تجريد التوحيد المفيد

من 2017-12-30 وحتى 2020-01-15
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1529

التاريخ : 2018-01-24 06:06:58


قال - رحمه الله -: "وهاتان السورتان أعظم عوذة في القرآن، وجاءت الاستعاذة بهما وقت الحاجة إلى ذلك، وهو حين سحر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخُيِّل إليه أنه يفعل الشيء - صلى الله عليه وسلم - وما فعله، وأقام على ذلك أربعين يومًا، كما في الصحيح، وكانت عقد السِّحر إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله المعوذتين إحدى عشرة آية، فانحلَّت بكلِّ آيةٍ عقدةٍ".

هذا الموضع من كلام المؤلف - رحمه الله - ذكرنا في الدرس السابق أنَّه نوع استطراد؛ حيث ذكر - رحمه الله - الارتباط بين اسم الله - عزَّ وجلَّ - وحصول المقاصد والمطالب، ومما ذكره - رحمه الله - قوله: "وجاءت الاستعاذة بهما وقت الحاجة إلى ذلك"؛ الاستعاذة بهاتين السورتين؛ وهما سورة الفلق، وسورة الناس "جاءت الاستعاذة بهما"؛ أي قراءتهما، والتعوذ بالله - عزَّ وجلَّ - بما  جاء فيهما من الأسماء جاء ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت الحاجة.

وقد تقدم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن هاتين السورتين بأنهما لم يُرَ مثلهما قط؛ وذلك لعظيم ما فيهما من أسباب الوقاية، والسلامة من الشرور والأذى.

  

ثمَّ ذكر بعد ذلك سحر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ يقول - رحمه الله -: "وقد سحر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -"؛ وهذه المسألة جاء الخبر عنها في الصحيح من حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - «أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم - سُحر» أخرجه البخاري (5763)، ومسلم (2189) والسحر الذي أصابه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن متعلقًا بكلِّ شؤونه وما يكون منه؛ ولهذا لم يظهر هذا للصحابة - رضي الله تعالى عنهم -، إنَّما كان في أمر خاص يتعلق بأهله، فكان يخيل إليه أنَّه أتى الشيء ولم يأته، أو أنَّه فعل الشيء ولم يفعل؛ وهذا يدلُّ على أن هذا العارض الذي أصاب النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لم يكن مؤثرًا على تبليغه للرسالة، ولم يكن مؤثرًا على حاله مع الناس - صلوات الله وسلامه عليه -؛ وهذا من الابتلاء الذي ابتلى الله - تعالى - به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهو لا يتنافى مع ما أخبر الله – تعالى - به من عصمة رسوله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة:67]؛ فالعصمة التي أثبتها الله لرسوله هي منعه من أن يناله أعداؤه - صلى الله عليه وسلم - بما يمنعه من تبليغ الرسالة، وإلَّا فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شُجَّ، وكسرت رباعيته، وأذاه خصومه في نفسه، وفي أهله، وفي بدنه، لكن ذلك كله مما رفع الله - تعالى - به درجته، وجعل العاقبة له، ومن ذلك أنَّه سحره لبيد بن الأعصم؛ وهو من المنافقين، وقيل: من اليهود.

  

وعلى كلِّ الأحوال، فذاك السحر لم يكن مؤثرًا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل أخرجه الله - تعالى - من أثره، ونجاه منه بما رقاه به الملائكة الذين دلُّوه على هذه الرقية العظيمة، وهي ما في سورة الفلق والناس من أسباب السلامة من الشرور والآفات؛ لذلك جاء في الصحيحين أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة: «أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «جَاءَنِي رَجُلاَن»؛ أي في المنام «فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوب»؛ يعني أصابه طبٌّ؛ وهو السحر، «قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟»؛ أي: مَن أصابه بذلك؟ «قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ» أخرجه البخاري (6391)، ومسلم (2189) ثمَّ رقياه بسورة الفلق والناس، فكان في ذلك شفاؤه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، فخرج من هذا البلاء المبين.

وقد أخبر المؤلف بأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام على ذلك؛ أي على هذه الحال من السحر نحوًا من أربعين يومًا، يقول: "كما في الصحيح"، وليس في ذلك نص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحديد مدة السحر، وإنَّما جاء في مسند الإمام أحمد أنَّه سحر - صلى الله عليه وسلم -، وكان سحره  مدة ستة أشهر المسند (24347) ، ولكن هذا لا يثبت من حيث الإسناد؛ ولهذا ليس ثمة ما يصار إليه في مدة سحره - صلى الله عليه، وعلى آله وسلم -.

والذي يظهر والله - تعالى - أعلم أنَّها مدة لم تكن طويلة، بل كانت قصيرة؛ ذاك أنَّ هذا الذي أصابه لم يكن قد شعر به أحد، ولم يحكيه عنه - صلى الله عليه وسلم - إلَّا عائشة - رضي الله عنها -، وكانت من أخص الناس به.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق