مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 81

التاريخ : 2024-06-02 05:18:32


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

يقول المصنف –رحمه الله-في الروض المربع شرح زاد المستنقع:(وإذا استوى على راحلته قال- قطع به جماعة، والأصل عقب إحرامه-: "لبيك اللهم لبيك" أي: أنا مقيم على طاعتك وإجابة أمرك "لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" روى ذلك ابن عمر عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-في حديث متفق عليه)، أي: إنه يسن لمن أحرم بالحج أو العمرة أن يلبي بهذه التلبية التي ذكرها المصنف –رحمه الله-.

والسنة في ابتداء التلبية أن تكون حال استوائه على راحلته واستقراره، وذلك في المقنع والمغني وهو أحد الأقوال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-أي: أحد الأقوال في وقت التلبية المسنون أنه إذا استوى على راحلته.

واستدلوا لذلك فيما رواه أنس[صحيح البخاري(1546)]، وابن عمر[صحيح البخاري(1514)، ومسلم(1187)] من أن النبي –صلى الله عليه وسلم-لما ركب راحلته واستوت به أهل أي: لبى والحديثان في البخاري، وقيل بل السنة في ابتداء التلبية أن تكون عقب إحرامه أي عقب عزم قلبه على الدخول والنسك والتزام أحكامه، وهذا هو المذهب، وقد صححه البهوتي –رحمه الله-خلافا للحجاوي وغير ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «اللَّيْلَةَ أتانِي آتٍ مِن رَبِّي، وهو بالعَقِيقِ، أنْ صَلِّ في هذا الوادِي المُبارَكِ، وقُلْ: عُمْرَةٌ في حَجَّةٍ»[صحيح البخاري(1534)] وهذا مبدأ التلبية وهو الإهلال بالنسك والأمر في هذا واسع، فيقوله بعد إحرامه.

فالسنة أن يلبي بعد إحرامه، وكذلك إذ استوى على راحلته كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه في الجمع بين ما جاء عن الصحابة من اقتباس في موضع تلبية النبي –صلى الله عليه وسلم-.

وأما التلبية المشروعة فهي قول: "لبيك اللهم لبيك" إلى آخره، وقد بين المؤلف –رحمه الله-في هذا الموضع معنى التلبية حيث قال: أي أنا مقيم على طاعتك وإجابة أمرك، فهذا بيان لمعنى التلبية وكلمة لبيك في اللغة مصدر لبى بمعنى أجاب ولزم المكان وأقام فيه، فمعنى "لبيك اللهم لبيك" ألزم إجابتك وأقيم على طاعتك، ولبى لفظ مثنى وجيء به في هذا الموضع لإفادة تكرير الإجابة وتكثيرها وتأكيدها، أي أجيبك إجابة بعد إجابة، فتلبية المحرم إعلان لإجابة دعوة الله تعالى له فيما فرض عليه من قصد بيت الله الحرام بالحج أو العمرة، ولزوم طاعته والقيام بأمره.

قال مجاهد وغيره لما أمر إبراهيم –صلى الله عليه وسلم-أن يؤذن في الناس بالحج قام في المقام فقال: يا عباد الله أجيبوا الله فقالوا: "ربنا لبيك ربنا لبيك"، فمن حج البيت فهو ممن أجاب دعوته أي دعوة إبراهيم عليه السلام وتطلق التلبية على نية الحج والعمرة، والتلبية شعار الحج والمعتمر وزينة الحج كما قال ابن عباس وابن الزبير وهي من أهم أذكار الحج والعمرة، وتطلق التلبية على نية الحج والعمرة، فيقال: لبَّى بالحج أي نوى، لبى بالعمرة أي نواها.

وأما صفة التلبية فالمحفوظ عن النبي –صلى الله عليه وسلم-من صيغ التلبية المتفق عليها هي ما ذكره المؤلف –رحمه الله- "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، فقد جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: «إن تلبية رسول الله –صلى الله عليه وسلم-لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك»[صحيح البخاري(1549)، ومسلم(1184)]، ونص عليه أحمد في رواية أبي داود وحنبل، وقد جاءت صيغ أخرى، لكن هذه أثبتوا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأشهر.

  

قوله –رحمه الله-: (وسُنَّ أَن يَذكُرَ نُسُكَه فيها، وأَن يَبدَأَ القَارِنُ بذكرِ عُمرَتِه، وإكثارُ التلبيَةِ، وتتأكَّدُ إذا عَلا نَشْزًا) إلى آخر ما ذكر –رحمه الله-.

هذا بيان لجملة من السنن المتعلقة بالتلبية، فمن سنن التلبية أن يسمي نسكه أي: أن يعين نوع النسك التي أحرم بها عند تلبيته بأن يقول مثلا: "لبيك عمرة أو لبيك عمرة وحجة، أو لبيك حجة، وتسمية النسك سنة لا تقتصر على وقت الإحرام والدخول في النسك فقط، وتسمية النسك سنة لا تقتصر على وقت الإحرام وزمن الدخول في النسك فقط، بل هي سنة عند الدخول في النسك وبعد ذلك.

فعن أنس رضي الله عنه قال: «سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا»[صحيح مسلم(1232)] وقال أبو سعيد –رضي الله تعالى عنه-: «خَرَجْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ نَصْرُخُ بالحَجِّ صُرَاخًا» [صحيح مسلم(1247)] وكذلك قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: «خَرَجْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الحِجَّةِ مِنَّا مَن أَهَلَّ بعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَن أَهَلَّ بحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَن أَهَلَّ بحَجَّةٍ».[صحيح البخاري(1562)، ومسلم(1211)]

ومن سنن التلبية أن يبدأ القارن بذكر العمرة أولا فيقول: لبيك عمرة وحجا لحديث أنس قال: «سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» ولحديث عمر قال: «اللَّيْلَةَ أتانِي آتٍ مِن رَبِّي، وهو بالعَقِيقِ، أنْ صَلِّ في هذا الوادِي المُبارَكِ، وقُلْ: عُمْرَةٌ في حَجَّةٍ».

ومن سنن التلبية الإكثار منها؛ لما جاء من الفضائل الواردة فيها، ومن ذلك ما روى سهل بن سعد قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «ما من مسلمٍ يلبِّي إلَّا لبَّى من عن يمينِه أو عن شمالِه من حجرٍ أو شجرٍ أو مدرٍ حتَّى تَنقطعَ الأرضُ من هاهنا وَهاهنا»[أخرجه الترمذي في سننه(828)، وصححه الألباني في المشكاة(2550)] ويتأكد استحباب التلبية في مواطن ذكر المؤلف جملة منها.

  

حيث قال –رحمه الله-: (وتتأكَّدُ إذا عَلا نَشْزًا، أو هَبَطَ واديًا، أو صلَّى مكتوبَةً، أو أقبلَ ليلٌ أو نهارٌ، أو التَقت الرِّفَاقُ، أو سمِعَ مُلبِّيًا، أو فَعَلَ محظورًا ناسِيًا، أو رَكِبَ دابَّتَه، أو نَزَلَ عنها، أو رَأى البيتَ)

هذه عشرة مواضع ذكرها المؤلف –رحمه الله-مما يتأكد استحباب التلبية فيها، الموطن الأول: إذا علا نشزا وهو المكان المرتفع، والأصل فيها أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أهل حين انبعثت به ناقته واستوت به قائما؛ ثم أهل حين علا على شرف البيداء.

والموطن الثاني: إذا هبط واديا، والأصل فيه أن المسافر يستحب له إذا علا على شرف أن يكبر الله تعالى، وإذا هبط واديا أن يسبحه؛ فالتلبية للمحرم أفضل من غيره من الأذكار.

الموطن الثالث: إذا صلى المكتوبة، والأصل فيه ما روي عن جابر قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم-، يلبي في حجة الوداع إذا لقي راكبا، أو علا أكمة، أو هبط واديا وفي أدبار الصلوات المكتوبة، ومن آخر الليل وهذا تضمن بعض ما تقدم من المواطن، وأضاف أدبار الصلوات المكتوبة.

الموطن الرابع: إذا أقبل ليل أو نهار، ولعل هذا مستفاد من قوله: ومن آخر الليل هو زمن إقبال النهار.

الموطن الخامس: إذا التقت الرفاق، والأصل فيه ما تقدم عن جابر رضي الله عنه حيث قال: كان النبي –صلى الله عليه وسلم-يلبي في حجته إذا لقي ركبا.

وقال النخعي: كانوا يستحبون التلبية دبر الصلوات المكتوبة، وإذا هبط واديا، وإذا علا نشزا، وإذا لقي ركبا، وإذا استوت به راحلته.

وقوله: إذا لقي ركبا شاهد ما ذكر المؤلف من استحباب التلبية وتأكدها إذا التقت الرفاق.

الموطن السادس: إذا سمع ملبيًا، ولم أقف على دليل لهذا.

الموطن السابع: إذا فعل محذورًا ناسيًا مثل: أن يغطي رأسه، أو يلبس قميصًا ونحو ذلك، فإن ذلك سيئة تنقص الإحرام؛ فينبغي أن يتبعها بحسنة تجبر الإحرام، ولا أحسن فيه من التلبية، وإنه بذلك كان معرب عن الإحرام ويتذكره بالتلبية، وقد تقدم عن ابن عباس أنه قال لمن طاف في إحرامه، لما رأى أنه يحل أي يرتخي أكثر من التلبية، فإن التلبية تشد الإحرام.

الموطن الثامن: إذا ركب دابته أو نزل عنها، والأصل فيه أنه من جملة الإشراف، إذا علا على ظهر دابته كما تقدم عن النبي –صلى الله عليه وسلم-وعن السلف.

والموطن التاسع: إذا رأى البيت، ولم أقف على دليل لذلك.

قوله –رحمه الله-: (يصوِّتُ بها الرَّجُلُ) أي: يجهر بالتلبية لخبر سائب بن خلاد «أتاني جبريلُ فأمرني أنْ آمُرَ أصحابي فيرفعوا أصواتَهم بالتلبيةِ»[أخرجه الترمذي في سننه(829)، وقال: حسن صحيح] صححه الترمذي، أي من سنن التلبية أن يجهر بها الرجال، ويرفعوا بها أصواتهم، يدل لذلك ما ذكره المؤلف من حديث السائب، ويستحب أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية لما تقدم في حديث سائب ولما روى أنس رضي الله عنه قال: «صَلَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمَدِينَةِ الظُّهْرَ أرْبَعًا، والعَصْرَ بذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بهِما جَمِيعًا»[صحيح البخاري(1548)] أي بالحج والعمرة رواه البخاري ومسلم.

وكذا ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد قال: «خَرَجْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ نَصْرُخُ بالحَجِّ صُرَاخًا» وقد روى ابن أبي شبيه عن بكر بن عبد الله المزني قال: «كنْتُ مع ابنِ عمرَ فلبَّى حتى أسمعَ ما بينَ الجبلينِ»[مصنف ابن أبي شيبة(15050)] ، وأخرج أيضًا من طريق المطلب بن عبد الله قال: «كان أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ يرفعونَ أصواتَهمْ بالتلبيةِ حتى تبحَّ أصواتُهمْ»[مصنف ابن أبي شيبة(15051)] وكذلك روي عن زيد بن خالد الجهني قال: «أتاني جبريلُ، فقال لي : إنَّ اللهَ يأمُرُكَ أن تأمُرَ أصحابَكَ أن يرفَعوا أصواتَهم بالتلبيةِ، فإنها مِن شعائرِ الحجِّ».[أخرجه أحمد في مسنده(21678)، وصححه الألباني في صحيح الجامع(67)]

  

وقوله –رحمه الله-: (وإنما يُسَنُّ الجهرُ بالتلبيَةِ، في غيرِ مساجدِ الحِلِّ وأَمصارِه، وفي غيرِ طوافِ القُدُومِ، والسَّعي بعدَهُ).

هذا بيان للمواطن التي يستثنى من استحباب الجهر بالتلبية فيها.

قال ابن مفلح –رحمه الله-: ويستثنى منه مساجد الحل وأمصاره وطواف القدوم والسعي بعده، فلا يستحب إظهاره، والمنقول عن أحمد "إذا أحرم في مصره، لا يعجبني أن يلبي حتى يبرز" لقول ابن عباس، واحتج القاضي وأصحابه أن إخفاء التطوع أولى خوف الرياء على من لا يشاركه في تلك العبادة، بخلاف البراري وعرفات ومكة والحرم؛ فالتلبية فيها ظاهرة، وليس في ذلك اختصاص، وفي الطواف والسعي وعدم استحباب رفع الصوت بالتلبية في الطواف والسعي؛ لئلا يشوش على الطائفين والساعيين.

وقوله –رحمه الله-: (وتُشرَعُ بالعربيَّةِ لقادرٍ، وإلَّا فبلُغَتِه) أي: إن المشروع في التلبية أن تقال باللغة العربية لمن كان قادرا عليها؛ لأن التلبية ذكر مشروع، فلم يشرع بغير العربية مع القدرة كسائر الأذكار، فإن لم يكن قادرا على العربية لبى بلغته.

وقوله –رحمه الله-: وتخفيه المرأة بقدر ما تسمع رفيقتها ويكره جهرها فوق ذلك مخافة الفتنة أي إن من السنة أن تلبي المرأة فيسن لها أن تلبي دون أن ترفع صوتها بالتلبية مخافة الفتنة، وقد أجمع على هذا أهل العلم كما قال ابن عبد البر أن السنة في المرأة ألا ترفع صوتها، وإنما عليها أن تسمع نفسها.

قوله –رحمه الله-: (ويُسنُّ بعدَهَا: دعاءٌ، وصلاةٌ على النبيِّ ﷺ )، أي: إن من سنن التلبية الدعاء بعدها لكونها مظنة إجابة الدعاء، وكذا يسأل الله تعالى فيسأل الله تعالى الجنة ويعوذ به من النار لما جاء عن خزيمة ابن ثابت عن النبي –صلى الله عليه وسلم-أنه كان إذا فرغ من التلبية سأل الله رضوانه الجنة واستعفاه برحمته من النار.

 ويسن أيضًا أن يصلي على النبي –صلى الله عليه وسلم-وليس في هذا دليل خاص، وإنما استدلوا له بعموم ما جاء من الأدلة في استحباب الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-في الدعاء.

قوله –رحمه الله-: (ولا تُكرَهُ التلبيَةُ لحلالٍ) أي: إن قول التلبية لا يكره للحلال الذي لم يتلبس بحج أو عمرة ولا يترتب على ذلك شيء، فلا بأس أن يلبي الحلال لأنه ذكر مستحب للمحرم؛ فلم يكره لغيره كسائر الأذكار.

والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق