ثلاثة الأصول

من 1446-01-01 وحتى 1449-01-01
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 89

التاريخ : 2024-06-06 04:52:57


قوله رحمه الله: (والدليل على هذا قوله تعالى: ] إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً.. [  المزمل: 15 . وهذا دليل على أن الله لم يتركنا هملاً، بل أرسل إلينا رسولاً، فقال: ]إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً[ والخطاب هنا لمشركي مكة الذين بعث فيهم النبي  صلى الله عليه وسلم وكذبوه وعاندوه، فخاطبهم الله بهذا الخطاب قائلاً: ]إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً[ فهذا أمر ليس بجديد ولا محدث، ولستم ببدعٍ ممن سبق، بل جرت على هذا سنة الله أن يبعث إلى الناس من يدعوهم ويبصرهم بما يجب عليهم، وإنما نظَّر بفرعون لمشابهة مشركي مكة، كفر فرعون، فإن فرعون كان كفره من جهتين: من جهة عبادة غير الله، ومن جهة الإباء والاستكبار، وكذلك الذين بُعث فيهم النبي  صلى الله عليه وسلم من مشركي مكة، فإنهم كانوا يعبدون غير الله، وكانوا يأنفون ويستكبرون عن اتباع النبي  صلى الله عليه وسلم، حتى قال قائلهم: ] وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [ الزخرف: 31 وذلك احتقاراً للنبي  صلى الله عليه وسلم، إذ لم يكن من أعلى أشرافهم فيما زعموا، ثمّ قال تعالى: ] فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً[  المزمل: 16 أي أخذاً شديداً ثقيلاً، وهذا فيه التهديد لهم، وأنهم لن يتركوا هملاً، ولو كانوا متروكين هملاً لما أرسل إليهم رسولاً، ولما هددهم بهذا التهديد، وهو تهديد لكل من خالف الرسل فيما جاؤوا به.  

  

قوله رحمه الله : (قال الشافعي رحمه الله تعالى " لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم"). هذا لا يعني أن ما زاد على هذه السورة لا حاجة إليه، بل أراد الشافعي أن هذه السورة كافية شافية في بيان طريق النجاة، وإلا فأهل الإسلام بحاجةٍ إلى كل حرف نزل في كتاب الله عز وجل، ليس لهم عنه غنية ولا بهم عنه كفاية، بل هم محتاجون إلى كل حرفٍ في كتاب الله عز وجل، ولذلك كان من أعظم ما أصيبت به الأمة بوفاة النبي  صلى الله عليه وسلم هو انقطاع الوحي عن نبي الأمة، فمراد الشافعي رحمه الله: لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلاّ هذه السورة لكفتهم، يعني في بيان طرق النجاة والسلامة من الخسار الذي اتصف به الإنسان.

  

قال رحمه الله: (وقال البخاري رحمه الله: "باب العلم قبل القول والعمل ").

فلابد من العلم قبل العمل، وأيّ عملٍ لا يبنى على علم فهو لا يزيد صاحبه من الله إلاّ بعداً، لأنه إحداث وابتداع وضلال.

قال رحمه الله: (والدليل - على وجوب تقديم العلم على العمل - قوله تعالى: ] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [ سورة محمد: 19 . سئل سفيان بن عيينة رحمه الله عن فضل العلم فقال: " ألم ترَ كيف بدأ الله بالعلم ؟ " يعني في قوله: ] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ[ فيكفي ذلك في بيان فضل العلم: أن الله بدأ به قبل العمل، فالواجب على المؤمن أن يحفل بالعلم، وأن يجتهد فيه، ويبذل فيه مهجته ووقته وعمره، وأن لا يبخل عليه بشيء، لأن العلم تزكو به الأخلاق، وتصلح به الأعمال، ويرفع الله به ذكر العبد في الدنيا والآخرة، كما جاء في الحديث عن النبي  صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)) أخرجه مسلم ( 1353)، وابن ماجه ( 214)، والدارمي (3231). .

والمراد: أنه يرفع به من أقبل عليه وأخذ به حفظاً وعلماً وعملاً وتعلماً وتدبراً و غير ذلك مما يكون في كتاب الله عز وجل، قال رحمه الله: ( فبدأ بالعلم قبل القول والعمل. . . ) وبهذا يكون الترتيب الذي ذكر المؤلف رحمه الله ترتيباً دل عليه الكتاب وقول السلف، لأن قوله: (وقال البخاري. . .)، هذا في موضع الاستدلال على ترتيب هذه المسائل، أما أصل هذه المسائل فقد دل عليها الدليل من سورة العصر، وأما الترتيب فإنه جاء من قوله تعالى: ] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ[ وقول البخاري رحمه الله تعالى.

  

 (المقدمة الثانية)

قوله رحمه الله : ( اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه المسائل الثلاث) هذه هي المقدمة الثانية التي قدم بها الشيخ رحمه الله ذكر الأصول الثلاثة، وهو ذكْره رحمه الله لمسائل يجب على كل مسلم ومسلمة تعلمها، وهو أيضاً بيان لأولى المراتب، في قوله: ( الأولى العلم ) يعني من أول ما يجب تعلمه على الإنسان هي هذه المراتب الثلاث التي ذكرها رحمه الله، حيث قال: ( اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه المسائل الثلاث والعمل بهن. . . )

ليس مجرد العلم هو المطلوب فقط، بل العلم والعمل معاً؛ لأن العمل هو المقصود.

قال رحمه الله: (الأولى أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً، بل أرسل إلينا رسولاً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار). ثم ذكر الدليل على ذلك.

 أما أن الله خلقنا, فلا يرتاب في ذلك مؤمن، بل هذا مما فطر الله عليه الناس، وهو من مستلزمات ومن أفراد توحيد الربوبية، فالواجب الإقرار بأن الله هو الخالق، ولا يوجد أحد يعارض في هذا، فإن الجميع مقرون بأن الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء، وكذلك الرزق، هذا مما يجب الإقرار به في توحيد الربوبية، فإن توحيد الربوبية: هو إفراد الله جل وعلا بالخلق والرزق والملك والتدبير، ودليل ذلك قوله تعالى: ] قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ [  سورة يونس: 31 هذه الآية هي الدليل على أن توحيد الربوبية لا يثبت ولا يقر إلاّ بالإقرار: بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق، الرازق، المدبر، وهذا مما فطر الخلق عليه، وبدأ الشيخ رحمه الله به تمهيداً لما بعده، وإلاّ فلا معارضة ولا خلاف بين الناس في الإقرار بأن الله سبحانه وتعالى هو خالقهم ورازقهم ومالكم ومدبرهم.

ثم قال رحمه الله: (ولم يتركنا هملاً) - ثم بين وجه ذلك - فقال: (بل أرسل إلينا رسلاً) فإرسال الرسل دليل على عناية الله جل وعلا بخلقه، وأنه سبحانه وتعالى لم يتركهم هملاً لا يقصدونه بشيءٍ من العبادة، ولا يُطلب منهم شيء.

ثم بين ما الواجب فيمن أرسلهم الله عز وجل فقال: ( فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار) والطاعة هنا المراد بها: الطاعة بالجملة، أي: في أصل ما جاء به، وأما في أفراد ما جاؤوا به فمن أطاعهم دخل الجنة واستحقها، ومن عصاهم استحق النار، لكن قد يدخلها وقد لا يدخلها، أما في أصل ما جاؤوا به من التوحيد فإنه من أطاعهم فيه دخل الجنة، ومن عصاهم فيه دخل النار كما دلت على ذلك الأدلة.

  

  مقدمة

الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذه رسالة من مؤلفات الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وهذه الرسالة رسالة عظيمة، كثيرة الفوائد، ألفها رحمه الله لبيان ما يحتاج إليه كل مسلمٍ ومسلمة، وسمى هذه الرسالة (ثلاثة الأصول ) وهي معروفة بهذا الاسم، أو باسم (الأصول الثلاثة ) بين فيها ما يجب معرفته فيما يتعلق بالله عز وجل، ومما يتعلق بالنبي  صلى الله عليه وسلم، ومما يتعلق بدين الإسلام، وأكثر من ذكر الأدلة في ثنايا هذه الرسالة المباركة؛ ليتبين بذلك أن ما يدعو إليه منبثق من الكتاب والسنة معتمد عليهما، ولاسيما أن الشيخ رحمه الله واجه في دعوته خصوماً ألداء، شنوا عليه وعابوا ما جاء به من دعوة المرسلين، وألصقوا به تهماً عديدة، ولكن الحق أبلج والباطل لجلج، فمهما كانت هذه الدعاوى فإنها تتساقط وتتلاشى أمام الحجج والبراهين.

 المهم أن هذه الرسالة رسالة لطيفة موجزة، يحتاج إلى العلم بها كل مسلم.

 (المقدمة الأولى)

قوله رحمه الله: (بسم الله الرحمن الرحيم) افتتح المؤلف رحمه الله هذه الرسالة المباركة بالبسملة كسائر رسائل أهل العلم ومؤلفاتهم؛ وذلك تأسياً بكتاب الله عز وجل، واتباعاً لسنة النبي  صلى الله عليه وسلم، وجرياً على ما سلكه سلف هذه الأمة من التيمن بالبداءة بذكر الله جل وعلا واسمه سبحانه وتعالى، والبسملة والكلام عليها معروف متكرر.

 قوله رحمه الله: (اعلم رحمك أن لله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل..) جعل المؤلف رحمه الله تعالى بين يدي رسالته ومقصوده من بيان الأصول التي يجب تعلمها ثلاث مقدمات:

المقدمة الأولى: هي تمهيد وتوطئة لما يريد بيانه في هذه الرسالة، فقال رحمه الله فيها: (اعلم رحمك الله) وهذا من لطفه وحسن تأليفه ورفقه بمن يعلم، فدعا للمتعلّم والمستمع بالرحمة، وهذا منهج مهم وطريق لابد من التنبه إليه، وهي أن يكون المعلِّم والداعية إلى دين الله عز وجل شفيقاً رحيماً، وأن يشعر من يدعوه أنه يريد به الخير والهدى، ويريد أن يخرجه من الظلمات إلى النور، فإن هذا الأسلوب من أسباب قبول الدعوة، ومن أسباب قبول العلم، ولذلك قال الله جل وعلا في رسوله:]وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ[ آل عمران: 159 . وينبغي أن يكون الداعية إلى دين الله عز وجل رؤوفاً رحيماً، كما قال الله جل وعلا في حق نبيّه e: ]لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ[   التوبة: 128. هذا وصفه الذي وصفه الله به، ولذلك أسر القلوب  صلى الله عليه وسلم وانقادت له الأفئدة قبل الأبدان.

  

قوله رحمه الله: (أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل ) فهذه مسائل من العلم العيني الذي يجب على كل أحدٍ، لأن العلم ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: علم عيني يجب على كل أحدٍ تعلمه.

والقسم الثاني: علم كفائي يجب على من تقوم بهم الكفاية تعلمه.

وضابط العلم العيني: هو ما لا يقوم دين المرء إلا به، سواء في العقائد، أو في الأعمال، أو في الأقوال، فما لا يستقيم دينك إلا به يجب عليك أن تتعلمه مما يتعلق بعلوم الاعتقاد أو مما يتعلق بالعمل أو مما يتعلق بالقول.

قوله رحمه الله: (الأولى العلم) شرع رحمه الله في بيان هذه المسائل الأربع: ثم بين ما هو العلم الذي يجب تعلمه على كل أحد فقال: (وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة).

أما معرفة الله فواجبة على كل أحد، وهي أمر جبلت عليه القلوب، وفطرت عليه الأفئدة، فالناس مفطورون مجبولون على التعبد لله عز وجل، ولا يمكن أن يعبدوه إلاّ إذا عرفوه، فبكمال المعرفة يحصل كمال العبودية، فكلما ازداد العبد علماً بالله عز وجل ومعرفةً به سبحانه وتعالى ازداد عبوديةً له سبحانه وتعالى، والعلم بالله والمعرفة به أصل العلوم والمعارف؛ لأن العلم به يتحقق مقصود الوجود، والمقصود من الخلق، كما قال الله جل وعلا: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ[  الذاريات: 56  وسيأتي تفصيل ذلك فيما يأتي إن شاء الله تعالى في كلام الشيخ.

  

 الثاني: معرفة نبيه، والمقصود بالنبي هنا: هو نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم، وذلك أن معرفة النبي  صلى الله عليه وسلم بها يعرف الشرع، لأنه الرسول الذي أرسله الله عز وجل للناس بشيراً ونذيراً، فيجب معرفة النبي  صلى الله عليه وسلم، ومعرفته تكون من خلال سنته، ومن خلال الدلائل الدالة على صدقه وعلى صحة ما جاء به.

الثالث: معرفة دين الإسلام بالأدلة, والمقصود بدين الإسلام أي: العمل الذي جاء به الإسلام من أحكامه وشرائعه العينية، وذلك في الأصول التي يجب على كل أحدٍ أن يقرّ بها حتى يكون مؤمناً، وهي ما تضمنه حديث ابن عمر: (( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، وهذان تقدما، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً)) أخرجه البخاري (7)، ومسلم ( 19)، وغيرهما من أصحاب السنن والمسانيد..

هذه أصول الأعمال في دين الإسلام، فيجب معرفتها بالأدلة، ومعرفة هذه الأعمال تختلف درجتها باختلاف حال الناس، فالصلاة يجب معرفتها على كل واحدٍ من أهل الإسلام، وأما الحج فإنه لا يجب معرفته تفصيلاً إلاّ على من أراد أن يحج لمن استطاع؛ لأنه واجب على المستطيع فقط، فالمعرفة لدين الإسلام تتفاوت وتختلف باختلاف أحوال الناس.

 قوله رحمه الله: (الثانية: العمل به)(العلم) هذه المسألة الثانية من المسائل الأربعة التي يجب العمل بها. والضمير في قوله: ( به ) عائد إلى العلم، وذلك أن العلم إنما يراد للعمل، فمن كان علمه عوناً له على العمل فقد حقق المقصود من العلم وطلبه، ومن كان مقصوده من العلم جمع المعلومات وتكثيرها لا للعمل به فيخشى أن يكون داخلاً في قول الله تعالى: ]ألهاكم التكاثر[ سورة التكاثر: 1 ؛ لأنه حجة على صاحبه كما قال النبي  صلى الله عليه وسلم: ((القرآن حجة لك أو عليك)) أخرجه الترمذي (3439)، والنسائي (2394)، وابن ماجه (276)، والدارمي (651)، وأحمد(21834). وإنما يكون حجة عليك إما بالإعراض عنه وعدم رفع الرأس به، وإما بالإقبال عليه دون العمل بما تضمنه من الأحكام والتوجيهات، فهو حجة على من قرأه وحفظه ثم هجره في عمله وقوله واعتقاده.

  

قوله رحمه الله: (الثالثة: الدعوة إليه يعني العلم ) هذه هي الثالثة من المسائل التي يجب تعلمها على كل أحدٍ, والضمير في قوله: ( الدعوة إليه )  يعود إلى المتقدم من العلم والعمل، وذلك أن النبي  صلى الله عليه وسلم أرسله الله بالهدى ودين الحق، والهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح، وإليهما دعا رسول الله  صلى الله عليه وسلم، فدعا إلى العلوم النافعة، ودعا إلى الأعمال الصالحة التي هي ثمرة العلم، فالدعوة إليه تعود إلى الأمرين المتقدمين.

قوله رحمه الله: (الرابعة: الصبر على الأذى فيه) أي المسألة الرابعة: ( الصبر على الأذى فيه ) يعني في العلم والعمل والدعوة إليه، فالضمير يعود إلى جميع ما تقدم، فالإنسان بحاجةٍ إلى أن يصبر حتى يتعلم، وبحاجةٍ إلى أن يصبر ليعمل، وبحاجةٍ إلى أن يصبر ليدعو، والصبر في الأصل هو حبس النفس عن محبوباتها ومنعها من ذلك، والصبر أيها الإخوة شأنه عظيم، ولذلك أكثر الله جل وعلا من الأمر به والثناء على أهله في كتابه، فما من خُلَّةٍ حميدةٍ ولا خَصْلةٍ فاضلةٍ ولا خُلُقٍ كريم ٍولا سجايا صالحةٍ ولا أعمال برٍّ وحسناتٍ إلاَّ ومنشؤها الصبر، ولذلك كان الصبر أفضل ما يوفق إليه العبد، قال النبي  صلى الله عليه وسلم: (( وما أعطي أحد عطاء خيراً ولا أوسع من الصبر)) أخرجه البخاري (1376).

  

ومعلوم أن العلماء قسموا الصبر إلى ثلاثة أقسام:

الأول: علم عيني يجب على كل أحدٍ تعلمه.

والقسم الثاني: علم كفائي يجب على من تقوم بهم الكفاية تعلمه.

وأفضلها وأشرفها وأكبرها منزلةً: هو الصبر على طاعة الله، والفضل لها جميعاً ثابت، وكلاًّ وعد الله الحسنى، فينبغي للمؤمن أن يحرص على تحقيق الصبر في جميع هذه الأمور.

  

قوله رحمه الله: (والدليل قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ﴾ بعد أن فرغ المؤلف رحمه الله من ذكر هذه المسائل الأربع التي يجب تعلمها على كل أحدٍ قال: (والدليل قوله تعالى: ] وَالْعَصْرِ` إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ` إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[) سورة العصر .

وهذا هو الدليل على وجوب تعلّم هذه المسائل، وهذه السورة هي سورة العصر، افتتحها الله جل وعلا بالقسم بالزمان الذي هو محل الأعمال، فقوله: ] وَالْعَصْرِ [ الواو للقسم، والعصر هو المقسم به، والله جل وعلا يقسم بما شاء من مخلوقاته، فهو سبحانه وتعالى يقسم بنفسه، ويقسم بصفاته، ويقسم بأفعاله، ويقسم بما شاء من مخلوقاته، ومن ذلك القسم هنا، حيث أقسم سبحانه وتعالى بالعصر وهو الزمان، لبيان شرفه وعظم مكانته، ثم أتى بجواب القسم بقوله: ] إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ[ والإنسان هنا المراد به: جنس الإنسان، فيشمل كل من اتصف بهذا الوصف،  وقوله: ]لَفِي خُسْرٍ[ الخسر ضد الربح، أي لفي خسارٍ كخسار التجار في أرباحهم، وقال: ]لَفِي خُسْرٍ[ ولم يقل خاسر ليبين إحاطة الخسر به من كل مكان، فإن (في) تفيد الظرفية، فالخسر محيط بالإنسان من كل جوانبه، وفي القسم على هذا الأمر وفي تأكيده بـ (إنَّ) التي تفيد التوكيد في قوله: ]إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ[ دلالة واضحة على عظم الأمر، وأن الله أراد من هذا القول: شحذ الهمم للانفكاك من أسباب الخسار، والأخذ بأسباب النجاة، فإن الله سبحانه وتعالى بعد أن أقسم على هذا الأمر وهو خسار جنس الإنسان بين السبيل والطريق الذي يتخلص به الإنسان من هذا الخسار، والخسار على درجات، فالخسار المطلق هو خسار من خسر الدنيا والآخرة نعوذ بالله من ذلك، ودونه دركات كبيرة وكثيرة من الخسار، لكن طريق النجاة موصوف وصفاً واضحاً بيناً في هذه السـورة الكريمة، في الاستثناء الذي ذكره الله عز وجل في قوله: ]إلا الَّذِينَ آمَنُوا[ آمنوا بأيِّ شيء ؟لم يبين في الآية ما الذي يجب الإيمان به، ليعم جميع ما يجب الإيمان به، فيكون المعنى: إلا الذين آمنوا بكل ما يجب الإيمان به مما يتعلق بالله عز وجل، ومما يتعلق بملائكته، وما يتعلق بكتبه                                 

 ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وهل يمكن أن يتحقق الإيمان بلا علم ؟ لا يمكن أن يكون إيمان بلا علم، فالإيمان فرع العلم وثمرته، ولذلك قال المؤلف رحمه الله في المسائل التي تجب : الأولى العلم، ودليل العلم قوله تعالى: ] إلا الَّذِينَ آمَنُوا [ والدلالة على هذا باللاّزم إذا أتى الاستثناء، كالاستدلال باستثناء الذين آمنوا على وجوب العلم، فهذه دلالة باللاّزم، لأنه لا يمكن أن يحصل إيمانٌ إلاّ بعلم، فمن لوازم الإيمان أن يكون صاحبه عالماً، وقوله: ]وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[ هذا الوصف الثاني من الأوصاف التي علق عليها النجاة من الخسار، وهذا يشمل كل عمل صالح ظاهرٍ أو باطن، واجبٍ أو مستحب، من حقوق الله أو من حقوق عباده، كل هذا يدخل في قوله: ]وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[ وانظر كيف أخّر العمل عن العلم، لأنه لا يمكن العمل الصالح إلاّ بعد الإيمان الذي لا يحصل إلاّ بالعلم النافع، ثم بعد أن ذكر هذين الوصفين ذكر وصفاً ثالثاً وهو دليل المسألة الثالثة التي يجب علينا تعلمها، وهي الدعوة إليه، قال: ]وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ [ بالحق تواصوا أي: أوصى بعضهم بعضاً بالحق، والتواصي بالحق من صور وأنواع العمل الصالح، وإنما نص عليه وذكره لأهميته وأثره في حصول النجاة، ولئلاّ يظن الظان أنه باستكثاره من الأعمال الصالحة في نفسه يحصل له النجاة، وإن أهمل من يجب عليه نصحهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ولذلك جاء النص على التواصي بالحق مع أنه من الأعمال الصالحة.

والتواصي بالحق يشمل أن يوصي الإنسان نفسه بالحق، ويأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر، وكذلك يشمل أن يكون ذلك مع غيره ممن يعايشهم، سواء كانت له ولاية عليهم أم لم تكن له ولاية عليهم، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حق أهل الإيمان بعضهم على بعض.

والوصف الرابع الذي تحصل به النجاة قوله: ]وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[  أي: أوصى بعضهم بعضاً بالصبر، يعني أنواع الصبر كلها، والتي هي الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله تعالى، وهذا الأمر في هذه الآية ]وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[ داخل في الذي قبله، فإن التواصي بالصبر من التواصي بالحق، وخصه بالذكر لأهميته وعظم أثره في تحقيق النجاة والسلامة من الخسار، وإن كان داخلاً مُندَرجاً فيما تقدم من العمل الصالح والتواصي بالحق، وبقدر ما يتصف الإنسان بما ذُكِر من الأوصاف في هذه السورة يحصل له بقدر ذلك من النجاة، والناس في هذا بين مستقل ومستكثر، وإذا علم العبد المؤمن ذلك حرص أن يستكثر من هذه الصفات وأن يزداد منها، لأن بها يحصل له الفوز والسلامة من الخسارة المذكورة في قوله: ] إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ[ وهذه الآية واضحة الدلالة على ما تقدم من وجوب تعلم هذه المسائل، ووجه ذلك: أنها نجاة للنفس من الخسارة، وقد بين الله سبحانه وتعالى طريق ذلك، وهو ما تضمنه الاستثناء في قوله: ] إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[ فدل ذلك على وجوب الصبر، وعلى وجوب تعلّم هذه المسائل الأربع التي يتحقق فيها للمرء السلامة في الدنيا والآخرة.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق