الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد.
فيقول المصنف –رحمه الله-: البهوتي في الروض المربع في كتاب الزكاة في باب أهل الزكاة.
قال: ولا تجزئ إلى عبد كامل رق غير عامل ومكاتب.
هذا هو الصنف التاسع ممن لا يصح دفع الزكاة إليهم، وهو العبد كامل الرق أي الذي ليس فيه حرية بالكلية، وعلة ذلك أن نفقة العبد كامل الرق على سيده، فالرقيق غني بغنى مالكه، وما يدفع إليه لا يملكه لأن ملكه ملك سيده، وبالتالي إذا دفعت إليه الزكاة فكأنما دفعت إلى سيده، ولهذا لا يجزئ دفع الزكاة إلى عبد كامل رق، هذا على الصحيح من المذهب، وظاهر كلام المصنف أنه لا يجوز دفعها إلى عبد ولو كان سيده فقيرًا، وهذا هو الصحيح وهو المذهب، وقال المجد في تعليل المسألة: لأن الدفع إليه دفع إلى سيده كما تقدم، لأنه إن قلنا: يملك فله تملكه عليه، أي للسيد أن يتملك عليه، والزكاة دين أو أمانة فلا يدفعها إلى من لم يأذن له المستحق، فإذا كان السيد مستحقًا لفقره، فدفعها إلى عبده دون إذن منه لا يوقعها موقع الإجزاء، هذا فيما إذا كان العبد كامل الرق.
وأما من بعضه حر فيفهم من كلام المؤلف، أن له أن يؤخذ بقدر حريته بنسبته من كفايته، فلو كان نصفه حر فإن نصف نفقته على سيده، وما زاد فله أن يأخذه من الزكاة، واستثنى الشارح من عدم جواز دفع الزكاة إلى العبد ما إذا كان العبد عاملًا، فإن كان العبد من العاملين على الزكاة فإنه يجوز حينئذ دفع الزكاة إليه، لأن ما يأخذه أجرة وليس عطاء بلا مقابل، بل يأخذ ما يأخذ لاستحقاقه الأخذ، ويكون لسيده.
وكذلك استثنى من عدم جواز دفع الزكاة إلى العبد ما إذا كان مكاتبًا، فإنه حينئذ يجوز دفع زكاته إليه لما تقدم من دخوله في عموم قول الله تعالى: ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ [التوبة: 60] ومنهم المكاتبون.
قوله –رحمه الله-: ولا إلى زوج فلا يجزئها دفع زكاتها إليه.
هذا هو الصنف العاشر مما لا يصح دفع الزكاة إليهم وهو الزوج، فلا يجوز للمرأة أن تدفع زكاة مالها إلى زوجها لأن الزكاة يعود نفعها إليها بإنفاقه عليها، هذا هو المذهب، وعن أحمد رواية أنه يجوز للمرأة دفع زكاتها لزوجها، وقد قال في الإنصاف: وهي المذهب واختاره القاضي وأصحابه، وقال بعض الأصحاب: رواية الجواز قول قديم رجع عنه، والصواب أنه يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها لزوجها لحديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه حيث جاءت تسأل النبي ﷺ عن دفع زكاة مالها إلى ولدها وزوجها، فقال النبي ﷺ: إن لها أجرين أجر الصدقة، وأجر القرابة.
قوله –رحمه الله-: ولا بالعكس.
هذا هو الصنف الحادي عشر ممن فلا يصح دفع الزكاة إليهم وهو الزوجة، فلا يجوز أن يدفع الرجل زكاته إلى زوجته وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، لأن نفقته واجبة عليه، فتستغني به عن أخذ الزكاة، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر –رحمه الله-وعدم جواز دفع الزكاة إلى الزوجة يشمل ما لو لم تكن الزوجة في مؤنته كناشز وغير مدخول بها، لأنها تؤول إلى العود في مؤونته.
وقال جماعة من أهل العلم: إن الناشز وغير المدخول بها لا تلزمه نفقتها، فيجوز دفع الزكاة إليها.
قوله –رحمه الله-: وتجزئ إلى ذوي أرحامه من غير عمودي النسب.
أي أنه يجوز للشخص أن يدفع زكاة ماله لذوي رحمه إن كانوا فقراء أو مساكين، ولو كانوا وارثين في الأصح إذا لم يكونوا من عمودي النسب، أي لم يكونوا من أصوله الذين تفرع منهم، ولا من فروعه الذين تفرعوا منه، فيجوز دفع الزكاة إلى ذوي رحمه كبنات أخوته وبنات أعمامه وأخواله وخالاته لعموم قوله ﷺ: «الصَّدقةُ على المسكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحِمِ اثنتان: صدقةٌ وصِلةٌ»المعجم الكبير للطبراني(6210)، وسنن النسائي(2582) والصدقة والرحم عامان، وعن أبي أيوب أيضًا قال: أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاش وقالوا: في علة جواز ذلك لضعف القرابة، وفي الإرث بالرد عليهم خلاف.
وعن أحمد رواية لا يجوز دفع الزكاة لذي رحم وارث، وقال القاضي: وهي أشهرهما أي أشهر روايتين عن أحمد رحمه الله نظرا إلى أن من تلزمه نفقته غني بوجوب النفقة له، فأشبه الغني ولأن نفع الزكاة والحال هذه يعود إلى الدافع، حيث يوفر ماله.
أما إن كان ذو الرحم ممن لا تجب نفقتهم على الدافع، فيجوز دفع الزكاة إليهم بلا نزاع.
قوله –رحمه الله-: وإن أعطاها لمن ظنه غير أهل لأخذها فبان أهلًا لم تجزئه؛ لعدم جزمه بنية الزكاة حال دفعها لمن ظنه غير أهل لها.
أي أنه ليس من أهل الاستحقاق، فبان أنه أهل لها مستحق لأخذها، لم تجزئه عن الصحيح من المذهب، وذلك لاعتقاده حال الدفع أنها ليست بزكاة، لكون الأخذ لها غير أهل، ونظروا لها بما لو هجم وصلى، فبان في الوقت قالوا: لا يجزئه لأنه لم يصليها في الوقت.
قال في كشاف القناع: ويتوجه تخريج من الصلاة إذا أصاب القبلة أي: يتوجه تخريج قول بالإجزاء إذا أعطاها لمن ظن غير أهل، فبان أهل كما لو صلى ولم يتحرى القبلة فأصابها.
دفع الزكاة لمن ظنه أهلاً لأخذها فبان خلافه:
قوله –رحمه الله-: أو بالعكس.
يعني إن دفع الزكاة إلى من لا يستحقها إما لكفر، أو لغني، أو غير ذلك من الأسباب التي لا يجزئ معها دفع الزكاة دفعها إليه ظنا منه أنه من أهل الزكاة، لم تجزئه لأنه لا يخفى حاله غالبا فلم يعذر بجهالته، واستثني من ذلك ما لو دفع الزكاة إلى غني، ظنه فقيرا فإنها تجزئه لما ذكر الشارح من حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار فإن النبي ﷺ اكتفى بإخباره عن نفسه، فدل على أنه يجزئ وإن كان غنيا في الباطل حيث قال ﷺ للرجلين: «إنْ شِئتُما أعطَيتُكُما منها، ولا حَظَّ فيها لغَنيٍّ، ولا لقويٍّ مُكتَسِبٍ»سنن أبي داود(1633)، ومسند أحمد(17972) ولما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه في قصة الرجل الذي خرج فتصدق بصدقة فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني فقال: اللهم لك الحمد على غني، ثم قال في الحديث: فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت، ولأن الفقر يعثر الوقوف عليه فاكتفى فيه بالظهور، كما اكتفى في جواز الدفع إليه قال الله تعالى: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ [البقرة: 273].
وفي رواية أنه لو دفع الزكاة إلى غني ظنه فقيرًا، فإنه لا يجزئه لأنه دفع الواجب إلى غير مستحقه، فلم يخرج من عهدته كما لو دفعها إلى كافر أو ذي قرابة وكدون الآدميين ونحو ذلك.
قوله –رحمه الله-: وصدقة التطوعختم المؤلف باب الزكاة بذكر أحكام صدقة التطوع، وهي الصدقة غير الواجبة التي يتقرب بها إلى الله عز وجل.
قال: وصدقة التطوع مستحبة حث عليها في كتابه العزيز في آيات كثيرة، وقال ﷺ: «إنَّ الصدقةَ لتُطفئُ غضبَ الربِّ وتَدفعُ ميتةَ السوءِ»سنن الترمذي(664)، وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه فصدقة التطوع مستحبة في كل وقت إجماعًا، لأن الله تعالى أمر بها أو حث عليها، ورغب فيها في مواضع كثيرة من كتابه الحكيم، والأحاديث في فضائلها كثيرة منها ما ذكرها الشارح، ومنها ما رواها الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعا «مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولا يَصْعَدُ إلى اللَّهِ إلَّا الطَّيِّبُ، فإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُها بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيها لِصاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أحَدُكُمْ فُلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ».صحيح البخاري(1410)
قوله –رحمه الله-: وهي في رمضان وكل زمان ومكان فاضل كالعشر والحرمين أفضل لقول ابن عباس كان رسول الله ﷺ أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل الحديث متفق عليه وأوقات الحاجة أفضل إلى آخر ما ذكره –رحمه الله-.
فصدقة التطوع يتأكد استحبابها في أزمنة وأحوال مخصوصة، ذكر منها المؤلف –رحمه الله-جملة فأول ما ذكر صدقة التطوع في رمضان، فإن مما يزيد فيه فضل صدقة التطوع وأجرها صدقة في رمضان، فإنها أفضل من الصدقة في غيره، فقد كان النبي ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل كما في الحديث الذي ذكره الشارح، وفيه إعانة على أداء الصوم المفروض.
الحالة الثانية التي يعظم فيها أجر الصدقة، الصدقة في الزمان والمكان الفاضل، فإن مما تزيد فيه فضيلة صدقة التطوع أن تقع في كل زمان فاضل كالعشر الأول من ذي الحجة، وكذلك في كل مكان فاضل كالحرمين فإن أفضل من صدقة في غيرهما لكثرة تضاعف الحسنات في الأزمنة والأمكنة المباركة.
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال: عن الأيام العشر ما العمل في أيام أفضل منها في هذه الأيام، فالحال الثالثة صدقة التطوع في أوقات الحاجة، فإن مما تزيد فيه فضيلة صدقة التطوع أوقات الحاجات لقوله تعالى: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ [البلد: 14] والمسغبة هي المجاعة، وروى أبو سعيد مرفوعا قال: «من أطعمَ جائِعا أطعمهُ اللهُ من ثمارِ الجنةِ، ومن سقَى مؤمنا على ظمَأ سقاهُ اللهُ عز وجل يومَ القيامةِ من الرحيقِ المختومِ يومَ القيامةِ»سنن الترمذي(2449)، وقال: هذا حديث غريب والمندوب أن يبدأ في ذلك بالأشد حاجة.
الحال الرابعة صدقة التطوع على ذي رحم، فإن مما تزيد فيه فضيلة صدقة التطوع، الصدقة على ذي رحم لقوله تعالى: ﴿يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍأَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد: 15-16] والمقربة قرابة النسب، والمتربة شدة الفاقة أو الفقر، ولقول النبي ﷺ: «الصَّدقةُ على المسكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحِمِ اثنتان: صدقةٌ وصِلةٌ»المعجم الكبير للطبراني(6210)، وسنن النسائي(2582) لاسيما مع عداوته لقوله ﷺ: أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح أي المعادي المبغض.
الحالة الخامسة صدقة التطوع على الجار، فإن مما تزيد فيه فضيلة صدقة التطوع الصدقة على الجار لقول الله تعالى: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ [النساء: 36] وحديث «ما زالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بالجارِ، حتَّى ظَنَنْتُ أنَّه سَيُوَرِّثُهُ»صحيح البخاري(6015)، ومسلم(2624).
مسائل.
المسألة الأولى: صدقة التطوع على ذي رحم أفضل من العتق، نقله حرب والعتق أفضل من الصدقة على الأجانب إلا زمن الغلاء والحاجة، نقله بكر بن محمد.
الثانية: اختلف في حج التطوع أهو أفضل من الصدقة مع الحاجة أم معها على قريب أم على قريب مطلقا؟
في روايات أربعة عن الإمام أحمد، وذكر الشيخ تقي الدين أن الحج أفضل، وأنه مذهب أحمد.
قوله –رحمه الله-: وتسن الصدقة بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه لقوله ﷺ: «اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وابْدَأْ بمَن تَعُولُ، وخَيْرُ الصَّدَقَةِ عن ظَهْرِ غِنًى»صحيح البخاري(1427)، ومسلم(1034) أي أن صدقة التطوع تستحب للفاضل عن كفايته وكفاية من ينفق عليه، لأن الفاضل تطيب النفس بإخراجه من غير كلفة ومشقة لقول الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ [البقرة: 219].
قال أهل التفسير: والفاضل عن حاجته وحاجة عياله، والحديث الذي ذكره المؤلف –رحمه الله-في قوله ﷺ: وابدأ بمن تعول، والمراد بالكفاية الكفاية الدائمة كما صرح به الأصحاب سواء كان بمتجر يريح أو غلة وقف تريح وصنعة هذا المذهب مطلقًا أي إن الصدقة بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه بمتجر ونحوه وعليه أكثر الأصحاب، وجزم به في المغني.
ومعنى كلام ابن الجوزي في بعض كتبه لا يكفي الاكتفاء بالصنعة، وقال في غلة وقف أيضًا: قال صاحب الفروع وفي الاكتفاء بالصنعة نظر، وقال ابن عقيل: في موضع من كلامه أقسم بالله لو عبث الزمان في وجهك مرة لبعث في وجه أهلك وجيرانك، ثم حث على إمساك المال، فالمراد بالكفاية الكفاية التي يحصل بها الغنى والحاجة إلى الناس.
وذكر ابن الجوزي في كتاب السر المصون أن الأولى أن يدخر لحاجة تعرض، وأنه قد يتفق له مرفق فيخرج ما في يده، فينقطع مرفقه، فيلاقي من الضرر ومن الذل ما يكون الموت دونه، وذكر كلاما طويلًا في ذلك.
قوله –رحمه الله-: ويأثم من تصدق بما ينقصها أي ينقص مؤنة تلزمهأي إن من تصدق بما ينقص كفايته من تلزمه كفايتهم فإنه يأثم، وكذلك إن أضر بنفسه أو بغريمه أو بكفالة للحديث الذي ذكر المؤلف، كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت، ولأن نفقة من تلزمه مؤنته واجبة، فإن تركها أو بعضها أثم كسائر الواجبات.
وظاهر كلام جماعة من الأصحاب أنه إذا أنفق ما ينقص مؤنته دون أن يحصل له في ذلك الإنفاق ضرر، فإنه يبقى على الاستحباب
قوله –رحمه الله-: ومن أراد الصدقة بماله كله وله عائل لهم كفاية أو يكفيهم بمكسبه فله ذلك لقصة الصديق.
وكذا لو كان وحده ويعلم من نفسه حسن التوكل، والصبر عن المسألة وإلا حرم، أي أنه يجوز لمن له عائلة لهم كفاية، أو أنه يكفيهم بمكسبه أن يتصدق بماله كله، لما روى عمر رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله ﷺ يوما أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي فقال رسول الله ﷺ: ما أبقيت لأهلك فقال: مثله قال: وأتى أبا بكر بكل ما عنده، فقال رسول الله ﷺ: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا.
وظاهر كلام الشارح الجواز لا الاستحباب، وصرح به بعضهم وجزم المجد في شرحه، وغيره بالاستحباب قال: في الفروع ودليلهم يقتضي ذلك وهو ما جاء في قصة عمر وأبي بكر رضي الله تعالى عنهما.
قال –رحمه الله-: وكذا لو كان وحده يعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة، وإلا حرمأي أنه يجوز لمن كان وحده لا يعول أحدا أن يتصدق بماله كله بشرط أن يعلم من نفسه حسن التوكل والثقة بما عند الله عز وجل، وليأسى عما في أيدي الناس، والصبر على المسألة هذا المذهب، وحكاه عياض عن جمهور العلماء وأئمة الأمصار لقوله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9].
قوله: وإلا حرم أي إن لم يكن لهم كفاية أو لم يكن لعياله كفاية، ولم يكفيهم بمسكبه حرم عليه أن يخرج جميع ماله، وحجر عليه لإضاعة عياله، ولحديث يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذا صدقة ثم يقعد يستكف الناس خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وكذا يحرم عليه أن يتصدق بجميع ماله إن لم يعلم من نفسه حسن التوكل والصبر، ويمنع منه ويحجر عليه لما تقدم في الحديث السابق.
وقد جاء في رواية لهذا الحديث خذ مالك لا حاجة لنا به، وقيل: إنه يكره لا يحرم، أما من لا صبر له على ضيق العيش، فيكره أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة وهذا بلا نزاع.
قال في الفروع: وكذا من لا عادة له بالضيق أي ضيق ذات اليد وبهذا يتم ما ذكره المؤلف –رحمه الله-في باب أهل الزكاة من كتاب الزكاة.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.