كتاب الزكاة من الروض المربع

من وحتى
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 89

التاريخ : 2025-08-23 10:20:53


صفحة جديدة 1

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد.

فيقول المصنف –رحمه الله-في باب أهل الزكاة:

ومن كان ذا عيال، أخذ ما يكفيهم ؛ لأن كل واحد من عائلته مقصود دفع حاجته ويقلد من ادعى عيالًا، أو فقرًا، ولم يعرف بغنى.

أي إن من أخذ الزكاة لفقره أو لمسكنته، فإنه يجوز له أن يأخذ ما يكفيه، وكذلك يأخذ ما يكفيه عياله أي يكفي من يعول، سواء كان من يعوله من عيال أولاده ونحوهم، أو من أقاربه الذين يجب عليه أن ينفق عليهم، لأن كل واحد من عائلته مقصود دفع حاجته كما ذكر المؤلف –رحمه الله-في تعليل هذا الحكم، فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد، فيجوز الأخذ لهم كلهم كالأخذ لنفسه، لأنه قائم عليهم.

أما ما هو المعتبر في الكفاية، فعلى الصحيح من المذهب أنه يأخذ التمام كفايتهم سنة، وهذا هو الأقرب إلى الصواب، وفي رواية عن أحمد أنه لا يأخذ أكثر من خمسين درهمًا، فعلى المذهب يأخذ له ولعياله قدر كفايتهم سنة، وأما عن الرواية الأخرى، فإنه يأخذ له ولكل واحد من عياله خمسين خمسين، والصواب الأول.

قوله –رحمه الله-: ويقلد من ادعى عيالًا، أو فقرًا، ولم يعرف بغنى أي أنه صدق ويقلد من ادعى من الفقراء والمساكين عيالًا، فقال: إن له أولادًا أو من يعولهم، فإنه يعطى من الزكاة لهؤلاء الذين ادعى أنهم من عياله ولا يطلب ببينة، وكذلك يصدق من ادعى فقرًا أو مسكنة، ولم يعرف بغنى، وحجة ذلك أن الأصل هدم المال، فلا يكلف إقامة البينة على فقره أو مسكنته، وهذا هو الأصل ما لم يوجد ما يدعو إلى ريبة أو شك، فعند ذلك يتحقق.

 

  

 

قوله –رحمه الله-: ويجوز صرفها أي: الزكاة إلى صنف واحد.

أي أنه يجوز صرف الزكاة إلى صنف واحد من الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله تعالى في قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[التوبة: 60] فيجوز صرف الزكاة كلها إلى صنف من هذه الأصناف الثمانية، وإن كان للجميع موجودًا لكن الواجب عليه ألا يتجاوز هؤلاء إلى غيرهم، وأما استيعابهم فلا يلزمه بل يكفي ويجزئ في إخراج الزكاة أن يدفعها إلى صنف واحد.

والعلة أن الآية إنما سيقت لبيان من يجوز الصرف إليهم، وليس الغرض فيها والمقصود إيجاب الصرف إلى الجميع، بدليل أنه لا يجب تعميم كل صنف بالزكاة، بل يجوز أن يقتصر على واحد من كل صنف، وقد ذكر الشارح دليل ذلك وهو أن الله تعالى في آية أخرى لم يذكر في صرف الزكاة إلا صنفًا واحدًا وهم الفقراء، وذلك في قوله تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ[البقرة: 271] فذكر الفقراء وهم صنف واحد، ولم يذكر بقية الأصناف، وكذلك يدل له حديث بعث النبي ﷺ معاذًا إلى اليمن، فإن فيه قوله ﷺ: «فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ» متفق عليه، صحيح البخاري(1395)، ومسلم(19).

فالنبي ﷺ لم يذكر إلا صنفًا واحدًا وهم الفقراء، فدل ذلك على جواز الاختصار في إخراج الزكاة على صنف واحد، ويدل له أيضًا قول النبي ﷺ لقبيصة حتى تحمل حمالة «أقِم يا قَبيصةُ حتَّى تأتيَنا الصَّدقةُ فَنَأْمرَ لَكَ بِها»صحيح مسلم(1044) فذكر دفعها إلى صنف واحد وهو من الغارمين، وكذلك أمر ﷺ بني زريق بدفع صدقة إلى سلمة بن صخر في الكفارة، وهو شخص واحد، وبعث علي رضي الله تعالى عنه إلى النبي ﷺ بذهبية في تربتها يعني لم تخلص، فقسمها النبي ﷺ بين المؤلفة قلوبهم وهم صنف واحد، والآثار في هذا كثيرة تدل على أن النبي ﷺ لم يكن يعتقد في كل صدقة ثابتة وجوب دفعها إلى جميع الأصناف، ولا وجوب تعميمهم بها، بل كان يدفعها إلى من تيسر من أهلها من أي صنف كان، وهذا هو اللائق بحكمة الشرع وحسنه، إذ غير جائز أن يكلف الله تعالى من وجبت عليه شاة أو صاع من بر أو نصف مثقال أو خمسة دراهم أن يدفعها إلى ثمانية عشر نفسا أو أحدًا وعشرين أو أربعة وعشرين نفسا من ثمانية أصناف، لكل ثلاثة منهم ثمنها، والغالب أنه يتعذر وجود جميع الأصناف من أهل الزكاة في موضع واحد، والله تعالى قد رفع عن هذه الأمة الحرج قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[الحج: 78]، وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[البقرة: 286] ولمشقة الأمر وبعد تحقيقه قال الموفق رحمه الله: وأظن من قال بوجوب دفعها على هذا الوجه إنما يقوله بلسانه، ولا يقدر على فعله.

ثم قال: وما بلغنا أن النبي ﷺ فعل هذا في صدقة من الصدقات، ولا أحدًا من خلفائه ولا من صحابته ولا غيرهم، ولو كان هذا الواجب في الشريعة المطهرة، لما أغفلوه ولو فعلوه مع مشقته لنقل وما أهمل إذ لا يجوز على أهل التواتر إهمال نقل ما تدعو الحاجة إلى نقله سيما مع كثرة من تجب عليه الزكاة، ووجود ذلك في كل زمان وفي كل مصر وبلد، وهذا أمر ظاهر.

وعن أحمد رواية وهذا هو القول الثاني، أنه لا يجزئ صرف الزكاة إلى صنف واحد من الأصناف الثمانية بل الواجب أن يستوعب الأصناف الثمانية جميعًا، لأن الله تعالى قال: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ[التوبة: 60] الآية، فأضاف الله تعالى في الآية إلى من يملك بلام التمليك وعطف بواو العطف المقتضي الاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه، فوجب استيعاب الأصناف الثمانية كما لو أوصى لهم.

قالوا: ولأن الإضافة بالتعيين يقتضي التمليك كقولك هذا الدار لزيد ولعمرو، فكذلك بالصفة كالوصية للفقراء وابن السبيل، ومنه الزكاة.

قالوا: ويستحب في دفع الزكاة تعميم الأصناف الثمانية إن وجد، وهذا هو الأقرب أن تعميم الأصناف الثمانية مستحب لا واجب، ووجه الاستحباب أن في ذلك خروجًا من الخلاف، وتعدد للأشخاص المختلفين من جنس واحد، وتعميم للأصناف التي ذكرها الله تعالى.

والحقيقة أن تعليل الحكم للخروج من الخلاف فيه نظر، وذلك أن اعتبار الخلاف وطلب الخروج منه في الأقوال، إنما هو فيما إذا كان الخلاف يستند إلى أصل ودليل ظاهر، ولا يخالف سنة وهو المطالبة باستيعاب تخالف ما ثبت عنه ﷺ في أحاديث كثيرة، فالعمل بما جاء به النص هو المقدم، وهو الأحوط.

 

  

قوله –رحمه الله-: ويجزئ الاقتصار على إنسان واحد، ولو غريمه، أو مكاتبه، إن لم يكن حيلة.

أي: أنه يجوز الاقتصار في إيتاء الزكاة على إنسان واحد من أحد الأصناف الثمانية، كأن تعطي الزكاة لفقير واحد ولا تستوعب الفقراء، والأصل فيه ما ذكره الشارح –رحمه الله-في أمر صدقة بني زريق، فإن النبي ﷺ أمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر، ومثله أيضًا حديث قبيصة حيث قال: «أقِم يا قَبيصةُ حتَّى تأتيَنا الصَّدقةُ فَنَأْمرَ لَكَ بِها» صحيح مسلم(1044) وكذلك جاء هذا قولا عن عمر وحذيفة وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم.

وقوله: ولو غريمه أو مكاتبه إن لم يكن حيلة.

أي إن إيتاء الزكاة لواحد من أحد الأصناف الثمانية يشمل ما لو أعطى الدائن غريمه زكاة ماله، لأنه من جملة الغارمين هذا التعليل لهذا الحكم، فإن ردها عليه يعني الغريم أخذ الزكاة من باذلها وردها على الدائن وفاء لدين، فإنه إذا كان ذلك بلا شرط جاز له أخذها، لأن الغريم ملك ما أخذه بالأخذ، فله أن يفعل فيه ما شاء من التصرفات، وهذا يشبه ما لو وفاه من مال آخر، لكن إن قصد المؤتي صاحب الزكاة بالدفع إحياء ماله، واستيفاء دينه لم يجز لأنه لم يجعلها لله تعالى، بل صرفها إلى منفعته ومصلحته.

 

  

قوله –رحمه الله-: ويسن دفعها إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم كخاله وخالته، على قدر حاجتهم، الأقرب فالأقرب؛ لقوله عليه السلام: «صدقتك على ذي القرابة صدقة، وصلة» أي أنه يستحب صرف الزكاة إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم، ويفرقها فيهم على قدر حاجتهم، فيزيد ذا الحاجة منهم على قدر حاجته، فإن استووا في الحاجة وتفاوتوا في القرب، بدأ بالأقرب فالأقرب، لأن الصدقة عن القريب صدقة وصلة، كما في الحديث الذي ذكره الشارح.

وأما كون تفريقها فيهم على قدر حاجتهم يستحب، لأن اعتبار الحاجة أبلغ وأحسن في غير القرابة، ففي القرابة أولى، فإذا كان الأقرب أحوج اجتمع موجبان القرابة وشدة الحاجة.

والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق