قال - رحمه الله -: "ولذلك جاءت الاستعاذة في سورة الناس وسورة الفلق بالأسماء الحسنى الثلاثة: الربُّ والملك والإله؛ فإنه لما قال: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾[الناس:1] كان فيه إثبات أنه خالقهم وفاطرهم، فبقي أن يقال: لَمَّا خلقهم هل كلَّفهم وأمرهم ونهاهم؟ قيل: نعم، فجاء: ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾[الناس:2]، فأثبت الخلق والأمر؛ ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾[الأعراف:54]، فلما قيل ذلك، قيل: فإذا كان ربًّا موجدًا، وملكا مكلفًا، فهل يُحَبُّ ويُرغَب إليه، ويكون التوجه إليه غاية الخلق والأمر؟ قيل: ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾[الناس:3]؛ أي: مألوههم ومحبوبهم، الذي لا يتوجَّه العبد المخلوق المكلّف العابد إلا له، فجاءت الإلهيَّة خاتمة وغاية، وما قبلها كالتوطئة لها".
استدل المؤلف - رحمه الله - بهذه الآيات الثلاث على طريقة القرآن في تقرير توحيد الإلهية، فابتدأ الله - جلَّ وعلا - في الاستعاذة في سورة الناس بذكر ربوبيته، وربوبيته تقتضي خلقه، وتدبيره سبحانه وبحمده، ثمَّ ذكر - جلَّ في علاه - ملكه، والملك يقتضي الأمر والنهي، والله - تعالى - أمر عباده بعبادته وحده لا شريك له، ونهاهم عن الشرك، فقال: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[البقرة:22].
ثمَّ ذكر إلهيته؛ وهي الانجذاب إليه بالمحبة والتعظيم؛ ولهذا جعل الإلهية الخاتمة لما تقدم من المذكورات، فهي نتيجة كمال العلم بربوبيته، ونتيجة كمال العلم بملكه، فإذا كَمُل علمك بذلك نتج عنه انجذاب قلبك له، وعظيم تعظيمك له - جلَّ وعلا -؛ وهذا هو الغاية وما قبلها توطئة؛ ولذلك جعل ما قبل ذكر الإلهية تمهيدًا وتقديمًا للوصول إلى الغاية والمنتهى.