِ ساداتِ هذه الأمة:
أولها: ما أوردَه الشيخ أبو الحسين القُدوري الحنفي في كتابه الكبير في الفقه المسمَّى بشرح الكرخي في باب الكراهية، وصورةُ اللفظ: "قال بِشرُ بن الوليد: حدثنا أبو يوسف، قال: قال أبو حنيفة -رضي الله عنه-: لا ينبغي لأحدٍ أن يَدعُوَ الله إلاّ به، وأكرهُ أن يقولَ: بمَعَاقدِ العِز من عرشِك أو بحقِّ خَلْقِك. وهو قول أبي يوسف.
قال أبو يوسف: "بمعقدِ العزِّ من عرشك" هو الله، فلا أكرهُ هذا. وأكرهُ أن يقولَ: بحقِّ فلانٍ، أو بحقِّ أَنبيائك ورسلك، وبحقّ البيتِ والمشعرِ الحرام.
قال القدوري: المسألة بخلقِه لا تجوز، لأنه لا حقَّ للخلقِ على الخالق، فلا تجوز.
وثانيها: ما ذكره الشيخ أبو القاسم القُشَيري في كتابه المسمَّى "التحبير في علم التذكير" المشتمل على تفسير معاني أسماء الله عزَّ وجلَّ، وصورةُ اللفظ أنه قال: عَلِمَ الحقُّ سبحانَه أنه ليس لك أَسَام مرضية، فقال تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)(الأعراف:180)، وَلأن تكون بأسماءِ ربك داعيًا خيرٌ لك من أن تكونَ بأسماء نفسك مَدْعِيًّا، فإنك إن كُنتَ بك كنتَ بمن لم يكن، وإذا كُنتَ به كنتَ بمن لم يَزَلْ، فشَتَّانَ بين وصفٍ وبين وصفٍ.
وقال: مَن عرفَ اسمَ ربَه نَسِيَ اسمَ نفسِه، بل مَن صَحِبَ اسمَ ربِّه تَحَقَّق بروحِ أنْسِه قبلَ وصوله إلى دارِ قُدْسِه، بل مَن عرفَ اسمَ ربِّه سَمَتْ رتبتُه، وعَلَتْ في الدارينِ منزلتُه.
وثالثُها: ما ذكره الشيخ عز الدين بن عبد السلام في فتاويه المشهورة، وصورةُ اللفظِ أنه قال: لا يجوزُ التوسُّلُ في الدعاء بأحدٍ من الأنبياء والصالحين إلاّ برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -إن صحَّ حديث الأعمى.
وزعمَ العائبُ لهذه الأقوالِ والطاعنُ على معانيها أنَّ فيها تنقُّصًا بعبادِ الله الصالحين، واستخفافًا بحرمةِ البيتِ والمشعر الحرام.
وهل يجوز ردُّها بمجرد رأي الإنسان وما جَرَتْ به عَوائدُ بعضِ أهل الزمانِ أم لا؟
وهل اشتهرَ عن الأئمة الأكابرِ المتبوعين خلافٌ لهذه الأقوال؟
وهل صحَّ حديثُ الأعمى الذي أورده الترمذي في جامعِه؟
وهل في صريح لفظِه ما يُبطِلُ الأقوالَ المذكورةَ ويُوجِبُ اعتقادَ خلافِها؟
وهل يجوز الحلفُ بغير الله تعالى؟ وإذا لم يَجُزْ هل يجوز التحليفُ والإقسامُ بغير الله؟
والرادُّ لهذه الأقوالِ المتقدمِ ذكرُها والطاعاتِ فيها، إذا لم يكن عنده دليل شرعي قاطع يدفعُها به، هل يُردَعُ عن ذلك ويُزْجَرُ؟
فأجاب شيخ الإسلام-رضي الله عنه-
الحقيقة أن السؤال تضمن من حسن عرض المسألة ما ينبغي لطالب العلم أن يعتني به، فتلطف السائل أولًا بالثناء على المسئول، وهذا من أدب السؤال الذي يحصل به انشراح نفس المسئول، لأن المسئول إذا علم أن السائل يسأل سؤال استرشاد واستعلام واستفهام، واستهداء كان ذلك منشطا له على البيان والإيضاح، بخلاف ما إذا كان السائل يسأل سؤال تعنت أو سؤال اختبار أو سؤال إفحام أو غير ذلك من مقاصد السائلين، فلذلك قدم بهذا الثناء ما تقول السادة العلماء أئمة الدين وهداة المسلمين رضي الله عنهم أجمعين فيمن عاب أقوالًا نقلها جماعة من أكابر الأئمة، وأعاين سادات هذه الأمة.
الأدب الثاني الذي تضمنه السؤال إبهام الشخص المسئول عنه، فإنه لم يقل ما قولك في فلان الذي قال كذا وكذا، إنما قال: فيمن عاب، وهذا فيه فائدة وهو أنه ينبغي لطالب العلم في نقده للآراء والأقوال والاجتهادات ألا يصب اهتمامه على السائل على ا لأشخاص والقائلين، إنما اهتمامه منصب على الأقوال هل هي صحيحة أو لا؟
وفي هذا تجنب الحزازيات، وأيضًا تجنب التحامل الذي قد يحمل الإنسان على رد القول، لأن فلانًا قاله، لأن المناقشة لا تتعلق بالقائل، إنما تتعلق بالقول.
ولذلك كان هذا منهجًا صار عليه علماء الإسلام في مسائلتهم ومناقشتهم، البعد عن التسمية ما لم تقتضي ذلك مصلحة، وإلا فالأصل المناقشة للأقوال لا للقائلين.
الفائدة الثانية أن النقد للقول أدعى للتجرد، وادعى لنفع السامعين لأنك إذا حكمت على القول فإنه حكم على من قال بهذا القول سواء كان زيدًا أو بكرًا أو عمروًا، بغض النظر عن قائله، ولذلك تنشرح النفوس وتقبل على نقض الأقوال أكثر منها على نقض القائلين، لأنك إذا قلت مثلا ما قولكم في قول فلان، فإن جميع من يتعذب لفلان سيصم آذانه عن سماع قولك لماذا؟
لأن الآن المحاكمة لا للقول، إنما للقائل في حين أنه إذا قيل: ما قولك فيمن قال كذا، فالحكم على القول دون النظر إلى القائل، وبالتالي ستنشط النفوس وتستقبل هذا القول بنوع من الاتزان والهدوء، والتجرد الذي يجعله ينظر إلى القول لا إلى القائل، ثم ساق جملة من الأقوال، وهي ثلاثة نقولات.
النقل الأول: ما أورده الشيخ أبو حسين القدوري الحنفي في كتابه الكبير، وذكر النقل عن أبي حنيفة وصاحبه، فيما يتعلق بالسؤال بغير الله تعالى، التوسل بغير الله تعالى، وهو قول القائل في سؤاله ودعائه أسألك بحق كذا.
وذكر قول أبي حنيفة في قول الداعي أسألك بمعاقد العز أو بمعقد العز من عرشك، هذا المقطع من السؤال وهو السؤال بمعقد العز جاء به الأثر من طريق البيهقي في كتاب الدعوات الكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال –صلى الله عليه وسلم-لداع اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، واسمك الأعظم وكلماتك التامة.
وهذا الحديث لا يثبت، هذا الدعاء لا يثبت عن النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-من طريق صحيح، بل عده ابن الجوزي –رحمه الله-في الموضوعات، فسأل أهل العلم أو سئل أهل العلم عن قول القائل في دعاء بمعقد العز من عرشك هل يصح أو لا؟
كره ذلك أبو حنيفة، والكراهة مبنية على ما هو المسئول عنه؟ أو ما هو المسئول به المتوسل به؟ هل المتوسل به هو الله، أو المتوسل به صفة تتعلق بالعرش؟
فإن كان المسئول به هو الله، فلا كراهة وهو ما ذهب إليه أبو يوسف، حيث قال: قال أبو يوسف: بمعقد العز من عرشك هو الله، بمعقد أي: مناط العز من العرش هو الله الذي استوى عليه، الرحمن على العرش استوى، فرأى أنه لا بأس بذلك لأن السؤال هنا هو سؤال بمن؟ سؤال بالله.
وأما أبو حنيفة ومن معه فرأوا أن السؤال هنا بصفة تتعلق بالعرش، والعرش مخلوق، فيكون هذا من قبيل التوسل بالمخلوقين في الدعاء.
ولذلك قال: لا ينبغي لأحد أن يدعو إلا به، أي إلا بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله –جل وعلا-وأكره أن يقول: بمعاقد العز من عرشك لماذا؟
لأنه سؤال لمخلوق، أو بحق خلقك لأنه سؤال بمخلوق قال: وهو قول أبي يوسف فيما يتعلق بحق الخلق والسؤال بالمخلوقين.
ولذلك قال أبو يوسف نقل قوله فقال: فلا أكره هذا، وأكره أن يقول: بحق فلان أو بحق الأنبياء.
هذه المسألة الأولى أو هذا النقل الأول الذي يسأل عنه.
النقل الثاني النقل عن القشيري في فضيلة السؤال بأسماء الله تعالى، وهو في قوله: علم الحق سبحانه أنه ليس لك أسامي مرضية، يعني ليس له اسم يرضى في أن يكون محلًا للدعاء والتوسل، إلا أسمائه –جل وعلا-يقول فقال: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف: 180] فليس هناك اسم يدعى الله تعالى به إلا هذا الاسم.
قال: ولئن تكون بأسماء ربك داعيا خير لك من أن تكون بأسماء نفسك مدعية، ثم النقل كله يدور على هذا المعنى، وهو سؤال الله بأسمائه دون أسماء غيره من المخلوقين.
إذًا اتفق الآن النقل الأول والنقل الثاني على أنه لا يسئل الله تعالى، ولا يتوسل إليه بالمخلوقين.
النقل الثالث ما نقله عن العز بن عبد السلام وهو مباشر وواضح أيضًا، حيث قال: لا يجوز التوسل في الدعاء بأحد من الأنبياء والصالحين، إلا برسول الله –صلى الله عليه وسلم-إن صح حديث الأعمى، فقرر المنع من التوسل بالمخلوقين إلا بالنبي –صلى الله عليه وسلم-وأناط ذلك وعلقه على صحة الحديث.
ولذلك قال: إن صح حديث الأعمى، وسيأتي بيانه وتفصيله وإيضاحه في كلام المؤلف –رحمه الله-.
يقول الآن بعد هذه النقولات يبين وجه العيب، لأن مبدأ السؤال قال: ما تقول السادة العلماء فيمن عاب أقوالا نقلها، سرد الأقوال ثم بين وجه العيب أين موطن العيب في هذه الأقوال الذي عاب به العائب؟
قال: وزعم العائب لهذه الأقوال، والطاعن على معانيها أن فيها تنقصًا بعباد الله الصالحين، واستخفافًا بحرمة البيت والمشعر الحرام.
إذًا نسب الطاعن عيبين، التنقص لعباد الله الصالحين والاستخفاف بحرمة البيت الحرام والمشعر الحرام، لأنه يسئل بالبيت الحرام والمشعر الحرام، السائل بعد أن بين العيب ذكر مواطن الإشكال في هذا العيب.
قال: فهل في هذه الأقوال المذكورة تنقص واستخفاف، والحالة هذه أو لا؟ هذا السؤال الأول هل هناك تنقص واستخفاف كما زعم العائب؟
السؤال الثاني: هل يجوز ردها أي رد هذه الأقوال بمجرد رأي الإنسان، وما جرت به عوائد بعض أهل الزمان أو لا؟
السؤال الثالث: هل اشتهر عن الأئمة الأكابر المتبوعين خلاف لهذه الأقوال أو لا؟
السؤال الرابع: هل صح حديث الأعمى الذي أورده الترمذي في جامعه والذي علق عليه العز بن عبد السلام جواز التوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم-؟
السؤال الخامس: هل في صريح لفظه ما يبطل الأقوال المذكورة ويوجب اعتقاد خلافها صريح لفظه يعود إلى حديث الأعمى هل في صريح لفظ حديث الأعمى ما يبطل الأقوال المذكورة ويوجب اعتقاد خلافها؟
السؤال السادس: هل يجوز الحلف بغير الله تعالى وهذه ملحقة وليست في أصل الموضوع، إنما ملحقة تابعة للتسول؟ وإذا لم يجز هل يجوز التحليف والإقسام بغير الله؟
ثم يقول: السؤال السابع: والراد لهذه الأقوال المتقدم ذكرها والطاعات فيها إذا لم يكن عنده دليل شرعي قاطع يدفعه بها هل يرضى عن ذلك ويزجر؟
هذه الأسئلة بوضوح تام، ومن توفيق الله تعالى للعبد أن يوفق إلى حسن السؤال في صيغته ووضوحه وأهميته، والسؤال قد جمع هذه الموصوفات، فالسؤال فيه من حسن العرض ما هو بين، وفيه من وضوح الإشكال ما هو بين، وفيه من أهمية الموضوع ما هو بين، إذ إنه يتعلق بمقصد الوجود، وهو تحقيق التوحيد ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات: 56].
ابتدأ الشيخ –رحمه الله-الجواب، وذكر في الجواب مقدمة مهمة تتناول الجواب عن أول إشكال ذكره، وأول سؤال طرحه وهو هل في هذه الأقوال المذكورة تنقص واستخفاف، والحالة هذه أو لا؟
بين المؤلف –رحمه الله-في الجواب ما يتضح به هل هذا تنقص أو لا؟ هل هذا استخفاف أو لا؟، ثم عطف على هذا بيان معنى محبة الأولياء الصادقة، ومعنى تعظيم شعائر الله، فهو بعد أن قرر ما قرره من أن هذه النصوص لا تتضمن تنقصًا ولا استخفافًا، بين معنى التعظيم لشعائر الله، والمحبة لعباد الله الصالحين حتى ينتفي الالتباس، وينفك الإلباس الذي يحاول جماعة ممن يروج المسالك الرديئة المخالفة لما كان عليه النبي –صلى الله عليه وسلم-بل ما كان عليه الأنبياء بمثل هذه الدعوة، لأن الدعاوى كثيرة الآن كل أحد يمكن أن يحتج بهذه الحجة على صحة فعله، فالذي يعبد غير الله يدعو الملائكة، ويدعو الأنبياء، ويذبح لهم النذور، ويتقرب لهم بأنواع القروبات، يمكن أن يقول: إن منعكم للتقرب إلى هؤلاء بأنواع القروبات هو من التنقص لعباد الله، ومن الاستخفاف بشعائر الله، فهذه حجة يمكن أن يستعملها كل أحد، لترويج ما يدعو إليه.
فبين المؤلف –رحمه الله-كذب هذه الدعوة، ثم بين ما المعنى الصحيح الذي يجب لأولياء الله تعالى من المحبة، وما الذي يجب لشعائر الله تعالى من التعظيم، وأطال في هذا وبسط، لأن هذا هو المرتكز الأساس، والحجة الكبرى التي يستند إليها من يروج الشرك، ويدعو إلى عبادة غير الله تعالى.
فلذلك أخذت نصيبًا وافرًا، وحظًا كبيرًا من التقرير في كلام الشيخ –رحمه الله-في هذه الرسالة وفي غيرها.
نقف على هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.