مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 94

التاريخ : 2024-06-02 06:35:31


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

يقول المصنف –رحمه الله-: (السابع عقد النكاح) هذا سابع ما ذكره المؤلف من محظورات الإحرام، وهو: عقد النكاح للمحرم وغيره، وهذا المحظور من المحظورات المشتركة بين الرجال والنساء، فيحرم عقد النكاح على الرجال وعلى النساء، وبيان ذلك أن المحرم لا يصح أن يعقد النكاح لنفسه أو لغيره، سواء زوَّج غيره أو تزوج محرمة أو غيرها، وسواء أكان وليا أم وكيلا؛ فيحرم عقد النكاح على المحرم زمن الإحرام، ولو عقد محرم النكاح لنفسه أو لغيره، فالنكاح فاسد لما روى عثمان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لا يَنْكِحُ المُحْرِمُ، ولا يُنْكِحُ، ولا يَخْطُبُ»[صحيح مسلم(1409)] والحديث في الصحيح عند مسلم، والنهي يقتضي الفساد، وبهذا قال الجمهور، وعليه الإمام أحمد، وفي رواية أنه إن زوج المحرم غيره صح، سواء كان وليا أو وكيلا، ونظيره بما لو حلق المحرم رأس حلال، فإنه لا يحرم عليه، والمذهب هو الأول أن ذلك لا يصح ولا يجوز.

 والاعتبار بحالة العقد، فلو وكل محرم حلالا فعقده بعد حله، صح على الصحيح من مذهب، وقيل: لا يصح للاعتبار في حال الأخذ.

ولو وكل حلال حلالا فعقده بعد أن أحرم لم يصح على الصحيح من المذهب، لأنه محرم، وقيل: يصح، فالاعتبار في الحال عند العقد، ولو وكله ثم أحرم هل ينعزل بالتوكيل؟

الجواب: لا، وقيل ينعزل لو وكله ثم أحرم، لو وكَّل شخصا في النكاح ثم أحرم، فهل بالإحرام تنفسخ الوكالة، وينعزل بالتوكيل؟

الصحيح من المذهب أنه لا ينعزل، وقيل: ينعزل، فعلى المذهب لو حل للموكل كان لوكيله عقده بناء على الوكالة السابقة، يعني الإحرام لا يفسخ الوكالة على الصحيح من المذهب.

  

وقوله –رحمه الله-: (ولا فِديَةَ في عقدِ النكاحِ، كشِراءِ الصَّيدِ) أي: إنه إذا عقد المحرم النكاح، فإنه لا فدية عليه في جميع ما تقدم من الصور؛ لأنه عقد فسد لأجل إحرام؛ فلم تجب به فدية كشراء الصيد، ولا فرق فيه بين الإحرام الصحيح والفاسد، فلا يحل النكاح في الإحرام الصحيح، ولا في الإحرام الفاسد، فالإحرام الفاسد كالصحيح في منع النكاح وسائر المحظورات، وعلة ذلك أن حكم الإحرام باق في وجود ما يجب بالإحرام، وكذلك فيما يحرم به، كما أنه يجب عليه إتمام النسك في الفاسد، فكذلك يجب عليه امتناع عما يحرم في الفاسد

  

وقوله –رحمه الله-: (ويُكرَهُ للمحرِمِ: أن يخطِبَ امرأةً، كخُطبَةِ عَقدِه، وحُضورِه، وشَهادتِه فيه) أي: إنه يكره للمحرم الخطبة وهي طلب النكاح لما في الصحيح عن عثمان «ولا يخطب»[سبق]، ولأن الخطبة تسبب إلى حرام وهو النكاح فأشبه الإشارة إلى الصيد يمنع منه المحرم، كما يكره المحرم أن يقرأ خطبة عقد النكاح وهي قوله: إن الحمد لله إلى آخره.

وقد فسر بعض أهل العلم قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ولا يشهد النكاح»[قال ابن حجر في التلخيص الحبير: قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَلَا يَشْهَدُ.قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ] أنه لا يخطب، ويكره أن يشهد في النكاح، وعلة ذلك أنه معاونة على النكاح فأشبه الخطبة، فإن وقع منه شهادة أو خطبة في زمن الإحرام لا يؤثر ذلك على صحة النكاح، وقيل: بل يحرم أن يخطب.

وقال بعض أصحاب الشافعي لا ينعقد النكاح بشهادة المحرمين؛ لأنه في بعض الروايات حديث عثمان :«ولا يشهد»، والصواب: أن الشهادة لا تؤثر على العقد، وتفسير «لا يشهد» بأنه لا يخطب أو غير معروفة، فيثبت بها حكم.

  

وقوله –رحمه الله-: (وتَصحُّ الرَّجعَةُ أي: لو رَاجَعَ المحرِمُ امرأتَه، صحَّت بلا كَراهَةٍ؛ لأنه إمساكٌ. وكذا: شِراءُ أمَةٍ للوَطءِ)أي، أنه يصح للمحرم أن يراجع مطلقته الرجعية، فالرجعة لا تسمى عقدا؛ بل هي إمساك واستبقاء واستدامة، قال الله تعالى: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ[البقرة: 231]--، والقاعدة أن الاستدامة أقوى من الابتداء.

وعن أحمد رواية أن الرجعة من محظورات الإحرام ولا تصح؛ لأنها عقد وضع لإباحة البضع أشبه النكاح، والصواب: المذهب، وأنه تصح الرجعة، ولا يمنع منها المحرم.

وقوله –رحمه الله-: (وكذا: شِراءُ أمَةٍ للوَطءِ) أي: إنه يصح أن يشتري المحرم أمة للوطء وغيره أي لغير الوطء لما شاء من المصالح، وقد قال ابن قدامة لا نعلم فيه خلافا؛ ولأن الشراء هي كونه على عينها وهي تراد للوطء وغيره، ولهذا صح الشراء نحو المجوسية بخلاف عقد النكاح، فإنه على منفعة البضع خاصة.

ولذلك لم يصح نكاح نحو مجوسية، هذا هو المحظور السابع من محظورات الإحرام.

  

قال رحمه الله : (الثامِنُ: الوَطءُ) أي: إن ثامن ما ذكره المؤلف –رحمه الله-من محظورات الإحرام الوطء والمقصود بالوطء الجماع، وهذا من المحظورات المشتركة بين الرجال والنساء، والأصل في ذلك قول الله تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: 197]، والمقصود بالرفث الجماع ومقدماته، وبهذا قال جماعة من العلماء وأكثر أهل العلم عن أن المقصود بالرفث الجماع. قال الطبري –رحمه الله-: والرفث في كلام العرب أصله الإفحاش في المنطق على ما قد بينا فيما مضى ثم تستعمله -أي العرب- في الكناية عن الجماع، وأجمع ما قيل في معنى الرفث: أنه الجماع ومقدماته الفعلية والقولية، وهو أعظم محظورات الإحرام، وقد بين المؤلف –رحمه الله-أولا بماذا يتحقق الوطء فقال: وإن جامع المحرم بأن غيب الحشفة في قبل أو دبر من آدمي أو غيره حرم، فالوطء تغييب الحشفة الأصلية ممن يجامع مثله في فرج أصلي قُبلا كان أو دبرًا من آدمي أو غيره، والجاهل والناسي والمكره كضدهم، يعني لا فرق في هذا المحظور بين الجاهل والناسي والمكره في ترتب وقوع المحظور، وما يترتب عليه.

  

وقد ذكر المؤلف –رحمه الله-المحظور، ولم يبين في هذا الموضع ما يترتب عليه، بل قال: (وإليه الإشارَةُ بقولِه: وإن جامَعَ المحرِمُ، بأن غَيَّبَ الحشَفَةَ في قُبلٍ أو دُبرٍ، مِن آدميٍّ أو غَيرِه: حَرُمَ) أي: حرم عليه هذا الفعل، وذكر الدليل: لقوله تعالى: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث} البَقَرَة: 197 قال ابن عباس: هو الجماعُ. ثم بين المؤلف –رحمه الله-تفصيلًا ما يترتب على الوطء زمن الإحرام، وجعله على حالين؛ الحالة الأولى: قبل التحلل الأول قال: (وإن كانَ الوَطءُ قبلَ التحلُّلِ الأوَّلِ: فَسَدَ نُسُكُهُمَا ولو بعدَ الوقوفِ بعرفَةَ)، فالوطء قبل التحلل الأول يفسد النسك ولو بعد الوقوف بعرفه، (ولا فرقَ بينَ العامدِ والساهِي) كما تقدم؛ لأن فعل الصحابة قضوا بفساد الحج ولم يستفصلوا. وقوله –رحمه الله-: (قبلَ التحلُّلِ الأوَّلِ) أي: أن ما يترتب على الوطء في الإحرام على مرتبتين من جهة ما يترتب عليه؛ قبل التحلل الأول يترتب عليه فساد النسك، فساد نسكهما، ففساد نسكهما أي الواطئ والموطوءة الرجل والمرأة. قال: (ويَمضِيَانِ فيه أي: يجِبُ على الواطِئ والموطوءَةِ المُضِيُّ في النُّسُكِ الفاسِدِ، ولا يَخرُجَانِ منه بالوَطءِ)، أي: لا يخرجان من النسك بحصول الوطء، (رُوي عن عمرَ، وعليٍّ، وأبي هريرةَ، وابنِ عباسٍ، فحُكمُه كالإحرَامِ الصحيحِ) لا فرق بين الفاسد والصحيح في هذا المحظور؛ (لقوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾[البقرة: 196].) قال: (ويَقضِيَانِه وجوبًا ثانيَ عامٍ رويَ عن ابنِ عباس، وابن عمر، وابن عمرو) فإذا جامع المحرمان قبل التحلل الأول فسد النسك، ووجب المضي فيه، ويلزمه القضاء ثاني عام، وهذه ثلاثة أمور مما يترتب على الجماع في الإحرام قبل التحلل الأول، ولم يذكر المؤلف الفدية، وستأتي. وقد عد بعض أهل العلم ما يترتب على الوطء فقال: يترتب على الوطء خمسة أمور؛ الأمر الأول: الإثم، وفيه التوبة. الثاني: فساد النسك، حجًّا كان أو عمرة. الثالث: الفدية. الرابع: وجوب المضي في الفاسد من النسك. الخامس: القضاء من العام القادم دون تأخير. والمؤلف لم يذكر الإثم، لكنه مفهوم من كلامه؛ لأنه قال: (حَرُمَ)، والمحرَّم يجب تركه، وبمواقعته يثبت الإثم، وقوله: (وغيرُ المكلَّفِ: يَقضِي بعدَ تَكلِيفِه وحَجَّةِ الإسلامِ فَورًا، مِن حَيثُ أحرَمَ أوَّلًا، إن كانَ قبلَ مِيقَاتٍ، وإلَّا فمِنهُ) هذا بيان لمسألة مفترضة في الصبي غير المكلف إذا أفسد حجه بوطء، فحكم غير المكلف أن يقضي بعد تكليفه وبعد حجة الإسلام ما أفسده من حج قبل بلوغه، بالوطء، وهذا على القول بأن الصغير تلزمه أحكام المحظورات إذا وقع في شيء منها، إلا أنهم قالوا: يقضي بعد تكليفه وحجة الإسلام فورا، يعني أن القضاء في حق من جامع ولم يبلغ يكون بعد فراغه من حجة الإسلام، يجب عليه الإحرام في القضاء من موضع إحرامه في الحجة أو النسك الذي أفسده. قال: (وسُنَّ: تَفرُّقُهُما في قضاءٍ مِن مَوضِعِ وَطءٍ، إلى أن يَحِلَّا)أي: تفرق الزوج والزوجة، والأصل في هذا ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه في رجل وقع على امرأته وهو محرم فقال: "استقضيا نسككما، وارجعا إلى بلدكما، فإذا كان عام قابل فاخرجا حاجين، فإذا أحرمتما فتفرقا ولا تلتقيا حتى تقضيا نسككما واهديا هديا"، والمراد بالتفريق اجتناب الركوب معها في بعير واحد أو في مركب واحد، وكذلك الجلوس في خباء، ولكن هذا لا يمنع أن يكون قريبًا منها؛ لأنه محرمها. فالحالة الثانية فيما يتعلق بما يترتب على الوطء في الإحرام، الوطء بعد التحلل الأول، فإذا وطيء بعد التحلل الأول لم يفسد نسكه، وعليه الفدية؛ وذلك أنه بالتحلل الأول ترتفع جملة المحظورات، إلا ما يتعلق بالنساء. وقوله: (ولا فِديَةَ على مُكرَهَةٍ، ونَفَقَةُ حجَّةِ قَضائِها عليه؛ لأنَّه المُفسِدُ لنُسُكِهَا) هذا بيان أنه لا يلزم المرأة المكرهة على الوطء في الحج أو العمرة لا يلزمها فدية، بل هي لازمة لمكرهها، ويلزم مكرهها نفقة حجها كذا عمرتها، وهذا خلاف ما لو طاوعت، فإنها إذا طاوعت المرأة أفسدت نسكها فكانت النفقة عليها كالرجل.

  

ثم قال –رحمه الله-: (التاسِـعُ: المباشَـرَةُ دونَ الفَـرجِ. وذكَرَهَـا بقولِـه: وتحـرُمُ المباشَرَةُ) أي: مباشرة الرجل المرأة، والمقصود بالمباشرة ما بينه ابتداء، وهو استمتاع الرجل بالمرأة فيما دون الفرج.

ولهذا قال بعضهم المباشرة دون الفرج شهوة، والدليل قوله تعالى: ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ[البقرة: 197]، فالرفث يشمل إنزال المني بشهوة، إذ الرفث اسم جامع لكل دواعي الشهوة، يتناول جماعًا وغيره كما تقدم، وقالوا: لأنه إذا كان يحرم عقد النكاح الذي تستباح به المباشرة، فالمباشرة من باب أولى؛ لأنها أقرب وسيلة من الوطء من مجرد العقد، فإن كانت مباشرة قبل التحلل الأول بأن باشر فأنزل، فإنه يترتب عليه الإثم والفدية، والفدية هنا كفدية الجماع بدنة قياسًا على فدية الوطء، لكن النسك لا يفسد لعدم الدليل.

ولا يصح قياس الإنزال بشهوة من غير جماع بالجماع، والوطء في المباشرة لا تفسد النسك ولو أنزل لعدم النص والإجماع، ولعدم صحة القياس، فإن باشر ولم ينزل بل أمزى أو كان له شهوة ولم يمزي ولم ينزل فليس عليه بدنة إنما البدنة تجب بإنزال المني، قالوا: عليه شاة كفدية الأذى لما فيه من الترفه.

فقوله: (وعليه بَدنَةٌ إن أنزَلَ بمباشَرَةٍ، أو قُبلَةٍ، أو تَكرَارِ نَظَرٍ) هذا بيان الفدية التي تلزم بالمباشرة أو بتكرار النظر المفضي إلى الإنزال، أما إن لم ينزل بالنظر فلا شيء عليه.

فقوله –رحمه الله-: (أو تَكرَارِ نَظَرٍ) يعني فأنزل، أما مِن دون إنزال فإنه لا شيء عليه ولو كرر النظر.

قال: (لكِنْ يُحرِمُ بَعدَ أن يخرُجَ مِن الحلِّ) هذا إذا حصل منه إنزال قبل التحلل الأول.

قوله: (لكِنْ يُحرِمُ بَعدَ أن يخرُجَ مِن الحلِّ ليجمَعَ في إحرامِه بينَ الحلِّ والحَرَمِ لطَوافِ الفَرضِ أي: ليطوفَ طَوافَ الزِّيارَةِ مُحرِمًا) هذا بيان أن المباشر يجب عليه تجديد إحرامه إن لم يطف طواف الإفاضة، فليزمه أن يخرج إلى أدنى الحل فيحرم، فإن كان طاف طواف الزيارة الذي هو طواف الإفاضة فلا يلزمه تجديد النسك، ومقتضى أنه لو كان طاف قبل الوطء لا إحرام عليه، وهذا ما جزم به ابن قدامة في المغني، وكذلك في الشرح.

يقول البهوتي في الروض: (وظاهِرُ كلامِه: أنَّ هذا في المُبَاشِرِدُونَ الفَرجِ إذا أنزَلَ).

قال: (وهو غَيـرُ مُتَّجِـهٍ؛ لأنه لم يَفسُـد إحرامُه حتى يحتَـاجَ لتجديـدِه، فالمُبَاشَرةُ كسائرِ المحرَّمَاتِ غيرِ الوَطءِ. هذا مُقتَضى كلامِه في «الإقناع»)،  إلى آخره، فالماتن جعل الخروج إلى الحل واجبًا للمباشرة، والمصنف ذكر أن هذا غير صحيح لأن أصحابه ذكروا هذا الحكم فيمن جاء معه بعد التحلل الأول لا فيمن باشر كما تقدم، فالمباشرة لا يلزم تجديد إحرام بها خلافًا لما جامع بعد التحلل الأول.

قال البهوتي في الروض: (إلَّا أن يكونَ على وجهِ الاحتياطِ؛ مُراعَاةً للقَولِ بالإفسَادِ) أي: فهو متجه من هذه الجهة، وهو أنه يخرج على وجه الاحتياط مراعاة للقول بأن النسك يفسد بالإنزال بالمباشرة.

  

ثم قال –رحمه الله-: (وإحرامُ المرأةِ فيمَا تقدَّمَ كالرَّجُلِ، إلَّا في اللِّباسِ أي: لباسِ المخيطِ، فلا يَحرُمُ عَليها، ولا تَغطيَةُ الرَّأسِ) ، بيان ما تتميز به المرأة عن الرجل فيما يتعلق بمحظورات الإحرام أنها كالرجل إلا في اللباس، وفي أول الكلام ذكرنا أن محظورات الإحرام من حيث تعلقها بالمحرم لها ثلاثة أقسام ما يتعلق بالرجال والنساء، وما يختص الرجال، وما يختص النساء.

فيقول هنا: (وإحرامُ المرأةِ فيمَا تقدَّمَ كالرَّجُلِ، إلَّا في اللِّباسِ أي: لباسِ المخيطِ، فلا يَحرُمُ عَليها)،

قال: (ولا تَغطيَةُ الرَّأسِ). ، فهذه تلزم الرجل ولا تلزم المرأة، ويلزمها قال: (وتَجتَنِبُ: البُرقُعَ والقُفَّازَينِ) هذا مما يختص النساء (لقوله عليه السلام: «لا تَنتَقِبُ المرأةُ، ولا تَلبَس القُفَّازَين».[صحيح البخاري(1838)] رواه البخاريُّ وغيره) ، (والقُفَّازَانِ) في بيان معناهما (شيءٌ يُعمَلُ لليدَينِ، يُدخَلانِ فيه يَستُرهُمَا من الحرِّ، كما يُعمَلُ للبُزَاةِ) يعني أصحاب الصخور (ويَفدِي الرَّجُلُ والمرأةُ بِلُبسِهِمَا)، فلا فرق بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالبرقع والقفاز، وإنما ذكرت المرأة على وجه الخصوص بناء على الغالب أن هذا من لباس النساء، لكن لو لبسه الرجال كان الحكم فيهما كالحكم في النساء.

قال: (وتَجتَنِبُ أيضًا: تغطيةَ وجهِهَا لقولِه ﷺ: «إحرامُ الرَّجُلِ في رأسِه، وإحرامُ المرأةِ في وجهِها».[أخرجه البيهقي في الكبرى(9048)]وهذا لا يصح مرفوعا عن النبي –صلى الله عليه وسلم-إنما هو من كلام ابن عمر، (فتضَعُ الثَّوبَ فَوقَ رأسِهَا وتَسدلُه) هذا بيان كيف تحتجب المحرمة، (فتضَعُ الثَّوبَ فَوقَ رأسِهَا وتَسدلُه على وجهِهَا؛ لمرورِ الرِّجَالِ قَريبًا مِنها).

واستدلوا لذلك في السنن من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: «كان الركبانُ يمرُّون بنا ونحن مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم محرماتٌ، فإذا حاذوْا بنا سدَلَتْ إحدانا جلبابَها من رأسِها على وجهِها فإذا جاوزُونا كشفناه»[أخرجه أبو داود في سننه(1833)، وصححه الألباني في المشكاة]، والعلة في هذا أن المرأة محتاجة إلى ستر وجهها، فلم يحرم عليها ستره على الإطلاق كالعورة، وإنما منعت من ستره بلباس خاص.

وقوله –رحمه الله-: (ويُباحُ لها: التَّحلِّي بالخَلخَالِ، والسِّوَارِ، والدُّمْلُجِ، ونحوِهَا. ويُسنُّ لها: خِضَابٌ عندَ إحرامٍ، وكُرِهَ بعدَه) بيان أن جميع هذه المذكورات وإن كانت من الملبوسات فإنها لا تمنع منها المحرمة، لأن الأصل في المحظورات التوقيف، فلا يمنع المحرم من شيء من المباحات إلا ما دل على الدليل من منعه.

وبناء على هذا الأصل فإنه يباح للمحرمة لبس الأساور، والسوار ما يلبس في اليد، والخلخال ما يلبس في القدم، والدملج سوار يحيط به العضد، ويلحق بهذا ما يلبس في هذا العصر من الساعات ونحوها من النظارات وما أشبهها، فإنها مباحة لا يمنع منها المحرم.

قال: (ويُسنُّ لها: خِضَابٌ عندَ إحرامٍ، وكُرِهَ بعدَه)، ويستحب للمرأة أن تختضب بالحنة عند الإحرام لما روى ابن عمر أنه قال: من السنة أن تدلك المرأة يديها في حناء، فاستحب عند الإحرام؛ ولأنه من الطيب الخفي، ولا بأس بالخضاب في حال الإحرام، وقيل: للإكراه لكونه من الزينة، والأقرب أنه لا يكره لما روي عكرمة أنه قال:« كانت عائشة وأزواج النبي –صلى الله عليه وسلم-يختضبن بالحناء وهن حرم»[أخرجه البيهقي في معرفة السنن(9691)]، ولأن الأصل الإباحة.

(وكُرِه لهُما) أي للرجل والمرأة في الإحرام (اكتِحالٌ بـإثمِدٍ لزينَةٍ) لما روت عائشة أنها قالت لامرأة محرمة:« اكتحلي بأي كحل شئت غير الإثمد أو الأسود»، ولا يكره اكتحالهما بذلك لغير الزينة، أي بالإثمد والأسود لغير الزينة، كوجع عين ونحوه.

وقوله –رحمه الله-: (ولهُمَا: لُبسُ مُعصفَرٍ وكُحليٍّ، وقَطعُ رائحَةٍ كريهَةٍ بغَيرِ طيبٍ، واتِّجَارٌ، وعَمَلُ صَنعَةٍ، ما لم يَشْغَلا عن واجِبٍ أو مُستحبٍّ. وله: لُبسُ خاتَمٍ)، هذا بيان ما يجوز للمحرم ذكر وأنثى، لقوله: ولهما أي للمحرم رجلا كان أو امرأة فعل ما ذكر –رحمه الله-من اللبس للمعصفر وكحلي وهو ما كان مصبوغا بغير ورث أو زعفران؛ لأن الأصل الإباحة إلا ما ورد الشرع بتحريمه أو كان في معناه، وكذلك لهما قطع رائحة كريهة بغير الطيب والإتجار وعمل صنعة إلا أن يشغله عن واجب أو مستحب، فإن انشغل عن واجب لا يجوز، وإن شغله عن مستحب فإنه خلاف الأولى، (وله: لُبسُ خاتَمٍ) فإن لبس مباحًا من فضة وعقيق ونحوهما لما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه.

وقوله: (ويَجتَنِبَانِ: الرَّفَثَ والفُسُوقَ والجِدَالَ) هذا بيان لما ينبغي على المحرم والمحرمة أن يجتنباه من الرفث والفسوق والجدال لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ[البقرة: 197] والرفث تقدم الجماع، وقيل: الجماع ودواعيه، والفسوق: السباب وسيء القول ويشمل المعاصي، والجدال: المراء والمخاصمة والمحاجة.

قال: (وتُسنُّ: قِلَّةُ الكلامِ، إلَّا فيمَا يَنفَع) هذا بيان لما يسن للمحرم ويستحب من قلة الكلام إلا فيما ينفع فيشتغل بالتلبية أو ذكر الله –عز وجل-وقراءة القرآن، واستدلوا لذلك بعموم قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ»[صحيح البخاري(6018)، ومسلم(47)]، وهذا في الإحرام وفي غيره، وبهذا يكون قد انتهى ما يتعلق بباب المحظورات من الإحرام.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق