شرح العقيدة الواسطية

من 1439-02-06 وحتى 1440-12-06
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1566

التاريخ : 2017-12-03 04:14:29


 

قوله رحمه الله: "ولا يلحدون في أسماء الله وآياته"، أهل السنة والجماعة حماهم الله ووقاهم من الإلحاد في الأسماء والآيات؛ فقد ذمَّ الله تعالى الإلحاد في آياته وفي أسمائه.

والإلحاد معناه في اللغة: الميل، ومنه سُمي اللحد في القبر لحدًا؛ لأنه يميل إلى جهة القبلة ليُوضع فيه الميت، فسُمي هذا الميل لحدًا لأنه ميل، فالإلحاد في اللغة يدل على الميل، لكنه في استعمال الكتاب والسنة يُذكر في الميل من الحق إلى الباطل، في الانحراف من الهدى إلى الضلال، هذا هو الإلحادُ في الكتاب والسنة، وهو الذي ذمَّه الله عز وجل في القرآن، وجاء ذمه في كلام أهل العلم؛ لأنه ميلٌ عن دلالة الكتاب والسنة، ميلٌ بما دلَّ عليه قول الله -عز وجل- وقول رسوله صلى الله عليه وسلم إلى ما يشتهيه هؤلاء وما يريدونه ويحبونه.

أسماء الله تعالى بالغة في الحسن منتهاه:

وقد ذمَّ الله تعالى هذا المسلك فقال: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180] فأثبت له -جل وعلا- الأسماء الحسنى؛ أي: الأسماء التي بلغت في الحسن منتهاه، فليس فوق حسن أسماء الله حسنٌ، و"حسنى" صيغة تفضيل على وزن فُعْلى مؤنث أفعل، فحُسنى مؤنث أحسن، فالحسنى أي؛ التي بلغت في الفضل والعلو منتهاه، وأسماء الله حسنى من جهتين:

·       من جهة ألفاظها، فهي بالغة في الحسن منتهاه، ليس في أسماء الله اسمٌ قبيحٌ لفظًا.

·       من جهة معانيها، فهي حسنى في معانيها ومدلولاتها؛ لأنها تُعرِّف الخلق بكمالات ربهم جلَّ في علاه.

فالصمد على سبيل المثال من أسمائه جلَّ في علاه، وهو حسنٌ لفظًا كما أنه حسنٌ معنى، أمَّا حسن لفظه فالصمد لفظٌ جميل، اسمٌ حسن، فليس في لفظه ما يقبُح، وأمَّا معناه فمعناه في غاية الحسن؛ إذ الصمد سبحانه وبحمده هو الذي تُنزل الخلائق جميعًا به حاجاتها، فالخلائق جميعًا يُنزلون حاجاتهم بالله عز وجل، وهذا معنى الصمد، وأيُّ حسن أعلى من هذا الحسن في المعنى!

كذا الحي، القيوم، الرحمن، الرحيم، البر، الرؤوف، الملك، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، العظيم، العلي، الأعلى، الأحد، كلها أسماء قد بلغت في الحسن غايته لفظًا ومعنى؛ ولذلك يقول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى[الأعراف:180]، ثم يقول: ﴿فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]؛ أي: فتعبَّدوه بها جلَّ في علاه، تعبدوا له بها بمعرفتها، وإحصائها، وإثباتها، وعقل معانيها، والعمل بآثارها ومقتضاها؛ ولهذا جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ» أخرجه البخاري (2736)، ومسلم (2677) وإحصاؤها ليس بعدِّها لفظًا، بل إحصاؤها بمعرفتها لفظًا وإدراكها معنًى؛ لأن الإحصاء ليس فقط العد والهذُّ لفظًا، إنما إدراك معانيها ومعرفة ما فيها من الدلالات العظيمة المُعرِّفة بالرب جلَّ في علاه سبحانه وبحمده.

أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف:

ثم يقول -جل وعلا- بعد إثبات ذلك، وبيان ما الذي يجب في أسماء الله -عز وجل- وصفاته من الإثبات والتعظيم والإقرار والقبول: ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]؛ أي: اتركوا الذين ينحرفون في أسمائه، فيُحرِّفون أسماءه عن مدلولاتها؛ كأولئك الذين يقولون: هي أسماء أعلام ليس لها معانٍ، فيقولون: الرحمن، الرحيم، الملك، الصمد، الحي، القيوم، هذه أسماء مثل: صالح، وزيد، وبكر، قد يكون "صالح" من أفسد الناس، فهو اسم علم لا علاقة له بالمعنى، وقد يُسمى رجل "كريمًا" وهو أبخل الناس، فهذه أسماء أعلام لا يُنظر فيها إلى المعاني بالنسبة للمخلوقين، لا يُنظر فيها إلى الأسماء، هذا اسمه كذا وكذا وكذا، إذا تأملت في المعنى لا يلزم أن يكون المعنى موجودًا فيمن سُمي بهذه الأسماء، بل هو يُسمى بهذه الأسماء قبل أن يُعرف حاله، وقد يُسمى باسمٍ يُعلم أنه لن يكون ولن يتحقق فيه؛ كأن يُسمى مثلًا "خالدًا" وهو اسمٌ غير مطابق للواقع؛ فليس ثمة خلودٌ لأحدٍ من البشر، وهلم جرا من الأسماء الكثيرة التي لا علاقة للاسم فيها بالمسمى.

أمَّا أسماء الله - سبحانه وبحمده - فإنها تدل على معانٍ؛ ولذلك يقول الله -عز وجل-: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ[الرحمن:78]، عظُمت بركة أسمائه لأنها تُعرِّف به، عظُمت بركة أسمائه لأنها تدعو إلى عبادته وحده لا شريك له، عظُمت بركة أسمائه سبحانه وبحمده لأنها تملأ القلوب محبةً له وتعظيمًا جلَّ في علاه، وإلى غير ذلك من المعاني التي تندرج في بركة أسمائه سبحانه وبحمده.

والمقصود: أنَّ أسماء الله عز وجل تدل على معانٍ؛ فأولئك الذين يقولون: هو عليمٌ بلا علم، سميعٌ بلا سمع، بصيرٌ بلا بصر، رحيمٌ بلا رحمة، هؤلاء من الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ[الأعراف:180]، لماذا؟ لأنهم عطَّلوا معاني الأسماء ولم يثبتوا ما دلَّت عليه، والله إنما تعرَّف لعباده بأسمائه جلَّ وعلا، وصفاته، وأفعاله، فإذا أُلغيت دلالات الأسماء والصفات والأفعال عنه فكيف يعرف الخلق ربهم جل في علاه؟!

ولهذا حذَّر الله من هذا المسلك؛ وهو مسلك الذين يُلحدون في أسمائه سبحانه وبحمده، ويُعطِّلون ما دلَّت عليه من الكمالات والمعاني الجليلة له سبحانه وبحمده.

  

ثم يقول المصنف -رحمه الله-: "ولا يُلحدون في آياته".

الآيات جمع آية، والآيات نوعان:

·       آياتٌ شرعية.

·       وآياتٌ قدرية خلقية.

الآيات الشرعية كالقرآن الكريم، والإلحاد فيه تحريفه عن معناه، تحريفه عما دلَّ عليه.

وأما الآيات الكونية فهو ما خلقه في السماء والأرض، والإلحاد في الآيات الكونية هو الإعراضُ عنها وعدم الاستدلال بها على عظيم قدرته جلَّ في علاه؛ كما قال -سبحانه وبحمده-: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [يوسف:105]، هذا من الإلحاد في آيات الله أن يرىض الإنسان الآيات الدالة على عظيم قدرة الرب وعظيم قدره وجليل ما له من الصفات ثم يُعرض عنها  ولا ينتفع بها، فهذا مما يندرج في الإلحاد في آياته سبحانه وبحمده.

ومن الإلحاد في آياته: أن تُضاف إلى غيره؛ بأن يُضيف الإنسانُ ما يسوقه الله من الأرزاق إلى غير الله عز وجل، فهذا نوعٌ من الإلحاد في آياته؛ كما قال -جلَّ في علاه- في الحديث الإلهي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ»، وذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى بأصحابه فجر يومٍ في الحديبية صلاة الصبح على إثر سماء، يعني على أثر مطر جاءهم في الليل، فلما انفتل من صلاة الفجر التفت إلى أصحابه وقال صلى الله عليه وسلم: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ»[صحيح البخاري(846)، ومسلم(125 - (71))]، وهذا يدل على أن نسبة المطر أو الرزق أو الخير الذي يصلك إلى غير الله هو من الإلحاد في آيات الله؛ ولذلك يقول الله تعالى في كتابه: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ[الواقعة:82]؛ أي: تجعلون شكر ما يتفضل الله تعالى به عليكم من الأرزاق أنكم تُكذِّبون؛ أي: لا تضيفون تلك النعم ولا تلك الأرزاق إلى الله فتشكرونه على ما تفضل به عليكم وما أنعم جل في علاه، بل تضيفونها إلى غيره سبحانه وبحمده، وهذا من الإلحاد في آياته.

براءة أهل السنة والجماعة من الإلحاد بأنواعه:

فأهل السنة والجماعة سالمون من الإلحاد في أسماء الله، سالمون من الإلحاد في آياته، وقد ذمَّ الله تعالى الذين يُلحدون في آياته فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا [فصلت:40]، سواءً كان إلحادًا في الآيات القدرية الخلقية، أو كان إلحادًا في الآيات الشرعية الدينية، فإنهم لا يخفون عليه جلَّ في علاه، وهذا يدل على أنهم مهددون بالعقوبة؛ لأن قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا[فصلت:40] هذا تحذيرٌ لهم، وتنبيهٌ أنَّ الله مُطَّلعٌ على ما يفعلون، وأنه سيجازيهم ويعاقبهم على ما يصنعون من الإلحاد في آيات الله عز وجل؛ ولذلك ينبغي للمؤمن أن يتوقى الإلحاد في شيءٍ من آيات الله أو صفاته وأسمائه؛ فإنَّ ذلك يُوجب الهلاك، وهو نذيرُ سوءٍ وشرٍّ على الإنسان، أهل السنة والجماعة سالمون من هذا وذاك.

من صور الإلحاد في أسماء الله عز وجل:

وقد ذكر أهل العلم في الإلحاد في أسماء الله عز وجل عدة صور:

من الإلحاد في أسماء الله -عز وجل-: تسمية الله بما لا يليق به سبحانه وبحمده؛ كأن يُسمى على سبيل المثال "الآب" كما تقوله النصارى، أو "علة العلل" كما يقوله المتكلمون، فيسمون الله تعالى بأسماءٍ لا تليق بجلاله سبحانه وبحمده.

ومن الإلحاد في أسماء الله عز وجل: أن يُشتق من أسمائه أسماءً لمعبوداتٍ تُعبد من دونه، أو أن تُسمى المعبودات من دونه بأسمائه سبحانه وبحمده؛ كاللات والعزى، فاللات مأخوذة من الإله، والعزى مأخوذة من العزيز، ومناة قيل: مأخوذة من المنان، ونحو ذلك من الأسماء التي صرفوها لغير الله، أو اشتقوا منها شيئًا لآلهتهم التي يعبدونها من دون الله.

ومن الإلحاد في أسماء الله عز وجل: أن يُوصف بما لا يليق به من النقص سبحانه وبحمده، أن يُوصف بالنقائص، فهو المُنزَّه -جل وعلا- عن كل نقصٍ وعيب؛ كقول اليهود: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَة[المائدة:64]، وكقولهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ[آل عمران:181]، فالله مُنزَّه عن هذا، وهذا من الإلحاد في أسمائه وصفاته سبحانه وبحمده.

ومن الإلحاد في أسمائه: ما ذكرته قبل قليل من تعطيل الأسماء عن معانيها؛ فإن تعطيل الأسماء عن معانيها إلحادٌ في أسماء الله؛ كقول المعتزلة: عليمٌ بلا علم، سميعٌ بلا سمع، بصيرٌ بلا بصر، فعطَّلوا أسماء الله -عز وجل- عما دلَّت عليه من المعاني الجليلة المُعرِّفة به سبحانه وبحمده.

من الإلحاد في أسمائه سبحانه وبحمده: أن يعتقد الإنسان أنَّ ما ثبت لله من الصفات مثل ما يثبت للخلق من الصفات؛ أي: أن يُشبِّه الله بخلقه؛ فإن هذا من الإلحاد في أسمائه، والله تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[الشورى:11].

خلاصة مهمة:

فخلاصة ما تقدَّم: أنَّ طريق أهل السنة والجماعة سالمٌ من هذه الانحرافات؛ فهم يؤمنون بأنَّ الله سبحانه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11]، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يُحرِّفون الكلم عن مواضعه، ولا يُلحدون في أسمائه وآياته سبحانه وبحمده، بل يُثبتون ذلك على الوجه الذي يليق به، يُثبتون كل ما أثبته الله ورسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

فيما تقدَّم فيما يتعلق بالنفي والإلحاد والتحريف كلها تتصل ببدعة المُعطِّلة، وقدَّمها المؤلف ذكرًا؛ لأنَّ المُعطِّلة أكثر فسادًا في الأمة، وهم الذين بقوا فيها بخلاف المُمثلة، فإنهم أعظم فسادًا من جهة قبح قولهم، لكنَّ الله قد أزالهم، فلم يبق من الممثلة من يمثل الله بخلقه من طوائف الأمة؛ ولذلك أخَّر الحديث عنهم تحذيرًا من بدعتهم.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق
السيدة ام عبد المجيد نبيلي
لماذا لا توجد اسئلة
2021-02-04