كتاب الزكاة من الروض المربع

من وحتى
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 216

التاريخ : 2024-12-30 07:05:28


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

فيقول المصنف –رحمه الله-: في باب زكاة الفطر في الفصل الأخير.

القدر الواجب في زكاة الفطر:

يقول –رحمه الله-: ويجب في الفطرة: صاع أربعة أمداد، وتقدم في الغسل.

أي إن القدر الواجب في زكاة الفطر هو صاع بصاع النبي ﷺ عن كل إنسان، فلا يجزئ أقل من صاع من جميع أجناس المخرج الذي جاءت به السنة لما في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال إن النبي ﷺ «فَرَضَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ»صحيح البخاري(1511)ومسلم(984) قال: «فعدلَ النَّاسُ بِهِ نِصفَ صاعٍ من بُرٍّ».صحيح البخاري(1511)ومسلم(984)

وكذلك ما روى أبو سعيد رضي الله تعالى عنه قال: «كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كانَ فِينَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ، عن كُلِّ صَغِيرٍ، وَكَبِيرٍ، حُرٍّ، أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِن طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِن أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِن زَبِيبٍ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا فَكَلَّمَ النَّاسَ علَى المِنْبَرِ، فَكانَ فِيما كَلَّمَ به النَّاسَ أَنْ قالَ: إنِّي أَرَى أنَّ مُدَّيْنِ مِن سَمْرَاءِ الشَّامِ ، تَعْدِلُ صَاعًا مِن تَمْرٍ فأخَذَ النَّاسُ بذلكَ»صحيح مسلم(985) كما قالَ أَبُو سَعِيدٍ رضي الله تعالى عنه.

وهذان الحديثان فيهما أنه لا يجزئ أقل من صاع من جميع أجناس المخرج، وذكر رضي الله تعالى عنهما عمل الناس بما جاء من أن نصف صاع من بر يعدل صاعًا من سائر ما ذكر النبي ﷺ من الأجناس.

والمذهب هو الأول، وأنه لا يجزئ أقل من صاع، وبه قال الجمهور، وقاله أبو حنيفة، وقاله شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يجزئ نصف صاع من بر خاصة دون سائر الأصناف.

واحتجوا لذلك بما جاء في حديث ابن عمر حيث قال: «فعدلَ النَّاسُ بِهِ نِصفَ صاعٍ من بُرٍّ». وكذلك حديث أبو سعيد رضي الله تعالى عنه حيث قال ما نقله عن معاوية «إنِّي أَرَى أنَّ مُدَّيْنِ مِن سَمْرَاءِ الشَّامِ، تَعْدِلُ صَاعًا مِن تَمْرٍ فأخَذَ النَّاسُ بذلكَ».صحيح مسلم(985)

والدلالة في هذين هو ما كان عليه عمل الناس من أصحاب النبي ﷺ، والتابعين، وأما من جهة المرفوع فقد احتجوا بما روى ثعلبة عن أبيه أن النبي ﷺ قال: «صاعًا مِن بُرٍّ أو قَمحٍ بَينَ اثنَينِ»مسند أحمد (23663)، وسنن الدارقطني(2118)، قال الزيلعي: هذا سند صحيح قوي. نصب الراية(2/407) وهذا في السنن، وكذلك جاء في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بعثَ مناديًا في فجاجِ مَكةَ ألا إنَّ صدقةَ الفطرِ واجبةٌ علَى كلِّ مسلمٍ ذَكرٍ أو أنثى حرٍّ أو عبدٍ صغيرٍ أو كبيرٍ مدَّانِ من قمحٍ أو سواهُ صاعٌ من طعامٍ»سنن الترمذي(674)، وقال: هذا حديث حسن غريب وجاء مرسلًا عن سعيد بن المسيب قال: «فرض رسولُ اللهِ زكاةَ الفطرِ مدَّين من حنطةٍ»المراسيل لأبي داود(120)، قال الذهبي: مرسل قوي. تنقيح التحقيق(1/354).

ونوقشت هذه الأحاديث التي فيها رفع نصف الصاع إلى النبي ﷺ بأن أحاديثه لا تثبت كما قال ابن المنذر، والأمر في هذا محل اجتهاد، والأقرب لظاهر الأحاديث إخراج صاع من جميع الأجناس، والصاع هو أربعة أمداد كما قال المصنف –رحمه الله-تعالى.

والمد ملأ كفي الرجل المعتدل في قامته أي: في خلقته، والحكمة أن هذا يحصل به الكفاية في أيام العيد.

وقد أشار المصنف –رحمه الله-إلى تقدم بيان ما يتعلق بالصاع في باب الغسل فيما يشرع الاغتسال به، والمشروع فيما يخرج من هذه الأجناس اعتبار الصاع، فلا عبرة بوزن التمر وقطع به الجمهور.

وقيل: بل يعتبر الصاع في التمر بالعكس كالبر، وقيل: بل المعتبر الوزن بالماء، وهذه مسألة تقريبية والصواب إنه إذا كان معيار القياس بين الناس الوزن، فإنه يعتبر بالوزن وينظر إلى ما أقرب ما يكون من صاع النبي ﷺ، وقد اختلف المقدرون في ذلك على أقوال، وأشاروا أن الصاع كيلوان وأربعون غرامًا، أشهرها أن الصاع بالوزن المعاصر كيلوان وأربعون غرامًا، وقد أوصله بعضهم إلى ثلاثة، وقد نقص بعضهم عن هذا القدر بشيء يسير، وهي مسألة اجتهاد، ولو أن أحدًا اكتفى بأربع حفنات كان ذلك مجزئ.

قوله –رحمه الله-: من بر أو شعير أو دقيقهما أو سوقيهما أي أنه يجوز أن يكون الصاع الواجب في زكاة الفطر من البر أو الشعير، وهذا محل اتفاق لا خلاف بين العلماء فيه، لحديث أبي سعيد الذي ذكره المصنف –رحمه الله-وكذلك يجوز أن يكون الصاع في زكاة الفطر من دقيق البر والشعير، وكذلك من سويقهما فيجزئ إخراج أحدهما هذا الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب.

وعن الإمام أحمد رواية أنه لا يجزئ إخراج دقيق وسويق.

وقيل: يجزئ الدقيق ولا يجزئ السويق، واحتج أحمد على إجزاء الدقيق بزيادة جاءت في بعض طرق حديث أبي سعيد من رواية ابن عيينه قال: أو صاعًا من دقيق.

قيل لابن عيينه إن أحدًا لا يذكره فيه أي لا يذكر هذه الزيادة قال: بل هو فيه.

قال المجد –رحمه الله-: بل هو أولى بالإجزاء يعني إخراج دقيق البر، ودقيق الشعير أولى بالإجزاء علل ذلك بأنه كافئه مؤونة الطحن.

قال: وكتمر نزع النواة فإنه يجزئ في الدقيق والسويق.

وعن أحمد رواية أنه لا يجزئ، وقيل: لا يجزئ السويق فقط وتقدم ما احتجوا به.

قوله –رحمه الله-: أو صاع من تمر أو زبيب أو أقط يعمل من اللبن المخيض، ثم ذكر الحديث لقول أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: «كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كانَ فِينَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ، عن كُلِّ صَغِيرٍ، وَكَبِيرٍ، حُرٍّ، أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِن طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِن أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِن زَبِيبٍ» متفق عليهصحيح البخاري(1506)، ومسلم(985).

أي أنه يجزئ أيضًا أن يكون الصاع الواجب في زكاة الفطر من التمر أو من الزبيب، وهذا لا خلاف فيه لحديث أبي سعيد الذي ذكره المؤلف –رحمه الله-.

وكذلك يجوز أن يكون الصاع الواجب في زكاة الفطر من الأقط، وهو ما يعمل من اللبن المخيض هكذا عرفه المؤلف –رحمه الله-وهذا إحدى الراويتين عن أحمد، وهو المذهب، ودليله النص في الحديث على ذلك.

وفي رواية عن أحمد أن الأقط لا يجزئ، وهذا خلاف ما دلت عليه السنة، أو جاء به النص، فلا يصار إليه.

ثم بعد أن فرغ المؤلف –رحمه الله-من ذكر هذه الأصناف التي تخرج منها الفطرة، انتقل إلى ذكر المفاضلة بينها فقال: والأفضل تمر أي إن أفضل ما يخرج من الأصناف الخمسة التي ورد النص بإخراجها في زكاة الفطر التمر، ولا فرق في ذلك بين أن يكون قوت البلد أو غيره يعني الأفضل التمر مطلقًا سواء كان هو قوت البلد أو لا.

وظاهر إطلاق الإمام أحمد –رحمه الله-أنه الأفضل، وإن كان غيره أعلى منه قيمة، واستدلوا لذلك بحديث ابن عمر رضي الله عنه المتقدم الذي فيه قال: «أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَرَضَها -يعني زكاةَ الفِطْرِ- صاعًا مِن تمرٍ، أو صاعًا من شَعيرٍ»صحيح البخاري(1511)ومسلم(984) قالوا: ولم يذكر البر في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه، إنما ذكر التمر والشعير، وكان رضي الله تعالى عنه يواظب على إخراج التمر.

واستدلوا أيضًا على تفضيل التمر على غيره بأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يفعلون هذا، فإخراجه أفضل باقتداء ما كان عليه عمل أصحاب النبي ﷺ، وقد جاء عن ابن عمر أنه قيل له إن رسول الله ﷺ قد أوسع للناس فيما يخرجون في زكاة الفطر، والبر أفضل من التمر فقال رضي الله تعالى عنه: إن أصحابي سلكوا طريقًا وأنا أحب أن أسلكه يقصد أصحاب النبي ﷺ فضلوا إخراج التمر على غيره.

فظاهر قوله هذا أن الصحابة كانوا يخرجون التمر، فأحب ابن عمر موافقتهم وسلوك طريقتهم.

وعلى هذا جرى الإمام أحمد –رحمه الله-في تفضيل التمر على غيرهم اقتداء بهم واتباعًا بهم، وظاهر كلام المؤلف تقديم التمر مطلقًا كما تقدم، وإن كان غيره أعلى منه قيمة.

ثم حكى ابن حمدان رواية عن الإمام أحمد أن الأقط أفضل لمن هو قوته، معنى هذا أن تفضيل التمر على غيره إن عرضه أن القوت في البلد على خلافه، فإنه يقدم قوت البلد على التمر فيكون أفضل قوت البلد، فيكون فيه رواية ثانية.

قوله –رحمه الله-: فزبيب أي إن الذي يلي التمر في الأفضلية من الأصناف الخمسة التي ورد النص بإخراجها في زكاة الفطر هو الزبيب، وهذه هي المرتبة الثانية في الأفضلية.

ووجه تفضيل الزبيب لكونه أقرب تناولًا وأقل كلفة فأشبه التمر، وقيل بل الأفضل بعد التمر البر لأنه أنفع في الاقتيات، ولما قال ابن مجزم بن عمر البر أفضل من التمر أقره على ذلك، ولم ينكره وإنما عدل عنه إلى التمر لأجل ما ذكر من كونه عمل الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

وقد ذكر في المغني احتمالًا فقال: يحتمل أن يكون الأفضل بعد التمر ما كان أعلى قيمة وأكثر نفعًا من سائر الأجناس.

قوله –رحمه الله-: فبر أي إن الذي يلي الزبيب في الأفضلية من الأصناف الخمسة التي ورد النص بإخراجها في زكاة الفطر هو البر، وهذه هي المرتبة الثالثة في الأفضلية ووجهه أن البر أنفع في الاقتيات وأبلغ في دفع حاجة الفقير، فيكون أوفق لما ذكره النبي ﷺ في قوله: «أغنُوهم عن السُّؤالِ في هذا اليَومِ» أي يتحقق به قوله على وجه أكمل «أغنُوهم عن السُّؤالِ في هذا اليَومِ».

ولهذا جعل معاوية رضي الله تعالى عنه مد من البر يعدل مدين، ومدين من البر يعدل صاعًا.

قوله –رحمه الله-: فأنفع أي إن الذي يلي البر في الأفضلية بعد الأصناف الثلاثة المتقدمة هو الأنفع للفقير إذ القصد الاقتيات وحصول الإغناء به عن الطلب، فما حقق ذلك فهو أفضل ثم يلي الأنفع الشعير وهذه هي المرتبة الخامسة، ثم دقيق بر لقوله: فدقيقهما، ثم دقيق شعير، ثم سويق البر، ثم سويق الشعير، فيجزئ إخراج أحد هذه الأصناف، وإنما البحث هنا فيما يتعلق بالأفضلية.

ثم بعد السويق قال المصنف: فأقط فهو آخر ما رطب.

وعن الإمام أحمد أن الأقط أفضل لأهل البادية إن كان قوتهم، وقيل ما كان أغلى قيمة وأكثر نفعا.

فالخلاصة أن الترتيب في الأفضلية على النحو الذي ذكر المؤلف –رحمه الله-على المذهب، فالأفضل التمر ثم الزبيب، ثم البر، ثم الأنفع، ثم الشعير، ثم دقيق البر، ثم دقيق الشعير، ثم سويق البر، ثم سويق الشعير، ثم الأقط فهي عشر مراتب.

والقول الثاني أن الأفضل في الترتيب في هذه الأصناف المعتبر فيه الأنفع، وقيل المعتبر فيه قوت البلد يعني الأفضل ما كان قوتًا للبلد لأنه أنفع.

وقيل الأفضل هو الأغلى.

قوله –رحمه الله-: فإن عدم الخمسة المذكورة أجزئ كل حب يقتات وثمر يقتات كالذرة والدخن والأرز والعدس والتين اليابس.

أي إن الواجب إخراج زكاة الفطر من الأصناف التي سماها النبي ﷺ، فلا يجزئ إخراج غيرها مع وجودها ولا العدول عنها إلى حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه الذي ذكر المؤلف، فإن النبي ﷺ لما عدد الأصناف التي يخرج منها دل على عدم جواز العدول عنها، فإن عدم المنصوص عليه من الأصناف الخمسة، أخرج ما يقوم مقامهم من حب وثمر يقتات إن كان مكيلًا كالذرة والدخن وما ذكر المؤلف –رحمه الله-من الأمثلة.

وضابط العدم هو أن يعدم البر والشعير في مكانه، أو ما يقرب منه عرفا، ويشق عليه الإتيان بها إلا بسفر ونحوه.

وظاهر كلام المصنف –رحمه الله-في قوله: أجزئ كل حب يقتات وثمر يقتات، أن ما يقتات من غير الحب والثمر لا يجزئ، فالمقتات من اللحم وغيره لا يقوم مقام الأجناس المنصوص عليها.

وقيل: بل يجزئه عند عدم المنصوص عليه ما يقتات من الذرة والدخن الحبوب والثمار، وغيرهما كلحوم الأنعام والحيتان.

وعن الإمام أحمد –رحمه الله-أن يجزئ في زكاة الفطر كل حب وثمر يقتات ولو لم تعدم الأصناف الخمسة، وهو قول جمهور العلماء وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-وقال فإن الأصل في الصدقات أنها تجب على وجه المواساة للفقراء كما قال تعالى: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ[المائدة: 89] والنبي ﷺ فرض زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير لأن هذا كان قوت البلد، كان قوت أهل المدينة، فلو كان هذا ليس قوتًا لهم بل يقتاتون غيره، لم يكلفهم أن يخرجوا ما لا يقتاتون هكذا قال شيخ الإسلام –رحمه الله-.

وهذا القول قوي وله وجه، فالصواب أنه لا يشترط في زكاة الفطر انحسار ما يجب في الخمسة، فإن عدمت أخرج من غيرها، بل له أن يخرج من غيرها مما يقتاته أهل البلد.

قوله –رحمه الله-: ولا يجزئ معيب كمسوس ومبلول وقديم تغير طعمه أي إنه لا يجزئ إخراج حب معيب لقول الله تعالى: ﴿وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ[البقرة: 267] فنهى الله تعالى عن قصد الخبيث، والخبيث يشمل كل معيب، ومثل له الشارح بما أصابه سوس، لأن السوس يأكل جوف الحبوب، أو أصابه بلل ينفخه، أو تغير أحد أوصافه.

فالمخرج لصاع معيب لم يخرج ما وجب عليه شرعًا، ولذلك لا يجزئه.

قوله –رحمه الله-: وكذا مختلط بكثير مما لا يجزئ أي أنه لو خالط الذي يجزئ في زكاة الفطر ما لا يجزئ، فإنه إن كان قليلًا له حكم، وإن كان كثيرًا فله حكم.

ولذلك لو خالط الذي يجزئ في زكاة الفطر ما لا يجزئ فلا يخلو من حالين؛

الحال الأولى: أن يختلط بكثير مما لا يجزئ كسليم خلط بمسوس كثير، فإنه لا يجزئ هذا المذهب.

قال في الإنصاف: لو قيل بالإجزاء ولو كان ما لا يجزئ كثيرًا إذا زاد بقدره لكان قويًا، وهذا ما أشار إليه المؤلف –رحمه الله-.

الحالة الثانية: أن يختلط بيسير قليل مما لا يجزئ بقدر ما يكون المصفى صاعًا، لأنه قد أخرج ووجب عليه، فليس عيبًا، ولأن تنقيته في هذه الحال لا تشق، وهذا ما أشار إليه بقوله: فإن قل زاد بقدر ما يكون المصفى صاعًا لقلة مشقة تنقيته.

قال: وكان ابن سيرين يحب أن ينقى الطعام.

قال أحمد: وهو أحب إليه لأنه مما يتحقق به إخراج الطيب إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، لكن هذا على وجه الاستحباب.

قوله –رحمه الله-: ولا يجزئ خبز لخروجه عن الكيل والادخار.

أي إنه لا يجزئ إخراج خبز في زكاة الفطر لأنه خرج عن الكيل والادخار، وفيه شبه بإخراج القيمة هذا المذهب.

وقيل: يجزئ ووجهه الزركشي في كتاب الكفارات فقال: لو قيل بإجزاء الخبز في الفطرة لكان متوجهًا، والعلة في هذا قوله ﷺ: «أغنُوهم عن السُّؤالِ في هذا اليَومِ» وهذا يبين أن الملحوظة في زكاة الفطر سد حاجتهم، وحاجتهم تندفع بدفع الخبز.

قوله –رحمه الله-: ويجوز أن يعطى الجماعة من أهل الزكاة ما يلزم الواحد وعكسه يعني يعطى الواحد مع الجماعة أي أنه يجوز إعطاء زكاة الفطر الجماعة ممن يستحقون الزكاة من أهلها، ما يلزم الواحد لإطلاق قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ[التوبة: 60].

وقد نقل ابن قدامة عدا أنه لا يعلم في ذلك خلافا، لأنه صرف صدقته إلى مستحقها فبرأ منها كما لو دفعها إلى واحد، وكذا يجوز إخراج الزكاة التي لجماعة لواحد، فيجوز إعطاء الواحد صدقة الجماعة لأنها صدقة لغير معين، فجاز صرفها إلى واحد كالتطوع.

قوله –رحمه الله-: والأفضل ألا ينقص معط عن مد بر أو نصف صاع من غيره أي إن الأفضل ألا ينقص المعطى في الفطرة عن مد بر حفنة من البر أي ربع صاع أو نصف صاع من غير البر ليغنيه عن السؤال ذلك اليوم هذا هو الصحيح من المذهب.

وعلى الأفضل ألا ينقص الواحد عن صاع، فقوله هنا الأفضل تفرقة الصاع للخروج من الخلاف الذي يرى عدم جواز صرف الزكاة في صنف واحد، وهو رواية عن الإمام أحمد وفاقًا للشافعي.

إذًا الآن هذه هي الأقوال في مسألة الأفضلية.

 

  

 

مسألة مصرف زكاة الفطر ظاهر كلام المؤلف –رحمه الله-في قوله: لمستحقيها أنها تصرف زكاة الفطر لجميع الأصناف الذين ذكرهم الله تعالى ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ[التوبة: 60] فتصرف لجميع مستحقيها.

والقول الثاني أنها إنما تصرف لمن كان يأخذ الزكاة لحاجته، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام –رحمه الله-فلا تدفع في المؤلفة قلوبهم ونحوهم.

وقال بعض الحنابلة إنها تصرف إلى من لا يجد ما يلزمه يعني الفقير والمسكين، وهذا الأظهر والله تعالى أعلم أنها تدفع لمن يأخذها لحاجته، لأن النبي ﷺ قال: «أغنُوهم عن السُّؤالِ في هذا اليَومِ» فكل من كان موضعًا للسؤال في يوم العيد، فإنه تدفع إليه.

قال –رحمه الله-: وإذا دفعها إلى مستحقها فأخرجها آخذها إلى دافعها أو جمعت الصدقة عند الإمام ففرقها على أهل السهمان، فعادت إلى إنسان صدقته، جاز ما لا يكون حيلة.

أي أنه إذا دفع زكاة الفطر إلى مستحقها من الأصناف الثمانية، أو ممن يأخذها لحاجة، أو ممن لا يجد ما يلزمه على الأقوال المتقدمة، فأخرجها آخذها صدقة عن نفسه إلى المتصدق بها جاز له أخذها.

ومثله أيضًا لو أن المتصدق دفع زكاة الفطر إلى الإمام، فوزعها الإمام على الفقراء، فعادت الفطرة إلى دافعها الذي أخرجها، فإنه يجوز للمتصدق بها أن يأخذها، واشترطوا لذلك ألا يكون على وجه الحيلة بشرط ألا يقصد بذلك التحيل.

وقالوا: إن عودها إليه في هذه الحال يشبه ما لو عادت إليه بالميراث.

والقول الثاني أنه لا يحل له أخذها إذا عادت إليه، لأنها طهرة فلم يجز له أخذها كشرائها، واستدلوا لذلك بحديث عمر أنه أراد أن يشتري الفرس الذي حمل عليه في سبيل الله، فقال له النبي ﷺ: «لا تَشْتَرِ، ولَا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ؛ فإنَّ العَائِدَ في صَدَقَتهِ كَالعَائِدِ في قَيْئِهِ»صحيح البخاري(1490) ولذلك قالوا إنه لو اشتراها لم يجز له للخبر.

أما إن عادت إليه بالميراث، فله أخذها لأنها رجعت إليه بغير فعله، وهذا القول أقرب إلى الصواب والله تعالى أعلم ما ذكره أبو بكر من أنه مذهب الإمام أحمد أقرب إلى الصواب.

وبهذا يكون قد انتهى ما يتعلق بباب زكاة الفطر، نسأل الله العلم النافع والعمل الصالح.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق