النوازل الفقهية المتعلقة بالصيام

من 2023-10-03 وحتى 2037-07-03
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 76

التاريخ : 2024-07-07 05:17:42


في مسألة رؤية الهلال في بلاد الكفر، والمقصود بذلك رؤية الهلال في الأقليات التي في البلدان غير الإسلامية ما هو المعتبر في حال هؤلاء؟ هل المعتبر في حال هؤلاء النظر إلى ثبوت الشهر في أي محل من الدنيا، أم النظر إلى حال أهل مكة، أم النظر إلى حال بلدهم؟

الآن الجاليات الإسلامية في أوروبا وفي الصين وفي الهند وفي أمريكا وفي غير ذلك من البلدان يقع عندهم إشكالية في ثبوت الهلال، وذلك يتضح جليًّا في البلدان التي ليس فيها تجمعات كبرى للمسلمين، الهند عندهم تجمعات، ولهم طريقة في إثبات الهلال ما عندهم مشكلة، لكن البلدان التي الإسلام فيها طارئ، بالأوروبية والأمريكيتين يعني القارة الأمريكية الشمالية والجنوبية، وما أشبه ذلك.

هناك إشكالية في مسألة رؤية الهلال، وفي مسألة ثبوت الشهر، وذلك أن أكثر الناس لا يتراءون الهلال، ثم لو تراءوه يتراءاه بعضهم، وليست هناك جهة تعلن الصيام والفطر في تلك البلدان، فما هو الحال؟

هل هؤلاء الذين في أوروبا وأمريكا من المسلمين يتبعون مكة، أو يتعبون أول بلد إسلامي يعلن الصيام، أم يتبعون أقرب البلاد إليهم، أم أن كل جالية كما هو المعمول به في بعض الأحيان، كل جالية تتبع بلدها فأهل السعودية يصومون مع السعودية، وأهل تركيا يصومون مع تركيا، وأهل باكستان يصومون مع باكستان وهلم جرًّا؟

هذه مسألة يكثر السؤال عنها، وهي مسألة تحتاج إلى إيضاح وبيان، من حيث ثبوت الهلال، العلماء مختلفون هل إذا ثبت الهلال في بلد يثبت في سائر البلدان، أم أنه لكل بلد هلاله، ولكل بلد رؤيته؟

هذه مسألة معروفة في كلام الفقهاء مسألة اختلاف المطالع، القول في مسألة اختلاف المطالع، واختلاف المطالع المقصود به تباعد البلدان بحيث يهل في بلد ولا يهل في بلد آخر، وهذه المسألة للعلماء فيها قولان، وهي مسألة ليست حديثة، مسألة قديمة، مسألة اختلاف المطالع.

فذهب جمهور العلماء إلى عدم اعتبار اختلاف المطالع، وأنه إذا رؤي الهلال في بلد، فإن الحكم يشمل كل المسلمين في كل بلاد الدنيا لقوله –صلى الله عليه وسلم-: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»[صحيح البخاري(1909)، ومسلم(1081)]، وقوله: «لا تَصُومُوا حتَّى تَرَوْهُ، ولا تُفْطِرُوا حتَّى تَرَوْهُ».[صحيح مسلم(1080)]

وذهب الإمام الشافعي –رحمه الله-إلى العمل باختلاف المطالع، واعتبار اختلاف المطالع استنادًا إلى ما جاء من قول ابن عباس رضي الله عنه لكريب مولى أم الفضل ابن العباس حيث إنها بعثته في حاجة إلى الشام فهلَّ عليه الهلال وهو في الشام، ثم جاء إلى المدينة وسأله ابن عباس رضي الله عنه، سأل كريبًا متى رأيتم الهلال؟ فقال: رأيناه يوم الجمعة فصام وصام معاوية وصام الناس، قال: إنما رأيناه ليلة السبت القائل من؟ ابن عباس رضي الله عنه ولا أزال أصوم حتى أراه، أو أكمل العدة فقال له كريب: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا، هكذا السنة، فجعل لكل بلد حكمه، هكذا قال ابن عباس رضي الله عنه، وبه أخذ الإمام الشافعي.

جمهور العلماء لم يأخذوا بهذا الحديث، وقالوا هذا اجتهاد من ابن عباس، والخطاب في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-:(صوموا لرؤيته) له وللأمة كلها، ولهذا إذا ثبت في بلد فإنه يشمل البلدان جميعًا، على هذا القول جئنا لمسألة رؤية الهلال بالنسبة للبلدان الكافرة التي فيها جاليات إسلامية، وليس لها رؤية جامعة أي ليس لها جهة تعلن الرؤية فهؤلاء هل يقال لهم: كل بلد من هذه البلدان لها رؤيتها الخاصة، فتعتبر اختلاف المطالع؟ أم أنه إذا رؤي في بلد إسلامي فأول بلد إسلامي يعلن رؤية الهلال فأنتم تتبعونه.

هذه المسألة فيها إشكالية واضحة، والذي عليه الفتوى من عدة جهات أن هؤلاء لهم رؤية تخصهم، فلا يتبعون بلدانهم الأصلية، ولا يتبعون أول بلد يعلن رؤية الهلال، ولا يتبعون مكة، بل لكل بلد رؤية تخصه، وهذا إذا كان هناك نظام جامع يجمع هؤلاء، أما إذا لم يكن هناك نظام جامع يجمع هؤلاء، ويكونون منطوون تحته، ففي هذه الحال يلزم الإنسان العمل بعمل أكثر الناس، يعني ينظر إلى حال الأكثرية، فإن كان الأكثرون صيامًا صام معهم، وإن كان الأكثرون مفطرين أفطر معهم، وذلك عملا بما جاء في حديث عائشة وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس»[أخرجه الترمذي في سننه(697)، ولفظه: «الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ»: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ»]، فأسند في الصوم والفطر إلى عمل الناس.

حتى في البلدان الإسلامية الآن لا يتوحدون في الصيام، إنما كل بلد له رؤية تخصه، فإذا أعلن الصوم في بلد فإنه يصوم أهله، ولو كان أعلن في منطقة أخرى قبل ذلك أو بعد ذلك، وعلى هذا جرى العمل، فكذلك هؤلاء يُعمل بهذا القول في حقهم، وهو أنه ينظر إلى عمل أكثر الناس في البلد الذي هو فيه، والوصول إلى هذا إما من طريق معرفة المراكز الإسلامية، من طريق معرفة الجهات التي تتولى أو تدير شئون المسلمين، وكونه هناك جاليات لا تصوم هذا لا يؤثر في الإشكالية، أو لا يؤثر في المسألة، إنما المرجع في ذلك إلى عمل أكثر أهل البلد، فإذا كان أكثر المسلمين في بريطانيا يصومون فإنه يصوم معهم، ولو كان هناك من يرى الفطر، وإذا كان  مسلمو هذه البلد يفطرون فإنه يفطر معهم.

الدليل على هذا القول: «الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس»[سبق]، أما إذا اشتبه الأمر وصار كما هو الحال في بعض البلدان، تنقسم الجاليات فمنها الجاليات العربية يصومون على المملكة، والجاليات غير العربية قد يصومون مثلا كما هو الحال مثلا في شمال أوروبا في ألمانيا وغيرها، الجالية التركية جالية كبيرة فتصوم وفق رؤية تركيا أو وفق إعلان الهلال في تركيا، فينقسم الناس إلى قسمين، في هذه الحال الإنسان يسأل أقرب مركز يثق به، ويعمل بما يخبره المركز من صيام أو فطر.

ولو أنه في هذه الحال يعتبر على رؤية الهلال في البلد الذي يعتبر رؤية الأهلة، لكان لهذا القول وجه، ولكان لهذا العمل وجه، ما لم يكن هناك مخالفة لعمل أكثر الناس.

إذًا خلاصة القول في هذه البلدان أن العبرة فيها بعمل أكثر الناس، فإن كان أكثر الناس صوام يصوم، وإن أقل الناس صوام فإنه لا يصوم، بل يمشي مع الأكثرية لحديث أبي هريرة، فإن اضطرب الناس وانقسموا عند ذلك له الخيار، إن شاء أن يصوم، وإن شاء أن يفطر، وإن شاء أن يمشي على رؤية أوثق بلد يثق باعتماد الرؤية فشأنه، وبهذا تبرأ ذمته إن شاء الله تعالى.

هذا ما يتصل بهذه النازلة أو بهذه المسألة التي يكثر السؤال عنها.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق