الزكاة من منهج السالكين

من وحتى
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 107

التاريخ : 2025-01-23 10:16:03


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمًة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد.

فيقول -رحمه الله- وهذا نص حديث أنس في كتاب أبي بكر رضي الله عنه في بيان الزكاة التي فرضها النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين في أموالهم، يقول: (وفي صدقة الغنم)

 الصدقة هنا المقصود بها الزكاة الواجبة، وهي تسمي صدقة؛ لأنها مما ينطبق عليه حد الصدقة، لكن الصدقة منها ما هو مستحب، ومنها ما هو واجب.

وقد سماها الله تعالى صدقةً في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وتُزَكِّيهِم بِهَا }[ سورة: التوبة الآية رقم (103).]، وقال تعالى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ والْمَسَاكِينِ والْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}.[ سورة: التوبة الآية رقم (60).]

فما شاع في أذهان بعض الناس من قصر الصدقة على التطوع، ليس بصحيح، وإنما الصدقة تشمل التطوع والفرض والواجب.

يقول -رحمه الله-: (وفي صدقة الغنم). يعنى: في زكاة الغنم، (في سائمتها). أي: في الغنم التي ترعى الحول أو أكثره، وهذا هو المراد بالسائمة.

- السائمة: الغنم التي ترعي الحول أو أكثره، (إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاةٌ). إذا مبدأ النصاب في الغنم أربعون، فإذا بلغت أربعين شاةً فقد وجبت فيها الزكاة، وأول الواجب شاة.

ويستمر هذا –أي وجوب الشاة الواحدة- إلى أن تبلغ مائة وعشرين، ويلاحظ أن مما تميزت به صدقة الغنم عن سائر بهيمة الأنعام، أن الوقص عدده كبير، يعنى: بين الفرضين أو الواجبين كبير، فالوقص هو القدر الذي بين الفرضين.

ففي زكاة الغنم يبدأ بأربعين، ويستمر هذا إلى مائة وعشرين، فإذا بلغت مائة وواحدًا وعشرين انتقل إلى الفرض الثاني، المقصود أنه إذا بلغت أربعين شاةً وجبت فيها الزكاة وهي شاةٌ، فنصاب الغنم أربعون تجب فيه شاةً واحدة إلى عشرين ومائة.

وقوله -رحمه الله-: ( فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان). أيضًا الفرق بين النصابين ثمانون، ما بين الأربعين ومائة وعشرين الوقص قدره ثمانون، وكذلك من مائة وعشرين إلى مائتين، الوقص قدره ثمانون، وبالتالي إذا بلغت مائة وواحد وعشرين إلى المائتين ففيها شاتان، (فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة). يعنى مائة وواحد إلى ثلاثمائة، (ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على الثلاثمائة ففي كل مائة شاة). أي: تستقر الفريضة إذا زاد العدد على ثلاثمائة فتجب شاةٌ في كل مائة.

وقوله -رحمه الله- بعد ذلك: (فإذا كانت سائمة الرجل). يعنى: من الغنم، (ناقصة عن أربعين شاةً فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها). أي: ليس فيما دون الأربعين من الغنم زكاة، أي ليس فيما دون الأربعين من الغنم صدقة، (إلا أن يشاء ربها). إن شاء أن يخرج فذاك على وجه التطوع، وليس على وجه الوجوب؛ لأنه ما يجب إلا ما بلغ الأربعين فما زاد.

  

بعد ذلك قال: « ولا يُجْمَعُ بين متفرِّقٍ، ولا يُفَرَّقُ بين مجتمِعٍ، خشيةَ الصدقةِ»[ صحيح البخاري: باب لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع، حديث رقم(1382).]. لم يذكر صدقة البقر فلم يتضمن حديث أنس ذكر صدقة البقر؛ لأن البقر كانت قليل عند العرب، وغالب أموال العرب في الإبل والغنم، وكذلك الحديث لم يتضمن الذهب؛ لأن غالب ما يتعاملون به الورق.

فالسبب في اقتصار حديث أنس في كتاب أبي بكر على هذه الأصناف من الأموال، لأنها الشائعة المنتشرة؛ لا أنه لا تجب الزكاة فيما سواها، فإن الزكاة واجبة فيما سواها، كما دلت على ذلك الأدلة.

ذكر في زكاة الغنم ما يتعلق بأثر الاختلاط وهو ما يعرف بالخلطة، فقال:«ولا يُجْمَعُ بين متفرِّق،ٍ ولا يُفَرَّقُ بين مجتمِعٍ، خشيةَ الصدقةِ » قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يُجْمَعُ بين متفرِّقٍ » يعنى: من الماشية، «ولا يُفَرَّقُ بين مجتمِعٍ». يعنى: من الماشية، فلا تفرق المواشي، ولا تجمع خشية الصدقة.

واختلف في قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع»؛ الخطاب لمن؟

فقيل الخطاب لأرباب الأموال –أصحاب المواشي- وقيل الخطاب للسعاة، الذين يجبون الزكاة، وقيل الخطاب لهما –أي للسعاة والجباة- وهذا هو الأقرب والله أعلم، أن الخطاب للجميع لأهل الأموال، ولأهل جباية من السعاة الذين يبعثهم الأئمة لجمع الزكوات، وهذا نصٌّ في تحريم الحيل التي تفضي إلى إسقاط الواجب، فإن نهيه صلى الله عليه وسلم عن جمع المتفرق، وتفريق المجتمع خشية الصدقة، يدل على أن التحيل لإسقاط الزكاة مما لا ينفع صاحبه، بل هو مما ينهى عنه.

ولهذا ذكر الفقهاء أنه إذا باع بعض النصاب قبل تمام الحول، تحيلًا على إسقاط الزكاة، يعنى هو عنده أربعون شاةً، فجاء قبيل الحول وباع، لأجل أن ينقص النصاب، لا لأجل البيع وقصد البيع؛ إنما لأجل أن ينقص النصاب، فإنه لا تسقط الزكاة عليه بالفرار، ولا بهذه الحيلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سد هذا الباب بالنهي عن الجمع بين متفرق، والتفريق بين مجتمع فرارًا من الصدقة، وقوله: « خشيةَ الصدقةِ ». أي: فرارًا من الصدقة.

وهذا النهي يعم النهي عن التفريق، والنهي عن الجمع، يعم ما إذا كان هذا قبل الحول أو بعده، وقوله صلى الله عليه وسلم: « لا يُجْمَعُ بين متفرِّقٍ ». أي: لا يضم متفرق من السائمة خوفًا من الصدقة، ولهذا نظائر، أي يندرج تحت هذا النهي صور كثيرة.

وقبل ما نتكلم عن صور الجمع والتفريق، الخلطة عرفنا ما هي؟

 الخُلطة: هي الاختلاط بين أصحاب الأموال، أو الاختلاط في المال ذاته، فالاختلاط هو الاشتراك والاجتماع. والخلطة المقصود بها هنا هي الاختلاط في الملك أو الاختلاط في مصالح الملك.

وهو ما يسمى بخلطة الأعيان، والثاني خلطة الأوصاف وهذا مقصود الفقهاء بالخلطة. خلطة أعيان كأن يكونوا شركاء في سائمة، هذا له نصفها وهذا له نصفها، وخلطة أوصاف هو أن يشتركا في المراح والمرعى والمحلب وما أشبه ذلك مما يشتركان فيه ويختلطان فيه، يكون لكل واحد منهما ملكه الذي يخصه، لكنهما يشتركان في ماذا؟ في مصالح الملك كما كان الرعي، ومأوى البهائم، والمسرح، وما أشبه ذلك.

فإذا كان اثنان لهما مُلكان، هذا عنده عشرون من الغنم، وهذا عنده عشرون من الغنم، وفي مسرح واحد ومكان واحد؛ فجمهور العلماء على أن هؤلاء تجب في سائمتهم زكاة؛ لأنهم بلغوا نصابًا بمجموع الملكين، وهذه خلطة أوصاف؛ لأنهم اختلطوا في مصالح من مرعى ومسرح ومحلب وما أشبه ذلك. فهذا لا يقال إذا جاء وقت الزكاة أنت لك عشرون لم يكمل نصابها، وأنت لك عشرون لم يكمل نصابها فلا تجب الزكاة، هنا «لا يفرق بين مجتمع».

ومثله أيضًا «لا يجمع بين متفرق». فإذا كان ثلاثة، لكل منهم أربعون شاة، ففيها حينئذ إذا كانت مستقلة، إذا حسبنا كل صاحب ملك على وجه الاستقلال، تجب ثلاثة شياة، لكن إذا كانوا يشتركون في المرعى وفي المسرح وفي المحلب، فإنهم في هذه الحال تجب عليهم شاةٌ واحدة، مع أنهم كل له ملكه الذي يخصه، فهنا لا يجمع بين متفرق، فثلاثة نفر لكل منهم أربعون، فيها حينئذ ثلاثة شياة، بالنظر إلى أن كل واحد منهم له ملك مستقل، فإذا جمعت في محلبها ومشربها ومسرحها، صار فيها شاة.

ومثله إذا كان لرجلين من الغنم مائتان وشاتان، لكل واحد منهم مائة وشاة، فإذا نظرنا إلى ملك كل واحد منهما على وجه الاستقلال، وجب كم؟

وجب على كل واحدٍ شاة، فالواجب شاتان، وإذا جمعناهما، وجبت ثلاثة شياه بالنظر إلى الجمع، فلا يجمع بين متفرق ولا يرفق بين مجتمعٍ خشية الصدقة، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: « خشيةَ الصدقةِ »، أي خشية الساعي وخشية المالك، فالخشية هنا من الطرفين. خشية الساعي بأن يقل الواجب، وخشية المالك بأن يزيد الواجب، فالخشية هنا خشيتان، خشية الساعي وخشية المالك.

 ولهذا النهي هنا نهيان النهي عن جمع المتفرق، والنهي عن تفريق المجتمع، وإذا أردنا أن نحصر الصور التي تندرج تحت هذه المسألة لوجدناها تنحصر في أربع صور:

- النهي عن جمع المتفرق للساعي والمالك.

- والنهي عن تفريق المجتمع لهما –للساعي والمالك- فيكون أربع صور، ولكل منها مثال يمكن أن يوضحه.

قوله صلى الله عليه وسلم: «وما كان من الخليطيْنِ فإنَّهما يتراجعانِ بينهما بالسَّوِيَّةِ ». [سنن الدارقطني: باب زكاة الإبل والغنم، حديث رقم(114)/ قال الدارقطني إسناده صحيح وكلهم ثقات.]

«وما كان من الخليطيْنِ ». يعنى ما وجد من خليطين، سواءً أن كان خلطة أوصاف أو خلطة أعيان بالاشتراك، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، يعنى إذا أخذت شاة من شخصين، لكل واحد منهما عشرون شاة، إذا نظرنا لنصاب كل واحد منهما لم تجب الزكاة. لكن بالجمع، تجب شاة واحدة، الآن من الذي يتحمل الشاة؟

« يتراجعانِ بالسَّوِيَّةِ» كلاهما يتحمل نصيبه، فمن أخرج الشاة رجع على صاحبه في ثمن نصف الشاة.

قال -رحمه الله- في ما ساقه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في خطاب أبي بكر، قال: «ولا يُخْرَجُ في الصدقةِ هَرِمَةٌ ولا ذاتُ عَوارٍ».[ صحيح البخاري: باب لا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق، حديث رقم(1387).] ويصلح «ولا ذات عُوارٍ». أي لا يجزئ في زكاة السائمة أن يخرج الهرمة، وهي الشاة الشارفة على الهلاك، «ولا ذات عَوار». بالفتح، أي التي في عينها عيب، أو «عُوار». التي ذهبت عينها، فبالضم ذهاب العين، وبالفتح عيبها، وهذا الذي عليه جماعة فقهاء الأمصار؛ لأن المأخوذ في الصدقات يجب أن يكون وسطًا، ولذلك قال عمرو رضي الله عنه:"عدل من عدل المال وخياره". يعنى يؤخذ من أوسط المال، لا من أعلاه ولا من أدناه، كما قال الله تعالى: {ولا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ ولَسْتُم بِآخِذِيهِ إلاَّ أَن تُغْمِضُوا}.[ سورة: البقرة الآية رقم (267).]

فلا يجوز تقصد الأدنى، كما لا يجوز تقصد الأعلى، الواجب هو الوسط، فلا يخرج في الصدقة معيبة أو كبيرة أو مما يزهد فيه، بل يؤخذ من الأوساط ،كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ومِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ ولا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ ولَسْتُم بِآخِذِيهِ إلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ}.[ سورة: البقرة الآية رقم (267).]

ثم بعد ذلك انتقل الحديث إلى ثاني أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة، والمصنف جرى على سياق الحديث ولم يذكر البقر، سيذكره بعد فراغه من ذكر الحديث ويعود إلى ذكر أيضًا زكاة النقدين.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق