مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 89

التاريخ : 2024-06-02 05:13:55


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

يقول المصنف –رحمه الله-: (باب الإحرام).

أتى المصنف بباب الإحرام بعد باب المواقيت؛ لأن الإحرام يكون في المواقيت موضعا وزمانًا؛ فيكون في المواقيت ومواضع الإحرام التي بينها النبي –صلى الله عليه وسلم-، ويكون كذلك في أشهر الحج إذا كان الإحرام بالحج، وقد عرف المؤلف –رحمه الله-الإحرام بقوله: (لغَةً: نيَّةُ الدُّخولِ في التَّحريمِ؛ لأَنه يُحرِّمُ على نَفسِه، بنيَّتِه، ما كانَ مُباحًا له قَبلَ الإحرامِ، مِن النِّكاحِ، والطِّيبِ، ونحوهِما).

وهذا البيان بمعنى الإحرام لغة خلص فيه المؤلف –رحمه الله-بيَّن المعنى اللغوي والمناسبة في إطلاق هذا على الإحرام الشرعي، فعرف المؤلف الإحرام لغة بأنه: نية الدخول في التحريم فيقال: أحرم الرجل أي منع نفسه عما كان حلالا له، وفي الإحرام الشرعي يمنع نفسه مما يمنع منه المحرم كالنكاح والطيب ونحوهما.

فالإحرام يحرم فيه المرء بإحرامه على نفسه ما كان مباحا قبل إحرامه، فيكون بذلك قد دخل في التحريم، وهذا نظير ما يقال في اللغة: أشتى إذا دخل في الشتاء، وأربع إذا دخل في الربيع، وأتهم إذا دخل في تهامة، وأنجد إذا دخل في نجد، سواء كان ذلك في زمان أو مكان.

وقيل: الإحرام الدخول في النسك.

وقيل: الإحرام الدخول في التحريم.

وسيأتي إشارة إلى الفرق بين التعريفين عند الكلام على التعريف الشرعي.

يقول –رحمه الله-في تعريفه شرعا قال: (وشرعًا: نيَّةُ النُّسُكِ أي: نيَّةُ الدُّخولِ فيه) عرف المؤلف الإحرام شرعا بأنه نية النسك، أي: نية مباشرة شروط الحج والعمرة وواجباتهما وأحكامهما.

وقيل: الإحرام شرعا هو الدخول في النسك أي: ذات المباشرة، وليس مجرد النية؛ إذ النية شرط في النسك الذي الإحرام ركنه، وشرط الشيء غيره، وفي رواية أن مجرد النية لا تكفي؛ بل لا بد من قول كالتلبية، أو عمل كسَوق الهدي يصير به محرمًا، واختار هذا ابن تيمية –رحمه الله-.

وفيما يظهر -والله تعالى أعلم- أن إطلاق نية النسك أو الدخول في النسك الأمر فيه قريب، والمراد بالنية هنا نية التزام أحكام الحج والعمرة.

ولذلك قال: (لا نيَّتُهُ أَن يَحُجَّ أَو يَعتَمِرَ) يعني ليس المقصود بنية النسك نية الحج أو العمرة مجردًا، فإن هذا هو الذي في قلبه من خروجه من بلده إذا كان خارج المواقيت، فنية النسك لا يفرض بها مجرد ما في القلب من قصد الحج أو العمرة ونيتهما، فإن القصد ما زال في القلب منذ خرج من بلده، بل المراد بالنية النية التي يلتزم فيها بأحكام النسك.

  

بعد ذلك ذكر المؤلف –رحمه الله-السنن التي تراعى عند الإحرام.

فقال –رحمه الله-: (سُنَّ لمريدِه، أي: مُريدِ الدُّخولِ في النُّسكِ، مِن ذَكَرٍ وأُنثَى: (غُسلٌ) ، فالمؤلف –رحمه الله-بين أن للدخول في النسك مسنونات تراعى عند الدخول في الإحرام.

وغالب ما يطلق الفقهاء السنة على ما ليس بواجب.

وقوله –رحمه الله-: (من ذكر وأنثى) بيان أن هذه المسنونات التي سيذكرها لا فرق فيها بين الذكر والأنثى، فالأصل تساوى النساء والرجال في الأحكام الشرعية؛ إلا ما دل الدليل على اختصاص أحدهما بحكم.

وقوله: (غسل) هذا بيان لأول ما يسن للإحرام: الغسل، والمقصود به الغسل الشرعي، فالاغتسال قبل الإحرام مستحب بالاتفاق، كل من أراد الإحرام بحج أو عمرة.

وقال المؤلف: (ولو حائِضًا ونُفَسَاءَ) أي: ولو كان الغسل لا يرفع حدثًا كحال الحائض والنفساء، واستدل لعموم مسنونيته بفعل النبي –صلى الله عليه وسلم-فقد جاء في حديث زيد بن ثابت:« أن النبي –صلى الله عليه وسلم-تجرد لإهلاله واغتسل»[أخرجه الترمذي في سننه(830)، وحسنه] رواه الترمذي، وفي ثبوته مقال، لكن استدل العلماء إضافة إلى هذا أو عرضوا هذا بما جاء من أمر النبي –صلى الله عليه وسلم-النفساء والحائض بالاغتسال للإحرام.

ففي صحيح الإمام مسلم وقد ذكره المؤلف –رحمه الله-:«أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل»[صحيح مسلم(1209)، من حديث عائشة]، وأما الحائض فما في الصحيح من حديث عائشة: أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أمرها أن تغتسل لإهلال الحج، فإن عائشة رضي الله تعالى عنها حاضت بسرف بعد أن أحرمت وكانت قد أحرمت بالعمرة، فقال لها النبي –صلى الله عليه وسلم-:« إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج»[صحيح البخاري(1040)، ومسلم(1211)]، فالغسل للإحرام مستحب بالاتفاق لما تقدم من الأدلة.

وقوله –رحمه الله-: (أَو تيمُّمٌ لعَدَمٍ) أي: عَدَمِ الماءِ، أو تعذُّرِ استعمالِه لنَحوِ مَرَضٍ) هذا بيان أن عادم الماء يتيمم لإحرامه، فمن عدم الماء وأراد الإحرام؛ فإنه يتيمم لإحرامه، وكذا العاجز عن استعماله، فإنه يتيمم، واستدلوا لذلك بعموم قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا[النساء: 43] وقالوا: كل ما يستحب له الغسل إذا عجز عنه إما لعدم حقيقي لعدم الماء حقيقة، أو للعجز عن استعماله وهو لعدم الحكم؛ فإنه يقوم التيمم مقام استعمال الماء.

وقيل: لا يستحب التيمم للإحرام، وهذا القول صوبه المارداوي، وذهب إليه جماعة من أهل العلم وهو الأقرب للصواب، لأن مقصود الاغتسال للإحرام إزالة الأوساخ، وما قد يحتاجه الإنسان إلى إزالته من العوالق والتيمم لا يتحقق به ذلك.

وقوله –رحمه الله-: (وسُنَّ له أيضًا: (تنظُّفٌ) بأخذِ شعرٍ، وظُفُرٍ، وقَطعِ رائحَةٍ كريهَةٍ؛ لئلا يحتَاجَ إليه في إحرامِه، فلا يتمكَّنَ منه).

هذا ثاني ما ذكره المؤلف –رحمه الله-من مسنونات الإحرام أنه استحب التنظف بإزالة كل ما يمكن أن يكون سببا للوسخ أو الروائح الكريهة أو نحو ذلك، فيستحب التنظف بإزالة الشعر؛ سواء نتف الإبط أو حلق العانة أو قص الشارب وتقليم الأظافر وقطع الرائحة الكريهة لئلا يحتاج إلى ذلك في أثناء إحرامه.

وهذه الأمور ليست من خصائص الإحرام، لأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك، لكن يشرع أن يفعل ذلك إن احتاج إليه، فإن احتاج إلى التنظيف في تقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة ونحو ذلك فعل، وإلا فإنه ليس من خصائص الإحرام، يعني ليس من السنن المتعلقة بالإحرام كما قد يتوهمه البعض.

وقوله –رحمه الله-: (وسن له أيضًا تطيب) هذا ثالث مسنونات الإحرام التي ذكرها المؤلف –رحمه الله-وهي استعمال الطيب، والأصل فيه حديث عائشة الذي ذكره المؤلف –رحمه الله-قالت:« كنت أطيب الرسول–صلى الله عليه وسلم-لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت».[ أخرجه البخاري (1539)، ومسلم(1189)]

فقولها -رضي الله تعالى عنها-:« لإحرامه» أي لأجل إحرامه قبل أن يحرم، ويدل له أيضًا قولها: «كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله –صلى الله عليه وسلم-وهو محرم»[ صحيح البخاري(5923)، ومسلم(1190)]، فكانت رضي الله تعالى عنها تطيب النبي –صلى الله عليه وسلم-ويبقى أثر ذلك الطيب عليه بعد إحرامه، وأما ما يتطيب به فقد ذكر المؤلف –رحمه الله-المسك والبخور وماء الورد ونحوها، ويعم هذا كل نوع من أنواع الطيب سواء كان مما تبقى عينه بعد الإحرام كالمسك ونحوه، أو بما يبقى أثره كالعود والبخور وماء الورد ونحوه، والسنة في التطيب للإحرام أن يكون بأطيب ما يجد قد قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها- كما في الصحيحين «كُنْتُ أُطَيِّبُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأَطْيَبِ ما يَجِدُ، حتَّى أجِدَ وبِيصَ الطِّيبِ في رَأْسِهِ ولِحْيَتِهِ» -صلى الله عليه وسلم-.[صحيح البخاري(5923)، ومسلم(1190)]

وقوله –رحمه الله-: (في بدنه) بيان أن التطيب المسنون للإحرام يعم البدن، فيشمل هذا الرأس واللحية، وسائر البدن.

وقوله –رحمه الله-: (وكُرِهَ أن يتطيَّبَ في ثَوبِه) بيان أن المسنون من الطيب هو ما كان في البدن لا في الثوب، فيكره أن يتطيب المحرم بأي نوع من أنواع الطيب في ثوبه، واقتصر على الكراهة لعدم الدليل الصريح في منع التطيب في الثياب، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا يجوز التطيب في الثياب، والأقرب ما ذكره المؤلف –رحمه الله-وذهب طائفة إلى أنه يباح لعدم الدليل على الكراهة.

فثمة ثلاثة أقوال في تطييب الثياب؛ التحريم، والكراهة، والإباحة، أما الإباحة فقالوا: لا دليل على المنع، وقد ثبت أن النبي –صلى الله عليه وسلم-تطيب في بدنه، والطيب في البدن يصيب الثياب، ولم يحترس منه فدل على الجواز، والذين قالوا بالتحريم استدلوا بنهي النبي –صلى الله عليه وسلم-عن أن يلبس المحرم ثوبًا مسه ورث أو زعفران، وقالوا: هذا إشارة إلى منع تطيب المحرم في ثيابه، والذي يظهر أن هذا لا يصلح دليلا؛ لأنه نهي عن نوع من الطيب، وليس نهيا عن كل طيب.

وأما القول بالكراهة فالذين قالوا بالكراهة، قالوا يكره خروجا من الخلاف.

وقوله –رحمه الله-: (وله استدامَةُ لُبسِه ما لم يَنزِعْه) يعني إذا لبس ثوبا مطيبًا، ثم أحرم فله استدامة لبسه ما لم ينزع؛ فإن نزعه خلعه لم يكن له أن يلبسه، فإن أعاد لبسه فعليه الفدية، لأن الإحرام يمنع ارتداء الطيب ولبس المطيب دون استدامته، والذي يظهر والله تعالى أعلم أن ما كان من الطيب في الثياب قبل الإحرام فإنه لا يمنع منه، وله استدامته كالذي على بدنه، بل الذي على البدن أعظم تأثيرا من الذي على الثياب.

وقد قالت عائشة رضي الله عنها: «كُنْتُ أُطَيِّبُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأَطْيَبِ ما يَجِدُ، حتَّى أجِدَ وبِيصَ الطِّيبِ في رَأْسِهِ ولِحْيَتِهِ»[صحيح البخاري(5923)، ومسلم(1190)] فالذي يظهر أن ما كان في الثياب مما هو قبل الإحرام أو مما يكون ناتجًا عن إصابة ما في بدنه، فإنه لا يؤثر عليه وإحرامه صحيح، فإنه لا يؤثر عليه ويترتب عليه وجوب النزع.

قال –رحمه الله-: (سُنَّ له أيضًا تجرُّدٌ مِن مخيطٍ وهو كلُّ ما يُخَاطُ على قَدرِ الملبوسِ عليه، كالقَميصِ، والسَّراويلِ؛ لأنه عليه السلام تجرَّدَ لإهلالِه. رواه الترمذي.)، هذا هو رابع المسنونات التي ذكرها المؤلف –رحمه الله-للإحرام وهو التجرد للمخيط، أي التخلي عن لبس المخيط قبل الإحرام، وهو مستحب بالاتفاق لما جاء في حديث زيد بن ثابت:« أن النبي –صلى الله عليه وسلم-تجرد لإهلاله»[أخرجه الترمذي في سننه(830)، وحسنه] أي تجرد من لباسه لأجل الإحرام، والمقصود باللباس الذي تجرد منه اللباس المعتاد، لكن لو أن أحدا أحرم قبل نزع اللباس المعتاد إحرامه صحيح ويجب عليه فور إحرامه أن يشرع في خلع ما يكون من اللباس المعتاد، وأن يلبس الإزار والرداء.

قال –رحمه الله-: (وسُنَّ له أيضًا: أن يُحرِمَ في إزارٍ ورِداءٍ أبيَضَينِ نظيفَينِ، ونَعلَينِ) إلى آخر ما ذكر، وهذا هو خامس المسنونات التي ذكرها المؤلف –رحمه الله-للإحرام، وهو أن يحرم في إزار ورداء أبيضين ونعلين، وقد حكي الإجماع على ذلك، ومستنده ما ذكره المؤلف –رحمه الله-في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-:«وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين»[أخرجه أحمد في مسنده(4899)، وصححه الألباني في الإرواء(1096)]، ولما في الصحيح من حديث ابن عمر قال: «فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين».[صحيح البخاري(134)، ومسلم(1177)]

وأما كون الإزار والرداء أبيضين فلحديث ابن عباس:« البَسُوا مِن ثيابكُمُ البياضَ، فإنَّها مِنْ خير ثيابِكُم »[أخرجه أبو داود في سننه(3878)، وصححه الألباني في المشكاة(1638)]، ويستحب أن يكونا نظيفين؛ فلأن الله جميل يحب الجمال، ولأنه من الزينة التي تؤخذ للمساجد، والله تعالى يقول: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ[الأعراف: 31] وهو يقصد أعظم المساجد؛ فيستحب أن يقصد أعظم المساجد بأطيب ما يجد نظافة وبعدا عن الأقذار والأوساخ.

قال: (وسن إحرام عقب ركعتين) هذا سادس ما ذكره المؤلف –رحمه الله-من المسنونات في الإحرام، أن يكون الإحرام عقب ركعتين.

قال المصنف: (نفلا أو عقب فريضة؛ لأنه عليه السلام أهل دبر صلاته رواه النسائي)، فالسنة أن يحرم عقب فرض إن كان أو نفل إن لم يكن فرض.

 واختلفوا في كون هذا النفل يخص الإحرام أو أن يكون نفلا مطلقا، أو أن يكون نفلا له سبب، فمن العلماء من قال: ليس للإحرام صلاة تخصه؛ فإن لم يكن فرض ولم يكن نفل له سبب فإنه لا يستحب أن يصلي ركعتين لإحرامه.

وقال آخرون: بل عموم قول النبي –صلى الله عليه وسلم-:«أتاني آت الليلة وقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة»[صحيح البخاري(1534)] يدل على استحباب الصلاة مطلقا، فإن كان فرض فهو الذي فعله النبي –صلى الله عليه وسلم-حيث أحرم بعد صلاة الفرض، وإن لم يكن فرض صلى نفلا، سواء كان له سبب أو لأجل إحرامه والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

لعلنا نقف على هذا، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق