مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 357

التاريخ : 2024-06-02 06:34:18


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

فقد ذكر المؤلف –رحمه الله-في آخر ما ذكر مما يتعلق بصيد البر المحرم قال: (وإن أحرَمَ وبِملْكِه صيدٌ: لم يَزُلْ، ولا يَدُه الحكميَّةُ، بل تُزَالُ يدُه المشاهَدَةُ بـإرسَالِه)، أي إن أحرم في ملكه صيد فإنه لا يلزمه إزالة يديه الحكمية التي لا يشاهدها، اليد الحكمية هي ثبوت الملك على الشيء دون مشاهدة، لكون الصيد في غير مكانه، كأن يكون الصيد في بلده، أو بيته، أو في يد نائبه، فهذا لا يؤثر على الإحرام، فليس من محظورات الإحرام؛ لكونه لم يفعل في الصيد فعلا، فلم يلزمه شيء بكون يده الحكمية ثابتة على الصيد، كما لو كان في ملك غيره، وذلك أنه ليس إذا منع من إيقاع فعل في الشيء، منع من بقاء اليد فيه هذه قاعدة، ليس إذا منع من إيقاع فعل في الشيء منع من إبقاء اليد عليه بدلالة الطيب والنساء، فإنه ممنوع من الطيب لكن لا يمنع من ملكه وتملكه، وكذا النساء تبقى المرأة في عصمته وإن كان ممنوعًا من الاستمتاع بها، فيجوز للمحرم التصرف في الصيد الذي يده الحكمية عليه بجميع أنواع التصرفات، سواء كانت تصرفات معاوضات أو تبرعات.

  

وعكس هذا إذا كان في يده المشاهدة، وهي التي يكون الصيد في قبضته، أو في رحله أو خيمته، أو في قفص معه أو مربوطا بحبل معه؛ فإنه في هذه الحال يلزمه إرساله، وهذا قول جمهور العلماء، فيه قال مالك وأصحاب الرأي، ووجه وجوب إزالة اليد المشاهدة: أن ثبوت يد المشاهدة على الصيد هو إمساك للصيد، والإمساك فعل فكان ممنوعا في الإحرام كالابتداء، فإن الابتداء مثل الإمساك إمساك؛ ولهذا يمنع من إبقاء يده للمشاهدة إذا ثبت وجوب إزالة يد المحرم المشاهدة عن الصيد، فإنه متى أزال يد المشاهدة بإرساله لم يزل ملك المحرم عنه يعني عن الصيد، بل ملك المحرم ثابت بيده الحكمية، وعليه فإنه إذا جني عليه أو اعتدي عليه بأي نوع من الاعتداء غفق أو نحوه، فإنه في هذه الحال يكون مضمونًا له، لأن يده الحكمية باطلة.

  

قوله –رحمه الله-: (ولا يَحرُمُ بـإحرامٍ، أو حَرَمٍ حَيوانٌ إنسيٌّ كالدَّجَاجِ، وبهيمَةِ الأنعَامِ؛ لأنَّه ليس بصَيدٍ، وقد كانَ النبي ﷺ يَذبَحُ البُدْنَ في إحرامِه بالحَرَمِ)، أي: أنه لا تأثير للحرم ولا للإحرام في إباحة الحيوان الأنسي كالدجاج والإبل والبقر والغنم ونحو ذلك، لأن الله تعالى إنما حرم الصيد وليس هذا بصيد، إنما لأجل فعل النبي –صلى الله عليه وسلم-حيث نحر هديه –صلى الله عليه وسلم-في الحرم، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم، أن الحيوان الإنسي لا يحرم على المحرم.

وقوله: (ولا يحرُمُ صيدُ البَحرِ إن لم يَكُنْ بالحَرَمِ؛ لقولِه تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ[المائدة: 96])، فلا تأثير للإحرام في تحريم صيد البحر، فلا يمنع منه المحرم إذا كان في الحل، حكي غير واحد من أهل العلم أجمع على ذلك لقول الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ[المائدة: 96] التي ذكرها المؤلف –رحمه الله-فإن كان صيد البحر في الحرم؛ فإنه يحرم لأن التحريم فيه للمكان فلا فرق فيه بين صيد البر والبحر.

  

وقوله –رحمه الله-: (وطَيرُ الماءِ بَريٌّ) أي: إن طير الماء كالبر ونحوه صيد بري في قول عامة أهل العلم، وفيه الجزاء إذا صيد، وذلك أن طير الماء يتعيش في البحر ولا يعيش فيه، يعني يرتزق في البحر ويأكل منه، لكن لا يعيش فيه؛ فيفرخ ويبيض في البر، وبذلك يضمن بيضه بقيمته.

وقوله –رحمه الله-: (ولا يحرمُ بحَرَمٍ، ولا إحرامٍ قَتلُ مُحرَّمِ الأكلِ كالأَسَدِ، والنَّمِر، والكَلبِ، إلَّا المتولِّدَ، كمَا تقدَّمَ) ، أي: إن مما لا يدخل فيما يمنع منه المحرم من الصيد قتل محرم الأكل كالأسد ونحوه، فيحل قتله في الحرم وفي الحل من المحرم وغيره؛ لأن ما لا يؤكل لحمه لا يسمى صيدًا، ولأن النبي –صلى الله عليه وسلم-أباح قتل بعض غير المأكول ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «خمسُ فواسقَ يُقتَلنَ في الحلِّ والحرَمِ الحدَأةُ والغرابُ والفأرةُ والعقربُ والْكلبُ العقورُ»[ صحيح البخاري(1828)، ومسلم(1198)] وفي لفظ لمسلم الحية عوض العقرب.[ صحيح مسلم(97/1198)]، واستثني المتولد من المأكول وغير المأكول كما تقدم تغليبًا لجانب الحظر.

وقوله –رحمه الله-: (ولا يحرُمُ قَتلُ الصَّيدِ الصَّائِلِ دَفعًا عن نَفسِه، أو مالِه. سواءٌ خَشِيَ التَّلَفَ أو الضَّرَرَ بجَرحِه؛ لأنَّه التَحَقَ بالمؤذِيَاتِ، فصارَ كالكَلبِ العَقُورِ) إنه مما يدخل فيما يمنع منه المحرم من الصيد قتل الصيد إذا صال عليه، فلم يقدر على دفعه إلا بقتله، فإن له قتله لدفع شره، فلم يضمنه كالآدمي الصائد.

قال: (لأنَّه التَحَقَ بالمؤذِيَاتِ، فصارَ كالكَلبِ العَقُورِ) ، ولا فرق بين أن يخشى منه التلف، أو يخشى منه مضرة كجرحه أو إتلاف ماله، أو كبعض حيواناته أو بعض ممتلكاته.

وقوله: (ويُسنُّ مُطلَقًا: قَتلُ كُلِّ مُؤذٍ، غَيرِ آدميٍّ)، أي: إن مما يسن في الإحرام وفي غيره قتل ما هو مؤذي بطبعه من غير الآدميين كالأسد والفهد، وما في معناهما وباز وصقر وشاهين وعقاب وحشرات مؤذية كالزنبور وبق وبعوض وبراغيث هكذا ذكر الفقهاء في التمثيل لقتل المؤذي.

وهذا ما لم يكن هناك ترتيب أو تنظيم لذلك، فإنه في هذه الحال ينظر فيما تقتضيه المصلحة، ولا فرق في ذلك بين وجود الأذى منها أو عدمها، كما لا فرق في ذلك بين الحل والحرم، لعموم حديث عائشة رضي الله تعالى عنها المتقدم: «خمس يقتلن في الحل والحرم»، ولم يقيد ذلك بحال وقوع الأذى منها، بل لما كانت مؤذية بطبعها كان الحكم ثابتًا لها في كل أحوالها، في حال الإيذاء وفي حال عدمه، وفي معنى المذكورات الخمس كل مؤذي، وأما الآدمي فاستثناه.

فقال –رحمه الله-: (ويُسنُّ مُطلَقًا: قَتلُ كُلِّ مُؤذٍ، غَيرِ آدميٍّ)، فإن الآدمي لا يحل قتله إلا بإحدى ثلاث لما جاء به الخبر؛ إلا أن يكون منه صول وأذى لا يندفع إلا بالقتل؛ فهنا يكون قتله من باب دفع الصائل.

وقوله –رحمه الله-: (غَيرِ آدميٍّ)، استثنى الفقهاء من ذلك الحربي؛ لأنه يقتل في كل حال، سواء كان مؤذيا أو غير مؤذي، ما لم يكن عهد أو أمان كما هو في موضعه مبينًا فيما نستقبل من الأبواب.

  

قوله –رحمه الله-: (ويحرُمُ بـإحرامٍ: قَتلُ قَملٍ وصِئْبَانِه، ولو بِرَميِه، ولا جَزَاءَ فيه) ، أي: مما يمنع منه المحرم بسبب إحرامه قتل قمل، والعلة في هذا قالوا: لأنه يترفه بإزالته كإزالة الشعر، ويمنع كذلك من قتل صئبانه، والصئبان هي بيض القمل؛ لأن بيضه تابع له، وسواء كان ذلك في الرأس أو في بقية البدن، ولو كان في ثوبه لما فيه من الترف.

 الذين قالوا أنه لا يقتل قالوا: إن النبي –صلى الله عليه وسلم-لو كان يشرع قتله لأمر بقتله، ولما تركه على وجهه بهذه الصورة.

والذين قالوا بالقتل استدلوا بحديث خمس فواسق، وأيضا أنه لا فدية فيه، والأصل في الصيد وما يلتحق به بأن يكون فيه فدية دل على أنه يباح قتله.

  

قوله –رحمه الله-: (لا بَراغِيثَ وقُرَادٍ، ونحوِهِما) أي: مما لا يدخل فيما يمنع منه المحرم البراغيث والجراد ونحوهما، كبق وبعوض؛ لأن عمر قَرَّد بعيره بالسقيا، أي: نزع القراد منه فرماه[موطأ مالك(92)]، وهذا قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه (ويُضمَنُ جَرادٌ بقيمَتِه) أي: إنه إن أتلف المحرم جرادًا فإنه يضمنه بقيمته؛ لأنه صيد مأكول، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:« أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ، وَدَمَانِ. فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ ».[أخرجه أحمد في مسنده(5723)، وحسنه محققو المسند]

وروي عن ابن عمر أنه أوجب فيه الجزاء، ويضمن بقيمته لأنه متلف ليس له مثل، فضمن بالقيمة كسائر المتلفات التي لا مثل لها، وقيل: بل يجب في الجراد ثمرة.

وعن أحمد أنه لا ضمان في الجراد هذه رواية ثانية، لأنه من صيد البحر، واستدلوا بحديث عند أبي داود عن أبي هريرة أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «الجراد من صيد البحر»[سنن أبي داود(1853)، وسنده ضعيف]، وفي لفظ أنه سئل عن الجراد فقال –صلى الله عليه وسلم-: «إنما هو من البحر»، لكن لو الآن حصل مثل ما يجد بعض الأحيان ينفرش الجراد بين يدي الماشي في طريقه، فإذا قتله بالمشي عليه، هذا يضمنه أو لا؟

فيه قولان لأهل العلم؛ القول الأول: أنه لا جزاء فيه؛ لأنه اضطر إلى إتلافه، أشبه ما لو صال عليه.

والثاني: عليه جزاء؛ لأنه أتلفه لمنفعته، أشبه ما لو اضطر لأكله.

والأقرب والله تعالى أعلم: أنه لا جزاء عليه.

  

قوله –رحمه الله-: (ولمُحرِمٍ احتاجَ لفِعلِ محظُورٍ فِعلُه، ويَفدِي) أي: إن المحرم إن احتاج لفعل محظور غير مفسد فله فعله ويفدي؛ لقول الله تعالى: [ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ][البقرة:196] ، وجاء به عند ذلك في حديث كعب بن عجرة لما شكا ما يجده من هوام رأسه فقال:« صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أَوْ انْسُكْ مَا تَيَسَّرَ».[صحيح البخاري(6708)، ومسلم(1201)]

قوله –رحمه الله-: (وكذا: لو اضطُرَّ إلى أكلِ صَيدٍ، فله ذَبحُهُ وأكلُه، كمَن بالحَرَمِ. ولا يُباحُ إلَّا لمَن له أكلُ الميتَةٍ) أي: إن المحرم إذا اضطر إلى أكل الصيد وأبيح له ذبحه وأكله لا خلاف بين أهل العلم في ذلك لقوله تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ[البقرة: 195] لكن إذا ذبحه صار كالميتة، لا يحل أكله إلا لمن يجوز له أكل الميتة، أو يحل بالذبح.

قال القاضي في هذا قال: هو ميتة أي إذا ذبح الصيد، واحتج لذلك بقول أحمد: كل ما اصطاده المحرم وقتله فإنما هو قبل قتله يعني حالك حاله قبل قتله وهو محرم.

وقيل: بل يحل لحال أكله في حال الضرورة، وعلى القولين عليه الفداء، هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وقيل: لا فداء عليه والحالة هذه، حكي عن بعض الحنابلة، والذي يظهر أن عليه الجزاء عليه الفدية؛ لأنه قتله لمصلحته.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق