قاعدة في الوسيلة

من 2024-07-12 وحتى 2030-07-25
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 420

التاريخ : 2024-07-11 07:50:53


 بسم الله الرحمن الرحيم

قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية –رحمه الله-: فدعاؤه من أعظم الأسباب في حصولِ المطلوب، ولكن السبب قد يكون له شروطٌ وموانعُ، فإذا كان إبراهيم قد استغفر لأبيه فلم يُغفَر له، وقيل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنافقين: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ)(المنافقون:6)، وقيل له: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ)(التوبة:84)، لم يَمنَعْ ذلك أن يكونَ دعاءُ إبراهيم ومحمد عند الله أعظمَ الدعاءِ إجابةً، وجَاهُهما عند الله أعظمَ جَاهٍ للمخلوقين، وهما الخليلان، وهما أفضل البريَّةِ. لكنَّ الدعاءَ وإن كان سببًا قويًّا فالكفرُ مانعٌ معارضٌ، فإن الله لا يَغفِرُ أن يُشرَكَ به، وقد حرَّمَ الجنةَ على الكافرين والمنافقين وإن استغفرَ لهم محمد وإبراهيم، لوجودِ المانع لا لنَقْصِ جَاهِ الشفيع العظيمِ القدير.

وكذلك ثبتَ عنه في الصحيح أنه قال: "استأذنتُ ربّي في أن أستغفِرَ لأمِّي فلم يأذَنْ لي، واستأذنتُه في أن أزورَ قبرَها فأذِنَ لي"صحيح مسلم(976)

وقد قال تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣)، ثم اعتذرَ عن إبراهيم بقوله: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤).(التوبة: 113، 114)

فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قال لربيعة: "سَلْ"، قال: أسألُ مرافقتَك في الجنة، فقال: "أَوَ غيرَ ذلك"؟ فقال: بل هو ذاك، قال: "أَعِنِّي على نفسِك بكثرةِ السجودِ".صحيح مسلم(489) فإن المطلوبَ عَالٍ لا يُنَالُ بمجرَّدِ الدعاءِ، بل لابُدَّ من عملٍ صالحٍ يكونُ من صاحبه، يكونُ عونًا للداعي، فقال: "أعِنِّي على نفسِك بكثرةِ السجود".

كذلك أَمَرَ الأعمى -لما طلبَ منه الدعاءَ له-أن يُعِينَه هو أيضًا بصلاتِه ودعائِه، وقال: "صَلِّ ركعتينِ ثم قُلْ: اللهمّ إني أسألكَ وأتوسَّلُ إليك بنبيك محمد نبيِّ الرحمة" أخرجه ابن ماجه (1385)، وأحمد (17279)، والنسائي في السنن الكبرى(10495)، والترمذي(3578)، وقال: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه أي بدعاءِ نبيِّك وشفاعتِه. كما قال عمر: "كنّا نتوسَّلُ إليك بنبينا، وإنا نتوسلُ إليك بعم نبينا".صحيح البخاري(1010)

ومعلومٌ أنهم إنما توسَّلُوا بدعاءِ العبَّاس، كما كانوا يتوسَّلُون بدعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهذا فَعَلَه عمرُ بين المهاجرين والأنصار عامَ الرَّمَادَةِ، ولم يُنكِرْهُ أحدٌ ولم يَقُلْ له: بل التوسُلُ بذاتِ النبي أو الإقسامُ به مشروعٌ، فلِمَ يَعْدِلُ عن التوسُّلِ بالرسولِ إلى العباس؟

فلما أقرُّوا عمرَ على ذلك ولم يُنكِره أحدٌ عُلِمَ أنَّ ما فَعَلَه عمرُ وأصحابُه معَه هو المشروعُ دونَ ما يُخالِفُه.

وكذلك أمرَ الأعمى أن يتوسَّلَ بدعائِه وشفاعتِه، ويَدُلُّ على ذلك قولُه في آخر الحديث: "اللهمَّ فَشَفِّعْه فيَّعُلِمَ أنه كان يدعو ويَشْفَع له، وأن الأعمى إنما توسَلَ بدعائِه وشفاعتِه، وإلاّ فكان يقول: "اللهم وهذا شفاعة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

هذا المقطع من كلام المؤلف –رحمه الله-ابتدئه بقوله: فدعائه أي دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم-من أعظم الأسباب في حصول المطلوب، فلما قرر أن الدعاء في المقطع السابق قرر أن الدعاء له شروط، ويجب توافر الشروط لتحقق المطلوب وانتفاء الموانع أليس كذلك؟

الآن أراد أن يبين خصوصية النبي –صلى الله عليه وسلم-فقال: فدعائه من أعظم الأسباب في حصول المطلوب، لكن هذا كون دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم-في أعلى المراتب، في إدراك المطالب، لا يعني أن يخرج عن القاعدة، وهي أنه لا بد من توافر الشروط وانتفاء الموانع.

فقرر قال: ولكن السبب قد يكون له شروط، السبب ما هو؟

السبب هو دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم-وغيره من الأسباب، يقول: لكن السبب قد يكون له شروط وموانع، ثم مثل.

قال: فإذا كان إبراهيم قد استغفر لنبيه فلم يغفر له لماذا؟

هذا دعاء من إبراهيم عليه السلام، وهو الذي أثنى الله تعالى عليه ثناءً لم يبلغه نبي من الأنبياء في كتابه ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[النحل: 120] وجعله خليله واصطفاه من بين الخلق، فميزه بهذه الميزة.

مع ذلك دعا ولم يجب قال الله –جل وعلا-: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ[التوبة: 114]، وقد قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ[التوبة: 113] وهذا في حق النبي –صلى الله عليه وسلم-تأسيًا بإبراهيم في دعائه لأبيه، ثم بين ما الذي حمل إبراهيم على هذا الدعاء أنه لم يتبين له منع الله –جل وعلا-فكان هذا دليلا على أن الدعاء لابد فيه من انتفاء الموانع حتى يتحقق المطلوب.

ولذلك قال: وقيل للنبي في المنافقين: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ[المنافقون: 6] وقيل له: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ[التوبة: 84] أي: لا تدعو فالصلاة على الميت مقصودها الدعاء له، الله تعالى يقول لرسوله: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ[التوبة: 84] أي: للدعاء له.

قال: لم يمنع ذلك أن يكون دعاء إبراهيم ومحمد عند الله أعظم الدعاء إجابة، وجاههم عند الله أعظم جاه للمخلوقين، وهما الخليلان، وهما أفضل البرية عليهما أفضل الصلاة والسلام، لكن الدعاء وإن كان سببا قويا، فالكفر مانع معارض، يمنع من إجابة الدعاء، ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ[النساء: 48] وبين أيضًا في المنافقين قال: وإن استغفر لهم محمد وإبراهيم لوجود المانع، لا لنقص جاه الشفيع العظيم القدر.

فهنا عدم الإجابة لا لنزول قدر الداعي، إنما لوجود ما يمنع من إجابة الدعاء، ولذلك لا يستدل على عدم الإجابة في الدعاء أو لا يستدل بعدم الإجابة في الدعاء على نزول القدر، بل قد يكون القدر رفيعًا عاليًا كما هو الشأن في إبراهيم عليه السلام، وفي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن لا يجيب الله تعالى لوجود ما يمنع من الإجابة، أو لفوات شرط من الشروط.

قال –رحمه الله-: وكذلك ثبت عنه في الصحيح أنه قال: استأذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، وهنا المنع من الاستغفار من الدعاء، لأنه دعاء لا ينفع، فدل ذلك على أنه قد يدعو ولا يجاب.

قال: وقد قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ[التوبة: 113] ثم اعتذر عن إبراهيم قال: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ[التوبة: 114] إلى آخره.

قال: فهو قال لربيعة عاد إلى أنه لا بد في الدعاء من انتفاء الموانع، وتوافر الشروط.

قال: فهو –صلى الله عليه وسلم-قال لربيعة: سَلْ لربيعة بن كعب الأسلمي لما قال له: «أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ. قالَ: أوْ غيرَ ذلكَ قُلتُ: هو ذَاكَ» يعني لا أطلب إلا ذلك «قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ»"صحيح مسلم(489).

المؤلف –رحمه الله-يعلق يقول: فإن المطلوب عال وهو مرافقة النبي –صلى الله عليه وسلم-في الجنة.

قال: فإن المطلوب عال لا ينال بمجرد الدعاء، بل لا بد أن يقترن بعمل.

قال: بل لابد من عمل صالح يكون من صاحبه، ولذلك قال: يكون ذا عون للداعي، فقال: أعني على نفسك بكثرة السجود، هذا يدل على أن الدعاء لا يتحقق به المطلوب في كل الأحوال، بل لابد قد يستلزم حصول المطلوب مع الدعاء أسبابًا أخرى.

يقول: كذلك أمر الأعمى لما طلب منه الدعاء أن يعينه هو أيضًا بصلاته ودعائه، فيما تقدم حيث قال له: صلي ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، هذا ما فيه إشكال.

توسل إليه بنبيه لكن هل هنا التوسل بذاته، أو بدعائه، إخواني التوسل بدعائه –صلى الله عليه وسلم-.

قوله: يا محمد يا رسول الله هل هو دعاء للنبي –صلى الله عليه وسلم-؟

الجواب: لا، ما الجواب؟ ما فائدة ذكر هذا؟

فائدة ذكر هذا استحضار شفاعة النبي، وعظيم هذه الشفاعة، ولا شك أنه إذا عظم قدر السبب في القلب، كان هذا من موجبات الإجابة، فهو يتوسل إليه بدعاء النبي –صلى الله عليه وسلم-عظيم القدر عند ربه، عظيم الجاه عند مولاه –سبحانه وبحمده-فلما قال: يا محمد يا رسول الله ليس دعاء للنبي مثل تمامًا لما نقول في الصلاة السلام عليك أيها النبي، نحن لا ندعو النبي –صلى الله عليه وسلم-إنما نذكره بصيغة النداء لما في ذلك من استحضار مقام النبي –صلى الله عليه وسلم-الموجب لتعظيم قدر استلام المطلوب، قدر استلام المطلوب كبير، وكيف يكون كبيرًا؟ كيف تستحضر عظمه؟

تستحضر عظمه باستحضار مقام النبوة، وهذا مثله تماما في قولك: يا محمد يا رسول الله، ولذلك لم يطلب منه طلبًا، إنما قال في ذكره للنبي –صلى الله عليه وسلم-بصيغة الخطاب والنداء إني أتوسل بك إلى ربي، لم يسأل منه حاجة، إنما أخبر بأنه يتوسل به إلى ربه، ويجعله سببا لإدراك مطلوبه عند ربه ومولاه –جل وعلا-.

أتوسل بك إلى ربي في حاجتي لتقضيها، وهذه مسألة مهمة لا بد أن تدرك حتى لا يدخل أصحاب التشبيه والتلبيس من مثل هذه النصوص لتسويغ دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم-والجهر باسمه في قضاء الحوائج والاستغاثة به، دون الله –سبحانه وبحمده-.

قال –رحمه الله-: ثم قل اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، أي بدعاء نبيك وشفاعته كما قال عمر: كنا نتوسل إليك بنبينا وإنا نتوسل إليك بعمي نبينا.

ثم قال: ومعلوم أنهم إنما توسلوا بدعاء العباس كما كانوا يتوسلون بدعاء النبي –صلى الله عليه وسلم-وهذا فعله عمر بين المهاجرين والأنصار عام الرماد، ولم ينكره أحد، ولم يقل له بل التوسل بذات النبي أو الإقسام به مشروع، فلم يعدل عن التوسل بالرسول إلى العباس، يعني ما أحد من الصحابة أورد هذا الإيراد، وقال لماذا نتوسل بالعباس ولا نتوسل بذات النبي –صلى الله عليه وسلم-ونقسم بالله عليه نقول: يا رب نقسم عليك بنبيك أن تغيثنا لماذا لم يقولوا هذا؟

لأنه لم يكن مشروعًا، إنما التوسل الذي كان في زمن النبوة هو سؤالهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم-أن يدعو الله لهم فيغيثهم، كما في حديث أنس وغيره.

 قال –رحمه الله-: فلما أقروا عمر على ذلك، ولم ينكره أحد علم أن ما فعله عمر وأصحابه معه هو المشروع دون ما يخالفه، وعاد إلى حديث الأعمى قال: وكذلك أمر الأعمى أن يتوسل بدعائه وشفاعته، ويدل على ذلك قوله في آخر الحديث اللهم فشفعه فيَّ ما معنى فشفعه فيَّ؟

أي: اقبل دعائه وشفاعته فيَّ قال: علم أنه كان يدعو ويشفع له، وأن الأعمى إنما توسل بدعائه وشفاعته، وإلا فكان يقول: اللهم وهذه شفاعة النبي –صلى الله عليه وسلم-يعني لم يتوسل بدعائه، إنما توسل بذاته.

 

  

التوسل المشروع:

والتوسُّل بدعائه وشفاعتِه هو التوسُّل به الذي كان الصحابة يعرفونه ويفعلونه، وهو معنى التوسُّل به عندهم، كما قد بَيَّن ذلك حديثُ عمر وحديثُ الأعمى. ولكن من الناس مَن ظنَّ أن المراد بلفظ التوسُّل به هو التوسُل بذاتِه أو الإقسامُ بذاتِه، وهذا غلطٌ على الصحابة.

وأما كلامُ العلماء في أن ذلك مشروعٌ أو لا؟ فقد ذكرَ السائلُ النقلَ عن أبي حنيفةَ وأبي يوسف وغيرِهما أن ذلك منهيٌّ عنه.

إذًا هذه الخلاصة بعد المقطع المتقدم ذكر خلاصة ما يتعلق بالتوسل، الآن التوسل إما أن يكون بذاته، وإما أن يكون بدعائه، وإما أن يقسم به على الله تعالى، ما هو المشروع من هذا؟

التوسل بدعائه، أما التوسل بذاته، والإقسام به على الله تعالى، فإنه غير مشروع، ولو ادعى مدع أن هذا من تعظيم النبي –صلى الله عليه وسلم-نقول: إن هذا التعظيم مما جاء النهي عنه، فإن الله تعالى أمر بدعائه وحده لا شريك له، ولم يفعل ذلك صحابة النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ومن نسب إليهم أنهم توسلوا بذاته، أو أقسموا به على الله، فهو كاذب، أو واهم، كاذب في نقله، أو واهم في فهمه.

ثم بعد هذا يقول: وأما كلام العلماء الآن يجيب المؤلف –رحمه الله-على سؤال السائل فيما يتعلق بالنقولات التي نقلها السائل عن أبي حنيفة، وعن القشيري، وعن العز بن عبد السلام –رحمه الله-.

وأما كلامُ العلماء في أن ذلك مشروعٌ أو لا؟ فقد ذكرَ السائلُ النقلَ عن أبي حنيفةَ وأبي يوسف وغيرِهما أن ذلك منهيٌّ عنه، وما ذكرَه عن أبي محمد بن عبد السلام يوافقُ ذلك. وأما استثناؤُه الرسولَ إن صحَّ حديثُ الأعمى، فهو -رحمه الله-لم يَستحضِر الحديثَ بسياقه حتى يتبيَّنَ له أنه لا يُناقِضُ ما أفتَى به، بل ظنَّ أنه يَدُلُّ على محل السؤال، فاستثناه بتقدير صحته. والحديثُ صحيح، لكن لا يدلُّ على هذه المسألة كما تقدَّم.

وأما ما نقله السائلُ عن القُشَيري فأَجنبي عن هذه المسألة، لا يَدُلُّ عليها بنفيٍ ولا إثباتٍ.

إذًا علق المؤلف –رحمه الله-على هذه النقولات بأن كلام أبي حنيفة وأبي يوسف، والعز بن عبد السلام، كلام متفق من حيث تقرير ما تقدم، وأنه لا يتوسل بذاته، ولا يقسم به على الله تعالى، إنما يتوسل بدعائه، ثم علق على استثناء ابن عبد السلام –رحمه الله-فيما ذكره من التوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم-.

قال السائل في نقله: لا يجوز التوسل في الدعاء بأحد من الأنبياء والصالحين، إلا برسول الله –صلى الله عليه وسلم-إن صح حديث الأعمى، فاعتذر الشيخ –رحمه الله-.

أولًا قرر أن الحديث صحيح، ثم اعتذر عن استثناء العز بن عبد السلام بأنه لم يستحضر الحديث بسياقه، فإن من تأمل الحديث ونظر في كلماته، وما تضمنه تبين له أنه ليس فيه استثناء النبي –صلى الله عليه وسلم-من العموم المعروف الذي تواطأت عليه كلمات العلماء في عدم جواز التوسل بذاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم كسائر الأنبياء.

قال: لم يستحضر الحديث بسياقه حتى يتبين له أنه لا يناقض ما أفتى به، بل ظن أنه يدل على محل السؤال، وهذا يحتمل أنه كما ذكر المؤلف –رحمه الله-ويحتمل أنه فهم من ذلك جواز التوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم-مع استحضاره النص، لكن المؤلف شيخ الإسلام ابن تيمية وجه هذا الكلام على هذا النحو، ولا يلزم أن يكون هذا التوجيه هو التوجيه الواقع في ذهن العز بن عبد السلام –رحمه الله-.

وأما ما نقله السائل عن القشيري قال: فأجنبي عن هذه المسألة يعني ليس له اتصال مباشر بالتوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم-أو التوسل بذوات الصالحين والأنبياء، فهو أجنبي عن هذه المسألة، لا يدل عليها بنفي ولا إثبات، لكنه يدل على أن أعظم ما تضمنه كلام القشيري هو أن أعظم ما يتوسل به إلى الله تعالى هو ذاته وأسمائه وصفاته.

وقد ذكرَ المرُّوذي في مَنسَكِه عن الإمام أحمد بن حنبل أن الداعي المسلِّمَ على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يتوسَّلُ به في دعائِه. فهذا النقلُ يُجعَل معارضًا لما نُقِلَ عن أبي حنيفة وغيره.

هذا فيه حكاية الخلاف، في مسألة التوسل به في الدعاء، فنقل المروزي في منسكه عن الإمام أحمد بن حنبل أن الداعي المسلم على النبي يعني إذا جاء في السلام على النبي –صلى الله عليه وسلم-يتوسل به في دعاءه، فهذا النقل يجعل معارضا لما نقل عن أبي حنيفة وغيره من النهي، ثم يعلق على هذا النقل عن الإمام أحمد الذي فهم منه من فهم أنه يجيز التوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم-بذات النبي –صلى الله عليه وسلم-.

ونقل أيضًا عن عثمان بن حُنَيف أنه أمر رجلاً بعد موتِ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أن يَدعُوَ بهذا الدعاءِ، لكن لم يقل فيه: "اللهم فشفَعْه فيَّ".

وقد تكلَّمتُ على إسناد ذلك، وهل هو ثابت أم لا؟ وبَسطتُ الكلام على ذلك في غير هذا الموضع، وبيَّنتُ أنه [على] تقديرِ ثبوته يكون معارضا لما فَعَلَه عمرُ بمحضرٍ من المهاجرين والأنصار، وإذا كانت مسألة نزاعٍ رُدَّتْ إلى الله والرسول.

إذًا يفهم من كلام المؤلف –رحمه الله-أن هذه المسألة وهي التوسل بذات النبي –صلى الله عليه وسلم-من مسائل الخلاف، وليست من مسائل الإجماع، وذلك لما جاء من النقل عن الإمام أحمد، ولما جاء عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه، فإن عثمان بن حنيف أو حنيف رضي الله عنه أمر رجلا بعد موت النبي –صلى الله عليه وسلم-أن يدعو بهذا الدعاء أي: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة.

فقال –رحمه الله-: وقد تكلمت على إسناد ذلك، وبين ضعف هذه الرواية، وهل هو ثابت أو لا؟ لكنه طوى الحديث في هذا المقام لأنه مقام اختصار وفتوى مقتضبة.

قال: وبسطت الكلام على ذلك في غير هذا الموضع.

قال: وبينت أنه على تقدير ثبوته، في ثبوته أي: صحة هذا الخبر عن عثمان، يكون معارضًا لما فعله عمر بمحضر من المهاجرين والأنصار، حيث إنهم لم يتوسلوا بذات النبي –صلى الله عليه وسلم-، بل توسلوا بعمه أي بدعائه بدعاء العباس بعد موت النبي –صلى الله عليه وسلم-وإذا كانت مسألة نزاع، ردت إلى الله ورسوله.

نقف على هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

  

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق