مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 82

التاريخ : 2024-06-02 05:12:39


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

يقول المصنف –رحمه الله-: (باب المواقيت)، أي الباب المتعلق بالأحكام المتصلة بالمواقيت، وبدأ المؤلف –رحمه الله-فيما يتعلق بتفاصيل أحكام الحج والعمرة بالمواقيت؛ لأنه يتعلق بها موضع الدخول في النسك، وأيضًا زمان الدخول في النسك في الحج والعمرة؛ فالحج له ميقات مكاني، وميقات زماني، وأما العمرة فلها ميقات مكاني، فيما سيأتي بيانه وتفصيله.

والمؤلف –رحمه الله-عرف المواقيت فقال: (الميقات لغة: الحد، واصطلاحا: موضع العبادة وزمنها)، هذا تعريف الميقات، وهو مفرد المواقيت؛ فالمواقيت لغة: جمع ميقات كميعاد ومواعيد، ولذلك عرف الميقات ويقال: تخصيص وتوقيت.

والميقات كما عرفه المؤلف قال: هو (الحد)، ومنه قول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ[البقرة: 189]، والمعنى أن الأهلَّة حد لإهلال الديون أي حلولها، وأوقات الحج والعبادات، فالمواقيت في الحج والعمرة حد لئلا يتعادها من أتى عليها مريدًا الحج أو العمرة، إلا محرمًا.

وأصل التوقيت: أن يجعل للشيء وقتا يختص به، ثم اتسع في الاستعمال؛ فأطلق على المكان وعلى مقدار المدة، وقد استعير الوقت للمكان، ومنه مواقيت الحج لمواضع الإحرام.

  

مواقيت الحج نوعان كما تقدم؛ زماني، ومكاني؛ فأما الزماني فأشهُر الحج، وسيأتي بيانها وتفصيلها، وأما المكاني فقد أجمع العلماء على أربعة مواقيت لأهل الآفاق؛ وهي: ذو الحليفة، والجحفة، وقرن، ويلملم، وقد اتفق أئمة النقل على صحة الحديث عن وصف النبي –صلى الله عليه وسلم-في هذه المواقيت، فمن ذلك حديث ابن عباس قال: «إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقَّتَ لأهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، ولِأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ، ولِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، ولِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لهنَّ، ولِمَن أتَى عليهنَّ مِن غيرِهِنَّ مِمَّنْ أرَادَ الحَجَّ والعُمْرَةَ، ومَن كانَ دُونَ ذلكَ، فَمِنْ حَيْثُ أنْشَأَ حتَّى أهْلُ مَكَّةَ مِن مَكَّةَ»[صحيح البخاري(1524)ومسلم(1181)]، وجاء مثله في حديث ابن عمر رضي الله عنه إلا أنه لم يذكر يلملم، حيث قال: «وذكر لي ولم أسمع أنه قال أهل اليمن من يلملم».[صحيح البخاري(1525)، ومسلم(1182)]

فأما الميقات الخامس وهو ذات عرق؛ فذاك ميقات في أهل العلم، وسيأتي تفصيله لما جاء في مسلم من حديث ابن عباس، ولأهل العراق ذات عرق.

قوله –رحمه الله-: (وميقات أهل المدينة) هذا شروع في تفاصيل المواقيت التي أجملناها قبل قليل، وهي التي تضمنها حديث ابن عباس وحديث ابن عمر.

قال: (ذو الحليفة) هذا أول المواقيت المكانية، وهو ميقات أهل المدينة، والحليفة ضبطها المؤلف بقوله: (بضمِّ الحاءِ وفتحِ الَّلامِ) كأنها تصغير حلفة، وحليفة هي، واحدة الحلفاء وهي خشب ينبت في الماء (بينَها وبينَ المدينَةِ سِتَّةُ أميالٍ أو سَبعَةٌ) ، وقيل أكثر من ذلك (بينَها وبينَ مكَّةَ عَشَرَةُ أيَّامٍ).

فذو الحليفة أبعد المواقيت عن مكة، والحكمة في البعد، قيل: لعظم أجور أهل المدينة، وأيضًا للرفق بسائر الآفاق؛ ولأنها مدينة أقرب الجهات وأهل الآفاق إلى مكة، وقد قال فيها المؤلف –رحمه الله-:( بينَها وبينَ مكَّةَ عَشَرَةُ أيَّامٍ).التي ذكرناها عشرة مراحل، المرحلة في يوم.

قال: (وميقات أهل الشام ومصر والمغرب: الجُحفة) هذا ثاني المواقيت المكانية، وهو ميقات أهل الشام ومصر والمغرب، والجحفة بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، هي موضع بين مكة والمدينة.

الجحفة تلي ذا الحليفة في البعد عن مكة، فبينها وبين مكة ثلاث مراحل يعني ثلاثة أيام، وقيل: خمس مراحل أو ست، والمرحلة ما يقطعه المسافر في يوم كما تقدم، واختلف في التحديد الدقيق في موضع الجحفة أو بعد الجحفة لأنها خربت في الزمن السابق.

وأما تسميتها بالجحفة، فقيل: إنه بسبب سيل أجحف بأهلها إلى الجبل الذي في تلك الجهة، وتسمى مهيعة، وهي التي دعا النبي –صلى الله عليه وسلم-بنقل حمى المدينة إليها، وكانت دار كفر لما دعا النبي –صلى الله عليه وسلم-بنقل حمى المدينة إليها.

وقد ذكرت قد خربت في زمن مضى، ولهذا انتقل الناس إلى الإحرام من رادا وهي قريبة من الجحفة، واليوم فيها مسجد يصلى فيه، وفيها بعض الحياة.

وقوله –رحمه الله-: (وميقات أهل اليمن يلَملَم) هذا ثالث المواقيت المكانية، ويلملم يطلق عليها هذا الاسم، وقيل هي ألملم بالهمز، وجاء في بعض الأقوال أنها يرمرم وهو جبل بتهامة، بينه وبين مكة مرحلتان، يعني مسيرة يومين.

ولذلك قال: (بينَه وبينَ مكَّةَ ليلَتَانِ) يعني الليلة بيومها.

قوله –رحمه الله-: (وميقات أهل نجد والطائف قرن، بسكون الراء، ويقال: قرن المنازل، وقرن الثعالب على يوم وليلة من مكة)، يعني مرحلة هذا رابع المواقيت المكانية، وهو ميقات أهل نجد والطائف، ومن تلك النواحي والجهات.

وقوله –رحمه الله-: (وميقات أهل المشرق أي: العراق وخراسان ونحوها ذات عرق، منزل معروف يسمى بذلك؛ لأن فيه عرقا وهو الجبل الصغير) هذه خامس المواقيت المكانية، وذات عرق سميت في زمن مضى بالضريبة لأن هذا العرق الصغير في هذا الوادي، (وبينَه وبينَ مكَّةَ نحوُ مَرحَلَتَين).

وقد اختلف العلماء في ذات عرق هل هو بتوقيت النبي –صلى الله عليه وسلم-أم باجتهاد على قولين؛ فقد جاء في الصحيح عن جابر أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «ومُهَلُّ أَهلِ العراقِ من ذاتِ عرقٍ»[صحيح المسلم(1183)] وجاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها في السنن:« أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-وقَّتَ لأهل العراق ذات عرق».[سنن أبي داود(1739)، وصححه الألباني في الإرواء(999)]

وروي أن الذي وقَّتها عمر لما في الصحيح أن أهل العراق أتوا عمر لما فتح هاذان المصران وقالوا له: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا»، وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا، قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ، فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ»[صحيح البخاري(1531)] والصواب والله أعلم أن قرن المنازل بتوقيت النبي –صلى الله عليه وسلم-وما كان من عمر رضي الله عنه كان موافقا، فإنه لما حد لهم ذلك كان باجتهاد منه وافق فيه النبي –صلى الله عليه وسلم-.

وقيل: إن أهل المشرق يحرمون من العقيق، والعقيق قبل ذات عرق، وقيل: بل هو وادي يمتد إلى ذات عرق؛ فإذا كان كذلك فلا خلاف، فتكون الأحاديث التي فيها أن النبي –صلى الله عليه وسلم-وقت لأهل المشرق العقيق استعمال لاسم آخر لنفس الموضع، وهذا أقرب الصواب والله تعالى أعلم، لتتفق الروايات.

على أن بعض أهل العلم قالوا: العقيق غير ذات عرق؛ فهو أبعد من ذات عرق، ولذلك قال ابن عبد البر: العقيق أولى وأحوط من ذات عرق، والأقرب والله تعالى أعلم هو ما ذكرت من أن العقيق اسم لوادي يمتد إلى ذات عرق، فما جاء في الأحاديث أنه وقت لأهل نجد ذات عرق محمول على أنه ذكر لموضع نفسه باسم آخر.

  

ثم قال –رحمه الله-: (وهي أي هذه المواقيت لأهلها المذكورين ولمن مر عليها من غيرهم أي من غير أهلها)، أي إنه من مر بهذه المواقيت فإنه يحرم من الميقات الذي يمر به؛ فإذا مر مثلا أحد من أهل نجد بميقات أهل المدينة؛ فإنه يحرم منه؛ لأنه صار ميقات له، ولا يكلف أن يذهب إلى ميقات أهل نجد.

والدليل الحديث: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة»، هذا هو القسم الأول من أقسام الناس فيما يتعلق بالمواقيت.

القسم الأول من يمر بميقات وهذه هي المواقيت الخمسة التي تقدم بيانها.

القسم الثاني من الناس من حيث المواقيت مَن دون هذه المواقيت، وأشار إليه المؤلف بقوله: (ومَن مَنزِلُه دُونَ هذه المواقيتِ، يُحرِمُ منه لحجٍّ وعُمرَةٍ)؛ فمن كان منزله دون المواقيت فإنه يحرم من منزله للحج والعمرة، لما جاء في الحديث، « فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ، فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ ».[صحيح البخاري(1526)]

والقسم الثالث من أقسام الناس بالنسبة للمواقيت من كان في مكة، وهم أهل مكة وأشار إليه بقوله: (ومَن حجَّ مِن أهلِ مكَّةَ، فـإنَّه يُحرِمُ مِنها).

ثم ساق المؤلف –رحمه الله-دليل ما تقدم وهو متضمن لهذه الأقسام الثلاثة، من كان يمر بميقات، ومن كان منزله دون الميقات، ومن كان من أهل مكة لحديث ابن عباس «إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقَّتَ لأهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، ولِأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ، ولِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، ولِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لهنَّ، ولِمَن أتَى عليهنَّ مِن غيرِهِنَّ مِمَّنْ أرَادَ الحَجَّ والعُمْرَةَ» هذا القسم الأول «ومَن كانَ دُونَ ذلكَ، فَمِنْ حَيْثُ أنْشَأَ حتَّى أهْلُ مَكَّةَ مِن مَكَّةَ»[سبق] هذا بيان لدليل هذه الأقسام، ومواضع إحرامهم.

وظاهر أن الحديث لم يذكر ذات عرق، وقد تقدم بيان ما يتعلق بذات عرق من أنها بتوقيت النبي –صلى الله عليه وسلم-واجتهاد عمر.

قال: (ومن لم يمر بميقات) هذا القسم الرابع من أقسام الناس فيما يتعلق بالمواقيت، وهو من وراء المواقيت لكن ليس في طريقه ميقات، فهذا قال فيه المؤلف: (أَحرَمَ إذا عَلِمَ أَنه حاذَى أَقرَبَها مِنه) لقول عمر: «انظروا حذوها من طريقكم»، وذلك في قوله لأهل العراق لما سألوه قالوا: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا»، وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا، قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ، فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ»، ولا يخلو الجائي من وراء المواقيت، وليس في طريقه ميقات أن يكون قريبا من أحد هذه المواقيت، فيحرم بمحاذاة الأقرب والمراد بالمحاذاة التي قال فيها عمر -رضي الله تعالى عنه-:« انظروا إلى حذوها من طريقكم» المقصود في بعدها عن الحرم، فإن كان الميقات الأقرب له يبعد عن الحرم بمرحلتين؛ فالحذو هو أن يحرم قبل الوصول إلى مكة بمرحلتين.

ولهذا قال المؤلف: (ويُسنُّ أَن يحتَاطَ) يعني إذا اشتبه عليه الأمر؛ (فإن لم يُحاذِ مِيقَاتًا) وهذا يصدق على الذين يأتون من جهة البحر فهم لا يحاذون ميقاتا.

قال: (أَحرَمَ عن مكَّةَ بمرحَلَتَين) هذا يؤيد أن المراد بالمحاذاة المسافة في البعد عن مكة، والاحتياط الذي أشار إليه المؤلف –رحمه الله-أن يجعل المعدوم كالموجود والموهوم كالمحقق، فيحرم من الطرف الأبعد، هذا مقصودهم بالاحتياط.

  

ثم قال المؤلف –رحمه الله-:(وعمرته) الضمير يعود لمن كان بمكة؛ لأن من كان بمكة يختلف عن غيره فيما يتعلق بالعمرة، ففي الحج يحرم من مكة، وأما في العمرة فقال: (وعمرته، أي:  عمرة من كان من مكة يحرم لها من الحل)، أي: يحرم لها من خارج حدود الحرم، والدليل (لأنَّ النبيَّ ﷺ أمَرَ عبد الرحمن بن أبي بكر أَن يُعمِرَ عائِشَةَ مِن التَّنعيمِ)[صحيح البخاري(319)، ومسلم(1211)] وهذا قول عامة أهل العلم حتى قال ابن قدامة: لا نعلم في هذا خلافا، ولعله لم يعتبر خلاف الظاهرية؛ لأن الظاهرية يرون أنه يحرم من مكة حتى في العمرة، لعموم «حتى أهل مكة يحرمون من مكة»[سبق] أو يحرمون منها الحديث المتقدم حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه، فإنه لما عد المواقيت قال: وكذلك أهل مكة يهلون منها ولم يميز بين الحج والعمرة.

وظني أنه ترجيح البخاري فيما يظهر والله أعلم.

  

 بعد ذلك قال المصنف –رحمه الله-: (ولا يَحِلُّ لحرٍّ مُكلَّفٍ مُسلمٍ، أَرادَ مكَّةَ أَو النسك، تَجاوُزُ الميقاتِ بلا إحرامٍ).

هذا بيان ما الذي يلزم من مر بميقات من هذه المواقيت.

فقال –رحمه الله-: (ولا يحل لحر مكلف مسلم) إلى آخره هذا بيان ما الذي يلزم من أراد مكة أو النسك حجا أو عمرة إذا مر بميقات من المواقيت.

فيقول: (لا يحل) أي: يحرم والدليل هو ما تقدم أن النبي –صلى الله عليه وسلم-وقَّت هذه المواقيت لأهل هذه الجهات، ومقتضى التوقيت يدل على أنه لا يحل لمن أراد أن يتجاوز هذه الأماكن وهذه المواضع بغير إحرام، ولم ينقل عنه ولا عن أحد من أصحابه أنهم تجاوزوا هذه المواضع بغير إحرام، فدل ذلك على لزوم الإحرام منها لمن أتى النسك، وهذا واضح في حديث ابن عمر حيث قال: «ممن أراد الحج والعمرة».[سبق]

أما من أراد مكة بلا نسك؛ فالمذهب أنه يلزمه الإحرام من الميقات، إلا ما استثني، ودليلهم حديث ابن عباس أن النبي وقت لأهل مكة، لكن الجواب على هذا أن يقال: إن النبي –صلى الله عليه وسلم-إنما وقت وقيد هذا التوقيت بهذا القيد، وهو من أراد الحج والعمرة، وهذا يقيِّد الإطلاق الذي ذكروه في أن كل من جاء إلى مكة وجب عليه أن يحرم، واستثنوا من له حاجة متكررة كالحشاش والحطاب ومن يقدم لتجارة ونحو ذلك.

ثم قال –رحمه الله-: (إلَّا لقتَالٍ مُباحٍ، أَو خَوفٍ، أو حاجَةٍ تتكرَّرُ، كحَطَّابٍ، ونحوِه) تقدم هذا.

قال: (فإن تجاوَزَه لغيرِ ذلك: لزِمَهُ أن يَرجِعَ ليُحرِمَ منه) ، تجاوز الميقات لغير ذلك، لغير ما استثني (لزِمَهُ أن يَرجِعَ ليُحرِمَ منه، إن لم يخَف فَوتَ حجٍّ، أو على نَفسِه، وإن أحرَمَ من مَوضِعِه، فعليه دَمٌ) ، وإيجاب الدم بناء على أنه ترك ما يجب استنادا لما جاء عن ابن عباس:« مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا فَلْيُهْرِقْ دَمًا ».[أخرجه مالك في الموطأ، ومن طريقه البيهقي في سننه(1733)]

قال:( وإن تجاوَزَه غَيرَ مُكلَّفٍ، ثم كُلِّفَ: أَحرَم مِن مَوضِعِه)، لأن غير المكلف لا يلزمه، فإذا كلف لزمه ما لزم المكلف من ألا يتجاوز هذه المواقيت إلا لإحرام، ذلك لأن الإحرام على الداخل إنما أوجبوه على من كان من أهل وجوب الحج، فأما العبد والصبي والمجنون ونحوهم فيجوز لهم الدخول بغير إحرام، لأنه لا يجب عليهم حج ولا عمرة.

بعد ذلك قال: (وكُرِهَ: إحرامٌ قبلَ مِيقَاتٍ، وبحَجٍّ قبلَ أشهُرِه، ويَنعَقِدُ)، هذا بيان لحكم الإحرام قبل ميقاته الزماني، الآن أشار إلى حكم الإحرام قبل الميقات، ذكر الزمان تبعا.

  

قال: (وكُرِهَ: إحرامٌ قبلَ مِيقَاتٍ) أي: الميقات المكاني، (وبحَجٍّ قبلَ أشهُرِه) أي قبل الزماني، (ويَنعَقِدُ) أي مع الكراهة، وذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم-إنما أوجب الإحرام من هذه المواقيت؛ فإذا تقدم عليها تحقق أنه لم يتجاوزها إلا محرما محقق للمطلوب، لكن كره؛ لأنه زاد فيما يلزم، وقد جاء عن مالك بن أنس أنه قد رأى رجلّا قد أحرم من المدينة، فقال له في ذلك فأجاب بجواب فقال له: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم"[ (الحلية)) لأبي نعيم (6/326)، ((الاعتصام)) للشاطبي (ص: 132)]، وذلك أن فيهم مخالفة لما فعله النبي –صلى الله عليه وسلم-ولو كان خيرا لفعله هو وأصحابه رضي الله تعالى عنهم، وصلى الله عليه وسلم.

قال –رحمه الله-بعد ذلك: (وبحج قبل أشهره وينعقد) أي: يكره الإحرام للحج قبل أشهره وهي ثلاثة، سيأتي بيانها في قول المصنف –رحمه الله-وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، فيكره الإحرام للحج قبل شوال، يعني في رمضان وما قبله يكره الإحرام للحج؛ إلا أنه ينعقد أي: يلزمه مع كراهيته والدليل على أن المشروع أن يكون فرض الحج في أشهره قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ[البقرة: 197] وهذا التوقيت والتحديد يدل على أنه مقصود، والذي يدل على أنه المقصود به الإحرام أن من أعمال النسك ما يكون بعدها مثل: طواف الحج وبقية أعمال أيام التشريق، فعلم بذلك أن المقصود بأشهر الحج الأشهر التي يفرض فيها الحج، يدخل فيها بالنسك.

ولذلك قال: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ[البقرة: 197]ولا يكون فرض الحج بعد انقضاء الوقوف بعرفه، فدل ذلك على أن المقصود به الإحرام، ولهذا قال ابن عباس: من السنة ألا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج.

  

قوله –رحمه الله-: (وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة) منها يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر.

أشهر الحج شوال وذو القعدة وإلى فجر يوم النحر محل اتفاق بين أهل العلم أنها من أشهر الحج، واختلفوا في يوم النحر، ولذلك قال: (مِنها يومُ النَّحرِ، وهو يَومُ الحجِّ الأَكبَرِ)، وهذا مذهب الحنفية ومذهب الحنابلة، وهو قول أبي حنيفة وجاء عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

وأما كون يوم النحر داخلا في أشهر الحج؛ فاستدلوا لذلك بما روي عن ابن عمر أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-وقف يوم النحر في حجة الوداع التي حج فيها فقال: أي يوم هذا؟ فقالوا: يوم النحر فقال: «هذا يَومُ الحج الأكْبَرِ»[سنن أبي داود(1945)، وعلقه البخاري بصيغة الجزم] ، لكن هذا في الحقيقة ليس فيه دليل ظاهر على أنه داخل في أشهر الحج؛ لأن الله تعالى قال: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ[البقرة: 197] ومعلوم أن من فرض الحج في يوم النحر لا يدركه؛ إذ إنه قد فاته الوقوف بعرفه، إذ قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «الحج عرفة».[أخرجه الترمذي في سننه(889)]

فالصواب أن يوم النحر أو الأقرب أن يوم النحر ليس من أشهر الحج، لعدم دخوله في الآية، وبذلك يكون قد انتهى ما ذكره المؤلف –رحمه الله-من المسائل المتعلقة بالمواقيت.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق