الزكاة من منهج السالكين

من وحتى
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 111

التاريخ : 2025-01-23 10:16:54


ثم بعد ذلك انتقل الحديث إلى ثاني أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة، والمصنف جرى على سياق الحديث ولم يذكر البقر، سيذكره بعد فراغه من ذكر الحديث ويعود إلى ذكر أيضًا زكاة النقدين.

( وفي الرقة). والرقة بكسر الراء، وتخفيف القاف، هي الورق، هي الفضة. الرقة والورق ما صلتهم؟

الصلة أن الرقة هي الورق، والهاء عوضًا عن الواو، أصل الرقة الورق، فحذفت الواو، وعوض عنها الهاء في آخرها، مثل العدة والوعد، والمقصود بالرقة، الفضة المضروبة، يعنى التي سبكت ويتداول الناس بها بيعًا وشراءً .

قوله صلى الله عليه وسلم: (وفي الرقة في مائتين درهم). هذا بيان أقل النصاب، وأن أقل النصاب في الفضة مائتا درهم، وهذا فيه بيان النصاب بالعد، وقد جاء بيان النصاب بالوزن في قوله صلى الله علي وسلم في حديث أبى سعيد: «ليس فيما دونَ خمسِ أواقٍ صدقةٌ».[ حديث أبي سعيد الخدري في صحيح بن حبان.] والأوقية أربعون درهمًا، هذا الذي عليه عامة أهل اللغة وأهل اللسان، أن الأوقية أربعون درهمًا، أي ليس فيما دون مائتين درهم صدقة.

وقولة:( ربع العشر). هذا بيان الواجب، فقوله: (وفي الرقة في مائتين ربع العشر). هذا بيان النصاب والقدر الواجب، فالنصاب مائتان، والقدر الواجب ربع العشر، وربع العشر يعنى واحد على أربعين، هذا ربع العشر، فمن ملك النصاب السابق أو أكثر وجب عليه ربع العشر.

وليس في زكاة الفضة وقص كالماشية، وهو القدر الذي يكون بين الفرضين فيجب في المائة اثنان ونصف، وفي الألف خمسة وعشرون، وهذا لا فرق فيه بين قليل المال وكثِيرة.

قال: (فإن لم يكن). أي لم يوجد، (إلا تسعون ومائة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها) أي: إن لم يكن عنده من الرقة –الفضة- إلا هذا العدد، تسعون ومائة، فليس فيها صدقة.

ما إذا كان عنده مائة وخمسة وتسعون درهمًا، ليس فيها شيء. لماذا أقتصر على التسعين؟ مائة إلا تسعون ومائة.

لأن العرب تحسب بالعقود، وإلا فقد مضي بيان القدر الذي تجب فيه الزكاة، وهو المائتان في قوله: (وفي الرقة في مائتين درهم ربع العشر). وهذا محل اتفاق، حكي الاتفاق على ذلك جماعة من أهل العلم:

- قال ابن قدامة: "لا يجب فيما دون المائتين درهم من الفضة صدقة، لا نعلم فيه خلافًا عن النبي صلى الله عليه وسلم".

ويؤيد هذا المعنى حديث أبي سعيد «ليس فيما دون خمس أواق صدقة»[ صحيح البخاري: باب ما أدى زكاته فليس بكنز، حديث رقم(1340).] ، وقوله: « ومن بلغت عنده الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهمًا». هذا فيما يتعلق بزكاة بهيمة الأنعام.

ففي زكاة بهيمة الأنعام –في الإبل على وجه الخصوص- إذا وجب في شيءٍ منها جذعة، فإنه إذا لم يجد الجذعة، وجب عليه أن ينتقل إلى السن التي دونها وهي الحقة، ومتى تجب الجزعة كما تقدم؟

إذا كانت الزكاة من إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، إذا وجبت جذعة ولم توجد فينتقل إلى حقة، لكن فارق السن يعوض بما بينه النبي صلى الله عليه وسلم من شاتين أو  عشرين درهمًا.

وقد اختلف العلماء رحمهم الله في قوله صلى الله عليه وسلم: «عشرين درهمًا». هل هذا بناءً على أن قيمة الشاة في ذلك الوقت هي هذه، وبالتالي إذا اختلف قيمة الشاة فيجب قيمتها، أم أن هذا تقدير نبوي بغض النظر عن قيمة الشاة؟

الذي يظهر والله أعلم، أن هذا قيمة الشاة، وليس ذلك تحديدًا، أن هذا قيمة عشر دراهم قيمة الشاة، والعشرون قيمة الشاتين، أن هذا قيمة الشاة، أي: قيمة ما وجب من الشياة، وبالتالي إذا كان هذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بأن بلغت عنده الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة وعنده حقه، فإنها تقبل منه الحقه، ويجعل معها شاتين، أو قيمة الشاتين وكانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عشرين درهمًا.

قوله: (ومن بلغت عنده صدقة حقه). وهي من ست وأربعين إلى ستين، إذا بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده الحقة وعنده الجزعة –أعلى منها- فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق –وهو من يقبل الصدقة- الساعي، عشرين درهمًا أو شاتين.

قوله -رحمه الله-: (رواه البخاري). أي هذا الحديث رواه البخاري مفرقًا في صحيحة.

ثم قال: وفي حديث معاذ عاد إلى تتمة زكاة بهيمة الأنعام، وهي البقر، فقال: «وفي حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعًا أو تبيعه، وفي كل أربعين مسنة»[ سنن الترمذي: باب ما جاء في زكاة البقر، حديث رقم(622)/ قال الألباني : صحيح.]. رواه أهل السنن. وعلى هذا فلا يجب في شيء من البقر حتى تبلغ ثلاثين، وهو نصابها؛ فيجب فيها تبيع، والتبيع له سنه، أو تبيعه. فإذا بلغت أربعين –أي أربعين من البقر- فالواجب فيها مسنة، وهي ما له سنتان، ثم بعد ذلك في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة.

ويجزيء هنا إخراج الذكر عن الأنثى، فيخرج ما شاء تبيعًا أو تبيعه، فيما كان الواجب فيه تبيعًا أو تبيعه، أما في الأربعين فالواجب مسنة، ولم يقل مسنًّا أو مسنة، فالجنس الواجب يجب اعتباره. وبهذا يكون قد انتهي المصنف رحمه الله من زكاة بهيمة الأنعام، انتقل إلى ثاني أنواع ما تجب فيه الزكاة وهو صدقة الأثمان.

زكاة النقدين:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى، وغفر له ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين-:

(ثانيًا: وأما صدقة الأثمان، فإنه ليس فيها شيء حتى تبلغ مائتي درهم، وفيها ربع العشر).

يقول: ( وأما صدقة الأثمان). أي زكاة الأثمان، والأثمان جمع ثمن، وسميت بهذا الاسم؛ لأنها تثمن بها الأشياء، والمراد بها الذهب والفضة، فالذهب والفضة تسمي الأثمان؛ لأنها الثمن الذي تقوم به الأشياء، ويسميها بعض الفقهاء النقدين، وهذا هو الاسم الغالب، وتسميتها بالأثمان أوسع في الدلالة؛ لأن الزكاة تجب فيهما، وفيما يقوم مقامها، فإذا قام مقام الذهب والفضة غيرهما، بأن كان ثمنًا للأشياء، فإنها تأخذ حكم الذهب والفضة في وجوب الزكاة، وهذا الفرق بين قول زكاة النقدين، وزكاة الأثمان.

إذا كنا نقول زكاة النقدين؛ فالنقدان هما الذهب والفضة، وإما إذا قلنا زكاة الأثمان، فهذا يشمل الذهب والفضة، ويشمل كل ما اتخذه الناس ثمنًا.

يقول -رحمه الله-: ( وأما صدقة الأثمان). فقد تقدم أنه، (ليس فيها شيءٌ حتى تبلغ مائتي درهم)، هذا ما تقدم في قوله: (وفي الرقة في مائتين درهم ربع العشر). في حديث أنس المتقدم في البخاري.

وفي كتاب أبي بكر رضي الله عنه لم يذكر إلا الفضة، لم يذكر الذهب، والسبب كما تقدم؛ أنها الأكثر شيوعًا وانتشارًا في الجهة التي كتب فيها الكتاب. وأما ما يتعلق بالذهب فلم يذكر المصنف -رحمه الله- شيئًا يتصل بالذهب، وذاك لعدم مجيئه في الكتاب الذي ذكر فيه أبو بكر رضي الله عنه الفروض الواجبة، ومقدار النصاب، وما يجب في كل نوع من أنواع المال.

لكن الزكاة في الذهب ثابتة بالإجماع، قال الإمام مالك -رحمه الله-: :"السنة التي لا اختلاف فيها عندنا، أن الزكاة تجب في عشرين دينارًا، كما تجب في مائتي درهم". وقد حكي إجماع أهل المدينة على ذلك.

وما حكي عن الحسن إنما هو الاختلاف في مقدار النصاب، لا في أصل وجوب الزكاة في الذهب، بل أصل وجوب الزكاة في الذهب، دل عليه الكتاب والسنة،كما قال الله تعالي: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [ سورة: التوبة الآية رقم (35)]

وقد جاء في الصحيح أيضًا خبر النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحب الذهب الذي لا يؤدي زكاتها، وما أعد الله له من العقوبة.

فوجوب الزكاة في الذهب لا خلاف فيه، وعامة العلماء على أن الواجب إنما يكون فيما إذا بلغ عشرين مثقالًا، وقد حكى الإجماع على ذلك الإمام مالك، إلا أن الحسن خالف، فأوجبه في أربعين مثقالًا. والمثقال هو الدينار، ولذلك لما حكى مالك الإجماع على وجوب الزكاة في الذهب قال: "السنة التي لا اختلاف فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين دينارًا". فالدينار يساوي المثقال.

والواجب في الذهب بالاتفاق هو الواجب في الفضة، ففي الفضة ربع العشر، وكذلك في الذهب ربع العشر، فكلاهما يتفقان في قدر الواجب، وإن اختلفا في النصاب، فنصاب الذهب عشرون دينارًا أو عشرون مثقالًا، ونصاب الفضة مائتا درهم بالحساب المعاصر تساوى خمسمائة وخمس وتسعين غرامًا من الفضة، فإذا بلغ ما عند الإنسان من الفضة خمسمائة وخمس وتسعين غرام وجب فيه الزكاة، وما كان دون ذلك لا تجب فيه الزكاة.

وأما الذهب فعشرون مثقالًا، والمثقال أربعة وربع غرام، فيكون مقدار ما يجب فيه الزكاة، أي مقدار النصاب الذي تجب فيه الزكاة، خمس وثمانين غرام، فإذا بلغ ما عند الإنسان من الذهب خمسًة وثمانين غرامًا وجبت الزكاة.

يقول المصنف:( وفيها ربع العشر). يعنى في الفضة وفي الأثمان كما سبق في كتاب أبي بكر في الصدقات، وهذا محل اتفاق من حيث القدر الواجب في زكاة الذهب، وكذلك في زكاة الفضة.

المصنف لم يتكلم عن العملات المعاصرة، اقتصر فقط على ذكر الذهب والفضة، والعملات المعاصرة ملحقة إما بالذهب أو بالفضة، والعلماء لهم فيها قولان:

- جمهور العلماء على أنها ملحقة بالفضة؛ لأنها الأحظ للفقير، فيحسب ما عند الإنسان من مال بالنظر إلى الفضة، فإذا بلغ ما عنده من المال ما يعادل نصاب الفضة وجب فيه زكاة. فنصاب الأوراق النقدية، إما أن يعتبر بنصاب الفضة، وإما أن يعتبر بنصاب الذهب.

جمهور الفقهاء على اختلاف المذاهب يعتبرونه بنصاب الفضة، فإذا كان عندك من المال ما تشتري به خمسمائة وخمس وتسعين غرام فضة، فتجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول، النصاب هو ثمن خمسمائة وخمس وتسعين غرام من الفضة، هذا الذي عليه عامة الفقهاء، وهذا يختلف؛ لأن غرام الفضة يزيد وينقص، فينظر كم مقداره إذا حال عليه الحول ويخرج الزكاة، هذا الذي عليه أكثر الفقهاء، وهذه هي طريقة حساب الزكاة في الأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس.

- على القول الثاني أن المعتبر في الأوراق النقدية، الذهب يقول: " لا تجب الزكاة إلا إذا فيما ملك الإنسان ما يعادل ثمن خمسةً وثمانين غرامًا من الذهب". وطبعًا بينهما تفاوت كبير، يعنى على القول بأن المعتبر في النصاب هو الفضة، تجب الزكاة في ألفين ومائتين، ألفين وثلاثمائة، ألفين وخمسمائة، على حسب تفاوت السعر، فإذا بلغ عندك مبلغ ألفين وأكثر بقليل حال عليها الحول؛ تجب فيها الزكاة إذا اعتبرنا أن النصاب بالفضة.

 أما إذا اعتبرناها بالذهب فيصل إلى عشرة آلاف النصاب، فبينهما فرق واسع، ولكل مسلك من المسالك ناصر من الفقهاء، عامة الفقهاء غَلبوا الحظ الفقير، فغلبوا الزكاة في الأدنى من النصابين الذهب والفضة.

نقتصر على هذا.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق