مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 85

التاريخ : 2024-06-03 11:08:05


 الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

 يقول المصنف –رحمه الله-: (فإذا وصل إلى منى، وهي: من وادي محسر، إلى جمرة العقبة: بدأ بجمرة العقبة).

يقول: فإذا وصل إلى منى، منى هي موضع للمناسك، وسميت بهذا قيل: لكثرة ما يراق فيه من دماء الهدي، وبيَّن المؤلف –رحمه الله- حدها فقال: (وهي من وادي محسر، إلى جمرة العقبة)، هذه حدود منى، وهو حد شرقي غربي، ومن جنوبها وشمالها تحدها جبال، فهي في وادي بين جبلين، ومعروفة الآن محددة تحديدًا واضحًا بعلامات وإشارات ولوح تبين المبدأ والمنتهى في كل اتجاه.

قال –رحمه الله-: (فإذا وصل إلى منى، وهي: من وادي محسر، إلى جمرة العقبة: بدأ بجمرة العقبة).

أي: إن الحاج إذا وصل إلى منى، فالسنة له أن يبتدئ برمي جمرة العقبة، وقد تقدم ذكر ذلك فيما سبق من ما يتصل بالرمي، وأن الرمي تحية منى في قوله –رحمه الله-: (والرميُ تحيَّةُ منى، فلا يبدأُ قبلَه بشيءٍ).  فيرمي جمرة العقبة وتسمى الجمرة الكبرى، وسميت الجمرة بالعقبة؛ لأنها في أصل جبل في الزمن السابق.

  

وقوله –رحمه الله-: (فـرماها بسبع حصيات متعاقباتٍ، واحدة بعد واحدة).

 أي: إن المشروع في رمي جمرة العقبة أن يرميها بسبع حصيات، هذا من حيث العدد، ومن حيث صفة الرمي واحدة تلو واحدة، فجمع في هذه العبارة بيان العدد والكيفية، ولذلك قال: (واحدة بعد واحدة)، أي: متتابعات متعاقباتٍ، ثم بين هذا.

قال: (فلو رمى دفعة).

 أي لو رمى الجمار دفعة واحدة بأن رمى السبع في مرة واحدة لم يجزئه هذا إلا عن واحدة، لأن ذلك خلاف ما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم-.

(ولا يجزئُ الوضْعُ).

أي: لا يتحقق الرمي المأمور به بوضع الحصاة في المرمى، فإن النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-رمى سبع رميات كما جاء ذلك فيما رواه جابر في الصحيح قال: « فرماها بسبع حصيات، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا » أخرجه مسلم (1218) من حديث جابر بن عبد اللَّه.

 وهذا يبين أنه رماها بهذا العدد.

وأما كونها متفرقة فيؤخذ من قوله: «يكبِّر مع كل حصاة منها»، أي يكبر مع كل حصاة رمى بها، وكذلك جاء نظير حديث جابر حديث الفضل بن عباس أن النبي –صلى الله عليه وسلم-رمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، والنبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «خذوا عنِّي مناسِكَكُم» أخرجه مسلم (1297/310) من حديث جابر بن عبد اللَّه..

، فكان من مقتضى هذا ألا يجزئ الرمي دفعة واحدة، بل لو رمى السبعة دفعة واحدة لم يجزئه إلا عن واحدة.

قوله –رحمه الله-: (ولا يجزئُ الوضْعُ).

أي: ولا يتحقق المطلوب في الرمي بوضع الحصى في المرمى، والوضع هو أن يضعها دون رمي، فإن هذا لا يسمى رميا، وقد رمى النبي –صلى الله عليه وسلم-سبع حصيات وقال: «بمثل هذه فارموا»[مصنف ابن أبي شيبة(14097) من حديث ابن عباس]، فلا يدخل الوضع في الرمي.

فقوله: وفعل في رمي الجمار لا يتحقق به الوضع، أما لو طرح الحصى طرحا، فالصحيح من المذهب أنه يجزئه جزم به في المغني وغيره لوجود مسمى الرمي.

وقيل: لا يجزئ لأنه لم يرم، وليظهر أن الوضع غير الطرح، الوضع هو أن تضع الشيء في مكانه، تضع الشيء في المكان، وأما الطرح فهو نوع رمي، لكنه ليس برفع يد ونحو ذلك مما يكون في الرمي.

فأحوال الحصى في الرمي ثلاثة؛ إما رمي، وإما طرح، وإما وضع، فالرمي يتحقق به المطلوب بالاتفاق، والوضع لا يجزئ، ولا أعلم في ذلك خلافا، وأما الطرح ففيه قولان على المذهب الصحيح من المذهب أنه يجزئ.

والقول الثاني: أنه لا يجزئ، والأقرب أنه يجزئ؛ لأنه نوع رمي.

  

وقوله –رحمه الله-: (يرفَعُ يدَه اليُمنَى حالَ الرَّمي)

 هذا بيان صفة الرمي من جهة كيفيته، وما تقدم بيان كيفيته من حيث تفريقه، وأنه لا يجزئ أن يرمى جملة واحدة أو دفعة واحدة، فيرفع يده اليمنى حال الرمي، فيسن في رمي الجمار أن (يرفَعُ يدَه اليُمنَى حالَ الرَّمي حتَّى يُرَى بياضُ إبطِه) ، وهنا لطيفه وهي قوله: (بياضُ إبطِه) ذكر بعض فقهاء الشافعية أن الإبط في الغالب ليس فيه بياض، بل يميل إلى السمرة أو السواد، فكيف وصف بالبياض؟

قالوا: هذا من خصائص النبي –صلى الله عليه وسلم-، والذي يظهر -والله تعالى- أعلم أنه ليس من الخصائص، بل البياض المقصود به ما أزيل منه الشعر بالنتف أو نحوه، فإنه يكون على حال من البياض أكثر من بقية الجسم.

قوله –رحمه الله-: (لأنَّه أعونُ على الرَّمي).

هذا تعليل لهذه الصفة، وهو أنه يرفع يده حتى يرى بياض إبطه.

(ويكبِّرُ معَ كلِّ حصاة)

 فيسن أن يرفع على هذه الصفة التي ذكر المؤلف –رحمه الله-وجاء في ذلك حديث عن النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أنه كان إذا رمى رمى على هذه الصفة.

فقوله: (ويكبِّرُ معَ كلِّ حصاة)

أي: ويسن التكبير مع كل حصاة.

قبل هذا قوله: (يرفَعُ يدَه اليُمنَى)

 فيه أنه يسن أن يكون الرمي بيده اليمنى، ودليله عموم خبر عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: «كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، في تَنَعُّلِهِ، وتَرَجُّلِهِ، وطُهُورِهِ، وفي شَأْنِهِ كُلِّهِ» أخرجه البخاري (168)، ومسلم (268) ، لكن لو رمى باليسرى أجزأه لحصول الرمي.

قوله –رحمه الله-: (ويكبِّرُ معَ كلِّ حصاة) أي: ويسن أن يكبر مع كل حصاة، فيقول عند الرمي: الله أكبر لما روى جابر أن النبي –صلى الله عليه وسلم-«كان يكبر مع كل حصاة»[سبق]، وكذلك جاء في الخبر عن ابن مسعود، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وكذلك فيما تقدم من حديث الفضل بن عباس حيث قال: «يكبر مع كل حصاة»[صحيح مسلم(1218)]، فيسن أن يكبر مع كل حصاة.

والأمر في هذا واسع ، سواء كبر مع الرمي يعني أثناء الرمي، أو بعد انطلاقها من يده، فالأمر في هذا واسع.

قول بعضهم: إنه لا تتحقق السنة بأن يكبر بعد انطلاقها من يده فيه نوع من التعمق؛ لأن قوله: «يكبر مع كل حصاة» يشمل ما كان قبيل الرمي بيسير، أو معه، أو بعده قريبًا منه، والأولى أن يكون عند الرمي، يعني مع كل رمية يكبر لتتحقق المقارنة التي يفيدها قوله :«يكبر مع كل حصاة».

وأما قوله: (اللهمَّ اجعله حجًا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا مشكورًا)" فإن ابن مسعود وابن عمر كانا يقولان نحو ذلك، وجاء بإسناد عن زيد بن سالم بن عبد الله بن عمر أنه رأى سالمًا استبطن الوادي ورمى بسبع حصيات، وكان يقول مع التكبير:" اللهم اجعله حجًا مبرورا وذنبا مغفورا وعملًا مشكورًا" فسأله زيد، فحدث سالم أن أباه حدث عن النبي –صلى الله عليه وسلم-أنه كان يقول ذلك[أخرجه البيهقي في السنن الصغرى(9550)، وفيه: عبد الله بن حكيم، قال البيهقي: " عبد الله بن حكيم ضعيف]، لكن هذا فيه نظر من حيث ثبوته عنه –صلى الله عليه وسلم-؛ فإن كل من نقلوا عنه صفة الرمي لم يذكروا إلا التكبير.

  

قوله –رحمه الله-: (ولا يجزئُ الرميُ بغيرِها، أي: غيرِ الحصى، كجَوهَرٍ، وذهَبٍ، ومعادِنَ).

أي: إنه لا يجزئ في رمي الجمار إلا بكل ما يسمى حصى، وهي الحجارة الصغار، سواء كانت سوداء أو بيضاء أو حمراء من مرمر أو غيره، ما دام أنها من حصى، وهذا قول مالك والشافعي.

ودليل ذلك أن النبي –صلى الله عليه وسلم-رمى بالحصى، وأمر بالرمي بمثل حصى الخذف، فلا يتناول الأمر غير الحصى، ويتناول جميع أنواعه، فلا يجوز تخصيصه بغير دليل، ولا إلحاق غيره به، فلا يلحق غير الحصى به؛ لأنه موضع لا يدخل القياس فيه، لأن قياس الذهب والفضة على الحصى يقتضي علة جامعة، والرمي بالحصى تعبدي، فلا يلحق الرمل والذهب وسائر المعادن بالحصى قياسا، فلا يصح رمي بغير حصى.

قوله –رحمه الله-: (ولا يجزئُ الرميُ بها ثانيًا؛ لأنها استُعمِلَت في عبادةٍ، فلا تُستعمَلُ ثانيًا، كماءِ الوُضُوءِ).

أي: أنه لا يجزئ الرمي بحصاة قد رمي بها؛ لأخذ النبي –صلى الله عليه وسلم-الحصى من غير المرمى، ولأن ابن عباس قال: ما يقبل منها يرفع، أي: ما يقبل من الحصى التي رمي بها يرفع، وهذا من الغرائب يعني أن ما قُبل رفع، والمتبقي من الحصى في موضع الرمي غير مقبول، فلا يرمى به ثانيًا، لا يرمى بما لم يقبل ثانيًا.

القول الثاني: أنه يجزئ الرمي بما رمي به، واختاره في الرعاية لأنه حصى، فيدخل في عموم قول النبي –صلى الله عليه وسلم-:«بمثل هذه فارموا».

وقوله –رحمه الله-: (ولا يَقِفُ عندَ جمرةِ العقبةِ بعدَ رَميها؛ لضيقِ المكانِ).

أي: أنه لا يسن الوقوف للدعاء عند جمرة العقبة بعد رميها، فإذا رماها انصرف؛ لأن ابن عمر وابن عباس رويا أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-كان إذا رمى جمرة العقبة انصرف ولم يقف[صحيح البخاري(1751)]، فالدليل فعله –صلى الله عليه وسلم-وما ذكره من تعليل هو التماس لعلة فعل النبي –صلى الله عليه وسلم-

  

قوله –رحمه الله-: (ونُدِبَ أن يَستَبطِنَ الوادي، وأنْ يستقبلَ القبلةَ، وأن يرميَ على جانبِه الأيمنِ)

 أي: إن السنة في الرمي أن يرمي جمرة العقبة من وسط الوادي الذي بجانبها، هذا في الزمن السابق؛ لما جاء في الصحيحين عن عبد الرحمن بن يزيد قال: «رمى عبد الله بن مسعود جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، وجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، فقيل: له إن أناسًا يرمونها من فوقها، فقال عبد الله: هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقصد النبي –صلى الله عليه وسلم-[صحيح البخاري(1749)، ومسلم(1296)]

وجاء في رواية النسائي والترمذي أن ابن مسعود استطبن الوادي واستقبل الكعبة، وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن وقال: «من هاهنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة»[ أخرجه الترمذي(901)، وقال: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، ولو رماها من فوق أجزأه، وهذه الصفة التي ذكرها أن يستقبل القبلة، وأن يرمي على جانبه الأيمن هي ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود في رواية النسائي والترمذي، وفي رواية الصحيحين:« أنه جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه» هنا نحتاج إلى جمع بين هاتين الروايتين؛ لأن في إحدى الروايتين أنه جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه.

وعن هذا لم يستقبل القبلة، وما ذكره ذكر استقبال القبلة فهي صفتان وليست صفة واحدة، ولا يمكن حمل هذا الحديث على التعدد؛ لأنه لم يكن إلا مرة واحدة، يعني حَجة واحدة، إلا أن يقال: إنه رماها في يوم على هذه الصفة، وفي اليوم الآخر رماها على الصفة الأخرى، هو الذي يظهر والله تعالى أعلم أن ما في الصحيحين أولى.

لذا قال في شرح الزركشي بعد أن ذكر هذا قال: كذا قال الأصحاب، وفيه نظر، إذ ليس في الحديث أنه استقبل القبلة، المقصود حديث عبد الله بن مسعود في الصحيحين أنه استقبل القبلة في جمرة العقبة، ولا في غيرها، فالسنة في الرمي على المذهب هو ما جاء فيه رواية الترمذي والنسائي من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وهذا خلاف ما هو ظاهر في حديث عبد الله بن مسعود في الصحيحين حيث قال: وجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، وهذا يقتضي أنه استقبل الجمرة أثناء رميه، وهو الأقرب فيما يظهر والله تعالى أعلم، وهو الذي رجحه الزركشي في شرحه على مختصر الخرقي.

قوله –رحمه الله-: (وإنْ وقَعَت الحصاةُ خارجَ المرمَى، ثمَّ تدحرَجَت فيه: أجزأت)

أي: إن وقعت الحصاة خارج المرمى ثم تدحرجت في المرمى أجزأته؛ لأن المطلوب حصل، وهو وصول الحصاة إلى المرمى بفعله، فيكون قد تحقق بذلك الرمي.

 (ويقطَعُ التلبيةَ قبلَها لقَولِ الفَضْلِ بن عَبَّاسٍ: «إنَّ النبيَّ ﷺ لم يزَل يُلبِّي حتى رمَى جمرةَ العقَبَةِ».[صحيح البخاري(1544)، ومسلم(1281)] أخرجاه في «الصحيحين»)

 أي: إن الحاج لا يزال يلبي حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر، فإذا شرع في الرمي قطع التلبية عند أول حصاة، لحديث الفضل الذي ذكره الشارح، وفيه أن النبي –صلى الله عليه وسلم-لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، وفي بعض ألفاظه: «حتى رمى جمرة العقبة، قطع عند أول حصاة»[صحيح ابن خزيمة(2886)] وهذا بيان يتعين الأخذ به.

وفي رواية من روى أن النبي –صلى الله عليه وسلم-كان يكبر مع كل حصاة دليل على أنه لم يكن يلبي، لأنهم لم يذكروا إلا التكبير ولم يذكروا مع التكبير غيره في حديث ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وحديث جابر، فكلهم قالوا: إنه كان يكبر مع كل حصاة، ولم يذكروا قولًا غير التكبير، فلو كان يلبي في أثناء الرمي لذكر.

  

قوله –رحمه الله-: (ويَرمي ندبًا بعدَ طُلوعِ الشمسِ)

 أي: إن السنة في رمي جمرة العقبة يوم النحر أن تكون بعد طلوع الشمس، لما ذكر الشارح عن جابر رضي الله تعالى عنه، قال: «رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-يرمي الجمرة ضحى يوم النحر وحده».[صحيح مسلم(1299)]

ويدل له أيضًا حديث ابن عباس أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: (لأُغَيْلِمة بني عبد المطلب:« لا ترموا جمرة حتى تطلع الشمس»[أخرجه الترمذي في سننه(893)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، وهذا محمول على الاستحباب.

وقوله –رحمه الله-: (ويجزئُ رميُها بعدَ نصفِ الَّليل من ليلةِ النَّحر؛ لما روى أبو داود، عن عائشة، أن النبي ﷺ أمرَ أمَّ سلمةَ ليلةَ النحرِ، فرَمَت جمرةَ العقبةِ قبلَ الفَجرِ، ثم مضَت، فأفاضَت[سنن أبي داود(1942) وقال الحاكم: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا، لَمْ يُخَرِّجَاهُ. وسكت الذهبي])

أي: إن رمي جمرة العقبة يجزئ بعد نصف الليل من ليلة النحر، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها الذي ذكره الشارح.

وقد روي فيه أنه أمرها أن تعجل الإفاضة، وتوافي مكة مع صلاة الفجر، وقد احتج به أحمد وإن كان قد ضعفه غيره، وهذا يدل على أنها رمت ليلا، فعلم بذلك أن قوله -صلى –لله عليه وسلم-:«لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس»، إنما هو على وجه الاستحباب.

وروى ابن أبي حاتم في سننه عن أم سلمة أنها قالت:« قدمني النبي –صلى الله عليه وسلم-فيمن قدم من أهله ليلة المزدلفة قالت: فرميت الجمرة بليل ثم مضيت إلى مكة، فصليت بها الصبح، ثم رجعت إلى منى».[أخرجه الطبراني في الكبير(570)]

  

قوله –رحمه الله-: (فإن غَرَبَت شمسُ يومِ الأَضحَى قبلَ رَميهِ: رمَى مِنَ غدٍ، بَعدَ الزَّوال)

 أي: إن وقت الرمي يوم النحر يمتد إلى غروب الشمس، فإذا لم يرم حتى غربت الشمس لم يرم إلا من الغد بعد الزوال، ولا يجزئه الرمي ليلا؛ لقول ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: من نسي رمي الجمار إلى الليل، يعني أخر رمي الجمار إلى الليل فلا يرم حتى تزول الشمس من الغد، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه يرمي ليلا لما روى ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال:« كان النبي –صلى الله عليه وسلم-يسأل يوم النحر بمنى فقال رجل: رميت بعد ما أمسيت فقال: «لا حرج»[صحيح البخاري(1723)]، فقوله: «لا حرج» دليل على جواز الرمي ليلا.

وأجيب بأن هذا القول إنما كان في النهار، أي إن قول النبي –صلى الله عليه وسيلم-:«لا حرج» كان في النهار؛ لأنه سأله عن الرمي يوم النحر بعد المساء، ولا يكون اليوم إلا قبل مغيب الشمس، ومما استدلوا به على الجواز أنه رخص في الرمي ليلا للرعاة، فدل على أن الرمي نهارا ليس بفرق، والذي يظهر والله تعالى أعلم جواز الرمي ليلا لأنه مما يصدق عليه المساء.

وأما قولهم: إنه إنما سأله نهارًا فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لأن قوله: «لا حرج»دليل على الإذن في كل ما يصدق عليه أنه مساء، والمساء يصدق على جزء من الليل.

قال: (ثمَّ ينحرُ هَدْيًا، إن كان معَه واجبًا كانَ أو تطوُّعًا، فإن لم يكُنْ معه هديٌ، وعليه واجبٌ، اشتراه، وإن لم يكُنْ عليه واجبٌ، سُنَّ له أنْ يَطَوَّعَ به. وإذا نحرَ الهديَ فرَّقَه على مساكينِ الحرَمِ).

أي: إن السنة للحج يوم النحر أن ينحر الهدي إن كان معه، سواء كان واجبا أم تطوعا، فإن لم يكن معه هدي والهدي واجب عليه لزمه أن يشتريه، ليأتي بما وجب، وإن لم يكن عليه هدي واجب، سن له أن يتطوع فيذبحه لمساكين الحرم ويأكل منه؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم-أهدى مائة من الإبل، وأهدى عن نسائه البقر.

وقوله: (وإذا نحرَ الهديَ فرَّقَه على مساكينِ الحرَمِ) لقوله تعالى: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ[المائدة: 95] ، فالهدي لأهل البقعة، ولذلك يفرق بينهم وسيأتي مزيد تفصيل في هذا.

والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق