النوازل الفقهية المتعلقة بالصيام

من 2023-10-03 وحتى 2037-07-03
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 18

التاريخ : 2024-07-07 05:19:24


فيما يتصل بالرؤية هناك ما يتصل بالرؤية عبر المراصد، وهي المسألة سنتناولها في هذا المجلس إن شاء الله تعالى.

أولًا: المراصد الفلكية: هو مصطلح مركب من كلمتين؛ مرصد، وفلكي.

وهذا المركب الإضافي هو ترجمة لكلمة إنجليزية أو كلمة أجنبية كلمة التلسكوب، فالمراصد الفلكية ترجمت بها كلمة التلسكوب المكونة من مقطعين؛ تل-سكوب، يعني هي أيضًا مركبة حتى في اللغة غير العربية.

والمقصود ما نطيل في المقدمة، المقصود بالمراصد الفلكية هي أداة بصرية تساعد في رصد الأهداف يعني المقاصد ورؤيتها، هذه الأدوات استعملها بعض الناس فيما يتعلق بالأهلة، ولا هي في الأصل تستعمل لرصد الحركات الكواكب وسير النجوم والأبحاث الفضائية، وما إلى ذلك، لكن الذي يتصل بهذه القضية فيما يتعلق بالصوم هو استعمالها في رؤية الهلال.

  

الأصل في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»[ صحيح البخاري(1909)، ومسلم(1081)] هو رؤية العين المجردة، لأن النبي –صلى الله عليه وسلم-إنما خاطب الناس بما يعرفون، والذي يعرفه الناس من الرؤية في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم-إنما هو الرؤية بالأبصار، وهذا مقتضى ما جرت عليه الشريعة من التيسير والتسهيل وعدم التكلف، فإن الشريعة شريعة يسر وسهولة، تنأى عن كل مشقة أو تضييق، ومن ذلك فيتصل بتكليف الناس بما يعسر عليه أو ما لا يتيسر له.

فالأصل في الرؤية المطلوبة شرعا هو رؤية العين المجردة «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»، وما يتصل بالرؤية بالعين المجردة إلا أن هذه المراتب لما جدت تكلم عنها العلماء رحمهم الله من حيث جواز الانتفاع بها، والانتفاع منها في مسألة ثبوت الشهر.

  

ومن أوائل من تحدث عن هذه المسألة الفقهية بعض علماء الأزهر أي: بحث بعضهم جواز اعتماد هذه المراصد في رؤية الهلال، وذلك فيما حصل من فتوى الشيخ عطية صقر، وهي فتوى كانت لمرصد أنشئ في مصر طرحت الاستفادة منه في رؤية الهلال عام 1966 ميلاديًا، وكانت الفتوى قد نشرت عام 1997 أي أواخر القرن العشرين الميلادي وأوائل القرن الخامس عشر الهجري.

أيضًا مما صدر في ذلك فتوى لهيئة كبار العلماء في المملكة كانت عام 1403 وأيضًا صدر بعد ذلك فتوى لبعض المجامع الفقهية والهيئات العلمية.

 هذه المراصد لا تبرز شيئًا لا تدركه العين حتى نفهم حقيقة هذه المراصد، غاية ما هنالك أنها تبين وتوضح ما يمكن إدراكه بالعين المجردة، ومنها ما هو في القوة والدقة يظهر ما ليس موجودا، أو ما لا يمكن أن تدركه العين البصرية، لكن فيما يتعلق بالهلال.

الهلال أمر في الأصل تدركه العيون، وليس أمرًا خفيًّا بعيدًا يقترب من الأرض، ففي حال اقترابه تدركه العيون، وفي حال ابتعاده لا يدرك إلا بالمراصد، فالمراصد لا تظهر شيئًا غير موجود بالنسبة للهلال، إنما تظهر الهلال هي تظهر شيئًا لا يمكن إدراكه بالعين المجردة في أجزاء وأجسام وأجرام بعيدة، لكن فيما يتعلق بالهلال، الهلال في مكانه واحد تدركه العين، غاية ما يكون في هذه الأجهزة هو تجربة وإيضاح لهذا الجرم الذي يطلب ويقصد النظر إليه.

ولهذا لا يمكن أن يقال: إن استعمال هذه المراصد هو إظهار لما لا تدركه العين المجردة في الحال الاعتيادية بالنسبة للهلال، وهذا فارق مهم حتى يزول التباس في أن هذه الأهلة موجودة، وعمل المراصد هو إيضاحها وتجربتها، وليس إظهار ما لا تدركه العين عادة وطبيعة.

ولهذا لما كانت هذه هي وظيفة هذه الأجهزة، فإن الفتوى صدرت عن جهات عديدة بجواز استعمال المراصد الفلكية في رؤية الهلال، جواز الاستعانة بالمراصد الفلكية في رؤية الهلال، واعتبارها الجواز والاعتبار يعني إذا رؤي من خلال المرصد، فإنه يثبت به الشهر، ولو لم تراه العين.

 لأنه الأحوال ثلاثة فيما يتعلق بالعين مع المرصد؛ إما أن تتفق العين المجردة مع المرصد في رؤية الهلال، وهنا لا إشكال يثبت؛ لأنه ثبت بالعين والمرصد بين ذلك.

  

الحالة الثانية: أن يرى بالمرصد الفلكي دون أن تراه العين المجردة كما لو كان في الجو قطر، أو كان في الجو غبار أو عدم صحو، ففي هذه الحال أيضًا تثبت بهذه الرؤية الشهر؛ لأنه لا مانع من استعمال هذه الأجهزة في التجربة والإيضاح، وهو لا يخرج عن قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» ، وبهذا صدرت الفتوى عن هيئة كبار العلماء، وكذلك صدرت الفتوى من المجمع الفقهي الإسلامي الدولي بجدة التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

ففي قرار هيئة كبار العلماء جاء ما يلي:- وهذا القرار عام 1403 للهجرة.

إذا رؤي الهلال بالمرصد رؤية حقيقية، بواسطة المنظار تعين العمل بهذه الرؤية ولو لم ير بالعين المجردة، وذلك لقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ[البقرة: 185]، ولعموم قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا تَصُومُوا حتَّى تَرَوْهُ، ولا تُفْطِرُوا حتَّى تَرَوْهُ،  فإن غُمَّ عليكُم فأَكْمِلوا العدَّةَ ثلاثينَ»[ صحيح البخاري(1906)، ومسلم(1080)]، ولقوله: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»[سبق]، هذا الدليل على أنه إذا رؤي بالمنظار ثبت به الشهر، ولو لم ير بالعين المجردة.

نحن قلنا: كم من الأحوال بالنسبة لرؤية العين مع المنظار؟

ثلاثة أحوال؛

الحال الأولى ما هي؟

أن تتفق مع المرصد مع الرؤية.

والحالة الثانية: أن يرى بالمرصد ولا يرى بالعين، وما هو الحكم في هذا يثبت أو لا يثبت؟

يثبت.

  

الحالة الثالثة وهي: أن يرى بالعين المجردة ولا يرى بالمرصد بمعنى أن يأتي من يقول: رأيت الهلال وهذا الهلال الذي أخبر برؤيته لم تسجله أو ترصده المراصد الفلكية، هل يقبل قوله ويثبت بذلك الشهر، أو لا؟

يعني في الحالين السابقين ما في مشكلة، إذا رؤي بالعين المجردة وبالمرصد لا إشكال، إذا رؤي بالمرصد فقط، لا إشكال، إذا رؤي بالعين المجردة ولم يره المرصد، ففي هذه الحال للعلماء قولان؛ وهي في حال الاختلاف بين رؤية البصر مع رؤية المرصد، بأن يأتي من يخبر بأنه رآه ببصره ولم تسجله المراصد فهنا للعلماء قولان؛

ذهب قرار هيئة كبار العلماء الذي ذكرنا تاريخه إلى أنه إذا رؤي بالعين المجردة فيثبت، ولو لم ير بالمرصد، قالوا في قرارهم إذا رؤي الهلال بالعين المجردة، فالعمل بهذه الرؤية وإن لم ير بالمرصد، دليل ذلك قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» و ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ[البقرة: 185]، وما إلى ذلك من الأدلة التي تستدل بها على ثبوت الشهر برؤية الهلال هذا هو القول الأول، وبه قال شيخنا عبد العزيز بن باز –رحمه الله-وهو ضمن أعضاء هيئة كبار العلماء، وله فتوى مستقلة بذلك، وأنه العبرة برؤية العين إذا خالفت المرصد.

والقول الثاني في المسألة، طبعا محل الإشكال فيما إذا كان المرصد في مجال رؤية العين، بمعنى أن الإنسان أخبر فقال: أنا في المدينة ورأيت الهلال، وفي المدينة مرصد ورأيت الهلال والمرصد ما رآه، لكن لما أكون أنا مثلا في الشام والمرصد في باكستان هنا ما في إشكالية؛ لأنه قد يرى في مكان ولا يرى في مكان آخر.

الإشكالية تأتي فيما إذا كان في مكان واحد، يعني إذا كان من أخبر بالرؤية هو في مجال المرصد، في مجال ونطاق رؤية المرصد.

القول الثاني قالوا: لا تعتبر هذه الرؤية إذا جاء من يخبر بأنه رأى الهلال بعينه المجردة، والمرصد لم يره، فهذا لا يخلو من حالين؛ إما متوهم، وإما كذاب، إما وهم وإما كذب، أيهما أهون؟ الوهم، قالوا لماذا؟

قالوا: لأنه إذا كانت الأجهزة بقدرتها الفائقة، وطاقتها المعهودة المجربة المعروفة لم ترصد الهلال، فلا يمكن أن تراه العين الباصرة، لأنها أضعف بكثير، وبه نعلم أن ما رآه ليس بهلال، إنما هو نجم أو شيئًا تخيل أنه هلال وليس بهلال، وعلى هذا تكون المراصد وسيلة من وسائل النفي في حال عدم ثبوت رؤية الهلال من خلال هذه المراصد.

إذًا عندنا الآن القول الثاني، يقولون إذا لم ير بالمرصد، وجاء من يخبر برؤيته بالعين المجردة، فإن قوله مردود، ونقول هذه الشهادة غير معتبرة، لماذا؟ لمخالفتها ما هو أوثق وأدق، طبعا القائلون بالإثبات بماذا يحتجون؟ يحتجون بالأدلة، ويقولون من جملة ما يقولون في استدلالاتهم: إن المثبت مقدم على النافي، والذي يأتي ويقول رأيت الهلال مثبت أو نافي؟ مثبت والمرصد نافي، وبالتالي نقول: المثبت مقدم على النافي، هذا ثاني ما استدل به القائلون على أنه إذا خالفت رؤية العين المراصد، فرؤي بالعين دون المرصد، فإنه تثبت الرؤية.

إذًا عندنا في هذه المسألة كم قول؟

عندنا في هذه المسألة قولان؛ قول جماعة من أهل العلم أنه إذا خالفت الرؤية، فرؤي بالعين دون أن يرى بالمرصد فإنه يثبت الشهر، ويثبت بهذه الرؤية الصوم.

والقول الثاني أنه لا يثبت، وعرفنا حجة القائلين بالإثبات ما حجتهم؟

الأدلة لثبوت الشهر برؤية الهلال، وأيضًا الثاني أن المثبت مقدم على النافي.

أما القائلون بمنع إثبات رؤية الهلال في هذه الحال، وأنه لا يمكن أن يرى بالعين المجردة ولا ترصده المراصد قالوا أنه يستحيل، استدلوا بأن هذه ليست رؤية هذا خطأ أو وهم، ولا يمكن أن تثبت الرؤية بهذه؛ لأن عندنا من الواقع ما يشهد بكذب هذه الرؤية أو خطأ هذه الرؤية، فإن هذه المراصد من القوة والقدرة ما يتحقق به عدم صحة الخبر المثبت.

أيضًا قالوا في استدلال بأن المثبت مقدم على النافي قالوا: هنا ليس المثبت في منزلة النافي، إنما نقول المثبت مقدم على النافي، فيما إذا كان المخبران مستويين في الخبر وقوته، أما إذا كان خبر أحدهما فيه من أسباب عدم القبول ما فيه، فإنه لا يقال في هذه الحال "المثبت مقدم على النافي"، وذلك أنه بالتجربة لا يمكن أن تدرك العيون العادية ما لا تدركه هذه المراصد الفلكية، وهذا القول ذهب إليه طائفة من أهل العلم، وإليه مال شيخنا محمد بن عثيمين –رحمه الله-، وأن هذه المراصد أقوى في الإثبات، وأدق في الإدراك.

ولهذا لا يعطل ما جاء من خبرها لخبر رائي لا نعلم عن قوته، ولا عن إدراكه وأيضًا أن خبره وهم، في هذه الحال لا نقول المثبت مقدم على النافي، مثل ما لو أن أحدًا الآن حضر الدرس وخرج ولقي شخصا وكلنا في درس وهذا الشخص الذي لقيه يمثل به الفقهاء يقول: لو أن أحدا قال إن خطيب الجمعة سقط، ولو لم ينقل ذلك إلا واحد، في حين أن الحضور بالمئات أو بالألوف أخبر واحد بسقوط الخطيب أو بحدث لا يمكن أن ينقله أحد، إذا لم ينقله أو يخبر به إلا واحد، ما نقول هنا المثبت مقدم على النافي، لأن هنا الإثبات والنفي متفاوتين في قوة الخبر.

ولهذا الصحيح في هذه المسألة: من ذهب إلى قول له لا تعتبر الرؤية مثل هذه الحال، لا يقبل خبر من قال أنه رأى الهلال إذا كانت المراصد لم ترصد ذلك، لما ذكرنا من تعليلات، ومن أبرز من ذهب إلى هذا قديما الشيخ محمد بن جبير –رحمه الله-وقد تحفظ على قرار هيئة كبار العلماء الذي أشرنا إليه.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق