قاعدة في الوسيلة

من 2024-07-12 وحتى 2030-07-25
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 328

التاريخ : 2024-07-11 07:47:10


 بسم الله الرحمن الرحيم

قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية –رحمه الله-.

الحمد لله، ليس في شيء من هذه الأقوال تنقُّصٌ ولا استخفاف، لا بصالحي عبادِ الله ولا بشعائرِ الله، وإنما يكون متنقِّصًا من نقصَهم عن منزلتِهم التي جعلَهم الله بها، كمن لا يَرى حجَّ البيتِ قُربة وطاعةً لله، ولا يَرى الوقوفَ بعَرفةَ ومزدلفةَ ومِنًى، كما كان بعضُ أهلِ الجاهلية لا يَرَونَ الصفا والمروةَ من شعائرِ الله، وكان بعضهم يَخافُ -إذْ كانوا يُعظِّمونها في الجاهلية-أن لا تكون من شعائرِ الله في الإسلام، فأنزلَ الله قولَه تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) (البقرة:158) جوابًا للطائفتين، كما ثبت ذلك في الصحاح.

وكمن لا يَرى تعظيمَ الهَدْي والضحايا التي قال الله فيها: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣).(الحج: 32، 33)

وكمن لا يَرى تعظيمَ حُرُماتِ الله، فلا يُحرِّمُ صيدَ الحرم ونباتَه وسائرَ ما حرَّم الله تعالى من المحرّمات، فإنّ الواجبَ على الخَلقِ فِعلُ ما أمر الله به من العبادات، واجتنابُ ما حرَّمه من المحرَّمات، فإنَّ هذا وهذا من دين الله الذي بَعثَ به رُسُلَه، ولهذا قال الله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)(سورة الحج:30).

 

المؤلف –رحمه الله-ابتدأ الجواب بحمد الله تعالى، وهو المستحق للحمد أولًا وآخرًا، وذلك جريًا على ما جرت عليه طريقة العلماء في مؤلفاتهم وأجوبتهم، واختصر –رحمه الله-في مقدمة جوابه، لأن المقام يقتضي الاقتصار إذ مقام السؤال يستدعي المباشرة للجواب، حتى يحل الإشكال.

فقال: الحمد لله، ثم اكتفى بهذا عن مزيد ثناء وتمجيد لرب العالمين ببيان حقوقه في جواب سؤال السائل، فقال –رحمه الله-: ليس في شيء من هذه الأقوال تنقص ولا استخفاف، كما ادعاه العائد الطاعن على هذه النقولات عن الأئمة الأعلام.

 

  

 

فقال –رحمه الله-: ليس فيها تنقص ولا استخفاف، التنقص هو النزول بها عن مكانها، تنقصك للشيء هو النزول به عن مكانه، هذا معنى التنقص، فنفى أن يكون في هذه الأقوال تنقص بعباد الله الصالحين، أي: نزول بهم عما يجب لهم من المكانة، من المحبة والتعظيم والتقدير والاحترام.

الأمر الثاني: هل تتضمن استخفاف؟

قال: ولا استخفاف والاستخفاف هو الاستهانة مأخوذ من جعل الشيء خفيفًا، فهل في هذه الأقوال استخفاف بشعائر الله؟

أجاب الشيخ –رحمه الله-: أنه ليس فيها استخفاف، لا بصالح عباد الله، ولا بشعائر الله، ثم بعد أن أجاب جوابًا حاسمًا واضحًا جليًا مباشرًا على السؤال، وأن هذه دعوى ليست بصحيحة ممن عاب أو طعن، هذه النقولات عن الأئمة، انتقل –رحمه الله-في بيان التنقص الحقيقي فقال: وإنما يكون متنقصًا أي: نازلًا بهذه الأشياء عما يجب لها من الإجلال والتقدير والمنزلة من نقصهم عن منزلتهم التي جعلهم الله تعالى بها.

هذا هو التنقص الحقيقي، وليس التنقص الحقيقي أن يعطى الإنسان حقه، وأن تبين منزلته، فإن من بين منزلة الصالحين ووضح ما لهم من الحقوق، ونفى عنهم ما لا يستحقونه ليس بمتنقص.

فالذي يقول: لا يجوز التوجه إلى المخلوقين بكشف الضر، وسؤال إغاثة المستغيثين، وما أشبه ذلك هذا ليس متنقصا لهم، بل هذا منزل لهم منزلتهم التي يستحقونها، إنما يكون متنقصًا إذا عابهم، واستهزأ بهم، واستنقصهم وقال: هؤلاء ليسوا بشيء، وليسوا من الأخيار، وليسوا من الصالحين، وأنكر فضائلهم وما لهم من المكانة، هذا هو التنقص.

قال –رحمه الله-: كمن لا يرى حج البيت، والذي يظهر أن بالنسخة سقطًا، لأنه انتقل للتمثيل بمن استهان واستخف في شعائر الله.

الآن الجواب عن قضية هل في هذا تنقص؟

قال –رحمه الله-: ليس في هذا تنقص ولا استخفاف.

 

  

 

ثم قال: وإنما يكون متنقصا من نقصهم عن منزلتهم التي جعلهم الله بها، ثم ذكر أمثلة هذه الأمثلة هي في الحقيقة تتعلق بالاستخفاف والاستهانة بشعائر الله، يمكن أن يكون هناك سقط يتعلق بالجواب عن الاستخفاف وأن الاستخفاف بشعائر هو من لم يقم بما يجب لله تعالى فيها كمن وهذا مثال كمن لا يرى حج البيت قربة وطاعة لله، ولا يرى الوقوف بعرفه ومزدلفة كما كان يفعل الجاهلية، كما كان بعض أهل الجاهلية.

ثم قال: لا يرون الصفا والمروة من شعائر الله، هذا لعل فيه أيضًا سقط، وهذا مثال آخر غير المثال السابق، لأن من أهل الجاهلية من كانوا لا يرون الخروج من عرفه كما هو حال الحمس أهل قريش، فإنهم كانوا لا يخرجون إلى عرفه، فيقولون: لا نعظم مكانا سوى البيت، فيقوفون عند المزدلفة آخر الحرم، وينتظرون الناس حتى يرجعوا، فيكملوا الحج معهم، ولا يذهبون إلى عرفه، زعموا أنهم لا يعظمون غير الحرم، فهذا ما كان يفعله أهل الجاهلية.

 

أما ما يتعلق بالصفا والمروة، فإن من الصحابة من تحرج من السعي بينهما، والطواف بهما، وذلك أنها كانت تعظم في الجاهلية، فجاء ما يكشف هذا اللبس، ويبين أنها من شعائر الله التي تستحق التعظيم والإجلال. ولذلك قال الشيخ –رحمه الله-: لا يرون الصفا والمروة من شعائر الله، وكان بعضهم يخاف هذا حال الصحابة وليس حال أهل الجاهلية، إذ كانوا يعظمونها في الجاهلية، ألا تكون من شعائر الله في الإسلام، فهذا التمثيل ليس من فعل بعض أهل الجاهلية.

فقوله –رحمه الله-: كما كان بعض أهل الجاهلية لا يرون هنا سقط، لا يستقيم الكلام بدونه، وهو أنه مثل أن الكلام تم عند قوله: كما كان بعض أهل الجاهلية، هذا يتم به ما تقدم، ثم يستأنف مثالًا جديدًا وهو في قوله: لا يرون الصفا والمروة من شعائر الله، وكان بعضهم يخاف إذ كانوا يعظمونها في الجاهلية ألا تكون من شعائر الله في الإسلام.

فأنزل الله قوله: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ[البقرة: 158] جوابا للطائفتين كما ثبت ذلك في الصحاح، فلعل في المنقول في النسخة سقطا يستقيم به الكلام على النحو الذي ذكرناه.

يقول –رحمه الله-: أيضًا في أمثلة من لا يعظم شعائر الله قال: وكمن لا يرى تعظيم الهدي والأضاحي أو الضحايا التي قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ[الحج: 32-33]، وكمن لا يرى تعظيم حرمات الله، فلا يحرم صيد الحرم ونباته وسائر ما حرمه الله تعالى إلى آخر ما ذكر.

 

  

 

فذكر المؤلف –رحمه الله-في هذا المقطع أمثلة لمن لم يعظم شعائر الله، هذا هو التفريط في شعائر الله تعالى، وشعائر الله التي أمر بتعظيمها هي المعالم التي جعلها الله تعالى محلا للتقرب إليه.

ولذلك قال العلماء: الشعائر هي المعالم للطاعات والقرب، وهي مأخوذة من الإشعار إذ إن الله تعالى أعلم عباده بأنها محل لتعظيمه سواء كان ذلك في الأماكن أو كان في الأزمنة، أو كان في الأشخاص، والله تعالى قد أمر بتعظيم الشعائر، ونهى عن إحلالها.

فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ[المائدة: 2] وإحلالها هو امتهانها والاستخفاف بها، وعدم إقامة حق الله تعالى فيها.

قال: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ[الحج: 32]، فجعل التعظيم دليلًا على سلامة القلب وصحته، فبين أن الشعائر الواجب فيها أمران، تعظيمها وذلك بطاعة الله تعالى فيها، والثاني عدم امتهانها بإحلالها حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ[المائدة: 2]، وكذلك الحرمات قال الله –جل وعلا-فيها: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ[الحج: 30] والحرمات أوسع من الشعائر.

ولذلك قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ[الحج: 32]، هو من باب عطف الخاص على العام، لأن الله ذكر أولا فضيلة تعظيم الحرمات قال: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ[الحج: 30] ثم قال: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ[الحج: 32]، فذكر الله تعالى أول الحرمات، ثم عطف على ذلك الشعائر، والشعائر أخص من الحرمات، لأن الحرمات تشمل كل ما أمر الله تعالى باحترامه، سواء بفعل وإيجاد، أو بترك واجتناب، الحرمات كل ما جعل الله له حرمة سواء كان ذلك بفعل وإيجاد، أو بترك واجتناب.

أما الشعائر فإنها تستوجب فعلا وإيجابًا، وكذلك تركًا واجتنابًا لكن يتعلق بنفس الأمر، فالشعائر الواجب فيها التعظيم هذا الفعل والإيجاب، أو الإيجاد، والترك في قوله: ﴿لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ[المائدة: 2]، وهو الترك والاجتناب.

فالشعائر هو من باب عطف الآية، من باب عطف الخاص على العام، وبعض العلماء يقول: إن قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ[الحج: 30] هذا فيما يتعلق بالاجتناب لمَ منعه الله تعالى من المناهي.

وأما الشعائر فهو فيما يتعلق بالإيجاد وهو الواجبات، ولذلك قال: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ[الحج: 30] فحرم الصيد في الحرم، وحرم الاعتداء فيه.

وأما الإيجاب فهو فيما يتعلق بالشعائر التي هي كالبدن، وكتعظيم الحرم بإكرامه، وما جاء في الشرع من طلب القربى فيه بالحج والعمرة، وسائر ما يكون من الأعمال الصالحة.

 

  

 

ثم بعد ذلك قال –رحمه الله-: ومن تمام تعظيم البيت.

ومن تمام تعظيم البيتِ أن يُعبَد اللهُ فيه كما شَرعَه رسولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيُطَاف به، ويُستَلم الركنانِ اليمانيانِ، ويُقبَّل الحجرُ الأسودُ.

فلو قال قائلٌ: من تعظيمه استلامُ الركنينِ الشاميينِ، وتقبيلُ مَقام إبراهيم والمَسْحُ به، أو تقبيلُ غيرِ الحجرِ الأسودِ من جُدران الكعَبة، ونحو ذلك مما قد يَظنُّه بعضُ الناس تعظيما كان هذا غلطًا.

وإذا نهاهُ ناهٍ عن ذلك فقال: نَهْيُك لي عن هذا تنقُّصٌ واستخفاف بحرمة البيت، كان قد غَلِطَ غلطًا ثانيًا.

هذا تمثيل الآن يقول: ومن تمام تعظيم البيت أن يعبد الله فيه كما شرعه، وهذه قاعدة في معنى التعظيم للشعائر هو أن يعبد الله تعالى فيها على نحو ما شرع.

ولذلك يقول: ومن تمام تعظيم البيت أن يعبد الله فيه كما شرعه رسوله –صلى الله عليه وسلم-فالمرجع في صفة التعظيم للشعائر هو ماذا؟

الكتاب والسنة، وليس إلى الآراء والأذواق، وما تشتهيه النفوس وتحب، وما الأعراف وما شاع في العادات، إنما التعظيم مرده ومرجعه إلى الكتاب والسنة، وهذه قاعدة في تعظيم كل ما أمر الله  بتعظيمه، وحفظ كل ما أمر الله تعالى بحفظه.

يقول –رحمه الله-: فيطاف به أي: بالبيت كما أمر الله، ويستلم الركنان اليمانيان، ويقبل الحجر الأسود فذكر ثلاثة أمور من صور تعظيم البيت، وإنما ذكر البيت لأنه أعظم المواطن والمواقع التي تعظم على الإطلاق، أعظم مكان يعظم في الأرض هو البيت الحرام، جعل الله تعالى قصده عبادة، والتوجه إليه عبادة، والطواف به عبادة، وجعله قيامًا للناس، وجعل فيه من الآيات والبراهين ما هو دال على صدق وصحة الرسالات، هذا الموقع هو أعظم ما يعظم كيف يعظم البيت؟

قال: أن يعبد الله فيه كما شرعه، فيطاف به ويستلم الركنان اليمانيان، ويقبل الأسود دون اليماني، فجعل الطواف والاستلام، والتقبيل للحجر هو صورة التعظيم المطلوب لهذا البيت الذي هو أعظم المواقع والأماكن التي تعظم في الدنيا.

يقول –رحمه الله-: فلو قال قائل: من تعظيمه استلام الشاميين يعني الركنيين الشاميين، وتقبيل مقام إبراهيم، والمسح به، أو تقبيل غير الحجر الأسود من جدران الكعبة ونحو ذلك مما قد يظنه بعض الناس تعظيمًا.

يقول: كان هذا غلطًا لماذا؟ لماذا كان غلطًا؟

لأنه ليس مما شرعه الله تعالى، وقد بين لنا المؤلف –رحمه الله-في مقدمة مثاله ما هو ضابط التعظيم في البيت؟

 

  

 

ضابط التعظيم في البيت أن يعبد الله فيه كما شرعه رسوله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

ثم قال: وإذا نهاه ناه يعني نهاه عن تقبيل الحجر التقبيل المقام وغير ذلك، إذا نهاه ناه عن ذلك فقال: نهيك لي عن هذا تنقص واستخفاف، تنقص بالبيت واستخفاف بهذه الشعيرة.

ولذلك الاستخفاف بحرمة البيت كان هذا غلط غلطًا ثانيًا.

- الغلط الأول في الفعل.

- والغلط الثاني في الاعتقاد.

الغلط الأول في الفعل حيث عظم ما لا يستحق التعظيم، أو عظم بصورة لم ترد في الشرع.

والثاني اعتاد أن عدم هذه الصورة من التعظيم، هو من التنقص.

إذًا اتضح الغلطان؛ الغلط الأول في الفعل، والغلط الثاني في الاعتقاد.

يقول –رحمه الله-: ولهذا الآن يبين من هدي الصحابة كيف كان هذا غلطًا؟

فيقول –رحمه الله-: ولهذا لمّا طافَ ابنُ عباس ومعاويةُ بالبيت فكان ابن عباس لا يَستلم إلاّ الركنينِ اليمانيين، واستلم معاويةُ الأركانَ الأربعةَ، فقال ابن عباس: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لم يستلم إلاّ الركنين اليمانيين، فقال معاوية: ليس من البيتِ شيء مهجور، فقال له ابن عباس: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(الأحزاب:21)، فسَكتَ معاويةُ ووافقَ ابنَ عباس.

فمعاويةُ احتجَّ بأنّ البيت كلَّه معظَّم لا يُهجَر منه شيء، فأجابَه ابن عباسٍ بأن العباداتِ يجبُ فيها اتباعُ ما شَرَعَه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لأمّتِه، ليس لأحدٍ أن يَشرعَ برأيه عبادةً لما يراه في ذلك من تعظيم الشعائر.

فوافقَه معَاويةُ، وعَلِمَ أنَ الصوابَ مع ابن عباسٍ.

 

  

 

هذا المقطع من كلام المؤلف تضمن هذه القصة بين ابن عباس ومعاوية في الدليل على أنه يجب في التعظيم التزام هدي خير الأنام –صلى الله عليه وسلم-صورة التعظيم يجب الرجوع فيها إلى ما كان عليه النبي –صلى الله عليه وسلم-هذا ابن عباس ترجمان القرآن الذي قال فيه النبي –صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهمَّ علِّمهُ التَّأويلَ وفقِّههُ في الدِّينِ» أخرجه البخاري (143)، ومسلم (2645) وهو حبر الأمة أعظم الصحابة علمًا بكلام الله تعالى، وكلام رسوله ممن نقل إلينا فقهه وعلمه، وإلا أبو بكر أعلم منه، وعمر أعلم منه، وعثمان أعلم منه، وعلي أعلم منه، لكن لم ينقل عن هؤلاء ما نقل عن ابن عباس في ترجمة القرآن وبيان معانيه، وفي بيان هدي النبي –صلى الله عليه وسلم-.

يقول: ولهذا لما طاف ابن عباس ومعاوية بالبيت، فكان ابن عباس لا يستلم إلا الركنين اليمانيين، واستلم معاوية الأركان الأربعة يعني اليمانيين والشاميين.

فقال ابن عباس إن رسول الله لم يستلم إلا الركنين اليمانيين أنكر عليه، بهدي النبي –صلى الله عليه وسلم-فقال معاوية: ليس في البيت شيء مهجور، فكله محل للتعظيم هذا معنى كلام معاوية، ليس في البيت شيء مهجور يعني الجميع محلا للتعظيم فقال له ابن عباس: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[الأحزاب: 21] فسكت معاوية ووافق ابن عباس.

يبين الشيخ ويترجم الاستدلال بهذا على ما أراد من تقرير قال: فمعاوية احتج بأن البيت كله معظم، لا يهجر منه شيء، فأجابه ابن عباس بأن العبادات يجب فيها اتباع ما شرعه النبي –صلى الله عليه وسلم-لأمته ليس لأحد أن يشرع برأيه عبادة لم ير في ذلك من تعظيم الشعائر، فوافقه معاوية رضي الله عنه، وعلم أن الصواب مع ابن عباس رضي الله عنهما، هذا دليل واضح أو ملتبس في بيان أن التعظيم لا بد أن يكون وفق هدي النبي –صلى الله عليه وسلم-هل يوجد إشكال في هذا الدليل؟ هذا بين وواضح وجلي، وهو من فقه الصحابة رضي الله عنهم.

ثم استدل بقصة ثانية لبيان أن التعظيم لا يتجاوز فيه هدي النبي –صلى الله عليه وسلم-وهو ما يتعلق بتقبيل الحجر الأسود يقول وكذلك.

وكذلك ما ثبت في الصحيحين أن عمر بن الخطاب لمّا قَبَّلَ الحجرَ الأسودَ قال: والله إني أعلَمُ أنكَ حجرٌ لا تَضرُّ ولا تَنفَعُ، ولولا أني رأيتُ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يُقبِّلُك لَمَا قَبَّلْتك.صحيح البخاري(1597)، ومسلم(1270)

 

  

 

بيَّن عمر -رضي [الله] عنه-أنّ العباداتِ مبناها على متابعة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذْ كان دينُ الإسلام مبنيًّا على أصلينِ: أحدهما: ألا يعبُد إلا الله، لا يُشرِك به شيئًا.

والثاني: أن يَعبده بما شرع من الدين، لا يعبده بشَرْع مَن شرعَ مِن الدين ما لم يأذَن به الله، كالذين قال فيهم: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)(الشورى: 21).

فأخبرَ عمرُ أنا لم نُقبِّلْك نَرجو منفعتَك ونخافُ مَضرَّتَك، كما كان المشركون يفعلون بأوثانهم، بل نعلم أنك حجر لا تَضُرُّ ولا تنفع، ولولا أن الرسول قَبلك -وقد أمرنا الله باتباعِه، فصارَ ذلك عبادةً مشروعةً-لما قبَّلْتك، لسنا كالنصارى والمشركين وأهل البدع الذين يعبدون غيرَ الله بغيرِ إذن الله.

هذا المقطع من كلام المؤلف يقول: وكذلك يعني ومثل ذلك، ذلك المشار إليه القصة السابقة، القصة السابقة ما هي؟

قصة ابن عباس مع معاوية، يعني ومثل ذلك في الدلالة على أن التعظيم موقوف على هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- ما جاء عن عمر رضي الله عنه في قوله: لما قبل الحجر الأسود قال: والله إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا إني رأيت رسول الله يقبلك لما قبلتك.

إذًا هذا التعظيم غير معقول المعنى أليس كذلك؟ هذا ما يفيده كلام عمر رضي الله عنه أنه تعظيم ليس له معنى تدركه العقول، ولذلك قال: أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، وإنما فعلت هذه الصورة من صور التعظيم إتباعا لمن؟ للنبي –صلى الله عليه وسلم-.

قال: ولولا إني رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-يقبلك لما قبلتك.

يقول: بين عمر يعلق الشيخ شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الأثر.

قال: بين عمر رضي الله عنه أن العبادات مبناها على متابعة الرسول أي الاقتفاء لهديه.

يقول –رحمه الله-يقول: إذ كان دين الإسلام مبنيًا على أصلين، هذا استطراد هذه القاعدة التي أشار إليها في قوله: بين عمر أن العبادات مبناها على متابعة الرسول ذكر نظيرها الحافظ بن حجر –رحمه الله-في تعليقه في فتح الباري على هذا الحديث.

يقول –رحمه الله-: وفي قول عمر وإنما نذكر ابن حجر حتى نبين أن هذا الفقه ليس حكرًا على مدرسة معينة من مدارس العلم، أو منهجًا معينًا من مناهج العلماء، إنما هو أمر مشترك، بين علماء الإسلام لأنه يتعلق بأصول هذا الدين، وقواعده التي يبنى عليها.

يقول الحافظ بن حجر –رحمه الله-: وفي قول عمر هذا التسليم للشرع في أمور الدين، وحسن الإتباع فيما لم يكشف عن معانيه.

يقول –رحمه الله-: وهو قاعدة عظيمة في إتباع النبي –صلى الله عليه وسلم-فيما يفعله، ولو لم يعلم أو ولو لم يعلم الحكمة فيه، هذا بيان لقاعدة مهمة في إتباع النبي –صلى الله عليه وسلم-وهو متصل بقاعدتنا أو بموضوعنا وهو أن التعظيم يجب أن يلتزم فيه هدي النبي –صلى الله عليه وسلم-.

استطرد الشيخ –رحمه الله-في بيان القاعدة التي يبنى عليها التعبد، كل العبادة مبنية على هذين الأصلين اللذين ذكرهما –رحمه الله-.

يقول: إذ كان دين الإسلام، دين الإسلام الذي جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم-؟

الجواب: لا، دين الإسلام منذ آدم إلى آخر النبيين، دين الإسلام الذي قال الله تعالى فيه: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ[آل عمران: 19]، دين الإسلام الذي قال فيه: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا[الحج: 78]، دين الإسلام الذي جاءت به جميع الرسل مبني على أصلين، ألا يعبد الله إلا بما شرع، ألا يعبد إلا الله، وهذا يتعلق بالإخلاص والقصد، فلا يشرك معه غيره، وهذا معنى قولنا: لا إله إلا الله.

الأصل الثاني أن يعبده بما شرع من الدين، وهذا مقتضى إتباع الرسل وبالنسبة لنا أهل الإسلام هو معنى قولنا وأشهد أن محمدًا رسول الله، فإن مقتضاه ألا تسلك طريقًا غير طريق هذا الرسول، فإنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا من طريقه –صلى الله عليه وسلم-بعد بعثته.

قال: لا يعبده بشرع من شرع من الدين ما لم يأذن به الله، كالذين قال الله تعالى فيهم: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ[الشورى: 21]، ثم فصل في هذا قال في القصة.

قال: فأخبر عمر أن لم نقبلك، نرجو منفعتك ونخاف مضرتك كما كان المشركون يفعلون بأوثانهم، بل نعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أن رسول الله قبلك، إلى آخر ما ذكر –رحمه الله-مما يتعلق ببيان أن هذا التعظيم أصله مأخوذ من النبي –صلى الله عليه وسلم-ولذلك نعظمه ولو لم نعقل المعنى.

قال: وكذلك أي: ومثل ذلك فيما تقدم من الدلالة على أنه يجب إتباع النبي –صلى الله عليه وسلم-في هديه وعمله، والتزام طريقته في التعظيم حتى لو لم تعقل المعاني.

نقف على هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.  

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق