شرح العقيدة الواسطية

من 1439-02-06 وحتى 1440-12-06
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1561

التاريخ : 2017-12-03 04:13:54


قول المؤلف: "ولا يحرفون الكلم عن مواضعه".

مما وقع فيه المخالفون لأهل السنة والجماعة: تحريف الكلم عن مواضعه، والله -عزَّ وجل- قد عاب في كتابه الحكيم الذين يُحرِّفون الكلم عن مواضعه، فقال -جلَّ وعلا-: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [النساء:46]؛ أي: يصرفون آيات الله -عز وجل- عما دلَّت عليه، فتجدهم يقرؤون كتاب الله -عز وجل- الذي أنزل عليهم، لكنهم لا يأتون بما نزل عليهم في الكتاب، بل يُحرِّفونه إما تحريف لفظٍ وإما تحريف معنى.

من صور التحريف اللفظي والمعنوي:

تحريف اللفظ كما فعلوا في قول الله -عز وجل- لما قيل لهم: ﴿قُولُوا حِطَّةٌ [الأعراف:161]، قالوا: حنطة، فهذا تحريفٌ للكلم عن مواضعه بتغيير اللفظ، وهو تحريف اللفظ.

والنوع الثاني من التحريف الذي وقع فيه أولئك: هو تحريف الكلم عن مواضعه بتغيير معناه الذي أراده الله -عز وجل- إلى معانٍ اخترعوها وافقت أهواءهم، وجروا فيها على ما يحبون ويشتهون، فكانوا بذلك مُحرِّفين للكلم عن مواضعه.

إذًا ﴿الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [النساء:46]، ذكر الله -جل وعلا- ذلك على وجه الذم؛ ولهذا قال: ﴿وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ [النساء:46]؛ أي: أسمع ما يأتي من القرآن أو من كتاب الله عز وجل، لكنه سماعٌ لا استجابة فيه ولا نية فيه للقبول، بل كما قالوا: ﴿وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ [النساء:46]، وقد عاقبهم الله -عز وجل- بعقوباتٍ بسبب هذا؛ كما قال تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [المائدة:13]، ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ [المائدة:13]، أي: الوحي الذي أوحاه الله تعالى إليهم ﴿عَنْ مَوَاضِعِهِ [المائدة:13]، فكان ذلك مُوجبًا للعن، وكان هذا من نتاج قسوة قلوبهم التي حرَّفوا بها الكلم عن مواضعه، وقد قال الله تعالى في خطابه لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ [المائدة:41].

الفرق بين تحريف الكلم عن مواضعه وبين تحريفه من بعد مواضعه:

وقد تنوعت كلمات العلماء - رحمهم الله - في التفريق بين تحريف الكلم عن مواضعه الذي ذمَّه الله تعالى في قوله: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [النساء:46]، وبين قوله -جلَّ وعلا-: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ[المائدة:41]؛ فقال بعض أهل العلم: هذا وذاك معناهما واحد، وهو أنهم يحرفون الوحي الذي أوحاه الله تعالى إليهم، ويصرفونه بأنواع من الصرف اللفظي أو المعنوي عما دلَّ عليه الوحي في كتب الرسل السابقة وما دلَّ عليه الوحي في هذه الشريعة في الكتاب والسنة، وكذلك قال جماعةٌ من أهل العلم بالتسوية بين هذين النصين.

وقال آخرون: بل تحريف الكلم عن مواضعه يختلف عن تحريف الكلم من بعد مواضعه؛ فتحريف الكلم من بعد مواضعه هو تحريفٌ له بعد استبانة معناه، واتضاح مدلوله، واستقرار مفهومه.

أما يحرفون الكلم عن مواضعه فهذا تحريفٌ ابتدائي استقبلوا به النصوص من أول ما جاءتهم، فلم يؤمنوا بها ولم يقبلوا عليها بالقبول، ولم يحسنوا فهمها ولا النظر فيها، بل كانوا على خلاف ذلك يحرفون الكلم عن مواضعه.

والشاهد: أنَّ أهل السنة والجماعة وقاهم الله تعالى هذا الانحراف؛ فهم لا يحرفون الكلم عن مواضعه، لا يحرفون الوحي عما دلَّ عليه، وهذا التحريف هو التحريف الذي ذمَّه الله في الأمم السابقة، ومعناه: صرف معنى الكتاب والسنة عما دلَّا عليه، أو تغيير معنى الكتاب والسنة عما أخبر الله به أو أمر به، وقد سار على هذا المنوال من التحريف جماعاتٌ ممن اتَّبعوا أهواءهم من أهل الأهواء والفرق الضالة، فكل فرقةٍ ضالة عندها من اتباع الهوى وتحريف الكلم عن مواضعه ما لا يسلمون فيه من هذا العيب الذي وصف الله تعالى به أهل الكتاب المُحرِّفين للكلم عن مواضعه.

  

 

وقد ذكر أهل العلم في التحريف نوعين:

·       النوع الأول: تحريف تأويل.

·       والنوع الثاني: تحريف تنزيل.

وكلاهما مذموم.

تحريف التأويل هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر المتبادر إلى معانٍ قد يحتملها اللفظ أو لا يحتملها، المهم أنهم ألغوا المعنى المتبادر الذي دلَّ عليه اللفظ، فالله -عز وجل- يقول في كتابه في سبعة مواضع من القرآن الكريم: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[طه: 5]، وهذا يدل على أنَّ الله -عز وجل- عالٍ على خلقه، وعالٍ على العرش على وجه الخصوص؛ لأن الله خصَّه بهذا، فيأتي من يقول: إن الاستواء ليس هو العلو، إنما الاستواء هو الاستيلاء، ويُحرِّف بذلك الكلم عن مواضعه؛ لأنه لا تعرف العرب استعمال هذه الكلمة في هذا المعنى، لا تعرف العرب استعمال الاستواء بمعنى الاستيلاء، بل كلامُ العربِ ولسانهم المعروف أنَّ الاستواء هو العلو، وهو علوٌّ يليق بذاته -جلَّ في علاه- دلَّ عليه القرآن الحكيم، ودلَّت عليه السنة، وتواطأت عليه كلمات الأئمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن تبعهم بإحسانٍ إلى يومنا هذا.

إذًا تحريف التأويل هو صرف اللفظ عن معنًى متبادر معروف إلى معنًى يحتمله النص أو لا يحتمله النص لأجل إلغاء المعنى الأساس أو المعنى المتبادر، وهذا هو تحريف التأويل، وأصحابه لا يسمونه تحريفًا بل يسمونه تأويلًا، وهم بذلك يموهون باطلهم ويزخرفونه؛ لأنهم لا يستطيعون أن يسموا ذلك تحريفًا؛ إذ إنَّه مذمومٌ في الكتاب والسنة، وإنما يسمونه تأويلًا ليستروا به قبيح منهجهم وخبيث مسلكهم الذي خرجوا به عن دلالة الكتاب والسنة وعطَّلوا به ما جاء في وحي الله عز وجل وفي كلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

إذًا هذا النوع الأول من التحريف: تحريف التأويل، وهو صرف المعنى.. تغيير معنى كلام الله وكلام رسوله عما دلَّ عليه.

كيف حمى الله كتابه وسنة نبيِّه من التحريف؟

أمَّا النوع الثاني من التحريف فهو تحريف التنزيل وذلك بالتبديل والتغيير، بتحريف ألفاظ القرآن والسنة، لكنَّ القرآن حماه الله -عز وجل- عن أن يطاله تغييرٌ أو تبديل، كما قال -جلَّ في علاه-: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[الحجر:9]؛ ولهذا لو أسقط أقوم الناس قراءةً، وأعلاهم منزلةً وحفظًا أسقط شيئًا من القرآن لفتح عليه كل من حفظ القرآن من صغيرٍ أو كبيرٍ أو ذكرٍ أو أنثى؛ ولهذا قرآننا ليس محفوظًا في السطور، بل هو محفوظٌ في الصدور، فلو زال عن الأرض كل مصحف لما زال القرآن في الأمة محفوظًا بما يسره الله تعالى من حفظ الصدور لكلام العزيز الرحمن جلَّ في علاه.

﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]؛ ولذلك تعذَّر عليهم أن يُحرِّفوا الكلم عن مواضعه في القرآن بالتغيير اللفظي، وإن كان قد رغب قومٌ في ذلك، لكنَّ الله حمى كتابه من أباطيلهم وضلالهم، فقد اقترح بعض المنحرفين على بعض الولاة في زمن الفتنة أن يغير ما كان مكتوبًا على سترة الكعبة: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، اقترح عليه أن يغير ذلك بأن يكتب: "ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم"؛ لأجل أن ينفي عن الله وصف السمع  والبصر الذي أثبته القرآن، فردَّ الله ضلالته وحمى الله كتابه من أن يطاله تحريف المُحرفين وتبديل المُبدِّلين.

أمَّا بالنسبة للسنة: فقد ابتُليت الأمة بطوائف من المُحرِّفين الذين كذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فحرَّفوا ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكروا في ذلك الأحاديث برواياتٍ منكرةٍ وشاذة ورواياتٍ واهيةٍ ضعيفة؛ ليقيموا باطلهم وينصروا ضلالتهم، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21].

حمى الله سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قيضه من جهابذة العلماء وفطاحلة المحققين الذين يفتشون عن دقائق أحوال النقلة الذين ينقلون أخباره وكلامه وما جاء عنه؛ ليميزوا بذلك ما صحَّ عنه مما لم يصح عنه، حتى إنَّ المؤمن ليكاد يجزم أنَّ هذا اللفظ صدر من شفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لشدة تحرير أهل العلم وتنقيحهم وتحققهم من المنقول عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكنَّ هذا لم يمنع أن يكون هناك من المُحرِّفين من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو روَّج رواياتٍ مكذوبة أو رواياتٍ مُنكرة ليروج بها باطله، وكل من استدل على بدعةٍ أو ضلالة بحديثٍ أو بآية فإن في الحديث والآية ما يبطل استدلاله وما يبين كذب مقاله، وهذا من أسرار التنزيل: أنَّ الله يقيم في كتابه وفي قول رسوله ما يبطل كل من استدل بكتاب الله أو بسنة رسوله على باطل، وهذا من العجائب: أنَّ القرآن يُبطل كل دعوى باطلة، فلو جاء أحدٌ يستدل بالقرآن على دعوى باطلة سيجد فيما استدل به – النص الذي استدل به - ما يبين كذبه وضلاله ويرد بدعته، وهذا من إعجاز القرآن ومن حفظ سنة سيد الأنام صلوات الله وسلامه عليه أن قيَّض الله في الكتاب والسنة من الدلالات والمعاني ما يُبطل استدلال كل مُبطلٍ على زورٍ أو باطل يزينه أو يزخرفه بذكر كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

موقف أهل السنة من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم:

فأهل السنة والجماعة، وهم الذين كانوا على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد والعمل، وهم الذين ليس لهم إمامٌ يُقتدى ولا لهم قولٌ يُتبع إلا ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، هؤلاء لا يُحرِّفون الكلم عن مواضعه، بل دورهم ومهمتهم هو فهم كلام الله وفهم كلام رسوله، بذل المجهود في إدراك معاني كلام الله وكلام رسوله؛ ليؤمنوا بما تضمنه من المعاني، ويُقروا بما دلَّ عليه من الدلالات، وينقادوا لما فيه من الأحكام والشرائع، هذا هو الإيمان، فالإيمان عملٌ قلبي جماعه القبول للأخبار والانقياد والإذعان للأحكام، هذا هو حقيقة الإيمان.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق