النوازل الفقهية المتعلقة بالصيام

من 2023-10-03 وحتى 2037-07-03
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 73

التاريخ : 2024-07-07 05:20:07


الصيام في البلاد التي يطول فيها النهار طولًا خارجًا عن المعتاد، البلدان من حيث تعاقب الليل والنهار تنقسم في الجملة إلى قسمين؛ القسم الأول وهو غالب الأرض، ما يتعاقب فيه ليل ونهار في أربع وعشرين ساعة.

والقسم الثاني ما لا يتعاقب فيه الليل والنهار في هذه المدة، بل يمتد الليل أو يمتد النهار لزمن طويل أطول من أربع وعشرين ساعة، وهذا من حيث تقسيم الأرض في خطوط العرض ما فوق خط ست وستين شمالا وجنوبا لأنه لا يتعاقب فيه الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة، فعندنا فيما يتصل بهذه المسألة قضيتان؛ القضية الأولى قضية البلدان التي يطول فيها الليل والنهار طولا غير معتاد، لكن في خلال الأربع وعشرين ساعة يتعاقب الليل والنهار، كالبلدان التي يكون فيها النهار ثلاث وعشرين ساعة، أو اثنتان وعشرون ساعة، وإحدى وعشرين ساعة، أو عشرون ساعة، فالبلدان التي يكون فيها النهار على هذا النحو في الطول كيف يصوم أهله؟

معلوم أن ابتداء الصوم بطلوع الفجر، وانتهاءه بغروب الشمس، هذا ما دلت عليه النصوص في الكتاب والسنة، وأجمع عليه علماء الأمة يقول الله –جل وعلا-: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ[البقرة: 187]، هذه مدة الصوم بالاتفاق، وقد جاءت به الأحاديث، منها في الصحيحين من حديث عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم-قال: «إِذَا أقْبَلَ اللَّيْلُ مِن هَا هُنَا، وأَدْبَرَ النَّهَارُ مِن هَا هُنَا، وغَرَبَتِ الشَّمْسُ فقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ»[صحيح البخاري(1954)، ومسلم(1100)] ومثله حديث عبد الله بن أبي أوفى في الصحيحين أيضا أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «إذا جَاء اللَّيلَ مِن هاهنا وأدبَر النَّهارُ مِن هاهنا فقد أفطَر الصَّائمُ»[ صحيح البخاري(1955)، ومسلم(1101)]، وهذا يدل على أنه إذا كان ليل ونهار، فإن الصوم والفطر منوط بالليل والنهار، بطلوع الفجر وغروب الشمس، وقلنا: إن هذا محل اتفاق لا خلاف بين العلماء فيه.

هذه المسألة مسألة البلدان التي يطول فيها النهار طولًا غير معتاد، أو طولًا فيه مشقة على الناس إذا صاموا اختلفوا العلماء -رحمهم الله- متى يمسكون متى يفطرون؟ على أربعة أقوال:

  

القول الأول: وهو قول جمهور العلماء أنهم كسائر البلدان التي يتعاقب فيها الليل والنهار، إذا طلع الفجر صاموا، وإذا غربت الشمس أفطروا مهما طال النهار، لأنه يصدق عليهم قول الله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ[البقرة: 187]، والذي قال هذا عليم بأحوال الخلق، وهذا ما أفتى به جماعات من أهل العلم، وهو قول الجمهور صدرت به الفتوى عن المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وبه أفتى شيخنا عبد العزيز بن باز، وشيخنا محمد بن عثيمين، وجماعات من أهل العلم.

وأدلة هؤلاء واضحة الأدلة التي ذكرناها، وهي قوله تعالى: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ[البقرة: 187] أيضًا حديث عمر وحديث عبد الله بن أبي أوفى، هذا هو القول الأول في المسألة، فهؤلاء لا يفرقون بين البلدان التي يكون الليل والنهار فيها متقارب أو متعدل، وبين البلدان التي يطول فيها النهار طولًا بينًا، بحيث يكون فيه مشقة.

  

القول الثاني في المسألة: أن أصحاب تلك البلاد لا يجب عليهم الصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، إنما يجب عليهم أن يقدروا للصيام قدرًا بالساعات، واختلف أصحاب هذا القول على أي شيء يستند هذا التقدير، فمنهم من قال: يقدر بصيام أهل مكة.

إذًا القول الثاني قبل أن ندخل في تفصيل طريقة التقدير، أنهم يقولون لا يصومون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، إنما يقدرون لأن الطول هنا خارج عن المعتاد، والآيات والنصوص جاءت في الحجاز التي يكون فيها الطول معتادًا، وأما إذا كان الطول خارجًا عن المعتاد فإنه لا يخاطبون بذلك، بل يقدرون بالمناطق المعتدلة، ثم في التقدير لهم أقوال.

منهم من قال: إنهم يقدرون بمكة أو المدينة؛ لأنها مواطن التشريع، ومنهم من قال: إنهم يقدرون بأقرب البلدان إليهم اعتدالًا، ومنهم من قال: يقدرون الليل والنهار في حال استوائهما مناصفة معنى هذا كم ساعة يصومون؟

يصومون اثنتي عشرة ساعة هذا القول الثالث في التقدير، نرجع إلى الآن كم مر علينا من القول في أصل المسألة؟

مر علينا قولان؛ قول الجمهور أنه يلزمهم الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس كسائر أهل البلدان.

والقول الثاني: أنهم يقدرون الصيام، وهؤلاء اختلفوا في التقدير، ذكرنا طرائقهم في التقدير.

  

القول الثالث: أنه لا يجب عليهم الصيام إذا وافق رمضان زمن طول النهار، وإنما يجب عليهم أن يقضوا، يجب عليهم القضاء، ولا يجب عليهم صوم، وهذا قال به بعض أهل العلم المعاصرون.

والقول الرابع: أن لهم الفطر وليس عليهم قضاء، الصوم لا يجب عليهم، لا يجب عليهم صوم؛ لأنه ليس في مقدورهم ولا في طاقتهم، والله تعالى كلف الناس بما يطيقون.

هذه الأقوال التي ذكرها العلماء -رحمهم الله- في هذه المسألة، والذين قالوا بعدم وجوب الصيام قالوا: يصيرون إلى الفدية، منهم من قال: إنهم يصيرون إلى الفدية، ومنهم من قال: إنه يجب عليهم القضاء في المناطق المعتدلة.

إذًا عندنا الآن لو أردنا أن نجمل الأقوال نقول الأقوال في هذه المسألة ثلاثة أقوال؛

القول الأول: أنهم كسائر البلدان.

القول الثاني: أنهم يصومون بالتقدير.

القول الثالث: أنهم لا يجب عليهم الصوم، وهذا القول من أهل العلم من يقول: لا يجب عليهم الصوم مطلقًا، ومنهم من يقول بل تجب الفدية، ومنهم من يقول: لا يجب عليهم الصوم في وقت الطول ويجب عليهم القضاء في وقت الاعتدال أو في مناطق الاعتدال.

  

الأقوال في المسألة ثلاثة أقوال، أرجح هذه الأقوال هو القول الأول، وهو أنه يجب عليهم الصيام كسائر البلدان لدلالات الكتاب والسنة، وهذا قول جمهور العلماء، لكن معلوم أن جميع أحكام الشريعة مندرجة في القانون العام الذي ذكره الله –جل وعلا-في كتابه حيث قال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[التغابن: 16]، فإذا كان الصوم بهذه المدة الطويلة يشق على الناس، أو يلحقهم مضرة، فإنه يباح لهم الفطر، لكن من حيث الأصل يجب عليهم الصوم.

فمن شق عليه الصوم لطول الوقت أو تضرره من الطول، فعند ذلك يفطر.

 من حيث التطبيق العملي ما الفرق بين هذا القول وغيره من الأقوال، بين قول من يقول لا يجب عليهم الصوم؟

الفرق أن هذا نقول له في كل يوم تنوي الصيام، فإن شق عليك ووجد العذر تفطر، لكن ما نقول له من الأصل ما عليك صوم، افطر واقض، لك الفطر واقض في أيام أخر، لا، هذا الفرق بين القول الأول وبعض الأقوال في القسم الثالث من الأقوال.

نقول: يجب عليه أن ينوي الصيام، فإذا شق عليه أو تضرر بالصوم، فقد أسقط الله تعالى عنه الوجوب وثبت له البدل، إما القضاء في حال القدرة، وإما الفدية في حال عدم القدرة على القضاء.

إذًا عرفنا الآن هذه المسألة وما فيها من أقوال، وما هو الراجح.

  

الحالة الثانية هي التي يطول فيها النهار طولًا يتجاوز أربع وعشرين ساعة كيف يصوم هؤلاء؟

للعلماء في هذا عدة أقوال:

 القول الأول: أنه يجب عليهم الصوم، وأنهم يقدرون ساعات الصيام دليل ذلك العموم في فرض الصوم، العموم في الآيات والنصوص التي أوجبت الصوم هذا من الأدلة.

من الأدلة أيضًا حديث البراء بن عازب في الصحيح في خبر النبي –صلى الله عليه وسلم-عن الدجال وفيه أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم-أنه يخرج ومدة مكثه في الأرض أربعون يومًا، يومًا كسنة، ويومًا كشهر، ويومًا كأسبوع، وبقية أيامه كسائر الأيام، فقال الصحابة يا رسول الله أرأيت اليوم الذي كسنة أتسعنا فيه صلاة يوم واحد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم-:« لا، اقدروا له قدره» [«صحيح البخاري» حديث رقم (1900). «صحيح مسلم»، حديث (1080)] يعني قدروا أوقات الصلوات ولو لم تظهر علامات الأوقات، لأنه معلوم أنه الأوقات موقتة بعلامات ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ[الإسراء: 78] ، هذه كلها أوقات ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ[الروم: 17-18]، هذه أوقات فإذا غابت هذه الأوقات ما العمل؟ قالوا «اقدروا له قدره» بمعنى أن يقدر وجود هذه العلامات، في حال عدم وجودها.

فإذا كان هذا في الصلاة، فمثله في الصوم، فهذا قول جمهور العلماء رحمهم الله، وبه صدرت الفتوى عن هيئة كبار العلماء في المملكة حيث قالوا: يجب عليهم صيام شهر رمضان، وعليهم أن يقدروا لصيامهم والتقدير بهذا له عدة طرق؛ سنأتي إلى الإشارة إليها بعد قليل، أيضًا ممن قال بهذا القول شيخنا محمد بن عثيمين –رحمه الله-.

والقول الثاني في أصل المسألة أنه لا صوم عليهم، لا يجب عليهم الصوم لغياب العلامات التي فرض الله تعالى الصوم فيها وهو طلوع الفجر إلى مغيب الشمس، ولو صاموا بهذه المدة لهلكوا؛ لأن الشمس تستمر ستة أشهر وهذا لا يمكن أن يتحقق به ما أمر الله تعالى به من الصوم بالآية.

إذًا المسألة فيها قولان في الجملة، وهو وجوب الصوم وهذا قول جماهير العلماء، والقول الثاني: أنه لا يجب وهذا قال به بعض أهل العلم.

القائلون بالتقدير اختلفوا على النحو الذي ذكرناه قبل قليل، منهم من قال: يقدرون بمكة وبالمدينة، ومنهم من قال: يقدرون بأقرب البلدان المعتدلة إليهم، ومنهم من قال: يقدرون بحال استواء الليل والنهار، وأقرب هذه الأقوال أنهم يقدرون بأقرب بلد يتمايز فيه الليل والنهار هذا أقرب الأقوال.

وبهذا تكون قد انتهت هذه المسألة وهي كيفية الصيام في البلاد التي يطول فيها الليل.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق