"بأن ينوي رفع ما عليه من الأحداث ثم يقول بسم الله ثم يضرب التراب بيديه مرة واحدة يمسح بهما جميع وجهه وجميع كفيه فإن ضرب مرتين فلا بأس قال تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: 6] وعن جابر أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «أعطيت خمس لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت للناس عامة» متفق عليه".
قوله –رحمه الله-: "بأن ينوي رفع ما عليه من أحداث" هذا بيان لصفة التيمم بعد أن فرغ من ذكر ما يتصل بجواز التيمم في حال العجز، إما للفقد، وإما للضرر عاد إلى ذكر صفة التيمم فقال بأن ينوي رفع ما عليه من أحداث، وهذا أول ما يشرع في التيمم أن ينوي.
وقد تقدم أن النية شرط في جميع الأعمال وفي كل العبادات؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5] والنبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» ولا خلاف بين أهل العلم في أن النية شرط لصحة التيمم فلا يصح تيمم إلا بنية، وما حكي عن الأوزاعي وغيره من أنه يصح بغير نية قول فيه شذوذ وخروج عمَّا عليه عامة أهل العلم، وما دلت عليه الأدلة، فالنية شرط لصحة التيمم.
وذلك بأن ينوي رفع ما عليه من الأحداث، فيشمل الحدث الأصغر، والحدث الأكبر، وقيل بل ينوي استباحة الصلاة، فإنه ينوي أن يصلي لا أن يرفع الحدث، وهذا مبني على ما تقدم قبل قليل من أن التيمم هل هو مبيح أو رافع؟
فمن قال أنه مبيح، قال لا يصح أن ينوي أنه رافع؛ لأنه نوى ما لا يمكن أن يتحقق.
والصحيح أنه إذا نوى الصلاة، أو نوى رفع الحدث، أو نوى استباحة الصلاة، كل ذلك مجزئ. والصواب أن التيمم رافع، وليس مبيحًا، ولكنه رافع رفعًا مؤقتا كما تقدم.
ثم يضرب التراب بيديه مرة واحدة، هذا ثالث ما يشرع في التيمم، أن يضرب بيديه التراب، وما يتيمم به مرة واحدة، كما في حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه أنه قال له النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا» وضرب –صلى الله عليه وسلم- بيده الأرض ضربة واحدة.
فإذا زاد على ضربة واحدة فلا بأس به، وهو خلاف السنة، إذا السنة الاكتفاء بضربة واحدة.
قوله –رحمه الله-: "يمسح بهما" أي بيديه.
"جميع وجهه" يعني كل ما يحصل به المواجهة وهو ما يجب غسله في الوضوء.
"وجميع كفيه" أي وجميع كفيه ظاهرهما وباطنهما، وهذا رابع ما يشرع في التيمم، وهو أن يمسح بيديه جميع وجهه وجميع كفيه، ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم؛ لقول الله تعالى: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: 6] ويجب في المسح التعميم، يعني أن يعمم جميع وجهه، كما يجب تعميمها بالغسل في قوله: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: 6] فالواجب الاستيعاب لقوله فامسحوا بوجوهكم، والباء هنا للاستيعاب.
وقوله –رحمه الله-: "فإن ضرب مرتين فلا بأس" تقدم أنه إذا زاد على ضربة واحدة، بأن ضرب التراب مرتين، فإنه لا حرج في ذلك، ولكن السنة والمشروع في التيمم يحصل بضربة واحدة، فإن تيمم بأكثر من ضربة بأن تيمم بضرتين ضربة لوجهه، وضربة لكفيه، فلا بأس بذلك.
وقد روي هذا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه مرفوعًا أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين» إلا أن هذا الحديث ضعيف فهو موقوف عن ابن عمر لا يصح رفعه إلى النبي –صلى الله عليه وسلم.
وقوله –رحمه الله-: "قال الله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًاُ﴾ [المائدة: 6] " هذا ذكر دليل ما تقدم من مشروعية التيمم على النحو الذي تقدم، فهو دليل لكل ما تقدم من المسائل، وقد استنبط جماعة من أهل العلم من هذا الحديث جملة من المسائل المتعلقة بالتيمم، وتقدم أكثرها.
ومما يذكر في الاستدلال بهذه الآية على مسائل الفقه استدلالهم على اشتراط الترتيب في التيمم بين الوجه واليدين، فيبدأ بوجهه أولا ثم يديه؛ لأن الله تعالى قال: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: 6] فتقدم ذكر الوجه على اليدين.
فدل ذلك على وجوب الترتيب في التيمم بين الوجه واليدين.
والصواب أن الأمر في ذلك واسع، فالترتيب مستحب لا واجب؛ لورود ذلك عن النبي –صلى الله عليه وسلم- بالواو المقتضية للجمع دون مراعاة الترتيب، وفي بعض الروايات ما يقتضي الترتيب فهو على الاستحباب على الصحيح.
قوله –رحمه الله-: وعن جابر أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «أعطيت خمس لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» وهذا هو الشاهد من الحديث
«فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم» أي أبيحت «ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت للناس عامة» متفق عليه"
هذا النص دليل على مشروعية التيمم وأنه يشرع لهذه الأمة وهو مما خص الله تعالى به أمة الإسلام دون سائر الأمم، فالتطهر بالماء مما خص الله تعالى به أمة الإسلام عن سائر الأمم.