مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 88

التاريخ : 2024-06-03 10:55:00


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

هذا بقية باب الفدية.

يقول المصنف –رحمه الله-: (ويَسقُطُ بنسيانٍ أو جَهلٍ أو إكراهٍ فِديَةُ لُبسٍ وطِيبٍ وتَغطيَةِ رأسٍ) إلى آخر ما ذكر،.

في هذا المقطع وما بعده ذكر المؤلف –رحمه الله-، ما يترتب على فعل محظور من محظورات الإحرام من الفدية، وذكر ذلك باعتبار سقوط ما يترتب بالعذر من نسيان، أو جهل، أو إكراه وجعله في قسمين فما يترتب على فعل المحظور من محظورات الإحرام من الفدية، ينقسم باعتبار سقوطها في العذر إلى قسمين:

القسم الأول: وهو ما بدأ به المحظورات التي تسقط فيها الفدية بالنسيان والجهل والإكراه، وهو لبس المخيط والطيب وتغطية الرأس، والأصل فيه قول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا[البقرة: 286]، فقال الله تعالى قد فعلت كما في الصحيح[صحيح مسلم(126)]، وقوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا[الأحزاب: 5]، ويدل له حديث ابن عباس مرفوعا «عُفِيَ عن أُمَّتِي الخطَأُ، والنِّسيانُ، وما اسْتُكْرِهوا عليه». [أخرجه ابن ماجه في سننه(2043)، وقال الحاكم في مستدركه(2801)، ووافقه الذهبي]

وهذه كلها أدلة عامة، وأما الخاص فحديث يعلى بن أمية، وفيه قال النبي –صلى الله عليه وسلم-لمن سأله عن إحرامه بالجبة وقد تضمخ بالطيب «اخلَع عَنكَ هذِهِ الجبَّةَ واغسِل عنكَ هذا الزَّعفرانَ واصنَع في عُمرتِكَ ما كُنتَ صانعًا في حجَّتِكَ» [أخرجه الترمذي في سننه(836)، بسند  صحيح] وجه الدلالة في الحديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم-لم يأمر بالفدية مع سؤاله عما يصنع، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز؛ فدل على أنه عذر بجهله والناس في معناه، وهذا دليل خاص إضافة إلى ما أفادته الأدلة العامة من سقوط المؤاخذة بالعذر نسيانًا وجهلا وإكراهًا.

وعن أحمد رواية أنه إن لبس المحرم مخيطًا أو تطيب ناسيًا؛ فعليه الفدية أي: عدم العذر بالنسيان والجهل.

وقال أبو يعلى في أصح الروايتين عن الإمام أحمد.

القسم الثاني: المحظورات التي لا تسقط فيها الفدية بالنسيان والجهل والإكراه، وهي ما أشار إليها المؤلف بقوله:(دُونَ فِديَةِ وَطءٍ وصَيدٍ وتَقليمٍ وحِلاقٍ).

 هذا هو القسم الثاني من أقسام المحظورات باعتبار السقوط بالعذر.

أما قتل الصيد فلما تضمنه من إتلاف، فالصيد حيوان مضمون بالكفارة، فوجبت بقتله قتلا عمدا كمال الآدمي، ولأن ضمانه ضمان مال، وضمان الأموال لا فرق فيه بين الخطأ والعمد، ودليله أن ضمانه ضمان مال أنه يختلف في الصغر والكبر، فلم يفرق فيه بين العمد والخطأ.

وألحق بقتل الصيد الحلق والتقليم بجامع أنه إتلاف، وأنه لا يمكن تلفه، فإذا حلق أو قلَّم لا يمكن أن يتلافى هذا المحظور بعد وقوع، ففيهما حكم العمد والسهو، لأنه لا يمكن له رده، هذا تعليل.

وأما الاستدلال فقالوا: إن الله تعالى أوجب الفدية على من حلق رأسه لأذى به وهو معذور، فكان ذلك تنبيه على وجوبه على غير المعذور، فإذا كان أوجب على المعذور، فدل ذلك على أنه لا تسقط الفدية بالعذر؛ سواء نسيانًا أو جهلًا أو إكراها.

وأما الوطء فلأنه وطء عبادة فاستوى عمده وسهوه قياسا على الصوم، وقيل: إن الوطء يتضمن نوع إتلاف فيما لو كانت بكرا، وأما إن كانت ثيبا فعلى تقدير البكارة يتضمن إتلافا، فيلحق بالصيد والحلاق وتقليم الأظافر.

وعن أحمد: لا فدية حال العذر في هذه الأمور في الوطء وفي غيره، لعموم: «عُفِيَ عن أُمَّتِي الخطَأُ، والنِّسيانُ، وما اسْتُكْرِهوا عليه» [تقدم تخريجه]، وقد نقل عن الإمام أحمد نقلا صالحا أنه لا جزاء لقتله خطأ، قتل الصيد خطأ، لأنه محظور لحرمة الإحرام، ففرق بين عمده وسهوه كاللباس والطيب، وعلى هذه الرواية إذا حلق شعره أو قص ظفره لا كفارة أيضًا، لأن ضمان الصيد آكد، وقد سقط بالخطأ، فأولى أن يسقط ضمان الشعر والظفر بالخطأ، وهذه رواية لها وجهها، وهي فيما يظهر -والله تعالى أعلم- أقوى من رواية التفريق بين الوطء وقتل الصيد وتقليم الأظافر والحلق، وبين سائر المحظورات.

فجميع المحظورات فيما يظهر -والله تعالى أعلم- الحكم فيها واحد أنها في حال العذر يسقط موجبها وهو ما يترتب عليها من الفدية.

قوله –رحمه الله-: (وإن استَدامَ لُبسَ مَخيطٍ أحرَمَ فيه، ولو لحظَةً فوقَ المعتَادِ مِن خَلعِه: فَدَى، ولا يَشقُّه).

أي: إن من استدام لبس مخيط بعد دخوله في النسك، فإنه يلزمه بذلك فدية، فإنه من أحرم لابسا مخيطًا وجب عليه المبادرة إلى إزالته فور إحرامه، فمن أحرم وعليه مخيط يلزمه نزعه لوجود المبادرة بالإزالة، فإن استدامه بعد دخوله وجبت عليه الفدية ولو كان ذلك للحظة.

والعلة قالوا: لأن استدامة المحظور كابتدائه، وينزعه عن المعتاد في إزالته ولا يلزمه شق المخيط الذي أحرم هو عليه، دليل ذلك حديث يعلى بن أمية أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أمره بنزعه وخلع ما عليه من جبة، ولو وجب الشق لبينه النبي –صلى الله عليه وسلم-؛ ولهذا قال المصنف: ( ولا يَشقُّه ).

  

قوله –رحمه الله-: (وكلُّ هَديٍ أو إطعَامٍ يتعلَّقُ بحَرَمٍ أو إحرامٍ، كجَزاءِ صَيدٍ).

هذا شروع في بيان موضع ذبح ما شرع من هدي أو إطعام بسبب الحرم أو الإحرام، وبيان مستحقيه، فعندنا أمران؛ بيان الموضع، وبيان المستحق، وهو قسمان في الجملة.

القسم الأول ما يجب ذبحه في الحرم، وهو ما شرع بسبب حرم أو إحرام من هدي أو إطعام، وقد ذكر المؤلف جملة ذلك، وهي كما يلي، أولًا:

 جزاء الصيد يجب ذبحه في الحرم هذا الموضع، سواء قتله محرم أو حلال في الحرم أم قتله محرم في حل أو حرم لقوله تعالى: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ[المائدة: 95].

عن أحمد رواية أنه يفدي حيث القتل كبقية المحظورات.

الثاني: (ودَمِ مُتعَةٍ وقِرَانٍ)

يجب ذبحه في الحرم لقوله تعالى: ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ[البقرة: 196]، قد بين محل الهدي الحرم بقوله: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ[الحج: 33]، ومن المعلوم أن المتمتع والقارن يحلان في الحرم، فكان موضع حلهما هو موضع نحرهما هذا الثاني.

إذًا الأول جزاء الصيد في الحرم، الثاني دم المتعة والقران.

 الثالث: الهدي المنذور وهو ما أشار إليه المؤلف بقوله: (ومنذورٍ)

أي: الهدي المنذور يجب ذبحه في الحرم، لأنه سماه هديا وأطلق، فيحمل على محل الهدي المشروع وقد قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ[الحج: 33]؛ ولأن إطلاق الهدي يقتضي ذلك كما قال تعالى: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ[المائدة: 95].

الرابع: الدم الواجب لترك واجب، يجب ذبحه في الحرم؛ لأنه هدي وجب لترك نسك أشبه دم متعة.

الخامس: الدم الواجب لفعل محظور في الحرم، يجب ذبحه في الحرم؛ لأن الأصل في فدية المحظورات أن يفدي حيث وجد سببه، وقد وجد سببه في الحرم؛ فوجب ذبحه فيه هذا ما يتعلق بالموضع.

أما ما يتعلق بأين من الحرم يكون الذبح؟ القاعدة أن كل ما شرع ذبحه في الحرم فإنه يجزئ ذبحه في جميع الحرم، جميع جهاته لا يختص مكان من الحرم، لما روى جابر مرفوعًا:« كل فجاج مكة طريق ومنحر» [أخرجه أبوداود(1937)، وأحمد(14498)]، وفي رواية مسلم هذه رواية أحمد وأبو داود، وفي رواية مسلم:« منى كلها منحر»[صحيح مسلم(1218)]، وإنما أراد الحرم؛ لأن كل الحرم طريق إلى منى، قد يشكل على هذا قوله تعالى: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ[المائدة: 95]،

وقوله: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ[الحج: 33] .

إن الله تعالى ذكر الكعبة وذكر البيت العتيق، فالجواب: أن قوله: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ[المائدة: 95]، أو ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ[الحج: 33]، لا يمنع الذبح في غيرها من الحرم، كما لم يمنعه بمكة، فمجموع النصوص يدل على أن جميع الحرم محل للذبح، لأن الآية ذكرت مكة البيت العتيق والكعبة، والنبي –صلى الله عليه وسلم-قال:« منى كلها منحر»؛ فدل على أن جميع الحرم بما فيه منى محل للإحرام، هذا ما يتعلق بالذبح.

وأما ما يتعلق بالإطعام فالإطعام في معنى الهدي، فيكون لكل أهل الحرم، فيكون الإطعام في كل الحرم قال ابن عباس: "الهدي والإطعام بمكة"، فيكون لكل من كان في الحرم، فيطعم في مكة، أو في منى، أو في غيرهما من جهة الحرم.

قوله –رحمه الله-: (مكَّةُ ومِنى واحِدٌ. والأفضلُ: نحرُ ما بحَجٍّ بمِنى، وما بِـعُمرَةٍ بالمروَةِ).

أي: إن ذبح الهدي يجزئ في مكة وفي منى وفي جميع الحرم لما تقدم لحديث جابر، وفي رواية مسلم.

وقوله: (والأفضلُ: نحرُ ما بحَجٍّ بمِنى)

لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-:«منى كلها منحر» ولفعله –صلى الله عليه وسلم

 (وما بِـعُمرَةٍ بالمروَةِ)

لفعله –صلى الله عليه وسلم-؛ ولأنه ليس ثمة مكان يقصده في العمرة، بل ينتهي فيكون تحلله عند المروة، عند فراغه من السعي، وقد قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ[الحج: 33] لكن الجواز في كل مكة.

  

أما ما يتعلق بالمستفيد فقد قال المصنف: (ويلزَمُ تفرِقَةُ لحمِه، أو إطلاقُه لمساكِينِ الحَرَمِ...) إلى آخر ما ذكر.

 أي: إن الواجب في كل ما ذبح بالحرم ألا يفرق إلا في الحرم للمساكين الذين به؛ فيلزم من وجب عليه الذبح في الحرم أن يفرق لحمه في الحرم، أو أن يطلقه بعد ذبحه لمساكين الحرم من المسلمين، ومعنى أن يطلقه أي أن يخلي بينهم وبينه، يأخذون ما شاءوا، وإن قدر على إيصاله إليهم بنفسه أو بمن يوصله معه، جاز له الإطلاق يعني يجوز الإطلاق إن قدر على إيصاله إليهم بنفسه، أو بمن يوصله معه.

ودليل جواز الإطلاق ما جاء في فعل النبي –صلى الله عليه وسلم-في السنن أنه نحر خمس بدنات ثم قال: «من شاء اقتطع» [سنن أبي داود(1765)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي] أي: أطلقه لهم، ولأن المقصود بذبحه في الحرم التوسعة على مساكينه، وهذا لا يحصل بإعطائه لغيرهم، إلا أنه يجب على من ذبح الهدي أن يمكن مستحقيه، فلو سلمهم الهدي حيا وجب عليه أن يتحقق من أنهم ذبحوه، وإلا لزمه أن يرده وأن يذبحه، لأن ليس المقصود تسليمهم الهدي حيا يفعلون به ما يشاؤون من ذبح أو تنمية، بل المقصود الذبح.

ثم بين المؤلف –رحمه الله-من هم مساكين الحرم فقال: (المقيمُ به، والمجتازُ، مِن حَاجٍّ وغَيرِه

 فيشمل مساكين الحرم كلَّ من له أخذ الزكاة لحاجته من فقير ومسكين ومكاتب وغارم لنفسه من المستوطنين في الحرم والمقيمين فيه والواردين عليه وغيرهم حتى لو جاء رجل من أهل الحل أحد من في الحرم جاز له أخذه مادام أنه بالحرم.

فقوله –رحمه الله-: (ممن له أخذُ زكاةٍ لحاجَةٍ) بين أنهم الفقراء والمساكين والمكاتبون والغارمون لأنفسهم، لأن الذين يأخذون الزكاة من مستحقيها ينقسمون إلى قسمين؛ من يأخذ للحاجة إليه، ومن يأخذ لحاجته، فمن يأخذ لحاجتهم الفقراء والمساكين والغارمين والرقاب، ومن يأخذ للحاجة إليه هم البقية من أصناف الثمانية وهم من ذكر الله –عز وجل-:(العاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي سبيل الله، وابن السبيل) هؤلاء يأخذون الزكاة للحاجة إليهم، وليس لحاجتهم.

  

قوله –رحمه الله-: (وفِديَةُ الأذَى أي: الحَلقِ والُّلبْسِ، ونحوِهِما كطِيبٍ وتَغطيَةِ رأسٍ، وكلِّ محظورٍ فَعَلَه خارِجَ الحَرمِ ودَمُ الإحصارِ: حَيثُ وجِدَ سَبـبُه).

 هذا هو القسم الثاني وهو ما شرع ذبحه حيث وجد سببه، نحن قلنا أولا: إن ما شرع ذبحه في الحج ينقسم إلى قسمين ما يكون في الحرم، والقسم الثاني ما يكون في غير الحرم وهو حيث ما وجد سببه، وهو فدية الأذى واللبس ونحوهما هذا الصنف الأول، فدية الأذى المشروع بسبب فعل محظور من حلق أو لبس أو طيب أو تغطية رأس إذا فعله خارج الحرم، أما إذا فعله داخل الحرم لزمه أن يكون في الحرم، فإنه يذبح حيث فعل المحظور، ودليله أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبية وهي من الحل.

وجاء في موطأ مالك أن الحسين بن علي اشتكى رأسه، فحلقه علي ونحر عنه جذورا بالسقية خارج الحرم، وعنه: رواية لا يجزئ إلا بالحرم لظاهر قوله: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ[الحج: 33] ، والأقرب هو الرواية الأولى، أنه حيث وجد سببه.

الصنف الثاني: دم الإحصار، فيجب على المحصر ذبح ما استيسر من الهدي، حيث أحصر من حل أو حرم لما ورد أن النبي –صلى الله عليه وسلم-نحر هديه في موضعه بالحديبية وهي من الحل، فكان موضع نحره حيث وجد سببه، ويجزئ بعده إلى الحرم، هذا ما يتعلق بموضع الذبح فيما يشرع ذبحه في الحج والعمرة، ومستحق ذلك من هدي أو فدية أو إطعام.

بقي الصوم ذكره في قوله: (ويُجزِئُ الصَّومُ والحَلقُ: بكلِّ مَكانٍ لأنَّه لا يتعدَّى نفعُه لأحدٍ، فلا فائِدَةَ لتَخصيصِه).

 أي: إن الصوم وهو بدل ما وجب من هدي أو فدية يجزئ فعله حيث شاء، لا خلاف بين أهل العلم في ذلك إلا في الصيام عن هدي المتعة، فإن قول من اشترى طوق أن يرجع إلى أهله، وعلل الأصحاب ذلك بأن الصيام لا يتعدى نفعه لأحد، فلا معنى لتخصيصه بمكان.

وقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال: "الدم والطعام بمكة والصوم حيث شاء".

  

وقوله –رحمه الله-: (والدَّمُ المطلَقُ، كأُضحِيَةٍ شَاةٌ جَذَعُ ضَأنٍ، أو ثَنيُّ مَعزٍ أو سُبُعُ بَدَنَةٍ أو بَقَرةٍ).

أي أنه حيث قيل: يلزم دم ويطلق دون تقييد فإنه يجزئه ما يجزئ في الأضحية، فيجزئه جذع ضان، أو ثني معز أو سبع بدنة أو سبع بقرة لقوله تعالى في المتمتع ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ[البقرة: 196].

قال ابن عباس: "شاة أو شرك في دم" في بيان معنى الآية ﴿اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ[البقرة: 196] ، وقد فسر النبي –صلى الله عليه وسلم-قوله –سبحانه وتعالى-في فدية الأذى ﴿ففدية من صيام أو صدقة أو نسك﴾ بذبح شاة كما في حديث كعب بن عجرة، وما سواه هدي التمتع وفدية الأذى هذين مقيس عليهما يعني ما عدا التمتع وفدية الأذى مقيس عليهما، ما سوى هذين مقيس عليهما.

أما سبع البدنة والبقرة فدليله أن أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-كانوا يتمتعون فيذبحون البقر عن سبعة، قال جابر:« أمرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة»[صحيح مسلم(1213)] والحديث في مسلم.

قوله –رحمه الله-:( فإن ذبحَها فأفضَلُ، وتجِبُ كُلُّهَا)

 أي: إن ذبح من عليه دم بدنة أو بقرة من جذع الضأن أو ثني المعز فهو أفضل، إن ذبح من عليه دم يعني شاة إن ذبح بقرة أو بدنة، فإنه أفضل لأنها أعلى وأوفر لحما وأنفع للفقراء، فإن فعل، أي ذبح بدلا عن الشاة بدنة أو بقرة هل تجب كلها؟

قال: (وتجِبُ كُلُّهَا)

 أي: إن ذبح في الدم بدنة أو بقرة عن الشاة فإنها تكون جميعها واجبة عليه، لأنه اختار الأعلى لأداء فرضه، فكان كله واجبا، كما لو اختار الأعلى في خصال الكفارة إذا كانت على التخيير، وفي وجه: إن كان قد ذبح بدنة لم تلزمه كلها، بل يلزمه سبعها فقط، والباقي له أكله والتصرف فيه، ويتجه كما ذكر الرحيباني في مطالب أولي النهى قال: ويتجه محل وجوبها كلها إن كانت كلها أي كل البدنة ملكه.

 أما إن كان يملك بعضها وذبحها بنية إخراج ذلك البعض المملوك له، فلا وجه لوجوبها كلها عليه، إذ لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها، وهو متجه.

قوله –رحمه الله-: (وتُجزِئُ عنها أي: عَن البدَنَةِ: بقَرَةٌ ولو في جَزاءِ صَيدٍ، كعَكسِه، وعَن سَبعِ شِياهٍ: بَدَنَةٌ، أو بَقَرَةٌ مُطلَقًا).

 أي: من ذبح من وجبت عليه بدنة بقرة فإنها تجزئ عنه، وكذلك العكس بأن وجبت عليه بقرة فذبح عنها بدنة، وكذلك تجزئ البدنة والبقرة عن سبع شياه مطلقا، سواء وجدت الشياه أو عدمت في جزاء الصيد أو غيره لحديث جابر رضي الله تعالى عنه قال: «نحرنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة»[صحيح مسلم(1318)]، وبهذا يكون قد انتهى باب الفدية.

لعلنا نقف على هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق