الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
قوله رحمه الله: والثالث: العاملون عليها وهم السعاة، الذين يبعثهم الإمام لأخذ الزكاة من أربابها كجباتها وحفاظها وكتابها وقسامها.
أي إن ثالث أصناف أهل الزكاة المستحقين لها هم العاملون على الزكاة، وهم من يحتاج إليه في أمر الزكاة من السعاة الذين يبعثهم ولي الأمر لمعرفة مقدار ما فرض الله عز وجل على الناس، والجباة الذين يجلبون الزكاة، والحفاظ للزكاة الذين يحفظونها من الضياع، ومن السراق، والكتاب الذين يكتبون الزكاة ومقاديرها ومن يقسمها وكذلك يلحق بهم غيرهم ممن يحتاج إليه فيها لأنهم داخلون في عموم قوله: العاملون عليها.
وقد كان النبي ﷺ يعطي من الزكاة من هذا شأنه من الجباة والسعاة والكتاب والحفاظ وغيرهم، إلا أن الفقهاء استثنوا القاضي والوالي، فقالوا: لا يعطون من الزكاة لأنهم ليسوا من العاملين عليها، وإن كان قد لا يكون لهم أمر في شأن الزكاة لكن لا يعدون من العاملين عليها، فلا يعطون منها.
وللإمام أحمد رواية أخرى أن الكتاب ليسوا من العاملين، فقد سئل رحمه الله فقيل: الكتبة من العاملين قال: ما سمعت يعني ما سمعت هذا عمن سلف أن الكتاب يدخلون في العاملين، والذي يظهر هو الرواية الأولى وأنهم داخلون في العاملين عليها الذين يستحقون الزكاة.
بعد ذلك قال المصنف رحمه الله: وشرط كونه مكلفًا، مسلمًا، أمينًا، كافيًا، من غير ذوي القربى.
هذه الشروط وهي خمسة أن يكون العامل مكلفًا لعدم أهلية الصغير والمجنون للقبض.
والثاني أن يكون العامل مسلمًا واستدلوا بعموم الآيات التي فيها عدم اتخاذ الكفار أولياء كقوله تعالى: ﴿لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ﴾ [آل عمران: 118]، وقوله: ﴿لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة: 1] وما أشبه ذلك، ولأن العمل على الزكاة يحتاج إلى العلم بالنصاب والمقادير ونحو ذلك، واحتجوا أيضًا بما جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كتب لأبي موسى وقد اتخذ عاملًا نصرانيًا قال: لا تؤمنوهم حيث خونهم الله ولا تقربوهم وقد أبعدهم الله، ولأنه نوع ولاية ولا يصح أن يكون الكافر في ولاية على المسلم في أمر ديني، وهذا هو الصحيح من المذهب.
وعن الإمام أحمد رواية لا يشترط أن يكون العامل على الزكاة مسلمًا، فيجوز أن يكون الكافر عاملًا في زكاة خاصة عرف قدرها وإلا فلا، يعني إذا كان يمكن أن يتحقق المطلوب بعمالة الكافر على الزكاة، فإنه لا حرج في ذلك على هذه الرواية واستدلوا بعموم الآية، فإنه قال: والعاملين عليها وهذا لفظ عام يشمل كل عامل على أي صفة كان، ولأن ما يأخذه على العمالة أجرة، وهذا مذهب جمهور العلماء أن ما يأخذه العامل في العمالة على الزكاة أجرة، فلا يمنع ذلك أن يكون كافرًا كسائر الإيجارات وهذا القول أقرب إلى الصواب، لاسيما إذا كان هناك معنى يلاحظ كإتقان أو ما أشبه ذلك، وإلا فإن الأصل أن الكفاية حاصلة بعمالة أهل الإسلام على الزكاة.
الشرط الثالث أن يكون العامل أمينا وهذا لا شك فيه لأن عدم الأمانة ضياع للمال وللزكاة.
الشرط الرابع أن يكون العامل كافيًا والمقصود بكافِ أي أن تحصل به الكفاية في العمل، وهذا لا يكون إلا لمن تحققت فيه الشروط من العلم والمعرفة واتقان العمل، ولذلك فيما يظهر لأن الكفاية هنا تتعلق بالعلم والعمل والعدد بمعنى أن العدد الذي يقوم به العمالة على الزكاة تحصل به الكفاية، لا أن يقصر ولا أن يزيد.
الشرط الخامس أن يكون العامل من غير ذوي القربى بألا يكون من بني هاشم ولا من مواليهم والأصل فيه حديث الفضل بن عباس والمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أنهما أتيا النبي ﷺ فسألاه العمالة على الصدقة فقال: إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، وهذا نص في التحريم.
ولذلك ذهب جماهير العلماء إلى أنه لا يجوز كون العامل من ذوي القربى، وفي وجه يجوز أن يكون العامل من ذوي القربى، وحملوا الحديث على التنزيه وهو بعيد لأنه نص في التحريم حيث قال: إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، وهو مذهب جماهير العلماء وقد عد هذا الوجه من مفردات الإمام أحمد وتعقبه بعضهم بأنه قول عند المالكية.
وقوله رحمه الله: ويعطى قدر أجرته منها، ولو غنيًا.
أي إن العامل على الزكاة يعطى على عمالته قدر أجرته من الزكاة التي جبيت ولو زاد قدر أجره على ثمن الزكاة هكذا نصوا خلافًا للشافعي، فإنه قال: لا يعطى ما زاد على ثمن الزكاة لأنه يرى أن الزكاة تثمن تقسم على ثمانية، فلا تكون أجرة العاملين عليها أكثر من ثمن الزكاة، والعلة في قول من قال بجواز الزيادة على ثمن الزكاة أن ما يأخذه العامل أجرة، وبالتالي إذا كان أجرة فإنه يأخذ ما يستحقه من الأجرة، ولو زاد على ثمن الزكاة، وإن تلفت الزكاة من غير تفريط، فإنه يعطى على عمالته من بيت المال، والعامل يجوز إعطائه من الزكاة ولو كان غنيًا.
لذلك قال: ولو كان غنيًا لأن وجه الاستحقاق العمل، وليس الحاجة إلى المال، بل الموجب لإعطائه من الزكاة هو الحاجة إليه لا حاجته هو، واستدلوا لذلك بحديث عمر رضي الله تعالى عنه قال: عملت على أهل رسول الله ﷺ فعملني أي أعطاني أجرة، وقال لي: إذا أعطيت شيئًا من غير أن تسأل فكل وتصدق، وعمر لم يكن فقيرًا، فالعامل إنما يأخذ أجر عمالته.
ثم قال المصنف: يجوز كون حاملها وراعيها ممن منع منها.
هذا استثناء من بقية العاملين على الزكاة، لأنهم يشترطون في أن يكون العامل على أوصاف تقدم ذكرها، فيجوز أن تختل بعض هذه الأوصاف في الحامل والراعي، فيجوز أن يكون حامل الزكاة وراعي الزكاة ممن لا تحل له الزكاة كما لو كان كافرًا، أو كان من ذوي القربى، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، وعللوا ذلك بأن من يأخذه أجرة لعمله لا لعمالته، فما يأخذه هو مقابل العمل أجرة، لا للعمالة، والفرق بين أجرة العمل وأجرة العمالة أن أجرة العمل تكون من غير الزكاة، وأما أجرة العمالة فتكون من الزكاة هذا الذي يظهر في الفرق بين أجرة العمل وأجرة العمالة.
قوله رحمه الله: الصنف الرابع المؤلفة قلوبهم وعرف المؤلفة قلوبهم فقال: جمع مؤلف، وهو السيد المطاع في عشيرته ممن يرجى إسلامه، أو كف شره، أو يرجى بعطيته قوة إيمانه أو إسلام نظيره، أو جبايتها ممن لا يعطيها، أو دفع عن المسلمين.
هذه أوجه العطاء من الزكاة في المؤلفة قلوبهم، وعلم بذلك أن المؤلفة قلوبهم ليسوا هم الكفار فقط كما سيأتي بيانه، فرابع أصناف أهل الزكاة المستحقون لها هم المؤلفة قلوبهم، وعرفه المؤلف بأنهم السادة المطاعون في عشائرهم وإعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة هو الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب، وهو من المفردات والأصل في ذلك قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: 60] وهذه الآية في سورة براءة وهي من آخر ما نزل من القرآن على رسول الله ﷺ.
والمؤلفة قلوبهم دربان حسب ما ذكر المؤلف رحمه الله كفار ومسلمون، المؤلفة قلوبهم من الكفار نوعان ذكرهم المؤلف رحمه الله في قوله: ممن يرجى إسلامه أو كف شره هذا النوع الأول من الكفار من يرجى إسلامه لتقوى نيته للإسلام وتميل نفسه إليه، ونظير ذلك ما فعله النبي ﷺ من أنه أعطى صفوان بن أمية الأمان وأعطاه عطايا من ذلك أنه أومأ ﷺ إلى واد فيه إبل محملة فقال: هذا لك، فقال صفوان: هذا عطاء من لا يخشى الفقر.
النوع الثاني يعطى من يخشى شره ويرجى بعطيته كف شره وكف غيره ممن معه، وقد ذكر ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن قوما كانوا يأتون النبي ﷺ فإن أعطاهم مدحوا الإسلام وقالوا: هذا دين حسن، وإن منعهم ذموه وعابوه، فهؤلاء يعطون لكف شرهم، هذا الدرب الأول ممن يعطى من المؤلفة قلوبهم.
والدرب الثاني المؤلفة قلوبهم من المسلمين وقد أشار إليهم المؤلف رحمه الله بقوله: أو يرجى بعطيته قوة إيمانه أو إسلام نظيره، أو جبايتها ممن لا يعطيها، أو دفع عن المسلمين.
فهم أربعة أصناف النوع الأول: قوم من سادات المسلمين لهم نظراء من الكفار، ومن المسلمين الذين لهم نية حسنة في الإسلام، فإذا أعطوا رجي إسلام نظائرهم، ورجي حسن نيتهم فيجوز إعطائهم، فأعطى أبو بكر رضي الله تعالى عنه عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر لأجل ذلك.
النوع الثاني سادات مطاعون في قومهم يرجى بعطيتهم قوة إيمانهم، فإنهم يعطون ومن ذلك ما كان من عطاء النبي ﷺ لعيينة بن حصن والأقرع بن حباس وأشباههم.
والنوع الثالث قوم في طرف بلاد الإسلام إذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين.
والنوع الرابع ممن يعطى من المؤلفة قلوبهم قوم إذا أعطوا جبوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف.
وكل هؤلاء يجوز الدفع إليهم لأنهم من المؤلفة قلوبهم فيدخلون في عموم الآية، وحكي عن الإمام أحمد رحمه الله رواية أنه قال: المؤلفة قد انقطع حكمهم اليوم، وهذا موافق لقول أكثر أهل العلم لأنهم عدوا إعطاء المؤلفة قلوبهم عدوا ذلك من مفردات المذهب، وبهذا قال أبو حنيفة أنهم انقطع سهمهم وهو أحد أقوال الشافعي، وبه قال مالك، والعلة أن الله عز الإسلام وأغناه عن أن يتألف عليه رجال، فلا يعطى مشرك تألفا بحال.
واستندوا في ذلك إلى ما جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه، فإنه جاء مشرك يلتمس من عمر مالًا فلم يعطه، وقال: من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولم ينقل عن عمر ولا عن عثمان ولا عن علي أنهم أعطوا شيئًا من ذلك.
وحجة المذهب واضحة الآية الكريمة وأن من آخر ما نزل على النبي ﷺ، وحديث إن الله تعالى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء، وأنه كان يعطي المؤلفة ﷺ كثيرًا، ورد ذلك في أخبار عديدة، ولم ينقل أن ذلك نسخ، فيحمل ما جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم على أنه لم يكن المقتضي في إعطاء المؤلفة قلوبهم لم يكن موجودًا، ولذلك لم يعطوها.
قوله رحمه الله: ويعطى ما يحصل به التأليف عند الحاجة هذا بيان قدر ما يعطى، أن المؤلفة قلوبهم يعطون القدر الذي يحصل به التأليف، لأنه المقصود ولأن سبب العطاء التأليف فيقدر به، وهذا العطاء يكون عند الحاجة فقط، لترك الخلفاء الإعطاء مع عدم الحاجة كما جاء عمن تقدم، يعني يحمل ما جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم من عدم الإعطاء أنه لم يكن هناك حاجة للتأليف.
وقوله رحمه الله: فإن تعذر الصرف إليهم رد على بقية الأصناف، أي أنه متى تعذر الصرف إلى المؤلفة قلوبهم لانقطاع سهمهم أو عدم وجود الحاجة، فإن نصيبهم يرد على بقية الأصناف الثمانية على الأصح، ونقل عن أحمد أن للإمام صرفه فيما شاء أي من أوجه البر الأخرى من غير الأصناف الثمانية.
قوله رحمه الله: الرقاب نقف على الرقاب، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.