ثلاثة الأصول

من 1446-01-01 وحتى 1449-01-01
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 90

التاريخ : 2024-06-06 04:55:54


قوله  رحمه الله:(الثانية) يعني من المسائل التي يجب على كل مسلم ومسلمة تعلمها (أن الله لا يرضى أن يُشْرَكَ معه في عبادته أحد، لا ملك مقرب، ولا نبيّ مرسل، ودليل ذلك قوله تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن: 18]  ، ووجه الدلالة على أن الله لا يرضى بالشرك كائناً من كان المشرك به: أن الله جل وعلا قال: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} هذا من جهة، ومن جهة أخرى تأكيداً لهذا التوحيد قال: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} فإثبات المساجد وهي محال العبادة لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، و تعقيب ذلك بالنهي عن دعاء غيره دليل على أن الله سبحانه وتعالى لا يرضى أن يشرك معه غيره.

ويدل لذلك أيضاً قوله: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] . ودليل ذلك من السنة: أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)) أخرجه مسلم في الزهد والرقائق، برقم: 5300، وابن ماجه، برقم: 4192.. وهذا دليل على أنه سبحانه وتعالى لا يرضى أن يشرك معه أحد، لا ملك مقرب، ولا نبيّ مرسل، فضلاً عن أن يشرك معه الأشجار والأحجار والأصنام، فإذا كان لا يرضى أن يشرك به ملك وهو من أشرف الخلق من الخلق الغيبي الذي نعلمه، ولا نبيٌّ مرسل، وهم أشرف جنسنا من بني آدم فكيف بالإشراك معه غيره ممن هو دونه، لا شك أن الله سبحانه وتعالى لا يرضاه بل يبغضه، وقد قال الله جل وعلا في بيان عقوبة من وقع منه الشرك: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}   المائدة:72 وهذا فيه التهديد البليغ البين على هذا العمل، وفيه بيان عظم الشرك، وأنه أمر خطير كبير لا يرضاه الله، وإلاّ لما توعد عليه بهذا الوعيد الشديد العظيم من تحريم الجنة والإخبار بدخول النار.

قوله رحمه الله: (الثالثة: أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب) يعني من المسائل التي يجب على كل مسلم ومسلمة تعلمها وهذا من أصول الإيمان، فإن أوثق عرا الإيمان: الحب في الله والبغض في الله، وذلك أنه إذا وقر الإيمان في قلب العبد أحب ما يحبه الله، وأبغض ما يبغضه الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى يحب

التوحيد وأهله، ويبغض الشرك والكفر وأهله، فمن أحب أهل الشرك ووادّهم وتقرّب منهم فإنه قد حادّ الله سبحانه وتعالى، لقوله تعالى: { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}  المائدة: 51 . والموالاة مأخوذة في الأصل من: ولِيَ الشيء إذا قرب منه، والقرب يكون في الأصل بالقلب، ثم يتبعه قرب القول والعمل، والمنهي عنه هنا هو قرب القلب في المودة والمحبة، وقرب القول والعمل، {إلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} آل عمران: 28  وإلا من استثناهم الله عز وجل في قوله:  {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}  الممتحنة: 8. ، لأن هذا من جملة الإحسان الذي كتبه الله على كل شيء، فليس هذا من الموادّة، فالبر والقسط مع الكفار ليس من الموادّة والموالاة التي حرمت، وهذه مسألة مهمة يجب التنبه لها لأن المنهي عنه هو موالاة القلب لا البر والإحسان فيمن استثناه الله عز وجل في هذه الآية.

  

قال رحمه الله: ( والدليل قوله تعالى – أي الدليل على أنه لا يجوز موالاة من حادّ الله ورسوله ولو كان أقرب قريبٍ - قوله تعالى: { لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}) المجادلة: 22.

قوله: { لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } وافتتاح الآية بهذا النفي فيه التشويق إلى معرفة ما تضمنه قوله: { لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } والمحادّة هي: الممانعة والمضادة لله جل وعلا ولرسوله، {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ}  أي ولو كان أولئك المحادون آباءهم، أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، وهؤلاء متفاوتون في الصلة، إلا أنهم من أقرب من يتصل بهم، وبدأ بمراتبهم الأقرب فالأقرب، أولئك المشار إليه هم الذين لا يوادّون هؤلاء إذا كانوا محادّين لله ورسوله، { أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ}  أي ثبت ورسخ في قلوبهم الإيمان، { وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } أي قواهم وأمدهم {بِرُوحٍ مِنْهُ }أي بوحيٍ منه سبحانه وتعالى به تثبت قلوبهم، و بعونه الذي يستطيعون به مواجهة هؤلاء.

فقوله: { بِرُوحٍ مِنْهُ } يشمل المدد بالوحي من الكتاب والسنة، ويشمل أيضاً العون والتأييد والتقوية والنصر، وقوله: { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } هذا جزاؤهم، لأنهم قدموا محاب الله على ما تقتضيه طبائعهم،{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ} فأضافهم إليه تشريفاً وتكريماً وإجلالاً لفعلهم، وكل ما يضيفه الله سبحانه وتعالى لنفسه مما ليس من صفاته إنما المقصود به التشريف والتكريم، وقد يضاف الشيء إضافة خلقٍ، ولكن هذا قليل { أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، والفلاح أجمع كلمةٍ للخير في لسان العرب، وهي حصول المطلوب والأمن من المرهوب، فيحصل لهؤلاء مطلوبهم ويأمنون مما يهابونه ويرهبونه ويخافونه في الدنيا والآخرة.

  

 (المقدمة الثالثة)

اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله مخلصاً له الدين, وبذلك أمر الله جميع الناس, وخلقهم لها؛ كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات: 56. 
ومعنى يعبدون يوحدون، وأعظم ما أمر الله به التوحيد: وهو إفراد الله بالعبادة، وأعظم ما نهى عنه الشرك: وهو دعوة غيره معه، والدليل قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}  
النساء: 36.

هذا التمهيد الثالث للأصول الثلاثة, هو بيان لدين الإسلام في الجملة؛ فإن دين الإسلام هو ملة إبراهيم، وهذه المقدمة الثالثة فيها بيان ملة إبراهيم عليه السلام.

فقال رحمه الله: (اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم) الحنيفية التي كلٌ يتمنى الانتساب إليها وكلٌ يسعى إلى الاتصاف بها: هي ملة إبراهيم، وهي التي من رغب عنها فقد سفه نفسه، كما قال الله جل وعلا: { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ }  البقرة: 130.  أي خسرها وأهملها، والدليل على أن ملة إبراهيم هي الحنيفية قوله تعالى: { قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}  آل عمران: 95.  وقوله تعالى: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} النحل: 120 ، فملة إبراهيم هي الحنيفية التي جاء بها النبي  صلى الله عليه وسلم  مجدداً لها وداعياً إليها.

 والحنيفية في الأصل مأخوذة من: حنف، وهو الميل من الضلال إلى الاستقامة، ويقابلها الجنف، وهو الميل من الاستقامة إلى الضلال.

قوله رحمه الله: ( أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين ) هذا بيان ملة إبراهيم الحنيفية, والدليل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} لا قولاً ولا عقداً ولا عملاً ولا حالاً ولا مآلاً، فإنه ليس منهم في شيء، ولذلك قال في بيان ملة إبراهيم: ( أن تعبد الله وحده ) وأكد ذلك بقوله: (مخلصاً له الدين ) أي مخلصاً له العمل من كل شائبة شرك تجعل فيه لغير الله نصيباً، فقوله: (مخلصاً له الدين ) أي: العمل، والعمل عمل القلب والجوارح، وليس الجوارح فقط.

  

قال رحمه الله: (وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها، كما قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ }.

  وهذا دليل على الغاية من الخلق، وبدأ في الاستدلال بالغاية؛ لأن كون الله جل وعلا أخبر الخلق بأنه إنما خلقهم ليعبدوه يدل على أنه يجب عليهم أن يعبدوه وحده لا شريك له، وإلاّ لما حققوا ما من أجله خلقوا، فهو دال على الأمرين: على أن هذا هو الغاية من الخلق، وعلى أن الله أمرهم بعبادته وحده سبحانه وتعالى، وأما كون ذلك أمراً لجميع الناس فلأن هذا هو الغاية من خلق جميع الناس، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ } أي إلاّ من أجل عبادته وحده، واللام هنا لام التعليل وليست لام العاقبة والصيرورة، لأنه من المعلوم أن أكثر الخلق ليسوا على هذا الأمر، ولم يحققوا هذه الغاية، قال تعالى: { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } وقال تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ } وقال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}.

كل هذه الأدلة تدل على أن اللاّم هنا لام التعليل الغائية، وليست لام التعليل الفاعلة، أي التي هي للعاقبة والصيرورة، وانظر كيف جاء الخبر عن هذه الغاية بأسلوب النفي والاستثناء الذي يفيد الحصر، وأنه لم يخلقهم لشيء آخر، وإنما خلقهم لهذه الغاية.

قال رحمه الله: (ومعنى يعبدون يوحدون) وذلك من تفسير ابن عباس رضي الله عنه، فإنه فسر قوله تعالى: { ليعبدون } ليوحدون، ولاشك أن أول ما يدخل وأولى ما يدخل هو التوحيد، لأنه هو غاية الوجود، وهو أصل العبادة الذي لا تصح إلاّ به، كما قال سبحانه وتعالى: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}  الكهف: 110،  فالشرك مفسد للعمل، مذهب للغاية من الخلق، مبطل لما قصده الله جل وعلا من خلق الجن والإنس.

قال رحمه الله تعالى: ( وأعظم ما أمر الله به التوحيد ) ومما يدل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى افتتح أول سورةٍ في كتابه بإثبات الإلهية بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فذكر هذا الاسم في أول ذكرٍ له في كتابه جل وعلا في أم الكتاب دليل على أنه هو المقصود.

وكذلك مما يدل على أن أعظم ما أمر الله به  هو التوحيد: أنه أول أمر في كتاب الله عز وجل، فإن أول الأوامر في كتاب الله عز وجل هو قوله تعالى: { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}  البقرة: 21. والعبادة لا يمكن أن تثبت ولا يمكن أن يتصف بها  الإنسان إلاّ إذا حقق التوحيد. ودلائل كون أعظم ما جاءت به الرسل هو التوحيد كثيرة، وليس هذا مقام التفصيل فيها.

قوله رحمه الله: (وهو إفراد الله بالعبادة ) هذا بيان للتوحيد، وهو بيان لأشرف أنواعه وأعلاه، وهو توحيد الإلهية الذي وقعت فيه الخصومة بين الرسل وأقوامهم، ولهذا فسر التوحيد بهذا ولم يفسره بتوحيد الربوبية ولا بتوحيد الأسماء والصفات، ففسره بتوحيد الإلهية، لأنه أعظم أنواع التوحيد، ولأن من حققه فقد حقق توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، فتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات طريق وسبيل لتحقيق توحيد الإلهية، ولذلك استدل الله جل وعلا في كتابه على وجوب إفراده بالعبادة بأسمائه وصفاته، وبأنه سبحانه وتعالى الخالق المالك الرازق المدبر.

  

وقوله رحمه الله:(بالعبادة ) العبادة هنا تشمل كل ما أمر الله به ورسوله من الأقوال والأعمال والاعتقادات الظاهرة والباطنة، أو نقول: من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فكل عبادة لا يجوز صرفها لغير الله، فكما أنه لا يجوز أن تصلي لغير الله فكذلك لا يجوز أن تذبح لغير الله؛ لأن الذبح عبادة، ولا يجوز أن تعتمد في جلب رزقك على غير الله، ولا أن تتوكل على غيره، بل يجب إفراده سبحانه وتعالى بأعمال القلوب والجوارح.

قوله رحمه الله: ( وأعظم ما نهى عنه الشرك ) ثم بين ما هو الشرك فقال: ( وهو دعوة غيره معه ) وعبر بالدعوة ليشمل نوعي الدعاء، دعاء المسألة، ودعاء العبادة، فمن قال: يا رسول الله أغثني، أويا علي أنقذني، أويا فلان ارزقني، فهذا يكون قد أشر ك في دعاء المسألة، فسأل وطلب غير الله عز وجل، ومن ذبح لغير الله فإنه يكون قد أشرك بدعائه غير الله، ولكن الدعاء هنا دعاء عبادة، وذلك أن كل من صام وصلى وحج وتصدق وذبح لله سبحانه وتعالى لا يريد بهذه الأفعال إلاّ الجنة، فهو في حقيقته داعٍ وسائل، يسأل الله عز وجل أن يقبل منه العمل، وأن يجعله من الناجين بهذه الأعمال، فكل عمل هو من دعاء العبادة، فقول المؤلف رحمه الله: ( وهو دعوة غيره ) يشمل صرف كل نوع من أنواع العبادة لغير الله سبحانه وتعالى، من الأعمال الظاهرة والباطنة.

قوله رحمه الله: (والدليل قوله تعالى: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}  النساء: 36. ) اعبدوا الله، هذا فيه أمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والعبادة هنا تشمل كل ما أمر الله به ورسوله  صلى الله عليه وسلم  من الأقوال الظاهرة والباطنة، الواجبة والمستحبة، وقوله: {وَلا تُشْرِكُوا بِهِ} يتضمن النهي عن كل صرفٍ لعبادة لغير الله عز وجل كائناً من كان من صرفت له العبادة، ويشمل النهي عن الشرك الأصغر والأكبر، فيشمل النهي عن الحلف بغير الله، كما يشمل النهي عن السجود لغير الله، وكذلك يشمل النهي عن النذر لغير الله، والذبح لغير الله، وسؤال المقبورين ودعائهم، كل هذا داخل في قوله: {وَلا تُشْرِكُوا بِهِ} وهذا أمر واضح جلي، ولكن الإشكال كل الإشكال في من يقرأ هذه الآيات الواضحات في كتاب الله عز وجل ثم يجيز سؤال المقبورين، والتوجه إليهم بقضاء الحوائج والذبح لهم والنذر لهم، وغير ذلك من العبادات التي تصرف لغير الله في كثير من البلاد، نسأل الله عز وجل أن يعيذنا وإياكم من الشرك دقيقه وجليله.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق