مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 92

التاريخ : 2024-06-03 11:02:20


 الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

يقول المصنف –رحمه الله-: (بابُ ذكرِ دُخولِ مكَّةَ, وما يتعلَّقُ به من الطَّواف، والسَّعي).

هذا شروع في بيان أحكام دخول مكة، وأحكام ما يلتحق بدخولها من مسائل الطواف والسعي.

ومكة علم على جميع البلدة المعظمة المحجوجة، وقد سمى الله تعالى في القرآن بأسماء عدة، فسماها: مكة، البلدة، القرية، أم القرى، البلد, وأيضًا بكة.

 وقوله –رحمه الله: (يُسنُّ دخولُ مكَّةَ من أعلاها).

أي: إن مما يسن لكل من أراد الدخول إلى مكة أن يدخلها من أعلاها من ثنية كَداء، وهذا من أي جهة أتاها، سواء من ناحية التنعيم أو من غيرها، فيسن لكل من أراد دخول مكة من أي جهة أتاها سواء من ناحية التنعيم أو من الجعرانة أو غيرها أن يدخلها من أعلاها أي من ثنية كَداء بالفتح، وإذا أراد الخروج من مكة فيسن الخروج من أسفلها أي: من ثنية كُداء بالضم.

وذلك لما روى ابن عمر رضي الله تعالى عنه «كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ العُلْيَا» التي بالبطحاء «ويَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى»أخرجه البخاري(1575),ومسلم(1257) وفي رواية للبخاري «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ مِنَ الثَّنِيَّةِ العُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ، وَخَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى»أخرجه البخاري(1576) ، والذي يدل على أنه في كل دخول أن هذا كان دخوله –صلى الله عليه وسلم-في عام الفتح، فدخل عام الفتح من كداء التي بأعلى مكة، وفي خروجه خرج من دبرها صلوات الله وسلامه عليه.

قالوا: مع أنه كان يريد حنين والطائف، وليس هذا هو المخرج الذي يفضي إلى الطائف، وهو دليل على أن الإنسان يتعمد ذلك وإن لم يكن وجه قصده، أي يتعمد الدخول والخروج مما دخل منه النبي –صلى الله عليه وسلم-وخرج، وإن لم يكن قصده ذلك.

والراجح أن علة ذلك: أن الثنية العليا التي تُشرف على الأبطح والمقابر إذا دخل منها الإنسان، فإنه يأتي من وجه البلد والكعبة، ويستقبلها استقبالًا من غير انحراف، بخلاف الذي يدخل من الناحية السفلى، فإنه يدخل من دبر البلد والكعبة، وإنما يخرج من الثنية السفلى لأنه يستدبر الكعبة والبلد، فاستحب أن يكون ما يليه منها مؤخرها؛ لئلا يستدبر وجهها، وليكون قد دخل من طريق وخرج من أخرى كالذاهب إلى العيد. هذه تعليلات بعض الفقهاء للحكمة أو للسبب في كونه كان يدخل من أعلاها وينصرف من أسفلها.

قال ابن منقور: هل يسن الدخول من الثنية العليا لكل داخل سواء كانت تلقاء طريق أم لم تكن؟

تقدم أنه الظاهر أن ذلك عام لكن فيما يتعلق بالمذهب قال: لم أرى من تعرض لهذا البحث من أصحابنا، وقد ذهب أبو بكر الصيدلاني وبعض الشافعية إلى أنه سن لكل داخل، إلا أن الرافعي ذهب إلى أنه يستحب الدخول منها لمن كانت في طريقه، وأما من لم تكن في طريقه فلا يستحب له العدول، فالشافعية عندهم في هذا قولان؛

أما الحنابلة فالظاهر يقتضي سنية الدخول من أعلاها من ثنية كداء مطلقا، والمسألة ليس فيها كما ذكر المؤلف نص ظاهر يُصار إليه فيما يتعلق بأن هذا سنة على وجه الإطلاق، لكن الإطلاق يوحي بأن هذا عام لكل من أراد الدخول، وليس خاصًا بمن كان هذا طريقه، وهذه جهته.

إذًا عرفنا الآن موضوع الظاهر: الإطلاق، وذهب بعض الشافعية أبو بكر الصيدلاني والرافعي ذهبا إلى أنه إنما يسن لمن كانت في طريقه، وأنه –رحمه الله-وغالب الشافعية على أن ذلك سنة مطلقا لمن كان في طريقه، ولغير من كان في طريقه.

  

قوله –رحمه الله-: (ويُسنُّ دخولُ المسجدِ الحرامِ: مِنْ بابِ بني شيبَةَ؛ لما روى مسلم وغيره، عن جابر، أن النبي ﷺ دخلَ مكَّةَ ارتِفاعَ الضُّحَى، وأناخَ راحلتَه عند بابِ بني شَيبةَ) لم أجده عند مسلم ولا غيره من حديث جابر، وإنما أخرجه الطبراني في الأوسط (491) .

لأن داخله يستقبل وجه الكعبة، وعلى هذا عمل أكثر أهل العلم من السلف.

قال الزركشي –رحمه الله-: وعلى هذا استمر فعل الأمة سلفا بعد سلف.

قوله: (ويُسنُّ أن يقولَ عند دخولِه: بسم اللَّه، وبالله، ومن اللَّه، وإلى اللَّه، اللهمَّ افتح لي أبوابَ فضلِكَ. ذكره في «أسباب الهداية»).

أي إن مما يسن لداخل المسجد الحرام أن يقول: بسم الله، وبالله إلى آخره، وهذا الذكر ليس عليه دليل من السنة، بل المشروع أن يقول عند دخول المسجد ما يستحب عند سائر المساجد مما ورد في ذلك من الأحاديث، والحنابلة لم يذكروا ذلك؛ لأن موضعه تقدم فيما يتعلق بباب المساجد، فعدم ذكر الأصحاب استحباب هذا الذكر عند الدخول, ليس أنه لا يستحب، لكن هو كسائر المساجد بل أولى.

ولذلك قال في الإنصاف: ولا أظن أحدا من الأصحاب لا يستحب قول ذلك، فإنه مستحب عند إرادة دخول كل مسجد، فالمسجد العتيق بطريق أولى وأحرى، وإنما سكتوا عنه اعتمادا على ما قالوه هناك يعني في باب المساجد، وإنما يذكرون هنا ما هو مختص به هذا ما يظهر.

قوله –رحمه الله-: (فإذا رأى البيتَ: رفَعَ يدَيه؛ لفعله عليه السلام. رواه الشافعي عن ابن جُرَيجٍ أخرجه الشافعي في الأم 2/169 عن ابن جريج مرسلًا وقالَ ما ورَدَ قال الألباني في «المناسك» (ص20): ولم يثبت عن النبي ﷺ هنا دعاء خاص فيدعو بما تيسر له، وإن دعا بدعاء عمر: اللهم أنت السلام... فحسن؛ لثبوته عنه. وأثر عمر أخرجه البيهقي (5/72) بسند حسن ومنه: «اللهمَّ أَنتَ السلامُ، ومِنكَ السلامُ...). إلى آخر ما ذكر.

أي مما يسن لداخل المسجد الحرام أن يرفع يديه إذا رأى البيت استنادًا لما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إِلَّا فِي سَبْعِ مَوَاضِعَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَإِذَا جِئْتَ مِنْ بَلَدٍ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْبَيْتَ، وَإِذَا قُمْتَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَبِعَرَفَاتٍ، وَبِجَمْعٍ، وَعِنْدِ الْجِمَارِ» أخرجه ابن خُزَيمة في صحيحه(2703)  هذا الشاهد. وروى ذلك عن ابن عمر وابن عباسأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه(15748)، وكان مالك –رحمه الله-يرى أن رفع اليدين عند رؤية البيت من المحدثات، والسند فيه إلى ما جاء عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه «سُئِلَ جابرُ بنُ عبدِ اللَّهِ، عنِ: الرَّجلِ يرَى البَيتَ أيرفعُ يديهِ؟ قالَ: ما كُنتُ أظنُّ أحدًا يفعلُ هذا إلَّا اليَهودَ، حجَجنا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فلَم نَكُن نفعلُهُ» والحديث عند النسائيحديث(2895).

ونوقش بأن هذا من قول جابر وهو يخبر عن ظنه، قد خالف في ذلك ابن عمر وابن عباس، وجاء النقل عن النبي –صلى الله عليه وسلم-في مشروعية الرفع.

  

وظاهر الكلام في صفة الرفع: أنه يرفع يديه على هيئة الرفع في الدعاء، وليس المقصود أنه يشير إلى البيت.

هذا من جهة الفعل، وأما من جهة القول فيستحب قول ما ورد.

وقد ذكر المؤلف –رحمه الله-في ذلك «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، حينا ربنا بالسلام» إلى آخر ما ذكر.

وهذا في ثبوته عن النبي –صلى الله عليه وسلم-نظر، ولذلك ذهب شيخ الإسلام –رحمه الله-إلى أنه لا يشتغل بدعاء ولا بغيره؛ لأنه لم يرد عن النبي –صلى الله عليه وسلم-.

وكذلك رفع الصوت، لا يشرع رفع الصوت لما فيه من الأذية والتشويش.

وقوله: (يرفَعُ بذلك صوتَه).

فيما يظهر والله أعلم أنه رفع لا يحصل به أذى وإزعاج؛ لأنه قد نهي عن رفع الصوت بالقرآن سواء غيره.

  

قوله: (ثمَّ يطوفُ مُضطَبِـعًا في كلِّ أُسبُوعِه استحبابًا).

أي إن أول أعمال النسك لمن دخل المسجد الحرام الطواف بالبيت، ويستحب أن يضطبع في طوافه إن لم يكن حامل معذور كمريض وصغير بردائه، لأنه في هذه الحال لا يتمكن من الاضطباع.

 ومشروعية الاضطباع في الطواف ذهب إليها أكثر أهل العلم.

والأصل في ذلك ما رواه أبو داود عن يعلى بن أمية أن النبي –صلى الله عليه وسلم-طاف مضطبعا، وقد جاء عن ابن عباس «أن النبي –صلى الله عليه وسلم-وأصحابه اعتمروا مِن الجِعْرَانة، فرمَلوا بالبيتِ، وجعلُوا أرديتَهم تحتَ آباطِهِم ثم قَذَفُوها على عواتقِهم اليُسرى»  أخرجه أبو داود(1884).
 

أما متى يضطبع؟ فأول ما يضطبع إذا أراد أن يستلم الحجر، قبل أن يستلم في قول أكثر الأصحاب، وجاء عن أحمد أنه يضطبع بعد أن يستلم الحجر، والسنة أن يضطبع في جميع الأشواط، وليس في بعضها، ولذلك قال: (في كلِّ أُسبُوعِه). فيضطبع في جميع الأشواط، فإذا قضى طوافه سوى ثيابه، ولم يضطبع في ركعة الطواف؛ لأن الاضطباع في الصلاة مكروه.

وقوله: (مُضطَبِـعًا).

الاضطباع صفته: أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر مأخوذ من الضبع، وهو عضد الإنسان افتعال منه، وكان أصله اتباع بالتاء مقلوبة الطاء لأن التاء متى وقعت بعد الضاد أو بعد طاء ساكنة قلبت طاء.

المراد أن الاضطباع صفته أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن.

  

وقوله –رحمه الله-: (يبتدئُ المعتمِرُ بطوافِ العُمرَةِ؛ لأنَّ الطوافَ تحيَّةُ المسجدِ الحرامِ، فاستُحِبَّت البَداءَةُ به، ولفعله عليه السلام ويطوفُ القارِنُ والمفرِدُ للقدومِ, وهو: الورُودُ).

أي أنه يستحب للمعتمر وكذلك القارن والمفرد إذا دخل المسجد الحرام أن يبدأ بالطواف قبل كل شيء، ولا يعرج على شيء قبله، فالبداءة بالطواف بالبيت سنة فعلها النبي –صلى الله عليه وسلم-لما دخل المسجد الحرام كما في حديث جابر في الصحيح قال: «استلمَ الحجرَ فرَمَلَ ثلاثًا، ومشى أربعًا»مسلم(1218) يعني بدأ بأن شرع في الطواف صلوات الله وسلامه عليه.

وفي حديث عائشة في الصحيحين أن النبي –صلى الله عليه وسلم-«حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بالبَيْتِ»أخرجه البخاري(1641), ومسلم(1235)  كذلك فعله أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-فروى عروة عن أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الله بن عمر وجماعة من الصحابة الطواف عند دخول البيت، لأن الطواف تحية المسجد الحرام، فاستحب البداءة به كما استحب للداخل غيره من المساجد أن يصلي ركعتين.

وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يستحب أن يصلي ركعتين قبل أن يطوف, فقال ابن عقيل: يستحب أن يقدم على الطواف تحية المسجد. لكن هذا لا دليل عليه، ولهذا قال شيخ الإسلام –رحمه الله-في شرح العمدة: وهذا الذي قاله ليس بشيء. يعني ما يستند إلى شيء يعتمد عليه، فإن المسجد الحرام تحيته الطواف بالبيت وهي تحية البيت والمسجد، وهذه هي السنة الماضية لما فعله النبي –صلى الله عليه وسلم-وأصحابه حيث لم يبدؤا بشيء قبل الطواف بالبيت.

وهذا الطواف يختلف حكمه باختلاف حال الطائف، فإن كان عمرة فهو طواف العمرة للمعتمر، وكذلك طواف العمرة للمتمتع وذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم-لما أمر أصحابه بفسخ نسكهم إلى عمرة، أمرهم أن يطوفوا للعمرة بدليل أنه أمرهم بالحل بعدها.

أما المفرد والقارن فكذلك يبدأ بالطواف، فيكون طوافه سنة في قول أهل العلم بلا خلاف، ويسمى طواف الورود، ويسمى طواف القدوم.

  

 ثم شرع في صفة الطواف فقال: (فيحاذي الحجر الأسود بكله).

أي: بكل بدنه، فيكون مبدأ طوافه عليه السلام يبتدأ من الحجر الأسود.

ولذلك قال: (فيحاذي الحجر الأسود بكله)، فإذا شرع في الطواف فإنه يبدأ من الحجر الأسود، وهذا لا خلاف بين أهل العلم فيه، وذلك أن كل ما وصف طواف النبي –صلى الله عليه وسلم-ذكر بداءته من الحجر الأسود، وذكر انتهائه به، والبداءة من الحجر الأسود في الطواف شرط لصحته في قول الجمهور.

والمقصود بالحجر الأسود الحجر الذي في الركن الشرقي الجنوبي من الكعبة، ووصفه بالسواد؛ لأنه أسود.

وقوله: (فيحاذي الحجر الأسود بكله).

 أي: يشترط لصحة الصلاة أن يحاذي الحجر الأسود بجميع بدنه؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم-استقبل الحجر أو استلمه، وظاهر هذا أنه استقبله بجميع بدنه، ولأن ما لزم استقباله لزم استقباله بجميع البدن كالقبلة.

 فإن لم يفعل ما تقدم من البداءة بالطواف من الحجر الأسود, فإن كان بدأ بالطواف من دون الركن كالباب ونحوه، لم يحتسب له بذلك الشوط، ويحتسب بالشوط الثاني، وما بعده, فيصير الثاني هو الأول ويحتاج أن يأتي بسابع، وعلى كل حال أحوال محاذاة الحجر الأسود على المذهب ثلاث؛

الحالة الأولى: أن يحاذي الحجر بجميع جسده، فهذا مجزئ قولا واحدًا.

الحالة الثانية: أن يحاذي بعض الحجر يعني بأن يكون مثلا نحيف ويحاذي ببدنه بعض الحجر ولا يستوعب كل الحجر، فهذا مجزئ أيضًا.

الحالة الثالثة: أن يحاذي الحجر الأسود أو بعضه ببعض بدنه، فيكون بعض بدنه خارج عن الحجر الأسود، فهذا الصحيح من المذهب أنه لا يجزئ ذلك الشوط.

والقول الثاني أنه يجزئه واختاره جماعة من الأصحاب منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، فلا يلزم محاذاة الحجر الأسود بجميع الجسد، بل لو حاز الحجر الأسود ببعض بدنه تحقق المطلوب من البداءة في الطواف من الحجر الأسود.

 ثم بعد ذلك ذكر ما يتعلق بالمشروع في استلام الحجر الأسود.

  

فقال: (ويستلِمُهُ, أي: يمسحُ الحجرَ بيدِه اليُمنى. وفي الحديث: «إنَّه نزلَ من الجنَّة أَشدَّ بيَاضًا من الَّلبَنِ، فسوَّدَتْه خطايا بني آدم» رواه الترمذي وصححه أخرجه الترمذي (877) من حديث ابن عباس--.ويُقبله؛ لما روى عمر..). إلى آخر ما ذكر المؤلف –رحمه الله-.

أي: مما يسن للطائف أن يستلم الحجر الأسود، والاستلام مأخوذ من السلام وهو التحية، ولذلك أهل اليمن يسمون الحجر الأسود المحيي؛ لأن الناس يحييونه بالاستلام.

والأصل في قول جابر أن النبي –صلى الله عليه وسلم-لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه، وعلى ما ذكر المؤلف –رحمه الله-من التفصيل في استلام الحجر، فإن استلام الحجر الأسود على مراتب،

المرتبة الأولى: أن يمسح الحجر الأسود بيده اليمنى ويقبله بأن يضع شفتيه على الحجر من صوت يظهر للقبلة، والأصل فيه حديث عمر، أَن النبيَّ ﷺ استقبلَ الحجَرَ، ووضَعَ شفتيه عليه، يبكي طويلًا، ثم التفَتَ، فإِذا بعُمرَ بنِ الخطاب يبكي، فقال: «يا عمَرُ، ههنا تُسكَبُ العبَرَاتُ» أخرجه ابن ماجه (2945). وقال الألباني في الإرواء (1111)، والضعيفة (1022): ضعيف جدًّا. أما تقبيله فثابت من حديث عمر وابنه عبد اللَّه، عند البخاري (1597، 1611)، ومسلم (1270). ولما تقدم في حديث جابر.

ولحديث عمر أيضًا وهو أصح مما ذكر المؤلف في الصحيحين أن عمر قبل الحجر فقال: «إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ»أخرجه البخاري(1597), ومسلم(1270).

أما استحباب السجود على الحجر الأسود؛ فلما رواه أبو يعلى الموصلي من حديث جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَسَجَدَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: «رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ» وَقَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ»مسند أبي يعلى(219).

ويؤيد هذا ما جاء في الصحيح صحيح الإمام مسلم أن عمر قبل الحجر والتزمه، وقال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَ حَفِيًّا». أخرجه مسلم(1270).

المرتبة الثانية: ماذا يفعل من شق عليه استلام الحجر؟

(فإنْ شقَّ استلامُه وتقبيلُه: لم يزاحِم، واستلَمه بيدِه، و(قبَّلَ يدَه) لما روى مسلم عن ابن عباس) أخرجه مسلم (1268/246) من حديث ابن عمر، لا من حديث ابن عباس .

هذه هي المرتبة الثانية أي: إن مما يسن للطائف إن شق عليه أن يستلم الحجر ويقبله أن يستلمه بيده، ويقبلها اقتداء بالنبي –صلى الله عليه وسلم-لما روى ابن عباس أن النبي استلمه وقبل يده. وجاء نظيره عن ابن عمر أنه استلم الحجر بيده ثم قبلها وقال: «مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ» أخرجه مسلم (1268/246) من حديث ابن عمر، لا من حديث ابن عباس، لأن النبي –صلى الله عليه وسلم-كان يستلم الحجر بالمحجن ويقبل محجن كما سيأتي، فتقبيل اليد إذا استلمه بها أو لا.

وفي قول في المذهب أنه لا يقبل اليد، يمسح دون تقبيل يمسح بيده دون أن يقبلها، هذه هي المرتبة الثانية من مراتب استلام الحجر الأسود.

المرتبة الثالثة في استلام الحجر الأسود

قوله: (فإن شق: استلمَهُ بشيءٍ وقبَّلَه).

 أي: لا يزاحم لاستلام الحجر أو تقبيله والسجود عليه، فيؤذي أحدا من الطائفين لما روى أحمد عن عمر أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال له: « يَا عُمَرُ، إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ، لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّلْ وَكَبِّرْ»أخرجه أحمد(190) أي: إن مما يسن للطائف إن شق عليه استلام الحجر الأسود بيده أن يستلمه بشيء في يده إن كان ويقبله لما روى مسلم عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ»أخرجه مسلم(1275).

 وفي تقبيل المحجن الخلاف الذي في تقبيل يد المتقدم، وهذه هي المرتبة الثالثة في استلام الحجر الأسود.

من لم يتمكن من المراتب الثلاث المتقدمة

 قوله –رحمه الله-: (فإن شق الَّلمْسُ: أشار إليه, أي: إلى الحجرِ، بيده أو بشيءٍ، ولا يُقبِّلُه؛ لما روى البخاري عن ابن عباس، قال: طافَ النبيُّ ﷺ على بعيرٍ، فلمَّا أتى الحجَرَ أشار إليه بشيءٍ في يدِه، وكبَّر) أخرجه البخاري (1613).

أي: إن مما يسن للطائف إن شق عليه أن يستلم الحجر بشيء في يده أن يشير إلى الحجر بيده أو بشيء في يده من غير مس، ولا يسن أن يقبل ما أشار به سواء كان اليد أو كان شيئًا في يده، لأن التقبيل إنما هو للحجر أو لما مس الحجر، وفي هذا ليس ثمة مس لشيء.

والأصل في ذلك حديث ابن عباس الذي ذكره الشارح؛  لما روى البخاري عن ابن عباس قال: «طاف النبي –صلى الله عليه وسلم-على بعير فلما أتى الحجر أشار إليه بشيء في يده وكبر» أخرجه البخاري (1613).   وكذلك لما روي عن عمر بن الخطاب أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: « يَا عُمَرُ، إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ، لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّلْ وَكَبِّرْ»أخرجه أحمد(190).

وذهب بعض أهل العلم عن أحمد رواية أنه لا تشرع الإشارة إلى الحجر الأسود من غير مماسة له بشيء في يده أو بيده، وحملوا رواية ابن عباس على أنه يشير إليه إشارة يمس بها الحجر كما جاء مفسرًا أنه استلم الركن بمحجن ولو لم يمس المحجن الحجر لكانت الإشارة باليد أولى، ولأن الإشارة إليه بالاستلام من غير مماسة ليس فيها أثر، ولا معنى فيه، فأشبه الإشارة إليه بالقبلة.

فقالوا: إذا لم يتمكن من المراتب الثلاث المتقدمة، فإنه يكفي أن يقف ويكبر ويهلل دون أن يشير بيده، ولعل هذا ما مال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-.

  

قوله –رحمه الله-: (ويقولُ مستقبِلَ الحجَرِ بوجهِه، كلَّما استلَمَه (ما وردَ) ومنه: بسم اللَّه، واللَّهُ أكبرُ، اللهمَّ إيمانًا بك، وتَصديقًا بكتابِك).                                                                                 

أي إن مما يسن للطائف عند استلام الحجر أن يستقبله بوجهه كما تقدم، وأن يقول ما ذكر الشارح من الأذكار.

وقوله: (كلَّما استلَمَه).                                                                                              

أي: أن هذا مما يشرع تكراره عند كل استلام، أما قول الله أكبر أو بسم الله، الله أكبر فهذا ثابت عنه –صلى الله عليه وسلم-التكبير عند المجيء إلى الحجر في كل مجيء.

أما قول: (اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك ووفاء بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك)، فليس في السنة ما يعضده على أن ذلك مسنون على وجه الإطلاق.

  

وقوله –رحمه الله-: (ويجعلُ البيتَ عن يسارِه, أي أن يشرع في الطواف جاعلا البيت عن يساره، قال الشارح: لأنه عليه السلام طافَ كذلكَ، وقال: «خذوا عنِّي مناسِكَكُم» أخرجه مسلم (1297/310) من حديث جابر بن عبد اللَّه (.

هذا بيان لكيفية الطواف بأن يجعل البيت عن يساره.

وقالوا في علة ذلك قالوا: إن جعل البيت عن اليسار؛ لكونه يكون أقرب إلى القلب إذ القلب في الجانب الأيسر، وقيل في هذا جملة من المعاني.

نقل عن شيخ الإسلام أنه قال: يطوف يجعل البيت عن يساره، لكون الحرَكةِ الدَّوْرِيَّةِ تَعْتَمِدُ فيها اليُمْنَى على اليُسْرَى، فلمَّا كان الإكْرامُ فى ذلك للخارجِ، جُعِلَ لليُمْنَى.

قوله: (ويطوف سبعا) هذا شروع فيما يتعلق بأحكام الطواف.

نقف على هذا والله تعالى أعلم, وصلى الله وسلم على نبينا محمد.  

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق