مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 70

التاريخ : 2024-06-02 06:32:49


 الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

فيقول المصنف –رحمه الله-: (السادِسُ: قتلُ صيدِ البرِّ واصطيادُه) هذا سادس ما ذكره المؤلف من محظورات الإحرام وهو قتل صيد البر، وهذا من المحظورات المشتركة بين الرجال والنساء، فيحرم قتل الصيد على الرجال وعلى النساء.

واستدل له المؤلف –رحمه الله-والأصل فيه (وقد أشارَ إليه بقوله: وإن قَتَلَ صَيدًا مأكُولًا، بريًّا أصلًا)، والأصل فيه قول الله –عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ[المائدة: 95]، ويدل له أيضًا قول الله تعالى: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا[المائدة: 96]، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا[المائدة: 2]، وقوله تعالى: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ[المائدة: 1]، ومن السنة حديث أبي قتادة رضي الله عنه فإنه لما صاد الحمار الوحشي وأصحابه محرمون قال النبي –صلى الله عليه وسلم-لأصحابه: «هل منكم أحد أمركم أن يحمل عليه أو أشار إليه»[صحيح البخاري(1824)، ومسلم(1196)]؛ فسؤال النبي –صلى الله عليه وسلم-هذا يدل على تعلق التحريم بذلك لو وجد منهم، فلو أن أحدا أمره أو أشار إليه لكان ذلك ممنوعًا، ولأنه تسبب إلى محرم عليه فحرم، ومنع المحرم من قتل الصيد واصطياده مما اتفق عليه أهل العلم رحمهم الله.

  

قول المصنف –رحمه الله-: (وقد أشارَ إليه بقوله: وإن قَتَلَ صَيدًا مأكُولًا، بريًّا أصلًا كحَمَامٍ وبَطٍّ، ولو استَأنَسَ، بخلافِ إبِلٍ، وبَقرٍ أهليَّةٍ، ولو توحَّشت) أي: إن مما يحرم على المحرم قتله من الصيد واصطياده ما جمع وصفين؛

الوصف الأول: أن يكون الصيد مأكولا فخرج به غير المأكول، فلا يحرم قتله ولا اصطياده لما في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يَقْتُلُهُنَّ في الحَرَمِ: الغُرَابُ، والحِدَأَةُ، والعَقْرَبُ، والفَأْرَةُ، والكَلْبُ العَقُورُ»[صحيح البخاري(1828)، ومسلم(1198)] وفي لفظ مسلم الحية عوض العقرب.[ صحيح مسلم(97/1198)]

الوصف الثاني: أن يكون الصيد بريا، والبري هو الذي يعيش في البر دون البحر، لقول الله تعالى: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا[المائدة: 96]، والمراد بالبري أن يكون أصله متوحشا طبعا غير مقدور عليه، سواء استؤنس أو لم يستأنس، فإن الاعتبار في ذلك بالأصل لا بالحال، وبهذا لو استؤنس الوحشي وجب فيه الجزاء، ومثله لو توحش الأهلي، فإنه لا يجب فيه شيء.

قال أحمد: في بقرة صارت وحشية لا شيء فيها؛ لأن الأصل فيها الإنسي، وهذا ما أشار إليه المؤلف –رحمه الله-، (بخلافِ إبِلٍ، وبَقرٍ أهليَّةٍ، ولو توحَّشت).

ولهذا وجب الجزاء في الحمام أهليِّه ووحشيه باعتبار أصله، وعن الإمام أحمد رواية لا يضمن أهلي الحمام وفاقًا لأبي حنيفة؛ لأنه ألوف بأصله كذا علله الحنفية.

قوله –رحمه الله-: (ولو تولَّدَ منه، أي: مِن الصيدِ المذكورِ ومِن غَيرِه كالمتولِّد بينَ المأكولِ وغيرِه. أو بين الوحشيِّ وغيرِه؛ تَغليبًا للحَظْرِ )، أي: إنه مما يدخل في المحظور من الصيد على المحرم صيد ما تولد من الوحشي والإنسي، أو من المأكول وغيره، فإنه يحرم على المحرم تغليبًا للحذر، لأنه إذا اجتمع في الشيء مبيح وحاظر، ولم يتميز المبيح من الحاضر؛ فإنه يغلب جانب الحاظر، لأنه لا يمكن اجتناب المحظور إلا باجتناب الحلال، فوجب الاجتناب لقول أكثر العلماء تغليبًا لتحريم قتله، كما غلبوا التحريم في أكله.

وقيل: لا يجب فيما تولد من مأكول وغيره قدمه في الرعاية إن الله حرم صيد البر وهذا يحرم أكله.

قوله –رحمه الله-: (أو تَلِفَ الصيدُ المذكورُ في يَدهِ بمُباشَرةٍ، أو سَبـبٍ، كإشارَةٍ ودَلالَةٍ وإعانَةٍ، ولو بمُنَاوَلَةِ آلَةٍ، أو جنَايَةِ دابَّةٍ هو مُتصرِّفٌ فيها: فعَلَيه جَزاؤُه) أي: إن الصيد البري المأكول إذا تلف في يد المحرم؛ فعليه جزاؤه؛ لأنه تلف تحت يد عادية إذ يحرم عليه إمساكه، فالواجب عليه إما إرساله أو رده على مالكه.

ووجوب الجزاء بتلف الصيد في يد المحرم يستوي فيه ما لو باشر ذلك بنفسه، بأن أتلفه أو تسبب في إتلافه بإشارة أو دلالة أو إعانة، ولو كانت الإعانة بمناولة آلة أو إعارتها لصيد، وكذلك يجب على المحرم الجزاء بتلف صيد في يده بجناية دابة هو متصرف فيها بأن كان راكبا أو سائقا أو قائدًا بخلاف ما لو فلتت الدابة من المحرم فأتلفت الصيد

والأصل في ذلك كله ما في الصحيحين من حديث أبي قتادة قال: «خَرَجْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى إذَا كُنَّا بالقَاحَةِ، فَمِنَّا المُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ المُحْرِمِ، إذْ بَصُرْتُ بأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شيئًا، فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ، فأسْرَجْتُ فَرَسِي وَأَخَذْتُ رُمْحِي، ثُمَّ رَكِبْتُ فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي، فَقُلتُ لأَصْحَابِي: وَكَانُوا مُحْرِمِينَ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ، فَقالوا: وَاللَّهِ، لا نُعِينُكَ عليه بشيءٍ، فَنَزَلْتُ فَتَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ رَكِبْتُ، فأدْرَكْتُ الحِمَارَ مِن خَلْفِهِ وَهو وَرَاءَ أَكَمَةٍ، فَطَعَنْتُهُ برُمْحِي فَعَقَرْتُهُ، فأتَيْتُ به أَصْحَابِي، فَقالَ بَعْضُهُمْ: كُلُوهُ، وَقالَ بَعْضُهُمْ: لا تَأْكُلُوهُ، وَكانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَمَامَنَا فَحَرَّكْتُ فَرَسِي فأدْرَكْتُهُ فَقالَ: هو حَلَالٌ، فَكُلُوهُ»[صحيح مسلم(1196)] وجه الدلالة فيه أن القوم قد امتنعوا من دلالته بكلام أو إشارة، ومن مناولة سوطه أو رمحه وهم سموا ذلك إعانة، وقالوا: لا نعينك عليه بشيء إنا محرمون، وما ذاك إلا أنه قد استقر عندهم أن المحرم لا يعين على الصيد بشيء.

قال القاضي: ولا خلاف أن الإعانة توجب الجزاء، وفي رواية لمسلم أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال لهم لما سألوه عن أكل ما صاده أبو قتادة: «هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء؟» قالوا: لا، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «فكلوا ما بقي من لحمها»[صحيح مسلم 1196/60]، فالنبي –صلى الله عليه وسلم-جعل الإشارة بمثابة الإعانة على القتل، ولهذا قال: «هل أشرتم أو أعنتم».

ومعلوم أن الإعانة على القتل توجب الجزاء والضمان، فكذلك الإشارة، فحديث أبي قتادة دل على أن التحريم إنما يتعلق بالإشارة والأمر والإعانة.

  

قوله –رحمه الله-: (وإن دَلَّ ونحوَه مُحرِمٌ مُحرِمًا: فالجَزاءُ بينَهُمَا)أي إن دل محرم محرمًا على صيد بري مأكول أو أشار إليه، أو أعان على قتله بدلالة أو إشارة أو إعانة أو إعارة آلة ونحو ذلك، فهو كما لو شارك في قتل، فإن كان المعان حلالا فالجزاء جميعه على المحرم، وإن كان حرامًا اشتركا فيه لما تقدم في حديث أبي قتادة، أي إن دل محرم محرمًا على صيد بري مأكول، أو أشار إليه، أو أعان على قتله بإعارة آلة ونحو ذلك، فهو كما لو شرك في قتله، فيكون شريكًا في الجزاء لما تقدم في حديث أبي قتادة.

قوله: (ويحرُمُ على المحرِمِ أكلُه مما صادَه، أو كانَ له أثرٌ في صَيدِه، أو ذُبِحَ أو صِيدَ لأجلِه) أي: إن المحرم لا يجوز له أن يأكل مما صاده، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم لما تقدم من النصوص، فإنه لما قال في الصيد: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا[المائدة: 96] علم أن المحرَّم تحريم قتله وتحريم الأكل الذي يفضي إباحته إلى قتله، لا مطلق تحريم أكل لحمه، وهذا حسن لمن تدبره.

وفي حديث أبي قتادة علق النبي –صلى الله عليه وسلم-إباحة الأكل من الصيد الذي صاده أبو قتادة بأن أحدًا من المحرمين لم يشاركه في الصيد لا بإشارة ولا دلالة ولا إعانة، فما كان للمحرم أثر في صيده، فإنه يحرم عليه، وكذلك لا يجوز أكل ما صاده محرم لمحرم غيره، ولا لحلال غير محرم لأنه ميتة، وكذا إذا ذبح الصيد أو صيد من أجله لما في الصحيحين من حديث الصعب بن جثامة «أنَّهُ أهْدَى لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِمَارًا وحْشِيًّا، وهو بالأبْوَاءِ، أوْ بوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عليه، فَلَمَّا رَأَى ما في وجْهِهِ قالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أنَّا حُرُمٌ».[صحيح البخاري(1198)، ومسلم(1193)]

وقوله –رحمه الله-: (وما حَرُمَ عليه لنَحوِ دَلالَةٍ، أو صِيدَ له، لا يحرُمُ على مُحرِمٍ غَيرِه) أي: إن ما حرم من الصيد لا بتسبب محرم فيه، بأن دل عليه، أو أشار إليه، أو صيد من أجله، فإنه لا يحرم على غيره من محرم وحلال، لحديث الصعب بن جثامة المتقدم.

ولما روي مالك والشافعي عن عثمان أنه أتي بلحم صيد فقال لأصحابه: كلوا فقالوا: ألا تأكل؟ قال: إني لست كهيئتكم، إنما صيد لأجلي.[سنن البيهقي الصغرى(1583)]

وقوله –رحمه الله-: (ويَضمَنُ بَيضَ صَيدٍ، ولَبنَه إذا حَلَبَه، بقِيمَتِه) أي: إن بيض الصيد في الحرمة كالصيد، فيضمن بقيمته إذا أتلفه أو تسبب في تلفه، لما روى أبو هريرة أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «في بيض النعام ثمنه».[سنن ابن ماجه(3086)، وضعفه الألباني] رواه ابن ماجه، والمراد بثمنه قيمته إذ غالب الأشياء يعدل ثمنها قيمتها.

ولقول ابن عباس:« في بيض النعام قيمته »ولأنه لا مثل له، فوجب فيه القيمة، وكذلك يضمن المحرم اللبن إذا حلب صيدا بقيمته مكانا.

وقوله –رحمه الله-: (ولا يَملِكُ المحرِمُ ابتداءً صَيدًا بغَيرِ إرثٍ)، أي: إن المحرم لا يملك صيدا متجددا لا بشراء ولا اجتهاد ولا اصطياد، لأن الله حرم الصيد عليه، ولخبر الصعب بن جثامة السابق وهو نص في الهدية وغيرها مساو لها في المعنى؛ ولأن الصيد ليس محلا للتمليك للمحرم، وحكي وجه بصحة ملك الصيد بالشراء والاجتهاد، واستثني الإرث من أوجه تملك الصيد، فإن المحرم يملكه؛ لأنه يدخل في ملكه قهرًا وحكمًا، اختار ذلك أو كرهه، ولهذا يدخل في ملك الصبي والمجنون بخلاف بقية الأسباب، ولأن الملك بالإرث لا فعل للمحرم منه فيه، ويملك به الكافر المسلم فجرى مجرى استدامة، وقيل: لا يملك المحرم الصيد بالإرث، والأول المذهب.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق