وقول الله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾[المجادلة: 1]، وقوله: ﴿سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾[آل عمران: 181]، وقوله: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾[الزخرف: 80]، وقوله: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾[طه: 46]، وقوله: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾[العلق: 14]، وقوله: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الشعراء: 2018-220]، وقوله: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾[التوبة: 105].
هذه الآيات الكريمات التي فيها إخبار الله –جل وعلا- عن نفسه بسمعِه –جل وعلا- قولَ بعضِ عباده، وبرؤيته –جل وعلا- بعضَ عباده وبعض أعمالهم، دليل على إثبات السمع والبصر والرؤية لله –عز وجل- وهذا مما دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة، وهو مما دل عليه العقل فإن السمع والبصر صفات كمال، وكل كمال في المخلوق لا نقص فيه ولا عيب، فالله تعالى أولى به وأحق فيكون هذا قد دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، ودل عليه العقل والنظر.
السمع والرؤية غير العلم، لكن أحيانا تأتي بمعناه:
وقد ذكر الله –جل وعلا- سمعه وعلمه، فالسمع والرؤية مختلفان عن العلم، إذ أن السمع والرؤية شيء زائد على مجرد العلم، فالعلم يحصل بالسمع ويحصل بالبصر ويحصل بغير ذلك من وسائل إدراك المعلومات، فالله –عز وجل- يسمع ويبصر ويعلم جل في علاه.
ولذلك جاءت الآيات في ذكر السمع مع العلم في مواضع عديدة من كتابه تعالى، من ذلك قوله: ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[فصلت: 36] ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[غافر: 56]وما إلى ذلك من المواضع التي فيها إثبات السمع والعلم له جل في علاه، ولكن ينبغي أن يعلم أن خبر الله تعالى بسمعه أو رؤيته في بعض المواضع يدل على العلم، لكن ذلك من دلالة اللازم ومعلوم أن دلالة اللازم لا تنفي ثبوت الأصل.
ولهذا ينبغي أن يثبت الأصل، فهو إثباته صفة السمع والبصر لله –عز وجل- والرؤية له جل في علاه، وأنه سبحانه يعلم ما يكون من أحوال عباده سمعًا وبصرًا ورؤية جل في علاه، قال الله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾[المجادلة: 1]، فأخبر الله تعالى عن سمع خاص في هذه المجادلة التي كانت بين رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وبين هذه المرأة التي جاءت تشتكي من زوجها وسوء عشرته، وقال تعالى: ﴿سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾[آل عمران: 181]، أخبر الله تعالى عن سمعه لهذه المقولة القبيحة التي قالتها اليهود في حق الله –عز وجل- زعموا أن الله فقير وهو الغني الحميد، وزعموا أنهم أغنياء وهم البخلاء كما قال تعالى: ﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا﴾[المائدة: 64].
غلت أيديهم أي: أصابهم البخل وأصابهم الإمساك الذي يمسكون به عن العطاء والبذل، وأضيف إلى هذا أنهم مطرودون عن رحمة الله –عز وجل-، فإخبار الله تعالى بسماعه لقول هؤلاء دليل على أنه يعاقبهم، وأن ما قالوه لن يذهب سدى.
كما أن دلالته في الآية السابقة ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾[المجادلة: 1]، إن الله سينصفها، وإن الله سيبين مما يشرعه من الأحكام ما يكون مخرجا لها مما نزل بها من البلاء والشر.
فاستمع في الموضعين إثبات لصفة السمع، ولكن لهم من الدلالات والمعاني ما قد يفيده السياق في الإغاثة والإعانة والنصرة، أو المؤاخذة والمعاقبة؛
ففي الأول كان السمع فرجًا وإعانة ونصرة،
وفي الثاني كان عقوبة ومؤاخذة ومجازاة على سيء القول.
وقوله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾[الزخرف: 80]، وليس فقط سماعًا إنما ورسلنا لديهم يكتبون أي يقيدون ما يكون من أعمالهم، وهذا في غاية التوثيق لما يكون من عمل الإنسان، قال الله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾[الطارق: 4] أي يحفظ ما يكون من عملها فيسجلها ويقيده، ويوم القيامة يأتي هذا الكتاب بينًا واضحًا ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾[الإسراء: 14]، وقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾[الإسراء: 13] الطائر هو الكتاب، هو ديوان العمل الذي كان يعمله الإنسان، فإن هذا كتابه لما كان من عمله.
قال الله تعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[الجاثية: 29] فكل هذه الآيات دالة على أن الله –جل وعلا- محيط بما يكون من خلقه سمعًا وبصرًا وعلمًا، وأن ذلك مكتوب موثق.
قال –جل وعلا- في شأن موسى وهارون: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾[طه: 46]، فأثبت سمعه ورؤيته –جل وعلا- لموسى وهارون وما يكون من حال فرعون معهما، وأنه مؤيد لهما عليه، فهي معية نصرة وتأييد، وهذا يدل على عظمة الله –عز وجل- في نصرته لأوليائه وإحاطته بأعدائه، وإظهاره لحسبه على من خالفهم وعاندهم.
فإن إثبات السمع والبصر في هذا المقام غايته وغرضه أن الله تعالى سيحفظهما وسينجيهما وسيجعل العاقبة لهما.
﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾[العلق: 14]، ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الشعراء: 2018-220]، وقال: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾[التوبة: 105] كل هذه الآيات فيها إقرار عن سمع الله ورؤيته، وكما ذكرت دلالات هذه الآيات، من حيث لازم السمع والبصر يختلف باختلاف السياق الذي وردت فيه، فقد يكون تأييدًا، وقد يكون نصرة، وقد يكون تهديدًا ووعيدًا، وقد يكون إذنًا بالعقوبة وحلول العذاب، وقد يكون إثباتا للإحاطة وسعة العلم، وكل هذه الدلالات ثابتة لا تعود على الأصل بالإلغاء بل نثبت لله سمعًا ورؤية وبصرًا، ونثبت دلالات ذلك في سياقه على النحو الذي أفادته ودلت عليه تلك النصوص.