مناسك الحج من الروض المربع

من 2024-06-01 وحتى 2030-06-17
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 87

التاريخ : 2024-06-09 05:34:49


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

(باب الفوات والإحصار)

أتي المؤلف –رحمه الله-بباب الفوات والإحصار كما هي عادة الفقهاء في ختم كتاب المناسك؛ لأجل بيان ما يترتب على هذين الحديثين الفوات والإحصار.

وبدأ ذلك بذكر المعنى للفوات والإحصار فقال –رحمه الله-: (الفَواتُ: كالفَوتِ، مصدرُ فاتَ: إذا سَبَقَ فلم يُدرَكْ).

أي: إن الفوات في اللغة مصدر فهو كالفوت.

وقيل: بل الفوات جمع فوت، ومعنى الفوت سبق لا يدرك، فالفوت سبق لا يدرك، فهو أخص من السبق، فالسبق تقدم على الغير لكن الفوات سبق لا يحصل معه إدراك.

والمراد بالفوات هنا: فوات الحج وعدم إدراكه، وسيأتي بيانه فيما نستقبل.

قوله –رحمه الله-: (والإحصارُ: مصدرُ أحصَرَه. مرَضًا كان أو عدوًّا. ويقالُ: حصَره أيضًا).

أي إن الإحصار في اللغة مصدر فذكر اشتقاقه دون ذكر معناه لظهوره، فالحصر الحبس والمنع، ولا فرق فيما ذكر المؤلف –رحمه الله-بين الإحصار بالمرض، والإحصار بالعدو من جهة أن كليهما يحصل به المنع والحبس.

والمراد بالإحصار هنا: المنع من إتمام النسك حجا كان أو عمرة.

  

قوله –رحمه الله-: (من فاته الوقوف) بدأ المؤلف –رحمه الله-بذكر أحكام الفوات؛ لأنه الأكثر وقوعًا.

قال: (من فاتَه الوقوفُ بأن طلَعَ فجرُ يومِ النَّحرِ ولم يقِف بعرفَةَ: فاتَه الحجُّ؛ لقولِ جابرٍ: لا يفوتُ الحجُّ حتى يَطلُعَ الفجرُ من ليلةِ جَمْعٍ. قال أبو الزبير: فقلتُ له: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ ذلك ؟ قال: نعَم. رواه الأثرم أخرجه البيهقي 5/174 من طريق ابن جريج، عن أبي الزبير به. وقال الألباني في الإرواء تحت حديث (1065): وهذا إسناد صحيح، إن كان ابن جريج سمعه من أبي الزبير؛ فإنه مدلس ).

أي: إن فوات الحج يحصل بألا يدرك الحاج الوقوف بعرفة، فإنه لا خلاف بين أهل العلم في أن من طلع عليه فجر يوم النحر وهو لم يأتِ عرفة، فقد فاته الحج، ويدل لذلك ما ذكره الشارح من حديث جابر رضي الله تعالى عنه، ويدل لذلك ما ذكره المؤلف –رحمه الله-من قول جابر رضي الله تعالى عنه، ويدل له أيضًا مفهوم قول النبي –صلى الله عليه وسلم-في حديث عروة بن مضرس «من صلى صلاتنا هذه» أخرجه أبو داود (1950)؛ والترمذي (891)؛ والنسائي (5/ 263)؛ وابن ماجه (1950), يشير إلى صلاة فجر يوم النحر من مزدلفة، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه.

فهذا يدل على أن فوات الحج يكون بخروج ليلة جمع، إذا لم يدرك الوقوف بعرفة قبل فجر يوم النحر.

  

وقوله –رحمه الله-: (وتحلَّلَ بعُمرَة فيطوفُ ويسعَى، ويحلِقُ أو يُقصِّرُ، إن لم يختَرْ البقاءَ على إحرامِه).

هذا بيان ما يترتب على فوات الحج من أمور .

وقبل بيان ما يترتب على فوات الحج يحسن أن نعرف أن الحاج لا يخلو من حالين؛

الحالة الأولى: أن يكون من فاته الوقوف بعرفة لن يشترط عند ابتداء إحرامه بأن يكون قد أحرم دون أن يقول إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فهذا يترتب على فوات الحج بالنسبة له أمور:

الأمر الأول: أنه يجب على من فاته الحج ولم يكن قد اشترط أن يتحلل من إحرامه بالحج الذي فاته بعمرة أي: بطواف وسعي وحلاق أو تقصير، وبهذا قال الجمهور والحجة في ذلك ما ذكره الشارح –رحمه الله-في قوله لقول عمر لأبي أيوب لما فاته الحج :"اصنع ما يصنع المعتمر ثم قد حللت"أخرجه الشافعي في الأم(2/166) ، فعمر رضي الله تعالى عنه أمر من فاته الحج بأن يصنع ما يصنع في عمرته، والذي يصنعه في العمرة الطواف والسعي والحلاق.

وقد جاء مثله عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ويسقط عنه بذلك أي بهذا التحلل توابع الوقوف من المبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمار لأن من حج له لا يشرع له أن يعمل هذه الأعمال، وهذا لا حج له بفوات الوقوف بعرفة.

وعن أحمد أنه يمضي في بقية أعمال الحج لأن سقوط ما فات وقته لا يمنع وجوب ما لم يفت، والرواية الأولى هي الصحيح من المذهب، وهي أصوب لما جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

وظاهره قوله –رحمه الله-: (وتحلل بعمرة) أن ذلك شامل لكل الحجاج على اختلاف أنساكهم سواء كان متمتعًا أو مفردًا أو قارنًا.

وقوله –رحمه الله-: (إن لم يختر البقاء على إحرامه يحج من قابل) علم منه أن لمن فاته الحج أن يختار البقاء على إحرامه ليحج من قابل، وحجتهم في هذا أن تطاول مدة الإحرام لا يمنع من إتمامه كالعمرة نظير المحرم بالحج في غير أشهره، وذكر ابن قدامه –رحمه الله-احتمالا أنه ليس له ذلك أي يجب عليه أن يتحلل وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي، ورواية عن مالك لظاهر الخبر وقول الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولأن إحرام الحج يصير في غير أشهره، فصار كالمحرم بالعبادة قبل وقتها هذا الأمر الأول المترتب على الفوات وهو وجوب التحلل بعمرة.

الأمر الثاني: أنه يجب على من فاته الحج ولم يكن قد اشترط قضاء الحج الذي فاته، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الحج فريضة أو نفلا والمستند في ذلك ما جاء من الأثر عن عمر رضي الله تعالى عنه في قوله لأبي أيوب حيث قال له: "فإن أدركت الحج قابلا فحج"أخرجه الشافعي في الأم(2/166) ، ويؤيده ما روي عن ابن عباس أنه قال: " من فَاتَهُ عَرَفَات، فقد فَاتَهُ الْحَج، فليحل بِعُمْرَة، وَعَلِيهِ الْحَج من قَابل" أخرجه الدارقطني(2519) عن ابن عباس مرفوعا , رواه مرفوعًا، وهذا عام شامل للفرض والنفل.

واستدل بعضهم بقول الله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ[البقرة: 196] فإن الله أوجب الإتمام على كل أحد غير المحصر، وحجة الفوات لا يتم إلا بالقضاء، ووجب أن يلزمه ذلك.

وعن أحمد رواية أنه لا قضاء على من فاته الحج، فلا يجب عليه قضاء إلا إن كانت الحجة التي فاتته حجة إسلام فيجب القضاء لأنه لم يأتي بما فرض ولأن النبي –صلى الله عليه وسلم-لما سئل عن الحج هل عليه أكثر من مرة واحدة قال: «لو قلت نعم لوجبت» أخرجه مسلم(1337).

وفي إيجاب الحج على من فاته الحج زيادة فرض يحتاج إلى دليل.

الأمر الثالث: أنه يجب على من فاته الحج ولم يكن قد اشترط أن يهدي هديًا، ولكنه له أن يؤخره إلى القضاء ولا فرق في ذلك بين أن يكون قد ساق هديًا أم لا, والحُجة ما جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه في الأثر الذي ذكره الشارح وهو قول عمرَ لأبي أيوبَ- لمَّا فاتَه الحجُّ- : اصنَعْ ما يصنَعُ المعتمِرُ، ثم قد حلَلتَ، فإن أدرَكتَ الحجَّ قابلًا فحُجَّ، واهْدِ ما استَيسَرَ مِن الهَدْي. أخرجه الشافعي في الأم(2/166) ، ولأن في حديث عطاء قال: «من فاته الحج فعليه دم»أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (13683).

والهدي الذي يكون في الإحصار مثل هدي المتعة، وهو لكل محصر سواء كان متمتعًا أو مفردًا أو قارنًا، فإن عدم الهدي زمن الوجوب، صار كالمتمتع يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، واحتجوا في ذلك بقصة هبار بن الأسود أنه " حجّ من الشّام فقدم يوم النّحر فقال له عمر: ما حبسك؟ قال حسبت أنّ اليوم يوم عرفة قال: فانطلق إلى البيت فطف به سبعا وإن كان معك هديّة فانحرها ثمّ إذا كان قابل فاحجج فإن وجدت سعة فاهد، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعت إن شاء اللّه" أخرجه مالك في الموطأ(1429), والبيهقي في الكبرى(9911).

وعن أحمد رواية أنه لا يلزمه هدي في حال فوات الحج، لأنه لو كان الفوات سببا لوجوب الهدي للزم المحصر أن يهدي هديين، هدي للفوات، وهدي للإحصار وهذا لم يقل به أحد.

وأما عن القول بلزوم الهدي فإنه يذبحه في عامه على قول، لأنه لا معنى لتخييره، ولو آخره جاز.

الحالة الثانية: أن يكون من فاته الحج قد اشترط عند ابتداء إحرامه بأن يكون قد قال حين ذلك: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. فهذا يتحلل بعمرة ولا يلزمه هدي ولا قضاء هذا الفرق بين الحالين.

الحالة الأولى يجب فيها على المذهب التحلل بعمرة، ويجب الهدي، ويجب القضاء.

وأما الحالة الثانية التي لم يشترط فيها عند الإحرام، فلا يجب فيها إلا تحلل بعمرة فقط.

  

 قوله –رحمه الله-: (وإن أخطأَ النَّاسُ، فوقَفوا في الثامِن، أو العاشِرِ: أجزأَهم. وإن أخطأَ بعضُهم: فاتَه الحجُّ).

أي أنه إذا أخطأ الناس فوفقوا في غير يوم عرفة، بأن وفقوا في اليوم الثامن من ذي الحجة أو العاشر، فإنه يجزأهم ولا يجب عليهم القضاء لما روى الدار قطني عن عبد العزيز بن جابر قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «يَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي يَعْرِفُ النَّاسُ فِيهِ» أخرجه الدارقطني(2443)، وقد روى أبو هريرة أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» أخرجه الدارقطني(2177)، فإن اختلفوا بأن قال بعضهم اليوم عرفة، وقال آخرون غدا عرفة أو العكس، لا يجزئهم الوقوف في غير ما عليه عامة الناس وجماعتهم.

  

قوله –رحمه الله-: (ومن أحرم، فصده عدو عن البيت ولم يكن له طريق إلى الحج: أهدي أي: نحر هديا في موضعه ثم حل لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[البقرة: 196] سواء كان في حج أو عمرة، أو كان قارنا، وسواء كان الحصر عامًا في جميع الحاج، أو خاصًا بواحدٍ كمن حبس بغير حق).

هذا شروع في بيان أحكام الإحصار، فالمحرم بالحج والعمرة إذا صده عدو عن البيت ومنعه من الوصول إليه، ولم يكن له طريق آخر يوصله إلى البيت فهو محصر، وكذلك إذا صد المحرم عن دخول الحرم، فهو محصر يجوز له في هذه الحالة التحلل، ويرجع من غير خلاف بين العلماء لما ذكر الشارح من الآية التي هي نص في الحكم، وسواء كان الحصر عاما للحاج أو خاصا كمن حبس بغير حق، أو أخذه لص لعموم النص ووجود المعنى، أما حبس بحق يلزمه يمكنه أدائه لم يكن له التحلل، بل الواجب عليه أدام عليه من حق وإتمام نسكه، وتحلل المحصر لإحرامه لا يكون إلا بنية الإحلال والخروج من الإحرام، ولهذا لو فعل شيئا من محذورات الإحرام دون نية التحلل، لم يصر حلالا كما لو حلق أو ذبح أو فعل شيئا من المحذورات غير ذلك.

إذا لم يكن ينوي بذلك التحلل، وإنما اشترطت النية هنا، لأن من أتى بأفعال النسك فقد أتى بما عليه، فيحل منه بإكماله فلم يحتج إلى نية بخلاف المحصر، فإنه يرد الخروج من العبادة قبل إتمامها، فافتقر إلى نية

ويلزم المحصر للتحلل أمور:

الأمر الأول: أن المحصر يلزمه أن يهدي هديًا فيذبح شاة إن أمكنه لقول الله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ[البقرة: 196] وهذا يدل على وجوب الهدي من وجوه:

الوجه الأول: أن التقدير فإن أحصرتم فعليكم ما استيسر من الهدي.

والوجه الثاني: أنه أمر بالإتمام وجعل الهدي في حق المحصر قائمًا مقام الإتمام، والإتمام واجب فما قام مقامه يكون واجبًا.

ولهذا لا يجوز له التحلل حتى ينحر الهدي، لأنه بدل عن إتمام النسك.

وأما الوجه الثالث: فإن قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ[البقرة: 196] كقوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ[البقرة: 196] وذلك أن الإحصار المطلق هو الذي يتعذر معه الوصول إلى البيت، وهذا يوجب الهدي إلى محالة.

ويدل له أيضًا أن النبي –صلى الله عليه وسلم-أمر أصحابه حين حصروا في الحديبية أن ينحروا ويحلقوا ويحلوا، وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنه أنه خرج في الفتنة معتمرًا وقال: «إِنْ صُدِدْتُ عَنِ البَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»أخرجه البخاري(1813), ومسلم(1230), هذا الأمر الأول وهو أن المحصر يلزمه هدي.

الأمر الثاني: أن موضع نحر الهدي في مكان الإحصار لقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]  فإن الله أوجب الهدي، ولم يجئْ للمكان ذكرا، فكان الظاهر يقتضي جواز نحره عقيب الإحصار، ولم يفصل ويفرق بين أن يكون الإحصار حل أو حرام، ويدل له أيضًا فعل النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-حيث نحره هديه في الحديبية للشجرة وهي من الحل.

الأمر الثالث: أن المحصر يلزمه أن يهدي قبل أن يتحلل، وذلك أن الموجب للهدي هو الإحصار، فوجب أن يكون وقت الذبح قبل التحلل كما دل عليه قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ[البقرة: 196] فإن الله تعالى أمر بالإتمام وجعل الهدي في حق المحصر قائمًا مقام الإتمام، فلا يجوز له التحلل حتى يتم النسك، ويدل له أيضًا ما كان من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-فإنه لم يتحلل حتى نحر هديه –صلى الله عليه وسلم-.

  

قوله –رحمه الله-: (فإن فقده أي: الهدي: صام عشرة أيام بنية التحلل ثم حل ولا إطعام في الإحصار).

أي: إن المحصر إذا لم يجد هديًا صام عشرة أيام بنية التحلل قياسًا على المتمتع بجامع كونه دم واجبًا، فكان له بدل ينتقل إليه كدم التمتع، فيصومها قاصدًا الخروج من نسكه بهذا الصوم لكونه محصرًا، ويكون تحلله عقب فراغه من الصيام ليس له التحلل قبل ذلك.

وقيل: لا يجب الصوم حال العجز عن الهدي، وهذا القول أقرب إلى الصواب.

قوله –رحمه الله-: (وظاهر كلامه، كالخرقي وغيره: عدم وجوب الحلق أو التقصير. وقدمه في "المحرر"، وشرح ابن رزين).

أي: إن ظاهر كلام الحجاوي ككلام الخرقي وغيره من أن الحلق غير واجب على المحصر، وأن التحلل يحصل بدونه وهو أحد القولين في مذهب أحمد –رحمه الله-. قال: ولأن الحلق والتقصير من توابع الوقوف كالرمي.

وقد في الرعاية الوجوب وهذا هو القول الثاني، واختاره القاضي في التعليق وغيره وجزم به في الإقناع، وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد –رحمه الله-لأن الحلاقة واجبة، ولأن النبي –صلى الله عليه وسلم-حلق وأصحابه كذلك حلقوا رءوسهم في عمرة الحديبية، وهذا القول أقرب إلى الصواب.

فالمحصر يحلق ليتحلل.

  

قوله –رحمه الله-: (وإن صد عن عرفة دون البيت: تحلل بعمرة ولا شيء عليه؛ لأن قلب الحج عمرة جائز بلا حصر، فمعه أولى).

أي: إن صد أحد عن عرفة، فحينئذ حكمه أنه يتحلل بعمرة وليس عليه هدي، ولا قضاء لأن هذا غاية ما يستطيعه فأتى به إذ إنه لم يمنع من الطواف والسعي، ولأن له التحلل بالعمرة من غير حصى، فمع الإحصار أولى.

وعن الإمام احمد رواية أنه لا يجوز له التحلل، بل يقيم على إحرامه حتى يتحقق فوات الحج، ثم يحل بعمرة لأنه إنما جاز له التحلل بالعمرة في موضع يمكنه الحج من عامه ليصير متمتعًا، وهذا ممنوع من الحج فلا يمكنه أن يصير متمتعًا.

 قوله –رحمه الله-: (وإن حصر عن طواف الإفاضة فقط: لم يتحلل حتى يطوف).

أي: إن من حصر عن طواف الإفاضة فقط وقد رمى وحلق، فإنه لم يتحلل التحلل الكامل أي إن من حصر عن طواف الإفاضة فقط بأن يكون قد رمى وحلق، فإنه لم يتحلل التحلل الكامل حتى يطوف بالبيت، ويسعى إن لم يكن قد سعى، فلو حصر عن الطواف بقي على إحرامه أو بقي على بقية إحرامه حتى يتمكن من الطواف.

ومثله السعي على القول بأنه ركن، لأن الشرع ورد بالتحلل من إحرام تام يحرم جميع المحذورات، وهذا إنما يحرم النساء فقط، فلا يلحق به، ومتى زال الحصر أتى بالطواف والسعي إن لم يكن سعى وتم حجه.

  

قوله –رحمه الله-: (وإن حصر عن واجب: لم يتحلل، وعليه دم).

أي: إن من حصر عن فعل واجب كرمي الجمار مثلا أو المبيت بمزدلفة أو بمنى في لياليها، فليس له التحلل؛ لأن صحة الحج لا تقف على ذلك لتمام أركانه، ولعدم ورود التحلل من ذلك، وعليه دم بتركه كما لو تركه اختيارًا، هكذا المذهب.

قوله –رحمه الله-: (وإن حصره مرض، أو ذهاب نفقة أو ضـلَّ الطـريقَ: بقيَ مُحرمًا حتى يقدِرَ على البيت؛ لأنه لا يَستفيدُ بالإحلالِ التخلُّصَ من الأذى الذي به، بخلافِ حصرِ العدوِّ، فإن قدِرَ على البيت بعدَ فواتِ الحجِّ: تحلَّل بعمرةٍ. ولا ينحرُ هديًا معه إلا بالحَرَم).

أي: إن حصل الحصر بغير العدو كما لو حصر بمرض أو ذهاب نفقة أو ضياع طريق أو كسر أو ما أشبه ذلك، فليس له أن يتحلل بذلك، بل يبقى على إحرامه حتى يقدر على الوصول إلى البيت لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها: «أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخَل على ضُباعةَ وهي شاكيةٌ فقالت: إنِّي أُريدُ الحجَّ وأنا شاكيةٌ فقال لها: حُجِّي واشترطي أنَّ محلِّي حيثُ حبَسْتَني» أخرجه البخاري (5089), ومسلم (1207) عن عائشة رضي الله عنها؛ وأخرجه مسلم (1208) عن ابن عباس رضي الله عنه, ووجه الاستدلال به أنه لو كان المرض يبيح الإحلال، ما احتاجت إلى الاشتراط، وإلا إن ذلك قول ابن عباس وابن عمر، ولأنه لا يستفيد بإحلاله التخلص كما تقدم.

وفي رواية أنه يجوز التحلل للمحصر بغير العدو، كمن حصره عدو، فمن حصر بمرض ونحوه فله التحلل.

قال الزركشي: ولعلها أظهر، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-لأنه محصر فيدخل في عموم قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ[البقرة: 196] يحققه أن لفظ الإحصار في الأصل، إنما هو للمرض ونحوه يقال: أحصره المرض إحصارًا فهو محصر وحصره العدو حصرًا فهو محصور، فيكون اللفظ صريحًا في محل النزاع، وحصر العدو مقيس عليه هكذا قالوا، ولأنه مصدود عن البيت أشبه من صده عدو.

واستدل له أيضًا بما روى الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-يقول: «مَن كُسِرَ أو عَرِجَ فقد حَلَّ، وعليه الحَجُّ مِن قابِلٍ» قال عكرمة: فسمعته يقول ذلك فسألت ابن عباس وأبا هريرة رضي الله تعالى عنهما عما قال فصدقاه. رواه الخمسة وحسنه الترمذي، وزاد أبو داود في رواية «أو مرض» أخرجه أبو داود (1862)، والترمذي (940), والنسائي(2861), وابن ماجه (3077) ، ولا يقال إن هذا متروك الظاهر لأنه لا يحل بمجرد ذلك لأن نقول هذا مجاز سائغ إذ من أبيح له التحلل فقد حل لا يقال إن ابن عباس قد خالف ذلك، وهو يضعف ما روي عنه من التصديق لأننا نقول غايته أن يكون مخالفًا لروايته، ومخالفة الراوي لظاهر الحديث لا يقدح فيه على المشهور من قولي العلماء.

وقوله –رحمه الله-: (إن لم يكن اشترط في ابتداء إحرامه: أن محلي حيث حبستني. وإلا فله التحلل مجانًا في الجميع).

 وهذه هي الحالة الثانية من أحوال المحصر أن يكون قد اشترط في ابتداء إحرامه وعند دخوله النسك أن محلي حيث حبستني، فإن له أن يتحلل إذا أحصر لمرض ونحوه ولا شيء عليه.

ويدل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت في قصة ضباعة بنت الزبير «دَخَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ علَى ضُبَاعَةَ بنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقالَ لَهَا: أَرَدْتِ الحَجَّ؟ قالَتْ: وَاللَّهِ، ما أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً، فَقالَ لَهَا: حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي اللَّهُمَّ، مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» أخرجه البخاري (5089), ومسلم (1207), ويفيد هذا الشرط شيئين:

 أحدهما: أنه إذا عاقه عائق من مرض أو عدو أو ذهاب نفقة أن له التحلل.

 والثاني: أنه متى حل بذلك فلا دم عليه ولا صوم.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق