فإن عمر رضي الله تعالى عنه لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهو يصلي الفجر أُغمِي عليه، ثم أفاق رضي الله تعالى عنه وهو في بيته، فراجعه الصحابة في الاستخلاف فاستخلف ستة من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-، وجعل الأمر بينهم وهم الذين تُوفي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض، وهم بقية العشرة المبشرين بالجنة ممن كان حيًّا.

مضى أبو بكر وعمرُ هو المُستَخلَف وأبو عبيدة كان قد مات رضي الله تعالى عنه في الشام، وبقي سبعة هم عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وطلحة بين عبيد الله وسعد بن أبي وقاص والسابع سعيد بن زيد، فلم يُدخل عمرُ سعيدَ بن زيد في الستة لأنه من أقربائه، فأخرجه وجعل الأمر في الستة دون سعيد بن زيد مع أنه من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

فلما صار الأمر إلى الستة نزل ثلاثة، تنازل الزبير لعلي، وتنازل طلحه لعثمان، وتنازل سعد بن أبي وقاص لعبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه يخرج اثنان ويخرج واحد، فسكت عثمان وعلي فقال أخرج وكان خروجه رضي الله تعالى عنه على أن يقوم بتنصيب أحدهما بعد مشاورته أهل الإسلام من صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأمراء الأنصار.

فكان قد أخذ العهد والميثاق عليهما أن يقبلا بما ينتهي إليه بعد مشاورة من يشاور من أهل الإسلام من بقية الصحابة وأهل المدينة وأمراء الأمصار الذين كانوا قد عادوا مع عمر رضي الله تعالى عنه من الحج في هذا العام، فشاور مَن شاور ومضي من ذلك ثلاثة أيام ثم كان ما كان من اجتماعه بعثمان وعلي عند المنبر وكان عثمان أكبر سنًّا من علي رضي الله تعالى عنهما فبدأ به، فأخذ منه العهد والميثاق أن إذا ولاه ليعدلنَّ، وإن ولى عليًّا ليسمعن وليطيعن، فأعطاه العهد ثم توجه إلى علي وقال له نفس المقالة: إن وليتك لتعدلن وإن وليت عثمان لتسمعن ولتطيعن، ثم قال بعد ذلك -بعد أن أخذ العهد عليهما-: إني رأيت الناس لا يعدلون بعثمان؛ يعني: ارتضوا عثمان أن يكون خليفة بعد عمر فبايعه أول من بايعه علي رضي الله تعالى عنه، ثم بايعه عبد الرحمن بن عوف، ثم بايعه سائر الناس في بيعة رضى ووئام والتئام واجتماع، وهي من أكثر البيعات اجتماعًا في الخلفاء الراشدين.

فأبو بكر رضي الله تعالى عنه حصل نوع من التأخر من بعض أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- ثم اجتمعوا عليه رضي الله تعالى عنه، وعمر استخلفه أبو بكر، وعثمان بايعه المهاجرون والأنصار وسائر أهل الإسلام بيعة رضًى واجتماع والتئام واختيار، وأما علي فتفرق الناس رضي الله تعالى عنه فبايعه بعضهم وامتنع عن بيعته كثير ممن لم يبايعه من أهل الشام ووقعت الفتنة بعد ذلك.

فلهذا كانت مقالة أهل السنة والجماعة في الخلاف ظاهرة جلية أن الأحق بالخلافة بعد أبي بكر وعمر عثمان رضي الله تعالى عنه ثم علي رضي الله تعالى عن الجميع، وقد أقر بذلك علي نفسه رضي الله تعالى عنه فكان أول من بايع عثمان بيعة رضًى واختيار لا إكراه ولا رغبة ولا رهبة، بل كانت على الرضى فجمع الله تعالى أهل الإسلام.

أما فيما يتعلق بالمفاضلة، فقد ذكر المؤلف الخلاف في المفاضلة بين عثمان وعلي والذي استقر عليه أهل السنة والجماعة من الصحابة وغيرهم أن ترتيب الخلفاء الراشدين في الفضل كترتيبهم في الخلافة، هذا الذي اجتمعت عليه كلمتهم، رضي الله تعالى عن الجميع. والتفضيل لا يستلزم التنقص:

ولا يستلزم عدم المحبة والموالاة، فنحن نحب جميع أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- وجميع الخلفاء الراشدين، ولكن لهم من المنازل ما ينبغي أن يُعلم وأن يُعرف، كما أن المفاضلة بين النبيين لم تكن سببًا لتنقص من كان مفضولًا فكذلك التفاضل بين غيرهم لا يستلزم تنقص من كان مفضولًا رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

هذا ما يتعلق بعقد أهل السنة والجماعة في أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- سلامة القلوب، سلامة الألسن، الامتناع عن السب والقذف والذم، الإقرار بالفضائل العامة لهم جميعا، والإقرار بالفضائل الخاصة الثابتة لهم رضي الله تعالى عنهم.