مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 1928

التاريخ : 2024-06-03 10:27:59


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال المؤلف –رحمه الله-: (بابُ الفِديَةِ) والفدية: أتى بها المؤلف في خاتمة كتاب المناسك لأنها جبر لما يكون من نقص فيه، وأشار المصنف –رحمه الله-إلى أنها أقسام، وهذا الباب معقود لبيان أقسامها، وبيان قدر ما يجب من الفدية، وكذلك بيان المستحق لأخذها.

والفدية مصدر من فدى يفدي فداء، وأصلها من جهة اللغة ما يعطى في افتكاك أسير أو قادم من هلكة، وأما في الشرع: فدية ما تجب بسبب نسك أو حرب، وهي على ثلاثة أقسام منها ما ورد النص بالتخيير فيه، ومنها ما ورد بالترتيب، ومنها ما لم يرد فيه تخيير ولا ترتيب، وهذا الثالث قال عنه البهوتي: لا يخرج عن الدربين السابقين، والحكمة من مشروعية الفدية تعظيم أمر الإحرام والحرم، وأن ما يمنع في الإحرام أو في الحرم إذا غشاه المحرم أو غيره في الحرم فإنه يكون قد وقع فيه ما يكون من أسباب الهلاك لعظم شأنه وتأكد حرمته، فلذلك شرع الابتداء، فإطلاق الفدية في محظورات الإحرام فيه إشعار بأن من أتى محظورا منها فكأنه تورط فيما يوجب الهلاك، ويحتاج إلى أن يفتَكَّ من ذلك، وأن ينقذ نفسه بالفدية التي يبذلها، وبه يتبين أن الفدية ليست أمرا يخيَّر فيه الإنسان بين فعل ما يجب أو بين ترك ما يحرم، وبين الفدية، فليس الخيار بين أن تأتي بالفدية أو أن تترك ما يحرم أو أن تفعل ما يجب، فليس الخيار بين ترك الواجب واجتناب المحظور، وبين الفدية لك أن تختار بينهما، إنما الواجب ترك ما منع منه المحرم وفعل ما وجب بالإحرام، فإن وقع في مخالفة في ذلك من ترك واجب أو فعل ممنوع محظور فإنه يفتكُّ منه بالفدية.

  

بدأ المصنف –رحمه الله-ذكر الفدية التي فيها تخيير، وهو ما ورد النص فيه بالتخيير، فقال:( يخيَّرُ بفِديَةٍ أي: في فِديَةِ حَلقٍ فوقَ شَعرَتَين وتَقليمٍ فوقَ ظُفرَينِ وتَغطِيَةِ رأسٍ، وطيبٍ ولُبسِ مَخيطٍ بينَ: صيامِ ثلاثَةِ أيامٍ) إلى آخره، هذا هو النوع الأول من أنواع الفدية، وهي التي تكون الفدية فيها على التخيير، وموجبها ذكره المؤلف –رحمه الله-:الحلق، وتقليم الأظافر، وتغطية الرأس، والطيب، ولبس المخيط فذكر خمسة موجبات توجب هذه النوع من الفدية، ثم بيَّن الفدية.

والأصل في مشروعية الفدية في فعل المحظور قول الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ[البقرة: 196]، أي: فيجوز له حلق رأسه لدفع الأذى وتلزمه الفدية، وبينها الله تعالى في قوله: ﴿مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ[البقرة: 196]، وقد ذكرها –جل وعلا-على وجه التخيير.

وهذا نص في فدية الحلق، وألحق بها بقية محظورات الإحرام من تقليم للأظافر، وتغطية رأس، وطيب، ولبس مخيط، وقد جاء بيان ما في الآية الكريمة من الصيام والإطعام والنسك في حديث كعب بن عجرة وقد ذكره المؤلف في قوله في ذكر التخيير قال: (بينَ صيامِ ثلاثَةِ أيامٍ، أو إطعَامِ سِتَّةِ مَساكِينَ، لكلِّ مِسكينٍ مُدُّ بُرٍّ، أو نِصفُ صَاعِ تمرٍ أو شَعيرٍ، أو ذَبحِ شَاةٍ) ، وذكر المؤلف الدليل (لقوله ﷺ لكَعبِ بن عُجرَةَ: «لعلَّكَ آذاكَ هَوامُّ رأسِكَ ؟» قال: نعَم يا رسولَ اللَّه. فقال: «احلِق رأسَكَ») ؛ فأذن له في فعل الممنوع وهو حلق الرأس، ثم ذكر له الفدية قال: «وصُمْ ثلاثَةَ أيَّامٍ، أو أطعِم ستَّةَ مَساكِين، أو انسُك شَاةً»[صحيح البخاري(1814)، ومسلم(1201)]، وفي رواية:« أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع»[صحيح البخاري(4517)] والآية والحديث متطابقان في الدلالة على التخيير، حيث خيره النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-بين هذه الخصال الثلاثة.

وقد جاء في حديث كعب رضي الله تعالى عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم-سأله فقال:« أتجد شاة؟» فقلت: لا، فنزلت ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾قال: «صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، نصف صاع طعاما لكل مسكين»، وهذا يبين أن الفدية على التخيير، وإن كان النبي –صلى الله عليه وسلم-سأله أول ما سأله عن الشاة، لكن جاءت الآية بالتخيير، فدل ذلك على أن الفدية على التخيير، وليس فيها أن الأفضل الشاة، أو أنها مقدمة على بقية الخيارات.

وقوله –رحمه الله-: (ويُخيَّرُ بجزَاءِ صَيدٍ) انتقل المؤلف –رحمه الله-إلى ثاني أنواع وأقسام الفدية وهي ما كان الواجب فيها على الترتيب، لا على التخيير.

القسم الأول نوعان؛ ما يخير فيه بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، والنوع الثاني من القسم الأول ما يخير فيه بين المثل، أو التقويم، والإطعام، وهذا في جزاء الصيد خاصة.

قال: (ويُخيَّرُ بجزَاءِ صَيدٍ، بينَ ذَبحِ مِثلٍ، إن كانَ له مِثْلٌ مِن النَّعَمِ، أو تَقويمِه أي: المثلِ بمحلِّ التَّلَفِ، أو قُربِه بدَرَاهِمَ، يَشتَرِي بها طَعَامًا يُجزِئُ في فِطرَةٍ، أو يُخرِجُ بعَدلِه مِن طَعَامِه فيُطعِمُ كلَّ مِسكينٍ مُدًّا إن كانَ الطعامُ بُرًّا، وإلَّا فمُدَّينِ، أو يَصومُ عن كُلِّ مُدٍّ مِن البرِّ يَومًا لقولِه تعالى: {فجزاء مثل ما قتل من النعم} [ المَائدة: 95] الآية

  

(ويُخيَّرُ بما لا مِثلَ له بعدَ أن يُقوِّمَه بدَرَاهِمَ لتَعذُّرِ المِثلِ، ويَشتَري بها طَعَامًا، كمَا مرَّ بينَ: إطعَامٍ كما مرَّ وصِيامٍ على ما تقدَّمَ).هذا بيان لفدية جزاء الصيد للمحرم، ولمن في الحرم، والأصل فيه قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ[المائدة: 95]، ثم قال: ﴿وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ[المائدة: 95]، فالصيد بناء على ما ذكر المؤلف استنادًا إلى الآية نوعان؛ النوع الأول: ما له مثل، وهذا فيه التخيير بين هذه الأمور الثلاثة؛ الأول جزاء مثل ما قتل من النعم؛ لقوله تعالى: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ[المائدة: 95]، ويذبح هذا المثل ويتصدق به على فقراء الحرم لقوله تعالى:  ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ[المائدة: 95]، ولا بد من ذبحه فلا يجزئ أن يتصدق به حيا على المساكين؛ لأن الله تعالى سماه هديا والهدي يجب ذبحه، ولا يتوقت هذا بوقت، بل له أن يذبحه في أي وقت، ولا يختص بأيام الحج، أو أيام النحر هذا الخيار الأول.

الخيار الثاني ما ذكره الله تعالى في قوله: ﴿أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ[المائدة: 95]، وأشار إليه المؤلف بقوله: (فيُطعِمُ كلَّ مِسكينٍ مُدًّا إن كانَ الطعامُ بُرًّا، وإلَّا فمُدَّينِ)، لكن كيف يقدر عدد ما يلزمه من الإطعام؟ ذكر المؤلف أنه يقوِّم المثل بمحل التلف أو قربه.

فقال: (أو تَقويمِه أي: المثلِ بمحلِّ التَّلَفِ) يعني مكان تلف الصيد (أو قُربِه) إن لم يكن موجودا في المحل، وتقويمه بماذا يكون؟ قال: (بدَرَاهِمَ) أي: بنقد فينظر كم يقوَّم مثل هذا الصيد بدراهم، و(يَشتَرِي بها طَعَامًا).

قال: (يُجزِئُ في فِطرَةٍ) يعني من غالب قوت البلد، (أو يُخرِجُ بعَدلِه مِن طَعَامِه) يعني يخرج بقدره من طعام لا يلزمه الشراء، (فيُطعِمُ كلَّ مِسكينٍ مُدًّا) والمد ملئ يدين من الطعام  (إن كانَ الطعامُ بُرًّا، وإلَّا فمُدَّينِ) إن كان من غير البر، بناء على التفريق بين البر وبين غيره، وهذا تقدم في زكاة الفطر.

قال: (أو يَصومُ عن كُلِّ مُدٍّ مِن البرِّ) هذا الخيار الثالث أنه يصوم، وبيَّن طريقة حساب الصيام في احتساب يوم عن كل مد لقوله تعالى: ﴿مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا[المائدة: 95]، فعدلها أي ما يقابله، واحتسبوا في ذلك عن كل مد يوما، فلو كان تقويم مثل الصيد عشرة أمداد، فإنه يصوم عشرة أيام.

أما النوع الثاني من الصيد فهو لا مثل له من بهيمة الأنعام، فهذا يخير بين أمرين؛ بين تقويمه بطعام لكل مسكين مد من طعام، أو يصوم عن كل مسكين يوما، أي: عن كل ما يطعم به مسكين سواء مدًّا أو مُدَّين على حسب نوع الطعام المخرَج يومها.

وقوله –رحمه الله-: (وإن بَقِيَ دُونَ مُدٍّ صامَ يَومًا) ، يعني إذا بقي في التقويم ما هو دون المد، فإنه يحتسبه بيوم؛ لأنه لو بقي من الطعام ما لا يعدل يوما جبر الكسر؛ لأنه لا يتبعض، ولا يقال إنه يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء، ويطعم عن بعضه، ولم يشترط الله تعالى في هذا الصوم التتابع.

  

قال –رحمه الله-: (وأمَّا دمُ مُتعَةٍ وقِرانٍ: فيجِبُ الهديُ) هذا ثاني الأقسام، وهو ما كان الواجب فيه مرتبًا، الحقيقة أن إدخال دم الهدي والمتعة في الفدية على وجه التبع، وإلا فدم المتعة والقران ليس بفدية، بل هما نسك.

ولهذا يقال: إن دم المتعة والقران دم نسك، دم عبادة وليس دم جبران، بخلاف الفدية فهي دم جبران.

وقوله –رحمه الله-: (وأمَّا دمُ مُتعَةٍ وقِرانٍ: فيجِبُ الهديُ بشَرطِه السَّابِق) لأنه من الشروط التي يتحقق بها وصف المتعة والقران (لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ[البقرة: 196]، والقَارِنُ بالقِياسِ على المتمتِّعِ) يعني يقاس القارن على المتمتع، والصواب أن القارن والمتمتع يشملهما عموم قوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ[البقرة: 196]، وليس وجوب الهدي على القارن بالقياس؛ بل بدلالة النص، فإن المتعة تشمل الصورتين.

  

(فإن عَدِمَه أي: عَدِمَ الهَديَ، أو عَدِمَ ثَمَنَه، ولو وجَدَ مَن يُقرِضُه فصَيامُ ثلاثَةِ أيَّامٍ في الحجِّ والأفضَلُ: كونُ آخرِهَا يومَ عَرفَةَ) لقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ[البقرة: 196] وقوله: (والأفضَلُ: كونُ آخرِهَا يومَ عَرفَةَ) أي: فيصوم اليوم السابع والثامن والتاسع، ليكون آخرها يوم عرفة، هذا المذهب، وقيل: الأفضل أن يكون آخرها يوم التروية، وهذه رواية عن الإمام أحمد –رحمه الله-لأجل أن يتفرغ للدعاء يوم عرفة، ولا يشغل نفسه بما قد يكون سببا لإرهاقه، وهذا على وجه الأفضلية، ولكن إن أخرها عن هذه الأيام فإنها تجب عليه في أيام التشريق، ولذلك قال: (وإن أخَّرَهَا عن أيَّامِ مِنى، صامَهَا بعدُ، وعليه دمٌ مُطلقًا) ، ففهم من كلام المؤلف أنه لا يجوز تأخير صيام الثلاثة أيام التي لمن عجز عن هدي التمتع والقران عن أيام منى، فإنها تتعين في أيام التشريق.

ولذلك جاء في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وحديث ابن عمر أنهما قالا: « لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ، إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ »[صحيح البخاري(1997)]، فإن أخرها عن أيام التشريق، لم تسقط بل تلزمه قضاء، وهل يلزمه بهذا التأخير شيء؟

اختلفت الرواية عن الإمام أحمد في وجوب الدم عليه، فعنه عليه دم لكونه أخر الواجب من مناسك الحج عن وقته، وروي عنه أنه لا يلزمه مع الصوم دم، وهو الأقرب، والله تعالى أعلم.

وأما الأيام السبعة فيجوز أن يصومها متى شاء بعد أيام الحج، سواء كان في مكة أو في غيرها.

والخلاصة: أن صوم الثلاثة والسبعة له وقتان؛ وقت جواز، ووقت استحباب، فأما وقت الثلاثة فوقت الاختيار لها أن يصومها ما بين إحرامه بالحج ويوم عرفة، وأما وقت الجواز فيبدأ من بعد الإحرام بالعمرة ولا يصح قبله لحديث جابر: «دخلت العمرة في الحج»[صحيح مسلم(1218)]، وأما وقت الوجوب ففي أيام التشريق إن لم يصمها قبل ذلك.

فعندنا وقت جواز، ووقت أفضلية، ووقت وجوب، وقت الجواز من الإحرام بالعمرة، ووقت الأفضلية إلى أن يكون آخرها يوم عرفة، ووقت الوجوب أيام التشريق إذا لم يكن قد صام قبل ذلك.

قال: (ولا يَجبُ تتابُعٌ ولا تَفريقٌ في الثلاثَةِ، ولا السَّبعَةِ) أي: أنه لا يلزم في صيام الثلاثة أيام أن تكون متتابعة، فيجوز صيامها متتابعة ومتفرقة، وكذلك في الأيام السبعة.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق