مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 218

التاريخ : 2024-06-01 23:05:15


قوله –رحمه الله-: (والقادر المراد فيما سبق من أمكنه الركوب ووجد زادا وراحلة) إلى آخره، هذا بيان تفصيل لشرط من شروط الحج وهو الاستطاعة، والاستطاعة شرط لوجوب كل العبادات بلا استثناء لقول الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[التغابن: 16]، ولقوله: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[البقرة: 286]، ولقوله: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا[الطلاق: 7]، فهو شرط في جميع العبادات بلا استثناء، إلا أنه قد نص الله تعالى على هذا الشرط في فريضة الحج خصوصا حيث قال: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[آل عمران: 97]، وكذلك فيما جاء في الصحيح أن النبي –صلى الله عليه وسلم-لما ذكر ما هو الإسلام في جواب السائل قال: «الإسلامُ أن تشهدَ أن لا إله إلا اللهُ وأن محمدًا رسولُ اللهِ، وتقيمَ الصلاةَ، وتؤتي الزكاةَ، وتصومَ رمضانَ، وتحجَّ البيتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إلَيْهِ سَبِيلًا»[صحيح مسلم(8)] وإنما نص على اشتراط الاستطاعة في الحج لما فيه من المشقة والكلفة، فالحج أحد الجهادين كما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم-في قوله في جهاد عائشة «نَرَى الجِهَادَ أفْضَلَ العَمَلِ؟ قال جهادٌ لا قتالَ فيه: الحجُّ والعمرةُ».[مسند أحمد(25322)]

وقد قال عمر رضي الله عنه :«شدوا الرحال إلى الحج فهو أحد الجهادين»[صحيح البخاري(1516)]، ولا خلاف في اشتراط الاستطاعة لوجوب الحج، والاستطاعة في الحج تتعلق بأمرين؛ تتعلق بالبدن، وتتعلق بالمال، والمتفق عليه من هذين بين أهل العلم أن من أوصاف الاستطاعة المشروطة لوجوب الحج القدرة البدنية، بمعنى أنه لا خلاف بين أهل العلم أن من شرط وجوب الحج أن يكون قادرًا ببدنه، فإن كان غير قادر ببدنه، فإنه لا يجب عليه الحج بنفسه.

واختلفوا فيما تتعلق به من جهة المال؛ فذهب جماهير أهل العلم إلى أنه لا بد أن يملك من المال ما يمكنه من الوصول إلى المناسك، والرجوع إلى بلده، بأن يملك زادا وراحلة، ونصوا على الزاد والراحلة؛ فالاستطاعة في قول جماهير أهل العلم هي ملك زاد وراحلة، وهو ما أشار إليه المصنف هنا بقوله: (من أمكنه الركوب ووجد زادا وراحلة).

(أمكنه الركوب) هذا المتعلق بصحة البدن، (ووجد زادًا وراحلة) هذا المتعلق بالمال؛ فالأول من أمكنه الركوب متفق عليه لا خلاف فيه بين أهل العلم، ووجد زادا وراحلة هذا قول جماهير أهل العلم، أنه لا بد في الاستطاعة المشروطة بالحج من ملك زادا وراحلة.

والقول الثاني في الاستطاعة أنها: القدرة على الوصول إلى البيت، وفعل المناسك بلا مشقة زائدة، دون تعيين ذلك بملك زاد وراحلة، أو غيرهما.

وعمدة من ذكر الزاد والراحلة في اشتراط وجوب الحج، ما جاء من آثار عن جماعة من الصحابة عن ابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وعائشة وغيرهم، وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى تضعيف هذه الأحاديث، ورأى بعضهم أن مجموعها صالح للاحتجاج، ويجيب عن هذه الآثار من أنها من باب بيان الاستطاعة بالمثال، وليست حصرا فهي من تفسير الاستطاعة بالمثال، وقيل: إنما ذكر هذا على وجه ذكر بعض أفراد العام؛ فالاستطاعة عامة وذكر الزاد والراحلة ذكر لبعض أفراد العام بحكم لا يخالف العام فلا يكون تخصيصًا.

وقيل: إن ذكر الزاد والراحلة خرج مخرج الغالب، وما خرج مخرج الغالب لا يفرد عمومًا، فيكون هذا التفسير من باب تفسير الاستطاعة بأغلب حالاتها بناء على حال الناس في ذلك اليوم، وأن أكثر الأفقيين يقدمون من بلاد يحتاجون في الوصول إلى البيت الحرام لأداء المناسك، يحتاجون إلى زاد وراحلة.

وأما الذين أطلقوا الاستطاعة بأنها القدرة على الوصول إلى البيت وأداء وفعل المناسك دون مشقة زائدة، ولم يخصوا الوجوب بمن ملك زادًا وراحلة، فأعمل العموم في الآية، وأن الله عندما ذكر الذين يأتون إلى البيت، ذكرهم على أحوال قال: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا[الحج: 27]، يعني يسيرون على أقدامهم ﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ[الحج: 27]، فذكر ذلك يدل على أن تختلف أحوال الجائين إلى البيت، فمنهم من يمشي، ومنهم من يركب؛ فدل ذلك على أنه لا يشترط الزاد والراحلة.

والأقرب في ضابط الاستطاعة، أن يقال: الاستطاعة التي تشترط لوجوب الحج، هو القدرة البدنية والمالية، التي يتمكن بها من الوصول إلى مكة وفعل المناسك، والرجوع إلى بلده دون مشقة زائدة يعني هذا قريب من قول مالك، والمقصود بالقدرة البدنية هي صحة البدن، كما ذكروا أن يتمكن من الركوب، وذكر الركوب لأنه علامة على صحة البدن، لأنه لا يركب ويقدر على ذلك إلا من صح بدنه، فالمقصود بالقدرة على الركوب هي صحة البدن التي يتمكن بها من الوصول إلى مكة وفعل المناسك.

وأما القدرة المالية فقد فصل فيها المؤلف بناء على ما ذهب إليه من تقييد ذلك بملك الزاد والراحلة.

فقال –رحمه الله-: (ووجد زاد وراحلة صالحين لمثله) يعني يركبهما مثله يليقان به معنى صالحين مثله، وذكر مستند هذا القول من حديث أنس، وذكرنا أنه جاء عن أنس وعن ابن عمر وعن ابن عباس وعن عائشة وعن غيرهم تيسير الاستطاعة بالزاد والراحلة، وذكرنا أن الأسانيد فيها ضعف.

قال: (وكذا لو وجد ما يحصل به ذلك)، أي: يحصل به ما يكون به قادرًا على الوصول إلى البيت مما يكون في مقام الزاد والراحلة.

قوله: (وكذا لو وجد ما يحصل به ذلك) يعني المال الذي يتمكن به من ملك زاد وراحلة صالحين لمثله.

فقوله: وكذا لو وجد ما يحصل به ذلك المشار إليه الزاد والراحلة الصالحين لمثله من نقد أو عرض.

قال –رحمه الله-: (بعد قضاء الواجبات من الديون حالَّة أو مؤجلة والزكوات والكفارات والنذور وبعد النفقات الشرعية، وبعد الحوائج الأصلية)، هذا بيان أن من لم يجد زادا وراحلة، ووجد مالا يدرك به زادًا وراحلة، فإنه لا يلزمه إلا بأن يكون ما يملكه من المال الذي يحصِّل به زادًا وراحلة زائدًا عن قضاء الواجبات والنفقات الشرعية والحوائج الأصلية، وذلك أن الاستطاعة لا تكون إلا بعد توافر المال زائدًا عما يجب عليه من الفرائض لحق الله، وما يجب عليه من النفقات ممن يعولهم، وما يزيد على حوائجه الأصلية التي تستقيم بها حاله ويطيب بها معاشه من مسكن ومأكل ومشرب، لأن ما حصله مما يتعلق بهذه الأمور، ولا تستقيم بهذه الأمور إلا بإمساكه فإنه لا يكون بذلك مستطيعًا، ثم بعد ما ذكر من قيد فيما يتعلق بقضاء الواجبات (والديون حالَّة أو مؤجلة وزكوات)، ديون هنا من حقوق الخلق، وفي حق الخالق أن الله أمر بأدائها، (والزكوات والكفارات والنذور، وبعد النفقات الشرعية له ولعياله على الدوام من عقار أو بضاعة أو صناعة).

والمقصود على الدوام فيما جرت به العادة، وليس المقصود به على الدوام أن يملك ما يغنيه إلى أن يموت، لأن هذا لا يكون ولا يُعلم، إنما أن يكون عنده من الوارد المالي ما تحصل به كفايته وكفاية عياله، وليس المقصود أن يملك مالا يغطي حوائجه إلى الموت، لأن هذا لا يُعلم، قد تمتد به الحياة، وقد تقصر، فالمقصود على الدوام يعني في الحال المعتادة، يعني يكون عنده ما يحصل له به الكفاية.

قوله: (وبعض الحوائج الأصلية) ذكر الحوائج الأصلية، وهذه تختلف باختلاف الناس، فقوله: (من كتب) هذا بالنسبة لمن كان يقرأ ويطلب العلم، ويشتغل بما يتعلق بالكتب (ومسكن وخادم ولباس مثله وغطاء) ونحوها.

قال: (ولا يصير مستطيعًا ببذل غيره له) أي: إذا وجد من يتبرع له بالزاد والراحلة أو بما يحصل به زادًا وراحلة؛ فإنه لا يكون بذلك مستطيعًا؛ والعلة في هذا أنه لا يخلو من مِنَّة، والأصل أن يستغني الإنسان عن غيره، ولا فرق في الباذل بين أن يكون قريبًا أو غير قريب، فإن الاستطاعة تتعلق بالإنسان نفسه لا ببذل غيره، وذكروا نظير هذا فيما يتعلق بالصلاة، إذا فقد سترة قالوا: لا يلزمه قبول السترة، فإن العاجز لا يصير مستطيعًا ببذل غيره، هذه قاعدة المذهب، وأصلها هو ما تقدم من أن الأخذ من الغير لا يكون به الإنسان سالما من المنة.

قوله –رحمه الله-: (ويعتبر أمن طريق بلا خفارة يوجد فيه الماء والعلف على المعتاد وسعة وقت يمكن السير فيه على العادة).

هنا ذكر شرطين؛ الشرط الأول: أمن الطريق، وما يتحقق به الأمن في الطريق، من ألا يكون أمنه بخسارة أي بدفع مال لتأمينه، وأن يكون سالكا بحيث يجد فيه ما يحتاج إليه في سفره من ماء وعلف.

والثاني: سعة وقت قال: (وسعة وقت يمكن السير فيه على العادة) أن يكون الوقت متسعًا للقدر الذي يتمكن معه من السير على العادة.

هذا الذي ذكره؛ أمن الطريق، وسعة الوقت، مما يتعلق بالاستطاعة، ولذلك فسرهما وذكرهما في هذا السياق.

قال –رحمه الله-: (وإن أعجزه عن السعي كبر أو مرض لا يرجى برؤه).

هنا بيان لما يتصل بالنوع الثاني من الاستطاعة، وهو الاستطاعة بالبدن دون المال، ذكرنا في الاستطاعة أنها تتعلق بأمرين؛ الأمر الأول: القدرة البدنية، وهذا شرط لوجوب الحج بالاتفاق.

  

النوع الثاني: الاستطاعة ألا يستطيع ببدنه لكن يستطيع بماله، أو بمن يقوم مقامه يستطيع بالنيابة، وهذا ما أشار إليه بقوله: (وإن أعجزه عن السعي كبر أو مرض لا يرجى برؤه أو ثقل لا يقدر معه ركوب، إلا بمشقة شديدة، أو كان نِضوَ الخلقة لا يقدر ثبوتا على راحلة إلا بمشقة غير محتملة، لزمه أن يقيم من يحج ويعتمر عنه فورا من حيث وجبا).

وهذه المسألة وهي القدرة بالنائب وفاء بالمال أو بغيره دون البدن، محل خلاف بين أهل العلم، ما ذكره المؤلف –رحمه الله-أن الحج يلزم من كان قادرا بماله، ولو كان عاجزًا ببدنه، بأن يقيم من يحج عنه بماله أو تبرعا، واستدل لهذا القول من حديث ابن عباس أن امرأة سألت النبي –صلى الله عليه وسلم-: «قالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ علَى عِبَادِهِ في الحَجِّ أدْرَكَتْ أبِي شيخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَوِيَ علَى الرَّاحِلَةِ» وذكره المؤلف –رحمه الله-

استدلوا لما ذكره المؤلف من حديث ابن عباس في قصة الخثعمية حيث قالت: «إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ علَى عِبَادِهِ أدْرَكَتْ أبِي شيخًا كَبِيرًا، لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَوِيَ علَى الرَّاحِلَةِ، فَهلْ يَقْضِي أنْ أحُجَّ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ»[صحيح البخاري(1854)] متفق عليه، وهذا محمول حملوه على الوجوب.

ووجه قولها: إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخًا كبيرًا، والنبي –صلى الله عليه وسلم-أقرها على أن فريضة الحج أدركت أباها مع عجزه عن الحج بنفسه، هذا وجه الاستدلال في الحديث؛ فالنبي أقر المرأة على أن الحج فريضة على أبيها، لما كان قادرا بنائبه، فقال للسائلة عن الحج عن أبيها ببدنه: «نعم»، أي: حجي عن أبيكِ.

وقالوا أيضًا في الاحتجاج: إن الاستطاعة في لسان العرب تكون بالمال، وتكون بالبدن، وتقول للعرب أنا أستطيع أن أبني داري يعني بمالي، وإن لم يكن ذلك من فعله.

والقول الثاني: أن الحج لا يلزم من كان قادرا بماله إذا كان عاجزًا ببدنه، فمناط الاستطاعة القدرة البدنية، فمن كان عاجزا ببدنه، لم يلزمه حج؛ لأنه لا يتحقق فيه وصف الاستطاعة المشترطة لوجوب الحج، فيجب عليه بنفسه، وهذا محل إجماع، وليس ثمة دليل ظاهر في وجوبه عليه بنائبه، فدلالة الحديث قالوا: دلالة الحديث محتملة وليست صريحة، والأصل براءة الذمة.

والأقرب والله تعالى أعلم ما ذكره المؤلف –رحمه الله-هو المذهب، وبه قال الشافعية واختاره صاحب أبي حنيفة.

ثم قال المؤلف –رحمه الله-: (ويجزئ الحج والعمرة عنه، أي: عن المنوب عنه إذًا، وإن عوفي بعد الإحرام)، يعني العبرة بالدخول في النسك وليس بإتمامه.

لذلك قال: (ويجزئ الحج والعمرة عنه عن المنوب عنه إذن، وإن عوفي بعد الإحرام قبل فراغ نائبه من النسك أو بعده لأنه أتى بما أمر به؛ فخرج من العهدة).

قال: (ويسقطان عمن لم يجد نائبًا، ولو كان قادرًا بماله)، بمعنى أنه عنده القدرة المالية، لكن لم يجد من ينوب عنه فهنا يسقط.

  

ثم قال: (ومن لم يحج عن نفسه لم يحج عن غيره).

أي: لا يصح أن يحج عن غيره، من لم يحج عن نفسه، واضح وجه ذلك فيما جاء في حديث ابن عباس في قصة الذي سمعه النبي –صلى الله عليه وسلم-يقول: «لبَّيْكَ عن شُبْرُمةَ، قال: مَن شُبْرُمةُ؟ قال: أخٌ لي، أو: قريبٌ، قال: أحجَجْتَ عن نفسِكَ؟ قال: لا، قال: حُجَّ عن نفسِكَ، ثمَّ حُجَّ عن شُبْرُمةَ»[أخرجه أبو داود في سننه(1811)، وصححه الألباني في المشكاة(2529)]، وهذا محل اتفاق في قول عامة أهل العلم، ذهب بعضهم إلى أنه يصح أن ينوب عن غيره، لكن هو قول ثابت.

قال: (ويصح أن يستنيب قادر وغيرُه في نفل حج، وبعضِه).

(يصح أن يستنيب قادر وغيره) أي: عاجز غير القادر في نفل حج وبعضه، والدليل ما تقدم من النيابة في حال العجز، فإذا صحت الاستنابة في حال العجز في الفرض؛ فإنه يصح في النفل عن القادر وغيره، وفي رواية أنه لا تصح الإنابة من القادر في النفل، وهذا القول أقرب إلى الصواب، لأن النيابة في الحج إنما صحت لورود الدليل بذلك، والدليل جاء في حال معينة، فلا ينتقل إلى غيرها، وهي حال العجز في الفرض، والأصل في العبادات عدم الإنابة.

وقوله –رحمه الله-: (وبعضه) أي: وبعض النفل، وهذا أيضًا غريب يعني بمعنى أنه يستطيع أن يأتي ببعض ما يكون في فرض، ثم ينيب بمعنى لا يستطيع ببعض ما في نفل في حج نفل، وينيب فيما بقي، فعلى هذا يصح في حج النافلة أن يقف بعرفه ثم ينيب غيره ببقية أعمال الحج، إذا كان حج نافلة، وهذا لا دليل عليه، والأصل أن الإنابة لا تكون إلا بدليل.

قال: (والنائب أمين فيما يعطاه ليحج منه ويحسب له نفقة رجوعه، وخادمه إن لم يخدم مثله نفسه) هذا فيما يتعلق بما يأخذه النائب في الحج، فهو أمين، ومعنى الأمانة أن يقبل قوله فيما يتعلق بنفقاته وهذا مبنى على أنه لا تجوز الإجارة على الحج، فلا يجوز أن ينوب عنه بأجرة، إنما يعطى ما يحج به، وهذه مسألة تبحث في كتاب الإجارة فيما يتعلق بالإجارة على القُرَب، أخذ الأجرة على القرب.

  

قال –رحمه الله-: (ويشترط لوجوبه أي الحج والعمرة على المرأة وجود محرمها)، وذكر الدليل لذلك لقوله –صلى الله عليه وسلم-: «لا تسافِرُ امرأةٌ إلَّا مع محرَمٍ ولا يدخلُ عليها رجلٌ إلَّا ومعها محرَمٌ»[ صحيح مسلم(424)]،، ثم ذكر أن الحكم يعم كل امرأة فقال: (ولا فرق بين الشابة والعجوز، وقصير السفر وطويله)، لعموم قوله –صلى الله عليه وسلم-: «لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم»، فيشمل كل امرأة، ويشمل كل سفر.

ويدل له أيضًا أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال لرجل سأله عن أنه اكتتب في غزوة فقال: «انطلق فحج مع امرأتك»[البخاري(1862)، ومسلم(424)] والحديث في الصحيحين.

وعلى هذا فإن لم تجد المرأة محرمًا فإنه لا تجب عليه الحج وهذا المذهب، وبه قال الحنفية.

القول الثاني: أن المَحرَم ليس شرطا لوجوب الحج، فإذا وجدت المرأة رفقة آمنة وجب عليها الحج، وهذا مذهب المالكية والشافعية، والأقرب من هذين القولين هو أن الأصل ألا تحج المرأة إلا مع محرم، ولو حجت مع رفقة آمنة صح حجها، ولم تكن بذلك واقعة في محرم، لكن الإشكال في الوجوب هل يجب أو لا؟ على القول الثاني أن وجود المحرم ليس شرطا لوجوب الحج، فإن وجد للمرأة رفقة آمنة وجب عليها الحج، هذا الفرق بين القولين؛ وجوب الحج على المرأة إذا وجدت رفقة آمنة؛ لأنها بذلك مستطيعة، وأما على القول الأول فإنه لا تكون مستطيعة، ولا يجب عليها ولا يجوز منها، هذا الفرق بين القولين لا يجب ولا يجوز، وهؤلاء يقولون يجب بوجود الرفقة الآمنة، فلو قيل بأنه يجوز لها الحج.

وأما الوجوب فمحل تأمل؛ لأن الرفقة الآمنة قد لا يتحقق بها ما تطمح إليه المرأة من الأمن والإعانة، فالإيجاب مع عدم وجود المحرم مع كون الأصل في سفر المرأة ألا يكون إلا بمحرم محل تأمل ونظر، فإذا حجت المرأة من دون محرم؛ فحجها صحيح ومجزئ، ولا إثم عليها، إذا كان مع رفقة آمنة.

والخلاف هل هو شرط للوجوب أم لا؟

حتى الذين يقولون هو شرط للوجوب يقولون: لو حجت من غير محرم أجزأها، وإن كانوا قد يرتبون على فعلها إثما، فالبحث فيما يتعلق بهل هو من شروط الوجوب أو لا؟

المذهب أنه من شروط وجوب الحج أن يكون معها محرم؛ ثم فصل المؤلف –رحمه الله-في بيان وصف المحرم قال: (وهو زوجها أو من تحرم عليه التأبيد بنسب كأخ مسلم مكلف) أو كأخ من رواه كذلك وهذا واضح، وإنما خص الزوج؛ لأنه ليس ممن تحرم عليه، خص الزوج بالذكر فهو محرم غير مؤبد، محرم ما دام عقد الزواج قائمًا.

قال: (وخرَجَ: مَن تحرُمُ عليه بَسَبَبٍ محرَّمٍ، كأُمِّ المزني بها) إلى آخر ما ذكر لكون أن المذكورات ليس ما يكون من صيغة مبني على سبب مباح، بل على سبب محرم فلا يترتب عليه ما يكون من محرمية.

ثم قال: (ونفقةُ المحرَمِ عَليها، فيُشتَرَطُ لها مِلكُ زادٍ وراحِلَةٍ لهُما) لها وللمحرم، ولا يلزمه مع بذلها ذلك أي المال من زاد وراحلة سفر معها، فهو غير لازم له، إنما هو من الإحسان وكريم الخصال.

قال: (ومن أيست منه) أي أيست من وجود محرم (استنابت) أي: طلبت نائبا.

(وإن حجت بدونه) أي: بدون محرم (حرم وأجزأ)، فالخلاف مثل ما يستخدم فيما يتعلق بكونه شرط أو نحوه، لكن الإجزاء يجزئ وإن كان قد رتبوا عليه إثما لكونه مخالفًا لما أمر النبي –صلى الله عليه وسلم-به المرأة من ألا تسافر إلا مع ذي محرم.

ثم قال: (وإن مات من لزماه) الآن انتهى مما يتعلق بشروط وجوب الحج، وانتقل إلى بحث من توافرت فيه شروط وجوب الحج ولم يحج حتى مات، ما الذي يترتب على هذا؟

  

قال: (وإن ماتَ مَن لزِمَاه أي: الحجُّ والعُمرَةُ أُخرِجَا مِن تَرِكتِه) ، أي من أصل التركة قبل الوصية ولذلك قال: (أوصى به أو لا)، لأنه حق لازم لله عز وجل في المال، (ويحجُّ النائِبُ من حيثُ وجَبَا على الميِّتِ) ، فمن كان نائبا بعد موته أو نائبا عنه في حال عجزه يجب أن يحج من حيث وجب على الميت، أو على من ينوب عنه إذا كان نائبا عن عاجز في الحياة كما تقدم.

وذلك أن قطع المسافة إلى البيت كان لازما على المنوب عنه ميتا أو عاجزًا، فكان مما يوجب الحج من الموضع الذي لزمه فيه الحج.

ولذلك قال: (لأن القضاء يكون بصفة الأداء)، واستدلوا لذلك بحديث ابن عباس أن امرأة قالت: يا رسول الله «إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حتَّى ماتَتْ؛ أفَأَحُجُّ عَنْها؟ قالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْها؛ أرَأَيْتِ لو كانَ علَى أُمِّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ؛ فاللَّهُ أحَقُّ بالوَفاءِ»[صحيح البخاري(6699)، ومسلم(1148)] فلما كان قضاء لزم أن يكون سندا.

والذي يظهر والله تعالى أعلم أن جواب النبي –صلى الله عليه وسلم-في قوله: «نعم، حجي عنها» فيما يتعلق بأصل ما لزمها، وليس بوصفه من جهة الطريق لأن هذا وسيلة، وليس مقصودًا في ذاته.

ولهذا القول الثاني أن النائب يحج عن المنوب ميتًا أو عاجزًا من حيث شاء، فلو أنيب عن الميت أو عن العاجز من هو في مكة فإنه تصح النيابة، ولا يلزم أن يكون من بلد أو مكان المنوب عنه.

  

قال –رحمه الله-: (ويَسقُطُ بحجِّ أجنبيٍّ عنه، لا عَن حيٍّ بلا إذنِه.).

(يسقط بحج أجنبي عنه) إذا تبرع فحج عنه، (لا عن حي بلا إذنه) لأنه يشترط فيه النية، فإذا لم يعلم، ولأن فيه منة أيضًا، فلا يصح عن الحي العاجز إلا بإذنه.

قال: (وإن ضَاقَ مالُه، حُجَّ به مِن حَيثُ بَلَغَ) أي: من حيث تمكن من النيابة إن ضاق ماله كان المال الذي تركه إن كان ميتا لا يفي بالحج من حيث مات، بل يقصر فهنا يلزمه من حيث المال يفي به المال.

قال: (وإن ماتَ في الطريقِ، حُجَّ عنه مِن حيثُ مَاتَ)، وهذا مبني على ما تقدم، والصواب في هذه المسائل كلها أن قطعا مسافة ليس مما يقضى عن الميت، وليس مما يدخل في النيابة عن العاجز.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق