مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 54

التاريخ : 2024-06-02 06:22:18


 الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

يقول المصنف –رحمه الله-: (الرابعُ: لُبسُه المخيطَ. وإليه الإشارَةُ بقولِه: وإن لَبِسَ ذكرٌ مَخيطًا: فَدَى) هذا رابع ما ذكره المؤلف من محظورات الإحرام، وهو لبس المحرم المخيط، والمراد بالمخيط الثوب المفصل على قدر البدن أو عضو منه، والمقصود بالثوب اللباس من أي شيء كان هذا اللباس، سواء كان من نسيج أو من غزل، أو من خياطة ولا فرق في ذلك بين قليل اللبس وكثيره، ولا فرق أيضًا في ذلك بين اللباس المعتاد وغير المعتاد، فلو لبس مثلا جوربا في كفه أو وضع في  رأسه خفا، فهذا مما يقع به المحظور الذي منع منه المحرم، وهو لبس ما فصل على البدن، وهذا المحظور مما يختص الرجال دون النساء، والأصل فيه ما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رجل «يَا رَسولَ اللَّهِ، ما يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لَا يَلْبَسُ القُمُصَ، ولَا العَمَائِمَ، ولَا السَّرَاوِيلَاتِ، ولَا البَرَانِسَ، ولَا الخِفَافَ إلَّا أحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، ولْيَقْطَعْهُما أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، ولَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شيئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أوْ ورْسٌ»[ صحيح البخاري(1543)، ومسلم(1177)]، فإن فعل لزمته الفدية لما سيأتي في باب الفدية من الأدلة.

وقوله –رحمه الله-: (ولا يَعقِدُ عليه رِداءً ولا غَيرَه، إلَّا إزارَه، ومِنطَقَةً وهِميَانًا فيهِمَا نَفَقَةٌ، معَ حاجَةٍ لعَقدٍ) أي إن ما يلحق بالمخيط في كونه من محظورات الإحرام أن يعقد المحرم على بدنه رداء، وهو ما يستر به أعلى البدن، وكذلك غير الرداء من الأشياء، فإذا عقد على بدنه شيئا من الأشياء من الألبسة فإنه يدخل فيما منع منه المحرم، والأصل في ذلك ما جاء عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: «لا تعقد عليك شيئا»[مصنف ابن أبي شيبة (15676)]، ولأنه يصير بالعقد كالمخيط.

فلذلك منع منه المحرم، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه يجوز للمحرم عقد الرداء في الإحرام، ولا فدية عليه فيه إن احتاج إلى عقده، والمانعون اختلفوا هل المنع مِن عقده منع كراهة أو منع تحريم؟

ففيه نزاع بين أهل العلم، وليس على تحريم ذلك دليل، أي ليس على تحريم عقد الرداء ونحوه دليل إلا ما نقل عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه في قوله: «لا تعقد عليك شيئا»، وعنه أنه كره عقد الرداء، وقد اختلف المتبعون لابن عمر رضي الله تعالى عنه في هذه الكراهة، هل هي كراهة تنزيه كما ذهب إليه الحنفية أم هي كراهة تحريم كما هو ظاهر كلام الحنابلة؟

وأما جواز عقد الإزار وهو ما يستر به أسفل البدن، فإنه قد يحتاج إلى عقده لستر عورته، ولهذا قيد الجواز بما إذا احتاج إلى ذلك حيث قال: (إلَّا إزارَه، ومِنطَقَةً وهِميَانًا فيهِمَا نَفَقَةٌ، معَ حاجَةٍ لعَقدٍ) ، فإن كان يستغني عن عقد الإزار بلف بعضه على بعض، فإنه لا يعقد هكذا قال بعض أصحاب، وقال آخرون بل يعقد للحاجة إليه في الجملة، وإن كان قد يستغني عن ذلك بطريق آخر.

وأما جواز عقد المنطقة، وهي جلد يشد على الوسط لحفظ النفقة، فيجوز، أما إن لبسها لوجع أو لحاجة أو غيرهما، أي غير الوجع والحاجة من الأسباب وغير حفظ النفقة، فالصحيح من المذهب أنه يفدي لأنهم قصروا جواز عقد المنطقة أن يكون ذلك لحفظ النفقة وللحاجة إلى ذلك.

ولذلك يفدي لو لبس منطقة على المذهب إن كان لبسها لغير حفظ النفقة، وكذا لو لبسها لغير حاجة، وأما الهميان وهو كيس يجعل فيه النفقة ويشد في الوسط؛ فيجوز للمحرم عقده في قول عائشة رضي الله تعالى عنها: "أوثق عليك نفقتك" ولأنه مما تدعو الحاجة إلى عقده، فكذلك الإزار.

وعلم مما تقدم أنه إن استغنى عن العقد في الهميان والمنطقة فإنه لا يجوز له ذلك، لأنهم شرطوه بشرطين كما ذكر المؤلف –رحمه الله-في قوله: (فيهما نفقة) هذا قيد للجواز (مع حاجة لعقد) هذا القيد الثاني.

  

وقوله: (وإن لم يَجِدْ نَعلَينِ، لَبِسَ خُفَّينِ. أو لم يَجِدْ إزارًا، لَبِسَ سَراويلَ، إلى أن يَجِدَ: ولا فِديَةَ) هذا بيان لكون المحرم إذا لم يجد نعلين، فإنه يجوز له لبس الخفين، والخف هو ما يلبس على القدمين ومن الجلود ونحوهما، ولا يلزمه قطعهما، فلا يلزمه أن يقطعهما أسفر من الكعبين، وكذلك إن لم يجد إزارًا فإنه يجوز له لبس السراويل ولا فدية عليه، لا خلاف بين أهل العلم في ذلك.

والأصل فيه قول النبي –صلى الله عليه وسلم-:«إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين»[صحيح البخاري(1838)، ومسلم(1177)]، فقد أجاز –صلى الله عليه وسلم-لمن لم يجد نعلين أن يلبس الخفين.

  

وقوله: (الخامِسُ: الطيبُ) هذا خامس ما ذكره المؤلف –رحمه الله-من محظورات الإحرام وهو استعمال الطيب في البدن والثياب، ولذلك قال: (وقد ذكَرَه بقوله: وإن طَيَّبَ محرِمٌ بدَنَه، أو ثَوبَه أو شَيئًا مِنهُمَا) إلى آخره، فاستعمال الطيب في البدن والثياب مما لا يحل للمحرم، والأصل في ذلك ما في الصحيحين من حديث عائشة قالت: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، ولِحِلِّهِ قَبْلَ أنْ يَطُوفَ بالبَيْتِ»[صحيح البخاري(1539)] وجه الدلالة أنها جعلت الإحرام موضعا لمنع الطيب حيث قالت: «لإحرامه حين يحرم، ولحله» أي: لخروجه من الإحرام قبل أن يطوف بالبيت، ويدل له أيضا ما جاء في الصحيح من حديث ابن عباس، في الرجل الذي وقصته ناقته وهو محرم فمات، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «اغْسِلُوهُ بمَاءٍ وسِدْرٍ، وكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْنِ، ولَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، ولَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فإنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَومَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا».[صحيح البخاري(249)، ومسلم(1206)]

ومما يدل له أيضًا ما في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «ولَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شيئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أوْ ورْسٌ»[صحيح البخاري(1543)] وهذا يتعلق بالثياب.

والأحاديث التي قبل تشمل الثياب، وتشمل البدن، ومن أدلة ذلك أيضًا حديث يعلى بن أمية رضي الله تعالى عنه حيث جاء للنبي –صلى الله عليه وسلم-وعليه الجبة وقد تلطخ بالخلوق يعني بنوع من الطيب فقال للنبي –صلى الله عليه وسلم-كيف تأمرني؟ فقال له النبي –صلى الله عليه وسلم-بعد أن سكت ونزل الوحي «اخْلَعْ عَنْكَ الجُبَّةَ، واغْسِلْ أثَرَ الخَلُوقِ عَنْكَ، وأَنْقِ الصُّفْرَةَ، واصْنَعْ في عُمْرَتِكَ كما تَصْنَعُ في حَجِّكَ»[صحيح البخاري(1789)]، وهذا واضح في أنه يمنع المحرم من الطيب، سواء كان ذلك في بدنه أو في ثيابه.

  

والمؤلف –رحمه الله-بعد أن قرر ما يتعلق بالمنع من الطيب كأصل، أضاف إلى ذلك ما يلتحق بمنع الطيب في الثياب والبدن، فقال: (أو استَعمَلَه في أكلٍ أو شُربٍ أو ادَّهَنَ أو اكتَحَلَ، أو استَعَطَ بمطَيَّبٍ، أو شَمَّ قَصدًا طِيبًا، أو تبخَّرَ بعُودٍ ونحوِه) ، جملة من الصور الملحقة فيما يمنع منه المحرم من الطيب، فيشمل منع المحرم من التطيب استعمال الطيب في الطعام والشراب والادهان والاكتحال، كذلك الاستعاط، والاستعاط هو أن يجعل في أنفه شيئا من الدواء، فإذا استعاط بطيب شمل ذلك دخل ذلك في منهي عنه، وكذلك يشمل منع المحرم من التطيب قصد شم الطيب؛ لأن قصد شمه يلتحق بما تقدم من الصور.

وقوله: (ومِن الطِّيبِ: مِسكٌ، وكَافُورٌ، وعَنبَرٌ، وزَعفَرَانٌ، ووَرْسٌ، ووَرْدٌ، وبَنَفْسَجٌ، واليَنَوْفَرُ، ويَاسَمينٌ، وبَانٌ، وماءُ وَردٍ )هذا بيان لأنواع من الطيب التي يمنع منها المحرم، والوصف الجامع لهذه الأنواع المذكورة يفيد أن المراد بالطيب الذي يمنع منه المحرم هو كل ما يتطيب به، أو يتخذ منه الطيب على أي صورة كان ومن أي مصدر كان.

وقوله –رحمه الله-: (وإن شمَّها بلا قَصدٍ، أو مَسَّ ما لا يَعلَقُ، كقِطَعِ كافُورٍ، أو شَمَّ فواكِهَ أو عُودًا أو شِيْحًا، أو رَيحَانًا فارِسيًّا أو نمَّامًا، أو ادَّهَنَ بدُهنٍ غَيرِ مُطيَّبٍ: فلا فِديَةَ) ، أي: إن كان المحرم شم الطيب من غير قصد فلا شيء عليه، ولا تلزمه الفدية؛ لأنه لا يجب عليه سد أنفه، وكذا لو شمه قصدا لاستعلامه عند شرائه لم يمنع منه ولم يجب عليه سد أنفه، لأن ما أوصل إليه من غير قصد  بمنزلة نظر الفجأة لا يحرم، وما شمه قصد استعلامه بمنزلة نظر المستاء والخاطب؛ فيجوز وكذا لو مسه من الطيب ما لا يعلق بيده كقطع كافور ونحوه فإنه لا يمنع منه المحرم؛ لأنه ليس تطيبا.

 ولا يدخل في هذا المحظور استدامة الطيب الذي كان قبل إحرامه، فإنه يجوز للمحرم أن يستديم طيبا في بدنه قبل إحرامه، لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ»[صحيح البخاري(1538)، ومسلم(1190)]، والوبيص بريق ولمعان الطيب سواء كان ذلك في أول الوقت أو في آخره، أي في أول وقت الإحرام أو في آخره، فإنه لا بد أن يبقى في وبيص الطيب شيء منه.

أما ما ذكره من النباتات فبعض الفقهاء يقف مفصلًا فيها، المسك درب من الطيب اتخذوه من الغزالان، والكافور شجر اتخذوا منه مادة شفافة بلورية يميل لونها إلى البياض، ورائحتها عطرية، وطعمها مر، والعنبر طيب معروف قيل، إنه يستخرج من دابة بحرية، والبنفسج نبات زهره أزرق طيب الرائحة، والينفور جنس نبات مائي في الأنهار والمناقع بورقها وزهرها رائحة طيبة، والورث نبت يكون باليمن، وماء الورد عصارته، والبان درب من الشجر لين الورق، ويشبَّه به في الحسن والطول واللين، ولحَب ثمره دهن طيب معروف.

أما الحكمة من تحريم الطيب على المحرم أنه إبعاد له عن الترفه، ولأنه ينشط لما يتعلق بالنساء.

أما السادس من محظورات الإحرام فهو قتل صيد البر واصطياده، وهذا فيه شيء من الطول نجعله الدرس القادم إن شاء الله. 

  

 الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

يقول المصنف –رحمه الله-: (الرابعُ: لُبسُه المخيطَ. وإليه الإشارَةُ بقولِه: وإن لَبِسَ ذكرٌ مَخيطًا: فَدَى) هذا رابع ما ذكره المؤلف من محظورات الإحرام، وهو لبس المحرم المخيط، والمراد بالمخيط الثوب المفصل على قدر البدن أو عضو منه، والمقصود بالثوب اللباس من أي شيء كان هذا اللباس، سواء كان من نسيج أو من غزل، أو من خياطة ولا فرق في ذلك بين قليل اللبس وكثيره، ولا فرق أيضًا في ذلك بين اللباس المعتاد وغير المعتاد، فلو لبس مثلا جوربا في كفه أو وضع في  رأسه خفا، فهذا مما يقع به المحظور الذي منع منه المحرم، وهو لبس ما فصل على البدن، وهذا المحظور مما يختص الرجال دون النساء، والأصل فيه ما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رجل «يَا رَسولَ اللَّهِ، ما يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لَا يَلْبَسُ القُمُصَ، ولَا العَمَائِمَ، ولَا السَّرَاوِيلَاتِ، ولَا البَرَانِسَ، ولَا الخِفَافَ إلَّا أحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، ولْيَقْطَعْهُما أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، ولَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شيئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أوْ ورْسٌ»[ صحيح البخاري(1543)، ومسلم(1177)]، فإن فعل لزمته الفدية لما سيأتي في باب الفدية من الأدلة.

وقوله –رحمه الله-: (ولا يَعقِدُ عليه رِداءً ولا غَيرَه، إلَّا إزارَه، ومِنطَقَةً وهِميَانًا فيهِمَا نَفَقَةٌ، معَ حاجَةٍ لعَقدٍ) أي إن ما يلحق بالمخيط في كونه من محظورات الإحرام أن يعقد المحرم على بدنه رداء، وهو ما يستر به أعلى البدن، وكذلك غير الرداء من الأشياء، فإذا عقد على بدنه شيئا من الأشياء من الألبسة فإنه يدخل فيما منع منه المحرم، والأصل في ذلك ما جاء عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: «لا تعقد عليك شيئا»[مصنف ابن أبي شيبة (15676)]، ولأنه يصير بالعقد كالمخيط.

فلذلك منع منه المحرم، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه يجوز للمحرم عقد الرداء في الإحرام، ولا فدية عليه فيه إن احتاج إلى عقده، والمانعون اختلفوا هل المنع مِن عقده منع كراهة أو منع تحريم؟

ففيه نزاع بين أهل العلم، وليس على تحريم ذلك دليل، أي ليس على تحريم عقد الرداء ونحوه دليل إلا ما نقل عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه في قوله: «لا تعقد عليك شيئا»، وعنه أنه كره عقد الرداء، وقد اختلف المتبعون لابن عمر رضي الله تعالى عنه في هذه الكراهة، هل هي كراهة تنزيه كما ذهب إليه الحنفية أم هي كراهة تحريم كما هو ظاهر كلام الحنابلة؟

وأما جواز عقد الإزار وهو ما يستر به أسفل البدن، فإنه قد يحتاج إلى عقده لستر عورته، ولهذا قيد الجواز بما إذا احتاج إلى ذلك حيث قال: (إلَّا إزارَه، ومِنطَقَةً وهِميَانًا فيهِمَا نَفَقَةٌ، معَ حاجَةٍ لعَقدٍ) ، فإن كان يستغني عن عقد الإزار بلف بعضه على بعض، فإنه لا يعقد هكذا قال بعض أصحاب، وقال آخرون بل يعقد للحاجة إليه في الجملة، وإن كان قد يستغني عن ذلك بطريق آخر.

وأما جواز عقد المنطقة، وهي جلد يشد على الوسط لحفظ النفقة، فيجوز، أما إن لبسها لوجع أو لحاجة أو غيرهما، أي غير الوجع والحاجة من الأسباب وغير حفظ النفقة، فالصحيح من المذهب أنه يفدي لأنهم قصروا جواز عقد المنطقة أن يكون ذلك لحفظ النفقة وللحاجة إلى ذلك.

ولذلك يفدي لو لبس منطقة على المذهب إن كان لبسها لغير حفظ النفقة، وكذا لو لبسها لغير حاجة، وأما الهميان وهو كيس يجعل فيه النفقة ويشد في الوسط؛ فيجوز للمحرم عقده في قول عائشة رضي الله تعالى عنها: "أوثق عليك نفقتك" ولأنه مما تدعو الحاجة إلى عقده، فكذلك الإزار.

وعلم مما تقدم أنه إن استغنى عن العقد في الهميان والمنطقة فإنه لا يجوز له ذلك، لأنهم شرطوه بشرطين كما ذكر المؤلف –رحمه الله-في قوله: (فيهما نفقة) هذا قيد للجواز (مع حاجة لعقد) هذا القيد الثاني.

  

وقوله: (وإن لم يَجِدْ نَعلَينِ، لَبِسَ خُفَّينِ. أو لم يَجِدْ إزارًا، لَبِسَ سَراويلَ، إلى أن يَجِدَ: ولا فِديَةَ) هذا بيان لكون المحرم إذا لم يجد نعلين، فإنه يجوز له لبس الخفين، والخف هو ما يلبس على القدمين ومن الجلود ونحوهما، ولا يلزمه قطعهما، فلا يلزمه أن يقطعهما أسفر من الكعبين، وكذلك إن لم يجد إزارًا فإنه يجوز له لبس السراويل ولا فدية عليه، لا خلاف بين أهل العلم في ذلك.

والأصل فيه قول النبي –صلى الله عليه وسلم-:«إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين»[صحيح البخاري(1838)، ومسلم(1177)]، فقد أجاز –صلى الله عليه وسلم-لمن لم يجد نعلين أن يلبس الخفين.

  

وقوله: (الخامِسُ: الطيبُ) هذا خامس ما ذكره المؤلف –رحمه الله-من محظورات الإحرام وهو استعمال الطيب في البدن والثياب، ولذلك قال: (وقد ذكَرَه بقوله: وإن طَيَّبَ محرِمٌ بدَنَه، أو ثَوبَه أو شَيئًا مِنهُمَا) إلى آخره، فاستعمال الطيب في البدن والثياب مما لا يحل للمحرم، والأصل في ذلك ما في الصحيحين من حديث عائشة قالت: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، ولِحِلِّهِ قَبْلَ أنْ يَطُوفَ بالبَيْتِ»[صحيح البخاري(1539)] وجه الدلالة أنها جعلت الإحرام موضعا لمنع الطيب حيث قالت: «لإحرامه حين يحرم، ولحله» أي: لخروجه من الإحرام قبل أن يطوف بالبيت، ويدل له أيضا ما جاء في الصحيح من حديث ابن عباس، في الرجل الذي وقصته ناقته وهو محرم فمات، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «اغْسِلُوهُ بمَاءٍ وسِدْرٍ، وكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْنِ، ولَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، ولَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فإنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَومَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا».[صحيح البخاري(249)، ومسلم(1206)]

ومما يدل له أيضًا ما في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «ولَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شيئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أوْ ورْسٌ»[صحيح البخاري(1543)] وهذا يتعلق بالثياب.

والأحاديث التي قبل تشمل الثياب، وتشمل البدن، ومن أدلة ذلك أيضًا حديث يعلى بن أمية رضي الله تعالى عنه حيث جاء للنبي –صلى الله عليه وسلم-وعليه الجبة وقد تلطخ بالخلوق يعني بنوع من الطيب فقال للنبي –صلى الله عليه وسلم-كيف تأمرني؟ فقال له النبي –صلى الله عليه وسلم-بعد أن سكت ونزل الوحي «اخْلَعْ عَنْكَ الجُبَّةَ، واغْسِلْ أثَرَ الخَلُوقِ عَنْكَ، وأَنْقِ الصُّفْرَةَ، واصْنَعْ في عُمْرَتِكَ كما تَصْنَعُ في حَجِّكَ»[صحيح البخاري(1789)]، وهذا واضح في أنه يمنع المحرم من الطيب، سواء كان ذلك في بدنه أو في ثيابه.

  

والمؤلف –رحمه الله-بعد أن قرر ما يتعلق بالمنع من الطيب كأصل، أضاف إلى ذلك ما يلتحق بمنع الطيب في الثياب والبدن، فقال: (أو استَعمَلَه في أكلٍ أو شُربٍ أو ادَّهَنَ أو اكتَحَلَ، أو استَعَطَ بمطَيَّبٍ، أو شَمَّ قَصدًا طِيبًا، أو تبخَّرَ بعُودٍ ونحوِه) ، جملة من الصور الملحقة فيما يمنع منه المحرم من الطيب، فيشمل منع المحرم من التطيب استعمال الطيب في الطعام والشراب والادهان والاكتحال، كذلك الاستعاط، والاستعاط هو أن يجعل في أنفه شيئا من الدواء، فإذا استعاط بطيب شمل ذلك دخل ذلك في منهي عنه، وكذلك يشمل منع المحرم من التطيب قصد شم الطيب؛ لأن قصد شمه يلتحق بما تقدم من الصور.

وقوله: (ومِن الطِّيبِ: مِسكٌ، وكَافُورٌ، وعَنبَرٌ، وزَعفَرَانٌ، ووَرْسٌ، ووَرْدٌ، وبَنَفْسَجٌ، واليَنَوْفَرُ، ويَاسَمينٌ، وبَانٌ، وماءُ وَردٍ )هذا بيان لأنواع من الطيب التي يمنع منها المحرم، والوصف الجامع لهذه الأنواع المذكورة يفيد أن المراد بالطيب الذي يمنع منه المحرم هو كل ما يتطيب به، أو يتخذ منه الطيب على أي صورة كان ومن أي مصدر كان.

وقوله –رحمه الله-: (وإن شمَّها بلا قَصدٍ، أو مَسَّ ما لا يَعلَقُ، كقِطَعِ كافُورٍ، أو شَمَّ فواكِهَ أو عُودًا أو شِيْحًا، أو رَيحَانًا فارِسيًّا أو نمَّامًا، أو ادَّهَنَ بدُهنٍ غَيرِ مُطيَّبٍ: فلا فِديَةَ) ، أي: إن كان المحرم شم الطيب من غير قصد فلا شيء عليه، ولا تلزمه الفدية؛ لأنه لا يجب عليه سد أنفه، وكذا لو شمه قصدا لاستعلامه عند شرائه لم يمنع منه ولم يجب عليه سد أنفه، لأن ما أوصل إليه من غير قصد  بمنزلة نظر الفجأة لا يحرم، وما شمه قصد استعلامه بمنزلة نظر المستاء والخاطب؛ فيجوز وكذا لو مسه من الطيب ما لا يعلق بيده كقطع كافور ونحوه فإنه لا يمنع منه المحرم؛ لأنه ليس تطيبا.

 ولا يدخل في هذا المحظور استدامة الطيب الذي كان قبل إحرامه، فإنه يجوز للمحرم أن يستديم طيبا في بدنه قبل إحرامه، لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ»[صحيح البخاري(1538)، ومسلم(1190)]، والوبيص بريق ولمعان الطيب سواء كان ذلك في أول الوقت أو في آخره، أي في أول وقت الإحرام أو في آخره، فإنه لا بد أن يبقى في وبيص الطيب شيء منه.

أما ما ذكره من النباتات فبعض الفقهاء يقف مفصلًا فيها، المسك درب من الطيب اتخذوه من الغزالان، والكافور شجر اتخذوا منه مادة شفافة بلورية يميل لونها إلى البياض، ورائحتها عطرية، وطعمها مر، والعنبر طيب معروف قيل، إنه يستخرج من دابة بحرية، والبنفسج نبات زهره أزرق طيب الرائحة، والينفور جنس نبات مائي في الأنهار والمناقع بورقها وزهرها رائحة طيبة، والورث نبت يكون باليمن، وماء الورد عصارته، والبان درب من الشجر لين الورق، ويشبَّه به في الحسن والطول واللين، ولحَب ثمره دهن طيب معروف.

أما الحكمة من تحريم الطيب على المحرم أنه إبعاد له عن الترفه، ولأنه ينشط لما يتعلق بالنساء.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق