قال - رحمه الله -: "وبالجملة فالعبادة المذكورة في قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5] هي السُّجود، والتوكُّل، والإنابة، والتَّقوى، والخشية، والتَّوبة، والنذور، والحلف، والتَّسبيح، والتَّكبير، والتَّهليل، والتَّحميد، والاستغفار، وحلق الرأس خضوعًا وتعبُّدًا، والدعاء، كل ذلك محض حق الله - تعالى -".
هذا بيان أن ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5]؛ تشمل كلَّ ما أمر الله –تعالى- به عباده من الطاعات، فكلُّ ما أمر الله – تعالى - عباده به من الطاعات الظاهرة، والباطنة، العملية والقولية، والقلبية لا يجوز أن يصرفها الإنسان لغير الله –عزَّ وجلَّ-، بل يجب أن يفرد الله بها؛ لأنَّ قولك: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5]؛ يعني لا نعبد سواه ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[الفاتحة:5]؛ معناها: أنَّنا لا نعبد غيره، وإذا كنت لا تعبد غيره فسلِّم قلبك من الشرك، سلِّم قولك من الشرك، سلِّم عملك من أن يكون فيه شيء من الشرك.
واعلم أنَّ النجاة والنجاح في السلامة من الشرك، فإنَّه من يحقق الإيمان يدرك السلامة، والأمن، قال الله – تعالى -: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾[الأنعام:82]؛ آمنوا بقلوبهم، وأقوالهم، وأعمالهم، ولم يخلطوا هذا الإيمان بظلم وهو الشرك ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾[الأنعام:82]؛ وقد فسرها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، ففسر الظلم في هذه الآية بأنَّه الشرك؛ لما جاءه الصحابة، قالوا: يا رسول الله، أيُّنا لم يظلم نفسه؟ يعني كلنا نخطئ ونقع في معصية، وهي نوع ظلم للنفس، فقال: «لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]» أخرجه البخاري (6937)، ومسلم (124) فمعنى قوله – جلَّ وعلا -: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾[الأنعام:82]؛ يعني الذين وحَّدوا ولم يخلطوا توحيدهم بشيء من الشرك، لا في قول، ولا في عمل، ولا في قلب، فسلمت قلوبهم من الشرك، وسلمت أقوالهم من تسوية غير الله بالله، وسلمت أعمالهم من أن يكون فيها شيء من الشرك، فهؤلاء الموعودون بهذين الجزاءين المعجلين في الدنيا، ويتمَّان لهم في الآخرة؛ ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾[الأنعام:82]؛ أي: سالمون من الضلالة في قولهم، وعملهم، وعقدهم.