مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 80

التاريخ : 2024-06-03 11:34:29


 الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

يقول المصنف –رحمه الله-: (ثم يرجعُ من مكَّةَ بعدَ الطَّواف والسَّعي فـيصلي ظُهرَ يومِ النَّحر بمِنى، ويبيتُ بمنى ثلاثَ ليالٍ إن لم يتعجَّل، وليلتَين إن تعجَّل في يَومَين).

قوله: (ثم يرجعُ من مكَّةَ بعدَ الطَّواف والسَّعي).

أي: إن الحاج إذا فرغ من الطواف والسعي، إن كان عليه سعي يرجع من مكة إلى منى، فيصلي بها الظهر يوم النحر لما روى ابن عمر رضي الله تعالى عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى»أخرجه مسلم(1308)، وما جاء عن جابر من أنه صلى –صلى الله عليه وسلم-الظهر في مكة»أخرجه مسلم(1308).  يمكن الجمع بينه وبين ما ذكر ابن عمر من أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أدركته الصلاة في مكة، فصلاها ثم لما رجع صلى بأصحابه –صلى الله عليه وسلم-فلا تعارض.

قوله –رحمه الله-: (ويبيتُ بمنى ثلاثَ ليالٍ إن لم يتعجَّل، وليلتَين إن تعجَّل في يَومَين).

أي: إن الحاج إذا رجع من مكة إلى منى يبيت فيها ثلاث ليال ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، وليلة الثالث عشر إن تأخر، وأما إن تعجل فيبيت ليلتين كما سيأتي لقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى[البقرة: 203].

وقوله –رحمه الله-: (ويَرمي الجمَرَاتِ أيَّامَ التَّشريق).

هذا ثاني ما يكون من أعمال المناسك بعد رجوعه من مكة بعد طوافه وسعيه، الأول المبيت بمنى، والثاني رمي الجمار، فمما يشرع للحاج في أيام منى أيام التشريق رمي الجمار يبدأ في رمي الجمار بالجمرة الأولى وهي الصغرى، وهي التي تلي مسجد الخيف ويجعله عن يساره حال الرمي بسبع حصيات متعاقبات ويستقبل القبلة، ثم يتقدم أمامها وهذا معنى قوله: (ويتأخَّرُ قليلًا) التأخر هنا المقصود به الخروج عن الطريق الذي يفضي إلى الجمرة الوسطى هذا مقصوده بالتأخر.

ولذلك بعضهم يقول: يتأخر، وبعضهم قال: يتقدم أمامها فيقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو، والثابت عنه –صلى الله عليه وسلم-أنه كان يطيل الدعاء.

ولذلك قال: (ويدعو طويلًا). وأما رفع اليدين فهذا من الآداب العامة في الدعاء، وقد ورد عن النبي –صلى الله عليه وسلم-أنه كان يطيل الدعاء أخرجه البخاري(1751), وقد ورد عن ابن عمر  أنه كان يطيل الدعاء بقدر ما يقرأ سورة البقرة أخرجه بن أبي شيبة(14343).

 فهذا هديه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-لما روى في وصف ذلك من عمر رضي الله تعالى عنه.

ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي طبعا هذا الوصف للحال السابقة عندما كان هناك وادي، الآن الأمور اختلفت وإنما المقصود ينزاح عن الطريق الذي يقف في طريق الناس في الوصول إلى الجمرة التي تليها، ويقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة، ويرجع الجمرة عن يمينه ليكون مستقبل القبلة كما ذكر في وصف الرمي يوم النحر.

ويكون في بطن الوادي ولا يكون في أعلاه، ولا يقف عندها بدعاء ولا بغيره، فيرميها بسبع حصيات يكبر عند كل حصاة ثم ينصرف ولا يقف، وأوفى وصف لرمي النبي –صلى الله عليه وسلم-حديث ابن عمر في الصحيح أنه كان يرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة. ثم يتقدم فيقوم قياماً طويلاً ويرفع يديه. ثم يرمي الوسطى. ثم يأخذ بذات الشمال فيهل ويقوم مستقبل القبلة قياماً طويلاً. ثم يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها. ثم ينصرف ثم قال: «هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل» أخرجه البخاري في صحيحه (1751).

وحكمة الوقوف عند الجمرة الأولى والثانية للدعاء:

 لكونه في وسط العبادة بخلاف جمرة العقبة، لأن العبادة قد انتهت بفراغ الرمي والدعاء في صلب العبادة قبل الفراغ منها أفضل منه بعد الفراغ منها كالصلاة، فالدعاء في أدبار الصلوات وفي أثناءها أفضل من الدعاء بعدها.

وقد ذكر المؤلف –رحمه الله-في الرمي ما يفيد الترتيب حيث قال: (ثم)، ثم المفيدة للتعقيب والترتيب، وقد نص على ذلك في آخر قوله مؤكدا ما دل عليه لفظه, فقال: (على الترتيب), فيشترط في رمي الجمار الترتيب، فيرمي أولا الصغرى، ثم بعدها الوسطى، ثم العقبة، وهذا هو المذهب وعليه الأصحاب، فلو نكس بأن رمى غير مرتب لم يجزئه، وفي رواية عن الإمام أحمد أن الترتيب ليس شرطا، فيجزئه مطلقا، وعنه رواية أنه يجزئه إن كان عن جهل، وهذا القول له حظ من النظر لأن الترتيب فعل منه –صلى الله عليه وسلم-والفعل يقتضي الندب، إلا أنهم يستدلون بقول النبي –صلى الله عليه وسلم-«خذوا عني مناسككم»أخرجه مسلم في صحيحه (1297)، وهكذا كان رميه فدل ذلك على وجوبه.

  

قال –رحمه الله-: (في كلِّ يومٍ من أيَّام التَّشريقِ بعدَ الزَّوال فلا يُجزئُ قبلَه، ولا ليلًا لغيرِ سُقاةٍ ورُعَاةٍ).

أي: إن وقت الرمي المذكور وصفه في كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال، فهذا إشارة للوقت، وذلك لما جاء عنه –صلى الله عليه وسلم-أنه كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس، وجاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قوله: «كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا»البخاري(1746).

 ولذلك كان رمي الجمار أيام التشريق بعد الزوال.

قوله: (فلا يُجزئُ قبلَه) أي: لا يجزئ الرمي قبل الزوال وظاهره في الأيام الثلاثة كلها سواء تعجل أو تأخر.

وفي قوله أنه لا يجزأه الرمي قبل الزوال في اليومين الأولين من أيام منى، فأما في اليوم الأخير فيجوز التقدم على الزوال في إحدى الروايتين.

وقيل: يجوز الرمي بطلوع الشمس إلا ثالث يوم وعن الإمام أحمد رواية أن المتعجل يرمي قبل الزوال وينفر بعده، وحجة من يرى أنه لا يجزئ أن يرمي قبل الزوال ما تقدم من فعل النبي –صلى الله عليه وسلم-أنه كان يرمي بعد الزوال، وما جاء من أنه كان –صلى الله عليه وسلم-يتحين فإذا زالت الشمس رمت، فالحديثان حديث الفعل، وحديث الخبر.

حديث الفعل في أنه كان يرمي بعد الزوال جاء عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وأما حديث التحين, رواه البخاري عن ابن عمر أنه قيل له متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فأرمي فكرر السائل عليه فقال: «كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا»البخاري(1746).

وهذا بيان للسنة وليس للزوم والوجوب فيما يظهر لي والله تعالى أعلم؛ لأن ابن عمر لو كان يرى أن الرمي يلزم أن يكون بعد الزوال لأجاب بذلك ابتداء ولم يرجع السائل إلى رمي الإمام حيث قال إذا رمى إمامك فأرمي، ومعلوم أن الإمام قد يتقدم أو يتأخر، فالذي يظهر والله تعالى أعلم أن الحديث ليس فيه دلالة على لزوم الرمي بعد الزوال، وإنما فيه الخبر عما كان عليه عمل النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

قوله –رحمه الله-: (فلا يجزئ قبله), أي: قبل الزوال (ولا ليلا) وقد تقدم أنه لا يجوز الرمي ليلا على المذهب لأن الرمي ينتهي بغروب الشمس.

  

وقوله: (لغير سقاة ورعاة).

 هذا استثناء من التوقيت الذي ذكره، فيستثنى من المنع من رمي الجمار ليلا السقاة والرعاة فلهم الرمي ليلا ونهارًا، لأنهم يشتغلون بسقاية الماء واستسقائه والرعي، فرخص لهم النبي –صلى الله عليه وسلم-في الرمي ليلا.

 والذي يظهر والله تعالى أعلم أن الرمي ليلا لا يختص السقاة والرعاة، بل هو لكل ذي حاجة لما تقدم من قول النبي –صلى الله عليه وسلم-لمن سأله يوم النحر رميت بعد ما أمسيتأخرجه البخاري(1723), وفيه أجابهr فَقَالَ: «لاَ حَرَجَ» ، والمساء يصدق على جزء من الليل.

  

قوله –رحمه الله-: (والأفضلُ: الرَّميُ قبلَ صلاةِ الظُّهرِ، ويكونُ مُستَقبِلَ القِبلةِ في الكلِّ مُرتَّبًا, أي: يجبُ ترتيبُ الجمَرَاتِ الثلاثِ على ما تقدَّم).

قوله هنا: أفضل الرمي قبل صلاة الظهر, هذا على وجه الاستحباب؛ لكونه كان يفعله –صلى الله عليه وسلم-حيث جاء عن ابن عمر أنه قال: «كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا»البخاري(1746). وهذا يدل على المبادرة قبل الصلاة؛ لأنه علقه بزوال الشمس.

وقوله: (ويكون مستقبل القبلة في الكل) أي: في كل الرمي والذي يظهر أن الأمر في ذلك واسع، فيرمي حيث تيسر له.

وقوله: (مرتبًا) تقدم الكلام عن الترتيب، وأنه يجب الترتيب فيما يتعلق برمي الجمار، وفيه ما تقدم من الروايات الثلاث ذكرنا المذهب أنه يجب الترتيب، والرواية الثانية أنه لا يجب مطلقا، والثالثة أنه يجزئ الرمي غير مرتب حال الجهل.

قوله –رحمه الله-: (فإن رماه كله أي: رمى حصى الجمار السبعين كله في اليوم الثالث من أيام التشريق: أجزأه الرمي).

 هذا بيان أن جمع رمي حصى الجمار كله في اليوم الثالث مجزئ، ولا شيء عليه، وذلك لما ذكر الشارح من التعليل لأن أيام التشريق كلها وقت للرمي.

وقوله –رحمه الله-: (ويرتبه بنيته) أي: ويجب الترتيب الأيام بالنية فمثلا يبدأ بالرمي عن أول يوم الثلاث ثم يعود ويرمي عن اليوم الثاني الثلاث ثم يعود، ويرمي عن اليوم الثالث الثلاث.

وقيل: لا يلزمه الترتيب بل له أن يجمع فيرمي الأولى عن الأيام الثلاث، ثم يرمي الثانية عن الأيام الثلاث، ثم يرمي الثالثة عن الأيام الثلاث، وهذا أرفق بالناس وأيسر، لاسيما مع التنظيمات التي قد تحول دون سهولة العودة إلى الرمي مرة ثانية.

  

وقوله –رحمه الله-: (فإنْ أخَّرَه, أي: الرَّميَ عنه, أي: عن ثالثِ أيَّامِ التشريقِ: فعليه دمٌ).

 أي أنه لا يقضى لفوات قوته أو لم يبت بها أي: بمنى: فعليه دم لأنه ترك نسكًا واجبًا وليس موضع للقضاء لأنه فات زمانه.

  

قوله: (ولا مبيت على سقاة ورعاة).

 أي لا يلزم المبيت بمنى للسقاة والرعاة لحديث ابن عمر «رخص لعمه العباس في السقاية أن يبيت بمكة من أجل سقي الناس ماء زمزم» أخرجه البخاري (1743)؛ ومسلم (1315) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ هذا بالنسبة للسقاة.

وأما الرعاةٍ فلحديث عاصم بن عدي «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ » أخرجه التِّرْمِذِيُّ(955)، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ . وهو الذي يحصل به التحلل، ثم يجمع رمي يومين بعد يوم النحر، وهذا دليل لما تقدم قريبا من جواز جمع الرمي، فهنا بالنسبة للرعاة رخص لهم أن يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر يرمونه في أحدهما يعني في الحادي عشر أو في الثاني عشر، في الحادي عشر إن كانوا يريدون التأخر، وفي الثاني عشر إن كانوا يقصدون التعجل قال مالك: ظننت أنه قال في أول يوم منهما ثم يرمونه يوم النحر، فيجوز للرعاة والسقاة ومن كان في حكمهما من ذوي الحاجات سواء الحاجات العامة أو الحاجات الخاصة ترك المبيت بمنى وإلزام من ترك المبيت بمنى من غير حاجة بالدم، يفيد أن المبيت واجب.

ومن الأعذار المبيحة لترك المبيت بمنى ألا يكون له مكان في منى.

  

قال –رحمه الله-: (ويخطُبُ الإمامُ ثاني أيَّام التشريق، خطبةً يُعلِّمُهم فيها حُكمَ التَّعْجيلِ والتأخِيرِ والتَّوديع).

وهذا لما ثبت عنه –صلى الله عليه وسلم-أنه «خطب بين أواسط أيام التشريق» أخرجه أبو داود (1952), بإسناده صحيح؛ لحاجة الناس إلى التبيين.

 قال: (ومن تعجل في يومين: خرج قبل الغروب ولا إثم عليه).

 أي: إن من اختار التعجل في يومين فإنه يلزمه الخروج من منى قبل الغروب، فإن غربت الشمس وهو بمنى، لزمه المبيت بمنى والرمي من الغد لقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ[البقرة: 203] فالتعجل في الخروج من منى، وليس الخروج من مكة، فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه.

وقد بين ذلك النبي –صلى الله عليه وسلم-فيما رواه الترمذي فقال: «أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه» أخرجه الترمذي(889) ، ودليل لزوم خروجه قبل غروب الشمس ذكر اسم اليوم، واسم اليوم يسبق على بياض النهار، فالتعجل في يومين يقتضي أن يخرج من منى وقت النهار.

وقد ذكر الفقهاء أنه إن خرج نهارا ثم عاد إلى منى لحاجة لم يلزمه المبيت، ولا الرمي لأن الرخصة قد حصلت له بالتعجل، وعوده إنما هو عود لحاجة، وقد جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه ما يفهم منه أن من أدركه الليل فيلزمه المبيت, قوله: «من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس» أخرجه البيهقي في سننه الكبرى(9686).

  

قوله –رحمه الله-: (فإذا أرادَ الخروجَ مِن مكَّةَ بعدَ عَودِهِ إليها: لم يخرُج حتى يطوفَ للوَدَاع إذا فرَغَ من جميعِ أمورِه؛ لقولِ ابن عباس: أُمِرَ النَّاسُ أن يكونَ آخرُ عهدِهم بالبيتِ، إلَّا أنَّه خُفِّفَ عن المرأةِ الحائضِ. متفق عليه أخرجه البخاري (1755) ومسلم (1328). ويسمَّى طوافَ الصَّدَرِ).

فيلزم الخارج من مكة أن يطوف قبل خروجه لقوله: أمر الناس، وفي رواية ثانية لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت.

وقوله: (يسمى طواف الصدر) أي هذا من أسماء طواف الوداع؛ لأنه يصدر عن مكة، وجاء فيما تقدم أن من العلماء من يسمى طواف الزيارة طواف الإفاضة طواف الحج طواف الصدر؛ لأنه يصدر من منى، والأمر في هذا قريب، فإن طاف للوداع وأقام وأتجر بعده أعاده لأن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» أخرجه مسلم (1327) ، فمن أقام بعد الطواف واشتغل بما يشتغل به المقيمون، فإنه يحتاج إلى أن يعيد؛ لأنه لم يكن آخر عهده بالبيت.

قال المصنف: (وإن تركه أي طواف الوداع غير حائض رجع إليه بلا إحرام).

 أي يلزمه الرجوع للإتيان به، لكن قيد ذلك إن لم يبعد من مكة.

وقوله: (بلا إحرام) أي لا يحتاج في ذلك أن يحرم، لأنه رجع لاستدراك ما لزم.

قال:(ويُحرِمُ بعُمرَةٍ إن بَعُدَ عن مكة، فيطوفُ ويَسعَى للعُمرَةِ، ثمَّ للودَاعِ) وضابط البعد هو السفر.

ولذلك قال: (فإن شق الرجوع على من بعد عن مكة دون مسافة قصر، أو بعد عنها مسافة قصر فأكثر: فعليه دم، ولا يلزمه الرجوع إذًا).

وبه يعلم أن البعد نسبي ولا يلزم أن يبلغ مسافة القصر، لأنه قال: الرجوع على من بعد عن مكة دون مسافة قصر أو بعد عنها مسافة قصر فعليه دم، فهل إذا رجع سقط عليه الدم؟

ظاهره أنه يسقط عنه الدم، فإن شق الرجوع على من بعد من مكة دون مسافة أو بعد عنها مسافة قصر فأكثر فعليه دم ولا يلزمه الرجوع إذن، أو لم يرجع إلى الوداع: فعليه دم لتركه نسكًا واجبًا فإن كان قد رجع هل يلزمه بذلك دم؟ الذي يظهر أنه لا دليل عليه.

وقيل: إن رجع للوداع من بعد مسافة القصر لم يسقط دمه، لأنه استقر عليه بخلاف القريب، والذي يظهر أنه إذا رجع سقط عنه.

وقوله: (أو لم يرجع إلى الوداع فعليه دم لتركه نسكا) وهو يشير بذلك لحديث ابن عباس «مَنْ تَرَكَ نُسُكًا، فَعَلَيْهِ دَمٌ» روي مرفوعا وموقوفا؛ فأخرجه مالك في موطأه (240), والدارقطني في سننه(2536), والبيهقي(8925), عن ابن عباس موقوفا. قال الحافظ:" وَأَمَّا الْمَرْفُوعُ فَرَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بِهِ وَأَعَلَّهُ بِالرَّاوِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيِّ فَقَالَ إنَّهُ مَجْهُولٌ وَكَذَا الرَّاوِي عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمَقْدِسِيِّ قَالَ هُمَا مَجْهُولَانِ". ينظر: التلخيص الحبير(2/502).

  

قوله: (وإن آخر طواف الزيارة ونصه: أو القدوم فطافه عند الخروج: أجزأ عن طواف الوداع لأن المأمور به: أن يكون آخر عهده بالبيت، وقد فعل).

هذا بيان إجزاء طواف الزيارة عن طواف الوادع, يعني طواف الإفاضة، طواف الحج إذا آخره إلى وقت خروجه أجزئ عن طواف الوداع، ولكن يجب أن ينويه طواف زيارة، فيكفيه عن طواف الوداع؛ لتحقق أن آخر عهده بالبيت.

قال –رحمه الله-: (فإن نوى بطوافه الوداع: لم يجزئه عن طواف الزيارة).

هذا المذهب إن نوى بطوافه الوداع لم يجزئه عن طواف الزيارة للحديث «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» أخرجه: البخاري (1)، ومسلم (1907) , وذهب الشافعية إلى أنه يجزئه لأن المقصود الإتيان بطواف الحج بعد عرفه، وقد أتى به فيجزئه ولو نواه عن الوداع، ولم يستحضر طواف الحج، فيقع عن طواف الحج ويجزئه.

قوله –رحمه الله-: (ولا وداع على حائض ونفساء، إلا أن تطهر قبل مفارقة البنيان).

هذا بيان أن طواف الوداع لا يجب عن الحائض ولا النفساء لما جاء به النص من أنه خفف عن الحائض والنفساء ملحقة بها، ولحديث صفية «حابستنا هي» فلما قيل له أنها قد طافت أمر بأن ينفروا أخرجه البخاري(1757)؛ ومسلم (1211) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.

وقوله: (ويَقِفُ غيرُ الحائضِ والنُّفَساءِ بعدَ الوداعِ في المُلتَزَمِ، وهو أربعةُ أذرُعٍ بينَ الرُّكنِ الذي به الحَجَرُ الأسودُ والبابِ ويُلصِقُ به وجهَه وصدرَه وذِراعَيه وكفَّيه مبسوطَتَين داعيًا بما ورَدَ), وذكر ما ورد وهذا على وجه استحباب لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه أنه طاف مع عبد الله بن عمرو وفعل ذلك بعد فراغه من الطواف وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطاً، ثم قال: «هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ» أخرجه أبو داود(1899, وجاء عن ابن عمر وابن عباس ولم يثبت ذلك بإسناد قوي أخرجه ابن أبي شيبة( 15728)، فإن فعله فلا بأس؛ لثبوته عن هؤلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

قال: (ويأتي الحَطيمَ أيضًا، وهو تحتَ الميزابِ، فيَدعُو. ثم يَشرَبُ مِن ماءِ زمزمَ، ويَستَلمُ الحَجَرَ، ويُقبِّلُه، ثمَّ يَخرُجُ).

وليس في ذلك ما يستند إليه وغاية ذلك ما جاء عن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

 قال: (وتقف الحائض والنفساء ببابه أي: باب المسجد وتدعو بالدعاء الذي سبق).

فلا تفعل شيئًا مما ذكر.

  

قال –رحمه الله-: (وتستحب: زيارة قبر النبي –صلى الله عليه وسلم-، وقبري صاحبيه) وذكر حديث «من حج فزار قبري بعد وفاتي، فكأنما زارني في حياتي» أخرجه الدارقطني (2/278)، وقال الألباني في الإرواء (1128): منكر. وقال في الضعيفة (47): موضوع , ولا يثبت في ذلك حديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم-فيما يتعلق بزيارة قبره في الحج، وغاية ما ورد أنه قال –صلى الله عليه وسلم-: «ما من أحدٍ يُسَلِّمُ عليَّ إلا ردَّ اللهُ عليَّ رُوحي حتى أردَّ عليه السلامَ» أخرجه أبو داود في سننه (2041), وإسناده حسن. وصححه النووي, وجوّد إسناده الحافظ العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (965) .

 

وما ذكره الفقهاء رحمهم الله من زيارة مسجد النبي –صلى الله عليه وسلم-في أعمال الحج؛ لأجل أن ذلك أيسر في ذلك الوقت، وإلا فلا علاقة له بالحج فإنه مما يسن شد الرحال إليه مسجده –صلى الله عليه وسلم-.

 

  

قال: (وإذا أدار وجهه إلى بلده، قال: لا إله إلا الله، آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده).

أي يستحب لمن رجع سواء في الحج أو غيره من سفر أن يقول هذا الذكر لما جاء في الصحيح من حديث ابن عمر « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ، ثُمَّ يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» أخرجه البخاري( 1797)، ومسلم(1344)

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق