وقوله الله تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾[مريم: 52] ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[الشعراء: 10] وقوله: ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[الأعراف: 22] وقوله: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾[القصص: 62] وقوله: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾[القصص: 65].
صور إثبات صفة الكلام:
هذه الآيات الكريمات كلها تثبت أن الكلام الذي يتصف به جل في علاه حقيقة وليس مجازا كما يدعيه من يدعيه، إذ أن الله تعالى أثبت الكلام بصورتين:
بصورة النداء وهو الكلام بصوت رفيع ولا يطلق في كلام العرب النداء إلا على ما كان صوتًا رفيعًا ولا يمكن أن يقال في هذا أنه مجاز، بل لا يطلق ولا يعرف إلا على الكلام الحقيقي.
وبصورة المناجاة وهي الحديث مُسارَّة.
فالله جل وعلا أثبت لموسى هذين النوعين من الكلام قال جل في علاه: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾[مريم: 52] وهذا الكلام بصوت رفيع مسموع ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ وهذا كلام مخافته ومناجاة ومسارَّة وكلاهما ثابت لموسى عليه السلام، وقد خصه الله –عز وجل- بهذا ولذلك كان من أوصافه عليه السلام أنه كليم الرحمن، وذلك أن اختصاصه بهذه الصفة ميزه الله تعالى به عن سائر النبيين من جهتين؛ من جهة إثبات جميع أوجه الكلام من النداء والنجاء، ومن جهة أن الله –عز وجل- ابتدأ الوحي إليه بالكلام مباشرة دون واسطة بخلاف سائر المرسلين، فإن الله –عز وجل- كلمهم وأوحى إليهم بواسطة وهو جبريل عليه السلام في ابتداء الوحي.
ولهذا أخبر الله تعالى عن اختصاص موسى بالكلام دون سائر النبيين فقال: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾[النساء: 164] تحقيقًا لهذا المعنى وأنه كلمه كلامًا ميزه به عن سائر النبيين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فالمقصود أن هذه الآيات تثبت أن كلام الله –عز وجل- كلام حقيقي، وأنه بصوت مسموع رفيع وخفي وقد جمع الله هذين النوعين لنبي من أنبيائه وهو موسى عليه السلام في قوله جل وعلاه: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾[مريم: 52] وهذا النداء من الصفات الفعلية وهو دليل على أن الكلام الذي يتصف به جل في علاه صفة ذاتية باعتبار أن الله لم يزل ولا يزال متكلما جل في علاه، وهو صفة فعلية باعتبار أفراد الكلام وآحاده وباعتبار أيضا أنواعه، فإن النداء ليس كل كلام الله نداء وليس كل كلام الله نجاء، ولذلك كان نداءه ومناجاته جل وعلا لمن يناديه من عباده من صفات الفعل.