كتاب الزكاة من الروض المربع

من وحتى
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 45

التاريخ : 2024-12-29 02:22:24


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

يقول المصنف –رحمه الله-: ((كتاب الزكاة)).

لما كانت الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله –عز وجل-، فقد قرنها الله تعالى في كتابه في مواضع عديدة، وهذا دليل على كمال الاتصال بين الزكاة والصلاة، فقد جرى عمل أهل العلم من الفقهاء وغيرهم في مصنفاتهم على الإتيان بكتاب الزكاة بعد كتاب الصلاة، فالزكاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة، وهذا محل اتفاق لا خلاف بين العلماء فيه.

قوله –رحمه الله-: ((لغة: النماء والزيادة)).

شرع في ذكر تعريف الزكاة في اللغة، وفي الشرع.

فقال في تعريفها لغة قال: ((النماء والزيادة يقال: زكا الزرع، إذا نما وزاد، وتطلق على المدح والتطهير، والصلاح)).

هذه هي المعاني اللغوية التي يدل عليها لفظ الزكاة، فذكر خمسة معاني، النماء، والزيادة، والمدح، والتطهير، والصلاح، وهذه المعاني لهذه الكلمة جاءت في استعمالات القرآن الكريم في عدة مواضع، فمثلا قول الله تعالى: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ[الكهف: 74] قيل في تفسيرها طاهرة، وهذا معنى الطهر.

وتطلق على التقرب بالعمل الصالح، وهو متصل بمعنى الصلاح ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى[الأعلى: 14]، ﴿يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى[الليل: 18]، ومنه قوله تعالى: ﴿لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ[فصلت: 7] في حق المشركين أي لا يؤتون الأعمال الصالحة، ولا يفعلونها.

وهذه المعاني متقاربة، وفي الجملة والآن الشارح ذكر خمسة معاني، وأكد معنيين، وهما النماء والزيادة، وذلك لما يحصله المزكي الفاعل لهذه العبادة بفعلها، فيحصل النمو في المال، فيزداد ويبارك له فيه، فالزكاة وإن نقصت المال عددًا وكمًّا إلا أنها تزيده بركة وخيرًا، وكذلك يحصل بها المعاني الأخرى من التطهير ونحو ذلك، فإن الزكاة يطهر بها المال ويخلص من الآفات، فكل هذه المعاني إذا تأملت الزكاة الشرعية، وجدت أنها نماء وزيادة وطهر وقربى، عمل صالح يدرك بها صاحبها المدح من الله –عز وجل-بالثواب والأجر والثناء، والمحبة فالله يحب المحسنين، والثناء من الخلق.

فجميع المعاني موجودة في الزكاة الشرعية، وأما في الشرع قال الشارح –رحمه الله-: ((وفي الشرع: حق واجب في مال خاص، لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص)).

أي: إن الزكاة في الاستعمال الشرعي يراد بها فرض لازم، هذا معنى قوله: حق واجب، والمقصود بواجب أي: لازم الأداء، فخرج بقوله: ((واجب)) الحقوق المسنونة التي فرضها الله تعالى من غير إلزام، وهذا الحق يتعلق بالمال.

ولذلك قال في المال، فبين موضعه، ولما كان هذا في مال معين، وليس في كل المال ذكر ما يفيد ذلك بقوله: ((في مال خاص))، فأفاد أن هذا الحق في مال خاص، وليس في كل مال، وإنما هو في مال مخصوص، ليخرج النفقة ويخرج ما أشبه ذلك من الحقوق المالية الواجبة في المال، لمعنى آخر غير الزكاة.

وأما قوله في التعريف: لطائفة خاصة فهو بيان المستحقين لها، وهم الأصناف الثمانية المذكورون في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ[التوبة: 60].

وأما قوله –رحمه الله-: في وقت مخصوص، المقصود به زمن وجوب الزكاة، وهو يختلف باختلاف أنواع المال، وسيأتي تفصيل ذلك وبيانه.

  

وأفادنا قول المؤلف –رحمه الله-في تعريف الزكاة شرعًا، بأنها حق واجب، أن الزكاة واجبة، ووجوب الزكاة في أصناف من المال، وكونها فرضًا لازمًا ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.

والأدلة في ذلك مستفيضة في القرآن، وفي سنة النبي –صلى الله عليه وسلم-منها قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ[البقرة: 43]، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ[البينة: 5]، ومنها قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا[التوبة: 103] إلى غير ذلك.

وأما السنة فالأحاديث في ذلك أيضًا متوافرة، من أشهرها حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه «بُني الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصَومِ رَمَضانَ، والحَجِّ من استطاع إليه سبيلًا»أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16).، وحديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن وفيه قال –صلى الله عليه وسلم-: «فأَعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افترضَ عليهم صدقةً في أموالِهم تُؤخذُ من أغنيائِهم وتُرَدُّ في فقرائِهم»صحيح البخاري(1395)، ومسلم(19)، وقد أجمع العلماء رحمهم على فرضيتها، واختلفوا في موضع فرضها هل فرضت بمكة أو المدينة؟

فذكر جماعة من المحققين إنها إنما فرضت في المدينة، وقال بعضهم إنما فرضت في مكة، ولم يأت تفصيل فرضها إلا في المدينة، والمقصود أن الزكاة رفيعة المقام، عالية المنزلة في دين الإسلام، إذ بها يصلح ما بين الخلق، فالشرائع جاءت لإصلاح ما بين العبد وربه، وما بين العبد والخلق، وأصل ذلك الزكاة فيما يتعلق بصلاح ما بين الإسلام والناس.

وقوله –رحمه الله-: ((تجب الزكاة: في سائمة بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض، والأثمان، وعروض التجارة، ويأتي تفصيلها)).

أي: إن أصناف المال التي تجب فيها الزكاة أربعة عدها، وهذا تفصيل في قوله في التعريف، وفي الشرع حق واجب في مال خاص، فبيَّن المقصود بالمال الخاص في قوله –رحمه الله-: ((في سائمة بهيمة الأنعام)) ، هذا الصنف الأول، والخارج من الأرض هذا الثاني، والأثمان هذا الصنف الثالث، وعروض التجارة هذا الصنف الرابع.

قال: ((ويأتي تفصيلها))، أي: بيان ما يتعلق بها من الأحكام في بيان وجوبها، وأنصبتها والقدر الواجب فيها، وما يتصل بها من فروع وأحكام. 

  

وقوله: ((تجب بشروط خمسة)) أي: إن الزكاة في هذه الأموال الأربعة، إنما يثبت وجوبها على المكلف إذا توافرت فيها خمسة شروط، وهي على ما ذكر المؤلف –رحمه الله-: حرية، وإسلام، وملك نصاب، واستقراره، ومضي الحول.

على ما سيأتي بيانه وتفصيله في كلام المؤلف –رحمه الله-، ثم شرع –رحمه الله-في ذكر الشروط.

طبعا دليل هذا العد للشروط هو الاستقراء.

قوله –رحمه الله-: ((أحدها: حرية))، هذا أول ما ذكر مشروط.

فقوله: ((أحدها حرية)) أي: إنه يشترط وجوب الزكاة في المال، حرية مالك المال، فلا تجب الزكاة على العبد، ولا يخلو العبد من ثلاث أحوال:

الحال الأولى: أن يكون عبدًا خالصًا، وهو الذي يسمى القِنّ، فلا تجب الزكاة في ماله؛ لأنه لا يملك ما في يده.

هذا تعليلهم في عدم وجوب الزكاة على العبد الخالص، فإنه لا يملك ولا تصرف له فيما في يده، ودليله قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ باع عبدًا له مالٌ، فمالُه للذي باعه، إلَّا أنْ يشترطَه المُبتاعُ» أخرجه البخاري (2379)، ومسلم (1543) وجاء عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: «ليسَ في مالِ العبدِ زكاةٌ حتى يُعْتَقَ».السنن الكبرى للبيهقي عن جابر بلفظ (ليس في مالِ المُكاتَبِ ولا العبدِ زكاةٌ حتى يُعتقَ)(4/109)، خلاصة حكم المحدث: روي مرفوعاً وهو ضعيف، والصحيح موقوفاً.

وعلى القول بأنه يملك، فإن ملكه غير تام، وبالتالي لا تجب فيه الزكاة.

الحالة الثانية من أحوال العبد: أن يكون مكاتبًا، فلا تجب الزكاة على المكاتب، إذ المكاتب عبد لا يملك أو أن ملكه غير تام، وقد جاء فيه حديث مرفوع عن جابر قال فيه أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «ليس في مالِ المُكاتَبِ زَكاةٌ حتَّى يُعتَقَ»السنن الكبرى للبيهقي عن جابر(4/109)، خلاصة حكم المحدث : روي مرفوعاً وهو ضعيف، والصحيح موقوفاً.، وجاء عن جماعة من الصحابة، جاء عن ابن عمر، ولا يعرف لجابر وابن عمر مخالف.

وأما التعريف، قالوا: لأن العبد المكاتب معلق حاجته بهذا المال، فهو أولى به من أن يبذله لغيره ممن له حاجة، وعن أحمد رواية أنه تجب الزكاة في مال العبد، لعموم النصوص، والأقرب -والله تعالى أعلم- الرواية الأولى.

الحالة الثالثة: أن يكون العبد مبعضًا، والمبعض هو الذي أعتق بعضه، فتجب الزكاة عليه بقدر حريته، فيزكى ما ملكه من مال الزكوي بجزئه الحر، يعني بقدر جزئه الحر، لأن ملكه تام عليه، فأشبه الحر، ولذلك يلزمه أن يزكي، هذا هو الشرط الأول من شروط وجوب الزكاة وهو الحرية.

قوله –رحمه الله-: ((والثاني: إسلام فلا تجب على كافر، أصلي أو مرتد، فلا يقضيها إذا أسلم)).

أي: أنه يشترط لوجوب الزكاة في المال الإسلام، فلا تجب الزكاة على كافر سواء أكان أصليًّا أم مرتدًا، والوجوب المنفي هنا هو وجوب الأداء بمعنى أنه لا يجب عليه أداء الزكاة حال الكفر، لا بمعنى أنه لا يعاقب عليها، وهذا مبني على مسألة معروفة وهي مسألة هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟

والأصل في ذلك قول الله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ[التوبة: 54]، وحديث معاذ «فادعُهم إلى شَهادةِ أن لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وأنِّي رسولُ اللَّهِ فإن هم أطاعوكَ لذلِكَ فأعلمْهم أنَّ اللَّهَ افترضَ عليْهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ فإن هم أطاعوكَ لذلِكَ فأعلمْهم أنَّ اللَّهَ افترضَ عليْهم صدقةً في أموالِهم تؤخذُ من أغنيائِهم وتردُّ على فقرائِهم» أخرجه البخاري (1496)، ومسلم (19) فأمرهم بأداء الزكاة بعد الإسلام لا قبله.

قوله –رحمه الله-: ((فلا يقضيها إذا أسلم)). يعين الكافر المرتد والأصلي، لا يلزمهم القضاء فيما فات؛ لأنهم ليسوا من أهل الوجوب، وإن كانوا يأثمون بتركها كما تقدم.

أما الثالث فقال –رحمه الله-: ((والثالث: ملك نصاب)) أي: أنه يشترط لوجوب الزكاة في المال ملك نصاب، والنصاب هو القدر الذي يتعلق به حكم وجوب الزكاة ابتداء، فإذا بلغه المال وجبت فيه الزكاة، وقد ذكره المؤلف –رحمه الله-هنا ضمن شروط وجوب الزكاة، وهو شرط وسبب.

ولذلك قال الفقهاء: وهو سبب وجوب الزكاة أيضًا، يعني إضافة إلى كونه شرطًا، فلا زكاة في مال حتى يبلغ قدرًا أتى بيانه في الشارع، والنصاب يختلف باختلاف الأموال.

قال: ((ولو لصغير أو مجنون ؛ لعموم الأخبار وأقوال الصحابة)) أي: إن مال الصغير أو المجنون إذا بلغ نصابًا، فإنه تجب فيه الزكاة لقوله –صلى الله عليه وسلم-: «اتَّجِروا في أموالِ اليتامى» المعجم الأوسط للطبراني(4/264)، قال في مجمع الزوائد(3/70): إسناده صحيح. كي لا تأكلها الصدقة، الحديث هذا موقوف ومرفوع، وهذا نص خاص، وإلا الدليل عموم النصوص لأن الله اوجب الزكاة في المال فقال: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا[التوبة: 103]، ولأن الزكاة وجبت مواساة، والصبي من أهل المواساة، ولهذا تجب عليه نفقة قريبه، وإذا كان كذلك فإن الذي يجب عليه إخراج الزكاة هو الولي؛ لأن الصبي غير مكلف، والولي ينوب عنه في قضاء دين الآدمي، فكذلك في زكاته، ومثله المجنون.

وقوله –رحمه الله-: ((فإن نقص عنه، فلا زكاة، إلا في الركاز)).

أي: إن نقص نصاب المال عن القدر الذي جاء في الشرع تعيينه أثناء الحول، لم تجب الزكاة.

وقوله: فإن نقص عنه يشمل النقص اليسير والكثير، وذلك لفوات سبب الوجوب وشرطه، وهو ملك النصاب.

وقوله: إلا الركاز استثناء، والركاز هو الكنز من دفن الجاهلية، أو من تقدم من الكفار في الجملة إذا كان عليه أو على بعض علامة تدل على الكفر، فهذا تجب فيه الزكاة على وجه الإطلاق في قليله وكثيره.

ولذلك لا يشترط فيه النصاب، ولهذا قوله: إلا الركاز، أي: لا يشترط في الركاز نصاب هذا المعنى.

فقوله: ((إلا في الركاز)) أي: لا يشترط في الركاز نصاب، إذ إن الزكاة تجب في الركاز قليله وكثيره.

الشرط الرابع قال: ((والرابع استقراره، أي: تمام الملك في الجملة، فلا زكاة في دين الكتابة)).

نقف على الشرط الرابع إن شاء الله، بارك الله فيكم.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق