مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 68

التاريخ : 2024-06-03 10:48:52


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

يقول المصنف –رحمه الله-: (والمُحصَرُ يَذبَحُ هَديًا، بنيَّةِ التحلُّلِ؛ لقولِه تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} [ البَقَرَة: 196] وإذا لم يجِد هَديًا: صَامَ عَشَرَةَ أيَّامٍ بنيَّةِ التحلُّلِ ثم حَلَّ قِيَاسًا على المتمتِّعِ)

 هذا هو النوع الثاني مما تجب فيه الفدية على الترتيب وهو فدية الإحصار، فالمحصر يلزمه هدي للآية التي ذكر المؤلف وهي قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ[البقرة: 196] فيجب عليه أن يذبح هديا إلا أنه لا بد في هذا الذبح من نية التحلل من الإحرام.

ووجه اشتراط النية هنا مع أنها لم تعتبر في غير المحصر، لأن غير المحصر قد أتى بأفعال النسك، أتى بما عليه فلا يحتاج إلى نية التحلل، أما المحصر فإنه يريد الخروج من العبادة قبل إكمالها، والذبح قد يكون للتحلل ولغيره فلذلك اعتبرت النية، فإن لم يجد المحصر الهدي صام عشرة أيام ثم حل.

ووجه ما ذكره المؤلف –رحمه الله-القياس على المتمتع، وجه القياس أن دم الإحصار دم واجب، فكان له بدل ينتقل إليه كدم التمتع الذي قال الله تعالى فيه: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ[البقرة: 196].

وفي رواية عن أحمد أنه لا يجب على المحصر هدي.

  

قوله –رحمه الله-: (ويجبُ بوَطءٍ في فَرجٍ في الحجِّ قبلَ التحلُّلِ الأوَّلِ: بدَنَةٌ وبعدَهُ: شَاةٌ. فإن لم يَجِد البدَنَةَ، صامَ عَشَرَةَ أيَّامٍ، ثلاثَةً في الحجِّ، وسبعَةً إذا رجَعَ؛ لقضاءِ الصحابَةِ) رضي الله تعالى عنهم.

هذا هو النوع الثالث مما تجب فيه الفدية على الترتيب، وهو فدية الجماع قبل التحلل الأول في الحج.

والواجب فيه بدنة لما جاء عن الصحابة من الآثار، ومنها ما روي عن عكرمة مولى ابن عباس أن رجلًا وامرأته من قريش لقيا ابن عباس رضي الله تعالى عنه بطريق المدينة، فقال: أصبت أهلي؛ فكان ممن قال لهم ابن عباس فيما يجب عليهم بذلك:« وَاهْدِ نَاقَةً وَلْتُهْدِ نَاقَةً» [أخرجه البيهقي في السنن الكبرى:( 9785)] ، أي: أنت أهدي ناقة، ومن أصبتها تهدي ناقة، فإن لم يجد بدنة فإنه يرجع إلى صيام عشرة أيام؛ ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع، وذلك لأن العبادلة أفتوا بذلك لمن لم يجد الهدي، كما رواه الأثرم.

وقد قال ابن المنجى الانتقال من البدنة إلى الصيام لم أجد به قولا لأحمد، ولا لأحد من الأصحاب، وكأنه والله أعلم قد اختاره لما فيه من موافقة العبادلة إلا أن فيه نظرا نقلا وأثرا، وهذا الكلام بين في أنه لم يثبت في ذلك شيء يصار إليه من كون من لم يجد بدنة صار إلى الصيام المذكور.

أما إذا كان الوطء بعد التحلل الأول؛ فالواجب فيه شاة؛ لأنه وطء لم يفسد الحج، فلم يوجب الفدية كما لو وطء دون الفرج إذا لم ينزل، ولأن حكم الإحرام خف بالتحلل الأول، فينبغي أن يكون موجبه دون موجب الإحرام التام.

وقوله –رحمه الله-: (ويجبُ بوَطءٍ في العُمرَةِ: شَاةٌ وتَقَدَّمَ حُكمُ المباشَرَةِ)

أي: أنه إذا وقع الوطء في العمرة فإنه يجب بذلك شاة؛ لأن العمرة أحد النسكين، فوجب أن يجب بالوطء فيه شيء كالآخر وهو الحج، وإنما لم تجب البدنة؛ لأن حكم العمرة أخف، وقد تقدم في باب محظورات الإحرام ما يترتب على المباشرة.

  

وقوله –رحمه الله-: (وإن طاوعَته زوجَتُه: لزِمَهَا أي: ما ذُكِرَ، من الفِديَةِ في الحجِّ والعُمرَةِ. وفي نُسخَةٍ: «لزِمَاهَا»، أي: البدَنَةُ في الحجِّ، والشَّاةُ في العُمرَةِ. والمُكرَهَةُ: لا فِديَةَ عَليهَا).

أي: أن المرأة إذا طاوعت زوجها في الجماع في النسك فهي كالرجل فيما يترتب على الجماع من وجوب الفدية على نحو ما تقدم، فيكون على كل واحد منهما بدنة لما تقدم من قول ابن عباس: «وأهد ناقة ولتهد ناقة». [سبق]

وعن أحمد رواية قال فيها: أرجو أن يجزئهما هدي واحد، وهو مذهب الشافعي، وعلة ذلك أنه جماع واحد فلم يوجب أكثر من بدنة.

 وأما إذا كانت المرأة مكرهة على الجماع، فلا يجب في ذلك هدي عليها، ولا على الرجل أن يهدي عنها، نص عليه أحمد بأنه جماع يوجب كفارة، فلم تجب به حال الإكراه أكثر من كفارة واحدة كما في الصيام.

وعن أحمد رواية أن عليه أن يهدي عنها؛ لأن إفساد الحج وجد منه في حقهما، فكان عليه لإفساده حجها هدي قياسا على حجها.

وعنه رواية أن عليها الهدي؛ لأن فساد الحج ثبت بالنسبة إليها، فكان الهدي عليها كما لو طاوعته، ويحتمل أنه أراد أن الهدي عليها يتحمله الزوج عنها، فلا يكون رواية ثالثة، بل يرجع إلى الرواية الثانية، وهو أن عليه أن يهدي عنها.

قوله –رحمه الله-: (وتقدَّمَ حُكمُ المباشَرَةِ دُونَ الفَرجِ)

أي: إن عليه بدنة إن أنزل بمباشرة، أو قُبلة، أو تكرار نظر، أو لمس بشهوة، أو أمنى باستمناء قياسا على بدنة الوطء، وإن لم ينزل فشاة كفدية أذى، وقد تقدم بيان ذلك فيما مضى.

وقوله –رحمه الله-: (ولا شيءَ على مَن فَكَّرَ فأنزَلَ)

 أي: أنه لا فدية على المحرم فيما إذا أنزل بمجرد التفكير، وذلك أن الفكرة تعرض للمرء من غير إرادة ولا اختيار، فلا يتعلق بها حكم، كما لو فكر فأنزل وهو صائم، ولمشقة الاحتراز من ذلك.

  

قوله –رحمه الله-: (والدم الواجب لفوات أو ترك واجب كمتعة) هذا هو النوع الرابع مما تجب فيه الفدية على الترتيب، وهو الدم الواجب لفوات الحج، فحكمه كحكم دم المتعة.

والمراد بالفوات أن يطلع الفجر يوم النحر قبل أن يقف بعرفه، فإنه يفوته الحج بذلك، فيلزمه دم لفواته إذا لم يكن قد اشترط؛ لأن عمر رضي الله عنه قال لهبار بن الأسود لما فاته الحج:« إذا كان عام قابل فاحجج فإن وجدت سعة فأهد» [أخرجه مالك في الموطأ(154)، ومن طريق البيهقي في معرفة السنن والآثار(10432)] ، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعت إن شاء الله، وقد رواه الأثرم.

وعنه: لا هدي عليه لأنه لو لزمه هدي، للزم المحصر هديان للفوات والإحصار، والأول أصح لأنه قول عمر وجماعة من الصحابة، وكذلك الدم الواجب لترك واجب، كترك الإحرام من الميقات والوقوف بعرفه إلى غروب الشمس ونحو ذلك من الواجبات، فحكم ذلك حكم دم المتعة.

ووجهه أن دم المتعة وجب لترفهه بأحد السفرين، فيقاس عليه كل دم واجب، فالواجب أن يذبح هديا إن وجده، وإلا صام عشرة أيام كدم المتعة.

  

قوله –رحمه الله-: (ومَن كرَّرَ محظُورًا مِن جِنسٍ واحدٍ؛ بأنْ حَلَقَ، أو قلَّمَ، أو لَبِسَ مَخيطًا، أو تَطيَّبَ، أو وطئَ، ثم أعادَه ولم يَفدِ لمَا سَبَقَ: فدَى مرَّةً سواءٌ فعَلَه مُتَتَابِـعًا، أو مُتفرِّقًا؛ لأنَّ اللَّه تعالى أوجبَ في حَلقِ الرأس فِديَةً واحِدَةً، ولم يُفرِّق بينَ ما وقَعَ في دُفْعَةٍ أو دُفعَاتٍ. وإن كَفَّرَ عن السَّابِقِ ثم أعادَه: لزِمَته الفِديَةُ ثانيًا

 هذا بيان لحكم تكرار المحرم لمحظورات الإحرام وهي في الجملة على قسمين.

هذا هو القسم الأول وهو من كرر محظورا من جنس واحد، كمن كرر حلق رأسه، أو قلم أظافره، أو لبس مخيطا، أو تطيب أو وطء قبل أن يفدي، فهذا لا يخلو من حالين؛

الحالة الأولى: أن يكرر محظورا من محظورات الإحرام -غير قتل الصيد- قبل أن يفدي؛ فتلزمه فدية واحدة مثل: لو حلق شعرا وعاد، أو قلم أظافره وعاد، أو لبس المخيط وأعاد لبسه إلى آخره، وكذا الحكم لو تعدد السبب بأن لبس ببرد ثم نزع، ثم لبس لنحو مرض وما أشبه ذلك، فإن قد فعل التكرار قبل التكفير عن أول مرة فعليه كفارة واحدة للكل؛ لأن الله تعالى أوجب بحلق رأسه فدية واحدة، ولم يفرق بين ما وقع في دفعة أو دفعات؛ ولأنها تتداخل هذه المحظورات فتكون كالحدود والأيمان، ولا فرق بين أن يفعل المحظور متتابعًا أو متفرقا، فإن فعلها مجتمعة كفعلها متفرقة في وجوب الفدية، ما لم يكفر عن الأول قبل فعل الثاني.

وعن الإمام أحمد –رحمه الله-في رواية أن لكل وطء كفارة، لأنه سبب للكفارة فأوجبها كالأول، والمذهب الأول؛ لأنه جماع موجب للكفارة؛ فإذا تكرر قبل التكفير عن الأول لم يوجب كفارة الثاني كما في الصيام، فتوجه تخريج في غيره أنه لا يجب في التكرار إلا كفارة واحدة.

وعنه رواية؛ إن تعدد سبب المحظور مثل ما لبس للحر ثم للبرد ثم للمرض، فتعدد الكفارات بتعدد الأسباب، أما إن كان السبب واحدا، فإنه يلزمه كفارة واحدة.

 هذه هي الحالة الأولى، وهي أن يكرر محظورا من محظورات الإحرام -غير قتل الصيد- قبل أن يفدي.

أما الحالة الثانية: فهي أن يكرر المحظور بعد أن فدى عن الأول، قبل فعل الثاني، فهنا يسقط حكم ما فدى عنه وتلزمه كفارة أخرى عن المحظور الثاني.

  

قوله –رحمه الله-: (بخلافِ صَيدٍ ففيه بعَدَدِه، ولو في دُفعَةٍ؛ لقولِه تعالى: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ[المائدة: 95]

 أي: إن المحرم إذا قرر قتل الصيد، فإن جزاءه يتعدد بعدده لقوله تعالى: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ[المائدة: 95] فدلت الآية على أن من قتل صيدا لزمه مثله، ومن قتل أكثر لزمه مثل ذلك، ولأنه لو قتل صيودًا معا تعدد الجزاء، فكذلك متفرقا بل أولى، ولأنها كفارة قتل كقتل الآدمي أو بدل متلف كبدن ما للآدمي.

وعن أحمد رواية: أن عليه جزاء واحدا ولو تعدد الصيد لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ[المائدة: 95] ولم يوجب جزاء ثانيًا، ولأنه محظور أشبه غيره، ونقل حنبل: لا تعدد إن لم يكفر عن الأول، ونقل عنه أيضًا إن تعمد قتله ثانيًا، فلا جزاء، وقاله جمع من السلف.

 والصحيح الأول لأن ذكر العقوبة في الثاني لا يمنع الوجوب لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[البقرة: 275] وللعامد ما سلف، وأمره إلى الله، بل وقياسه على غيره لا يصح لأن جزاء الصيد مقدر به، ويختلف بكبره وصغره بخلاف غيره.

قوله –رحمه الله-: (ومَن فَعَلَ محظُورًا مِن أجنَاسٍ بأن حلَقَ، وقلَّمَ أظفَارَه، ولَبِسَ المخيطَ فَدَى لكلِّ مرَّةٍ أي: لكل جنس فديته الواجبة فيه)

 هذا هو القسم الثاني من أقسام تكرار محظورات الإحرام، وهو إذا كرر محظورا من أجناس كما لو حلق رأسه وقلم أظافره وتطيب، ولبس مخيطا فالواجب عليه فدية لكل جنس من هذه المحظورات، فالحلق جنس، والتقليم جنس على قول، والتطيب جنس، ولبس المخيط جنس، ولا فرق في ذلك بين أن يتفرق التكرار أو أن يجتمع؛ لأنها محظورات مختلفة الأجناس، فلم يتداخل موجبها كالحدود المختلفة.

وقوله –رحمه الله-: (سواءٌ رفَضَ إحرامَه، أو لا)

 إذ التحلل من الحج لا يحصل إلا لأحد ثلاثة أشياء إلى آخر ما ذكر، أي ما يترتب على فعل المحظورات وتكرارها من فدية ليستوي فيها إذا رفض المحرم إحرامه أم لم يرفضه، والمقصود برفض الإحرام هو نية خروجه من النسك، والتحلل منه قبل إتمامه دون إحصار، فيصنع ما يصنعه الحلال من لبس الثياب والتطيب والحلق والجماع وغير ذلك، فتجب عليه فدية لكل محظور من محظورات الإحرام إن تعددت المحظورات من أجناس مختلفة.

أما إذا كانت من جنس واحد، فيجب عليه فدية واحدة في غير الصيد، في غير قتل الصيد كما تقدم، لأن رفضه لا حكم له.

وقوله –رحمه الله-: (ولا يَفسُدُ إحرامُه برفضِه، بل هو باقٍ، يَلزَمُه أحكامُه. وليس عليه لرَفضِ الإحرامِ شيءٌ؛ لأنَّه مجرَّدُ نيَّةٍ)

 أي: إنه إذا رفض المحرم إحرامه، فإنه لا يفسد إحرامه برفضه.

لعلنا نقف على هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق