مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 77

التاريخ : 2024-06-03 11:09:35


  الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

فيقول المصنف –رحمه الله-: (ويَحلِقُ ويُسنُّ أنْ يَستقبلَ القِبلةَ، ويبدأَ بشقِّه الأيمنِ)

 أي: إن السنة للحاج ومن نحر، إذا فرغ من نحر هديه أن يحلق رأسه، والسنة في الحلق أن يستقبل القبلة، وأن يبدأ بشقه الأيمن، لما روى ابن عمر أن النبي –صلى الله عليه وسلم-:«حلق رأسه في حجة الوادع». [ رواه البخاري (4410)، ومسلم (1304)]

أما استقبال القبلة، فإن ذلك لا يختص الحلق إنما يستفاد من عموم ما دلت عليه الأدلة من فضيلة المجالس التي يستقبل بها البيت، فسيد المجالس كما جاء في الأثر مرفوعًا إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-:«ما استقبل به البيت».[أخرجه الطبراني في الأوسط(2354)، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد، والمنذري في الترغيب والترهيب]

ويبدأ بشقه الأيمن، لما روى مسلم من حديث أنس أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أتى منى فرمى الجمرة ،ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق: «خذ»[صحيح مسلم(1305)] وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، فدل ذلك على أن السنة في الحلاق أن يبدأ بجانبه الأيمن، ويدخل في عموم :«كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله».[صحيح البخاري(168)]

قوله –رحمه الله-: (أو يُقَصِّرُ من جميعِ شعْرِه، لا مِنْ كلِّ شعْرَةٍ بعَينِها).

أي: إن قصر الحاج فإن المشروع في التقصير أن يكون من جميع شعره، أي من جميع شعر رأسه لا من كل شعرة بعينها، والدليل لأن الإتيان على كل شعرة لا يعلم إلا بالحلق، وأما التقصير فلا يتأتى ذلك والدليل على مشروعية التقصير مع الحلق قوله تعالى: ﴿مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ[الفتح: 27] أي: رؤوسكم، وهو عام في جميع شعر الرأس، وقد حلق النبي –صلى الله عليه وسلم-جميع شعر رأسه، فكان ذلك تفسيرًا لمطلق الأمر بالحلق أو التقصير، فيجب الرجوع إليه، فدل ذلك على أنه لا يسوغ الاجتزاء، لا في الحلق ولا في التقصير على بعض الرأس، كأن يحلق جانبه الأيمن أو يقصر من جانبه الأيمن دون الأيسر، بل لا بد من تعميم الحلق وكذلك التقصير.

قوله –رحمه الله-: (ومَنْ لبَّدَ رأسَه، أو ضَفَرَه، أو عَقَصَه، فكَغَيرِه).

أي: إن من ألزق شعر رأسه بصمغ أو عسل وهذا هو معنى التلبيد ونحوهما، أو جعله ضفائر أو عقده فإن المشروع في حقه أن يحلق جميعه إن حلق، وإذا أراد التقصير أن يقصر من مجموعه، هذا معنى قوله: فكغيره يعني فكغيره في الحلاق وفي التقصير، ويحصل التقصير المطلوب بأي شيء قصر.

ولذلك قال: (وبأيِّ شيءٍ قصَّرَ الشَّعرَ، أجزأه)

يعني: لا يلزم أن يكون التقصير بالمقص، بل لو كان ذلك بغير المقص مما يحصل به التقصير، فإنه يجزئ.

ولذلك قال أهل العلم لا فرق بين أن يحلق بالموس، أو بالنورة، أو بنتفه فإنه يجزئه؛ لأن القصد قد وجد وهو مقتضى الحلاق وكذلك التقصير.

قالوا: ولأن الأمر به مطلقا فيتناول ما يقع عليه الإثم، ولكن السنة الحلق أو التقصير، فكل ما أزال الشعر أو قصره حصل به المطلوب لكن الحلاق والتقصير أولى من غيره.

وذهب الإمام أحمد –رحمه الله- إلى أن من لبد رأسه أو عقصه أو ضفره، فإنه يحلق هذا قول عن الإمام أحمد يعني لا يكتفي بالتقصير، بل لا بد أن يحلق؛ لأن عمر وابنه أمرا من لبد رأسه أن يحلق، وقد روي عن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «من لبَّد فليحلق».[أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه(14721)]

فالخلاف فيمن لبد أما من عداه فله الحلاق، أو التقصير.

 والسنة تتحقق بكلا الأمرين مع المفاضلة، فإن الحلاقة أفضل لما روى أبو هريرة أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قالوا: ولِلْمُقَصِّرِينَ، قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قالوا: ولِلْمُقَصِّرِينَ، قالَهَا ثَلَاثًا، قالَ: ولِلْمُقَصِّرِينَ» أخرجه البخاري (1728)، ومسلم (1302) كرر الدعاء للمحلقين ثلاثا مع قولهم والمقصرين، وفي الرابعة قال: «والمقصرين»، فنصيب المحلقين من الدعاء بالرحمة أوفر من المقصرين، فدل ذلك على أن الحلاقة أفضل من التقصير.

  

قوله –رحمه الله-:  (وتُقَصِّرُ منهُ المرأةُ أي: من شَعْرِها أَنْمُلَةً فأقلَّ؛ لحديثِ ابن عباس يرفَعُه: «ليس على النساءِ حلقٌ، إنَّما على النِّساءِ التَّقصيرُ»[أخرجه أبو داود في سننه(1985)،وصححه أبو حاتم الرازي في "العلل" 1/ 281 ، وحسّن إسناده الحافظ في "التلخيص" 2/ 261،] رواه أبو داود)

أي: إن السنة في حق النساء التقصير من الشعر لا الحلق، ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم أنه لا يشرع في حق المرأة الحلاق، للحديث الذي ذكره الشارح «ليس على النساء حلق وإنما على النساء التقصير»، ولأن الحلاق في حقهن مُثلى، فالمرأة تقصر من شعرها على أي صفة كان شعرها؛ مضفورا أو معكوصا.

 أما قدر التقصير فقد ذكر المؤلف –رحمه الله-ذلك بقوله: (فتُقَصِّر مِن كلِّ قرنٍ قدرَ أنمُلةٍ، أو أقلَّ).

هذا هو المذهب، وقال ابن الزاغوني في مناسكه: يجب تقصير قدر أنملة، فلا يجزئ أقل من أنملة، والصواب ما عليه المذهب من أن التقصير يتحقق بما دون الأنملة لدخوله في عموم المسمى، إنما على النساء التقصير، ولم يقدر ذلك بقدر، فيدخل فيما دون الأنملة مما يسمى تقصيرًا.

قوله –رحمه الله-: (وكذا: العبد، ولا يحلق إلا بإذن سيده).

أي: إن العبد هو المملوك كالمرأة في شأن الحلاق والتقصير، فالمشروع في حقه التقصير لا الحلاق كالنساء، ووجهه أن شعر الرقيق ملك للسيد ويزيد في قيمته، وإزالته ليست متعينة للنسك، فلم يكن له ذلك كغيره حالة الإحرام، فإذا أذن له سيده جاز، إذ الحق له.

قوله –رحمه الله-: (وسُنَّ لمن حلَقَ أو قصَّرَ: أخذُ ظُفرٍ، وشاربٍ، وعانَةٍ، وإبطٍ).

أي: يسن للحاج إذا حلق أو قصر أن يأخذ أظفاره وشاربه وعانته وإبطه.

قال ابن المنذر: ثبت أن النبي –صلى الله عليه وسلم-لما حلق رأسه قلم أظافره، وجاء ذلك وهو يشير بذلك إلى حديث عبد الله بن زيد:« أنه شهد النبي –صلى الله عليه وسلم-عند المنحر حلق رأسه –صلى الله عليه وسلم-في ثوب وقلم أظفاره»[أخرجه أحمد في مسنده(16474)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي]، وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنه يأخذ من شاربه وأظفاره، ويمكن أن يستدل له بعموم قوله –جل وعلا-: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ[الحج: 29] فقد روى عطاء عن ابن عباس قال: "التفث الدم والذبح والحلق والتقصير والأخذ من الشارب والأظافر واللحية هكذا جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه.

  

قوله –رحمه الله-: (ثمَّ إذا رَمى وحلَقَ أو قصَّرَ، فـقد حلَّ له كلُّ شيءٍ كانَ محظورًا بالإحرامِ إلَّا النِّساءَ).

وبيَّن ذلك بقوله: (وطأً، ومباشرةً، وقُبلةً، ولَمْسًا لشهوة، وعقدَ نكاحٍ؛ لما روى سعيدٌ، عن عائشةَ مرفوعًا: «إذا رميتُم وحلقتُم، فقد حلَّ لكم الطِّيبُ، والثيابُ، وكلُّ شيءٍ إلَّا النِّساءَ».[أخرجه أحمد في مسنده(25103)])، فالمحرم إذا رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر، فقد حل له كل شيء من اللباس والطيب والصيد، ولا يحل له النساء، وهذا يسمى التحلل الأول.

هذا الصحيح من المذهب، فيبقى ما كان محرما عليه من النساء من الوطء والقبلة واللمس بشهوة، وعقد النكاح، ويحل له ما سواه، لما ذكره الشارح حيث إن قوله –صلى الله عليه وسلم-: «إلا النساء» يحتمل شموله لجميع ما تقدم من القبلة والوطء واللمس وما إلى ذلك، فلم يصلح شيء من ذلك بالتحلل الأول، فبقي على ما كان من تحريم، فعلى هذا لا يباح بالتحلل الأول وطء ولا تزويج ولا تقبيل واستمتاع، لأن ذلك مشمول بقوله: «إلا النساء».

ويدل على إباحة ما عداه من المحظورات ما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «طيبت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-لإحرامه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت»[صحيح البخاري(1754)، ومسلم(1189)]، فعن أحمد رواية، هذه الرواية الثانية أنه يحل للحاج بعد الرمي والحلق أو التقصير كل شيء إلا الوطء في الفرج؛ لأنه أغلظ المحرمات ويفسد النسك بخلاف غيره من التقبيل واللمس، فإنه لا يمنع منه بعد التحلل الأول، لأن تحريم المرأة ظاهر في وطئها فيكون معنى الحديث: «إذا رمى أحدكم جمرة العقبة وحلق حل له كل شيء إلا النساء»[سبق] محمول على الوطء.

وقوله –رحمه الله-: (والحلاقُ والتقصيرُ ممَّن لم يحلِق نُسكٌ، في تركِهِما دمٌ؛ لقوله ﷺ: «فليقَصِّر، ثم ليَحْلِل»[صحيح البخاري(1691)، ومسلم(1229)]).

أي: إن الحلق والتقصير ممن لم يحلق نسك عبادة وقربة يثاب عليها لقوله تعالى: ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ[الفتح: 27] ولأن النبي –صلى الله عليه وسلم-أمر به في قوله: «فليقصر ثم ليحلل» ودعا للمحلقين ثلاثًا والمقصرين مرة، والتفاضل إنما هو فيما هو نسك وطاعة، وقال –صلى الله عليه وسلم-: «إنما على النساء التقصير»[سبق]، فوجه الدلالة من حديث أبي هريرة في المفاضلة بين الحلاق والتقصير، أن المفاضلة لا تكون إلا بينما هو قربة وعبادة.

فدل ذلك على أن التقصير تقصير عبادة ونسك، وليس حِلّا من محظور، وعن أحمد رواية أن الحلاقة والتقصير ليس بنسك، وإنما هو إطلاق من محظور، أي: إنه إطلاق مما كان محرما عليه بسبب الإحرام، فأطلق فيه عند الحل كاللباس، والطيب، وسائر محظورات الإحرام، فعلى هذه الرواية لا شيء على تاركه ويحصل الحل بدونه.

وجهه أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أمر بالحل من العمرة قبله، فروى أبو موسى قال: « قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ، فَقَالَ لِي: «أَحَجَجْتَ؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: «بِمَ أَهْلَلْتَ؟» قَالَ قُلْتُ: لَبَّيْكَ، بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَقَدْ أَحْسَنْتَ، طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَحِلَّ »[صحيح البخاري(1724)، ومسلم(1221)]، وفي حديث جابر قريب من هذا، فإنه لما ذهب إلى الصفا والمروة قال –صلى الله عليه وسلم-:« من كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة».[صحيح مسلم: 1218]

والشاهد أنه قال: فليحلل فجعل ذلك مما أمر به من طاف وسعى، فدل على أنه نسك إضافة إلى دلالة الآية واضحة في أنه مما يحمد عليه الإنسان، وأنه من سمات الداخلة إلى البيت الحرام ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ[الفتح: 27] فلو لم يكن الحلاق والتقصير متصلًا بالنسك وله أثر فيه، وأنه من أعماله لما ذكره الله –عز وجل-وهذا هو الراجح.

  

قوله –رحمه الله-: (لا يَلزَمُ بتأخيرِه أي: الحلقِ أو التقصيرِ عن أيامِ مِنى دمٌ. ولا بتقديمِه على الرَّمي والنَّحرِ ولا إن نحرَ أو طافَ قبلَ رَميه، ولو عالمًا؛ لما روى سعيدٌ، عن عطاء: أن النبي ﷺ قال: «من قدَّمَ شيئًا قبلَ شيءٍ، فلا حرَجَ»[ أخرجه ابن الأعرابي في معجمه(1273)]).

هذه جملة من المسائل قوله: (لا يَلزَمُ بتأخيرِه أي: الحلقِ أو التقصيرِ عن أيامِ مِنى دمٌ) أي: إن وقت الحلق والتقصير موسع فلا يلزم بتأخير الحلق أو التقصير عن أيام منى دم، لأن الله تعالى بين أول وقته فقال: ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ[البقرة: 196]، ولم يتبين آخره فمتى أتى به أجزأ، هذا وجه الدلالة في الآية على أن الحلق والتقصير ليس له نهاية، فلو أخره عن أيام منى لا يلزمه بذلك دم.

وعن أحمد رواية: أنه إن أخره فعليه دم، إن أخر الحلق أو التقصير عن أيام منى، فعليه دم، وهو مذهب أبي حنيفة، ووجه أنه نسك أخره عن محله، فيدخل في عموم قول ابن عباس: "من ترك من نسكه شيئًا فليهرق دمًا"، ولا فرق في التخيير بين القليل والكثير، والعامد والساهي على هذه الرواية.

والذي يظهر أنه لا يلزم به دم، لكن ينبغي المبادرة إلى الحلاقة والتقصير فور انتهائه من الرمي والنحر لفعل النبي –صلى الله عليه وسلم-.

وأما المسألة الثانية فهي مسألة التقديم والتأخير قال: ولا بتقديمه على الرمي والنحر، ولا أن يكون نحر أو طاف قبل رميه ولو عالما أي: لا يلزم ترتيب أعماله يوم النحر، فيجوز أن يحلق قبل أن يرمي، وأن يحلق قبل أن ينحر بما ذكر الشارح من قول النبي –صلى الله عليه وسلم-:«من قدم شيئًا قبل شيء فلا حرج»[أخرجه ابن الأعرابي في معجمه(1273)] وهو عند سعيد بن منصور، وأمثل منه في الاستدلال ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو قال أتى النبي –صلى الله عليه وسلم-رجل فقال: « إِنِّي حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، فَقَالَ: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ» وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إِنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ» وَأَتَاهُ آخَرُ، فَقَالَ: إِنِّي أَفَضْتُ إِلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ» قَالَ: فَمَا رَأَيْتُهُ سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ، إِلَّا قَالَ «افْعَلُوا وَلَا حَرَجَ».[صحيح البخاري(83)، ومسلم(1306)]

  

قوله –رحمه الله-: (ويحصُلُ التحلُّلُ الأوَّلُ باثنينِ من: حلقٍ، ورميٍ، وطوافٍ. والتحلُّلُ الثاني: بما بقي، مع سعيٍ).

أي :إن للحج تحللين: التحلل الأول يحصل باثنين من ثلاثة، رمي، وحلق، وطواف إفاضة، فيحصل التحلل الأول إما برمي وحلق، أو بطواف وحلق، أو بطواف ورمي لحديث عائشة قال –صلى الله عليه وسلم-:«إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء»[سبق]--، ولما روت عائشة قالت:« كنت أطيب النبي –صلى الله عليه وسلم-لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت».[صحيح البخاري(1539)، ومسلم(1189)]

وعن أحمد رواية: أن التحلل الأول يحصل برمية جمرة العقبة، وقد صححه في المغني لقوله في حديث أم سلمة:« إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء»[سبق]، وبهذا قال ابن عباس، وقد بنى بعضهم الخلاف في هذه المسألة على مسألة هل الحلاق نسك أو لا؟

فقالوا: إن قلنا إنه نسك حصل الحل به دخل يعني في التحلل، وإلا فلا، والذي يظهر والله أعلم أن المسألة مبنية على ثبوت الحديث زيادة «وحلقتم»، «إذا رميتم وحلقتم» فحديث أم سلمة:« إذا رميتم الجمرة، فقد حل لكم كل شيء إلا النساء» ولا تذكر حلاقا، فيكون هذا دالا على أن التحلل الأول يحصل بالرمي، وليس كما ذكر، باثنين من ثلاثة.

قوله –رحمه الله-: (والتحلُّلُ الثاني: بما بقي، مع سعيٍ)

 أي: إن التحلل الثاني يحصل بما بقي من الثلاثة مع السعي، فيحصل بما بقي من الثلاثة إذا فعل اثنين، من متمتع مطلقا لأنه لا بد أن يسعى، ومن مفرد وقارن إن لم يكونا قد سعيا مع طواف القدوم، لأنه ركن لحديث عائشة، وفيه قالت: «حتَّى إذَا طَهَرَتْ طَافَتْ بالكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ قالَ: قدْ حَلَلْتِ مِن حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا»[أخرجه مسلم في صحيحه(1213)].

  

وقوله –رحمه الله-: (ثم يخطُبُ الإمامُ بمنى يومَ النَّحرِ خطبةً يفتتِحُها بالتكبيرِ؛ يُعلِّمُهم فيها النَّحرَ، والإفاضةَ، والرَّميَ).

أي: إنه يستحب للإمام أو من ينيبه أن يخطب بمنى يوم النحر خطبة يعلم الناس فيها مناسكهم، يعني أعمال النسك من النحر والإفاضة والرمي ونحو ذلك، والمستند في هذا ما روى ابن عباس أن النبي –صلى الله عليه وسلم-خطب الناس يوم النحر، وقد جاء بيان مضمون هذه الخطبة في حديث عبد الرحمن بن معاذ قال:« خطبنا النبي –صلى الله عليه وسلم-ونحن في منى فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار»[أخرجه أبو داود في سننه(1957)]، وقد ذكر بعض الحنابلة أنه لا يشرع أن يخطب يومئذ، وهذا مذهب الإمام مالك.

قالوا في علة ذلك إن الخطبة تسن في اليوم الذي قبله، فلم تسن فيه، وهذا لا دلالة فيه كونها سنت في يوم عرفة لا يعني ألا تكرر سنيتها في مواضع أخرى، وقد ثبت أن النبي –صلى الله عليه وسلم-خطب، والمرجع فيما جاء عنه –صلى الله عليه وسلم-، وبهذا يكون قد انتهى باب صفة الحج والعمرة.   

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق