الزكاة من منهج السالكين

من وحتى
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 89

التاريخ : 2025-01-23 10:18:31


بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.

اللهم اغفر لنا، ولوالدينا، ولشيخنا، ولأهل العلم من المسلمين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (وأما صدقة الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، إذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة»[ البخاري الزكاة (1390) ، مسلم الزكاة (979)] متفق عليه.

والوسق ستون صاعًا، فيكون النصاب للحبوب والثمار ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثريًّا العشر، وفيما سُقي بالنضح نصف العشر»[ البخاري الزكاة (1412) ، الترمذي الزكاة (640)] رواه البخاري.

وعن سهل بن أبي حثمة قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرصتم فدعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع»[ الترمذي الزكاة (643) ، النسائي الزكاة (2491).]. رواه أهل السنن).

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد،،،

فهذا هو البيان الثالث لأنواع المال التي تجب فيها الزكاة، تقدم:

• زكاة بهيمة الأنعام.

• وزكاة الأثمان.

• والآن يتكلم المؤلف -رحمه الله- عن زكاة الخارج من الأرض، ويُعَنوِن لها بـ زكاة الحبوب والثمار.

أصل وجوب الزكاة في الخارج من الأرض، دل عليه الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ}[ سورة: البقرة، الآية (267).].

 فأوجب الله تعالى زكاًة إنفاقًا مما أخرج من الأرض، وقال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[ سورة: الأنعام، الآية (141).].

وفي السنة ما ذكر المصنف -رحمه الله- من الأحاديث مما يدل على وجوب الزكاة، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلاَ تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَلاَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلاَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ » [صحيح مسلم: باب لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، حديث رقم: 2315.]. كما في رواية مسلم، وفي حديث ابن عمر« وفيما سقت السماء العشر»[ صحيح البخاري: باب العشر فيما يسقي من ماء السماء وبالماء الجاري، حديث رقم: 1412.]. والأحاديث في هذا متوافرة.

أما ما يتعلق بـــــ ما الذي تجب فيه الزكاة من الخارج من الأرض؟، فالمصنف هنا بين ذلك بقوله: (وأما صدقة الخارج من الأرض من الحبوب). فقوله من الحبوب والثمار هو بيان لما تجب فيه الزكاة من الخارج من الأرض، فليس كل خارجٍ من الأرض تجب فيه الزكاة، إنما تجب الزكاة في الحبوب والثمار من الخارج من الأرض.

فخرج بذلك ما ليس بحَب ولا ثمر، كالفواكه والرمان، والقضيب، هو القت، وما أشبه ذلك مما لا زكاة فيه، مما ليس مندرجًا في ما يوسق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة»[ البخاري الزكاة (1390) ، مسلم الزكاة (979)].

 وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في ما تجب فيه الزكاة من الخارج من الأرض، وهناك قيد المصنف -رحمه الله- الوجوب بالحبوب والثمار، وهذا مذهب جمهور العلماء، أن الذي تجب فيه الزكاة من الخارج من الأرض، هو الحبوب والثمار، والحبوب جمع حب، كالبر والشعير، وما أشبه ذلك.

(والثمار). يقصد به ما يكون من طلع الأشجار، ولكن ليس في كل الثمار، إنما فيما يكال ويدخر من الثمار، كما قال ذلك جمهور العلماء.

وقد ذهب طائفة من أهل العلم إلى حصر زكاة الخارج من الأرض في أربعة أصناف فقط، استنادًا لما جاء في حديث أبي موسى ومعاذ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « عن جابر أنه قال : لم تكن المقائي فيما جاء به معاذ إنما أخذ الصدقة من البر والشعير والتمر والزبيب وليس في المقائي شيء فقد كانت تكون عندنا المقثأة تخرج عشرة آلاف فلا يكون فيها شيء »[ سنن الدار قطني: باب ليس في الخضراوات صدقة، حديث رقم: 25]. «وأما القثاء» وذكر جملة من، «والبطيخ والقضيب، فلا زكاة فيها». وهذا الحديث رواه الطبراني وغيره، إلا أن إسناده ضعيف، وقد أخذ به جماعة من أهل العلم.

والذي عليه الجماهير أن الزكاة تجب في الحبوب والثمار، وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ على القول بصحة الحديث لا يفيد الحصر، إذ إن ذكر بعض أفراد العام بحكم لا يخالف العام، لا يعد تخصيصا، فنص النبي صلى الله عليه وسلم ليس إلغاء للزكاة فيما عداها مما دلت عليه النصوص، فالله تعالى يقول في الزروع: { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[  سورة: الأنعام، الآية (141).]. وهذا إيجاب الزكاة في كل ما يحصد من الحبوب.

أما الثمار فكل ما يدخر ويكال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة»[ البخاري الزكاة (1390) ، مسلم الزكاة (979)].

والوسق هو ما يكال، إذ إن الوسق ستون صاعًا، فهو وسيلة من وسائل الكيل، أو معيار من معايير الكيل، فما يكال من الثمار فإنه تجب فيه الزكاة، وما لا يكال فلا تجب فيه الزكاة، وبعضهم قال الكيل لا عبرة به إنما العبرة بالادخار؛ لأن الكيل دليل الادخار، هو إشارة للادخار، فما يكال غالبا يدخر.

وقيده بعضهم بالقوت، وقال: في القوت فقط، يعني ما كان من الثمار قوتًا، كالتمر، والبُر، والشعير، والزبيب، دون ما لا يقتات، والفرق بين القوت وغيره ما الفرق؟ الفرق أن القوت هو ما يقوم به البدن، إذا استقل به، أما ما لا يقوم به البدن، يعني لا يكفي حوائج البدن الأساسية، ما يحفظ الحياة فهذا ليس قوتًا، لا يسمى قوتًا.

فالفواكه ليست قوتًا بأنواعها، والورقيات ليست قوتًا بأنواعها؛ لأنها لا تحفظ الحياة إذا اقتصر طعام الإنسان عليها بخلاف التمر وشبهه، فإنها قوت يحفظ الحياة.

إذًا عرفنا الآن أقوال العلماء في المسألة:

• منهم من قصره على الأربع استنادًا إلى ما ذكرت.

• ومنهم من جعله في الحبوب والثمار مطلقًا.

• ومنهم من قال: الحبوب والثمار ما يكال منها ويدخر.

• ومنهم من قال الحبوب والثمار التي تقتات، ولو لم تُكل إذا كانت مدخرة.

القوت والادخار قرينان في الغالب، كل ما كان قوتًا فهو يدخر، وغالبًا كل ما كان قوتًا فهو يكال، هذا مضطرد.

ولذلك هي في الحقيقة أوصاف تشبه أن تكون متلازمة، لكن الذي يقول القوت يخرج الزكاة عن ما عدا القوت مما يكون من الثمار، كمثل البهارات هذه بشتى صورها، الكمون. هذه من حبوب أو بعضها يكون من ثمار ومع هذا لا تجب فيها الزكاة على القول بماذا؟ بأن القوت.

أما القول بالادخار فكل ما كان من النبات، من الثمار والحبوب، فإنه تجب فيه الزكاة. على كل حال الذي عليه الجماهير هو ما ذكره المصنف رحمه الله، من أن الزكاة تجب في الحبوب والثمار، ولذلك قال: (وأما صدقة الخارج من الأرض). ثم بين ذلك بقوله (من الحبوب والثمار).

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة»[ البخاري الزكاة (1390) ، مسلم الزكاة (979)]. وقوله « دون خمسة أوسق». يعني أقل من خمسة أوسق، وقوله أوسق جمع وسق، والوسق معيار من معايير القياس، وهو ما بينه المصنف في قوله (والوسق: ستون صاعا). فيكون النصاب للحبوب والثمار (ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم).

فيكون الزكاة تجب فيما إذا بلغ الخارج من الأرض هذا القدر ثلاثمائة صاع، وبالنسبة للصاع، اختلف العلماء المعاصرون فيما يتعلق بمعرفة ما يقابله في معايير القياس الحديث.

• فمنهم من قال: إن الصاع كيلوان وأربعون غرامًا.

• ومنهم من قال: كيلوان ومائة وست وسبعون غرامًا.

• ومنهم من زاد، ومنهم من نقص.

وعلى ضوء هذا الاختلاف في معرفة مقدار الصاع، يختلفون في مقدار النصاب، لكن يتراوح، من رأيت تقديراتهم في النصاب يتراوح في الستمائة، لم أر أحدًا زاد على السبعمائة في النصاب، كله في الستمائة، ابتداءً من الستمائة واثنا عشر، وهذا أقل ما قيل، وهو حساب شيخنا محمد العثيمين رحمه الله، إلى قريب من الستمائة وسبعين أو شيء من ذلك، في حساب بعض القائسين.

والذي يظهر -والله أعلم- أن أقرب تلك القياسات ما ذهب إليه شيخنا؛ لأنه الأحوط، فالأخذ بالأقل أحوط وأبرأ للذمة، وإن كان البعض يقول الأصل براءة الذمة فلا تجب إلا فيما هو يقين، فنأخذ بالأكثر، ولكلٍّ وجهة نظر، لكن المسألة تقديرية.

ومنهم من قال: المقصود بالصاع هو معيار القياس بغض النظر عن ما يقابله، فيرجع في معرفة الصاع إلى ما تعارف عليه الناس من الأصواع، ولو اختلفت عن قياس النبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذا القول ليس له قائل من السلف، وإن كان الصاع قد اختلف في زمن عمر، لكن يحتاج إلى تحرير.

ولذلك فيما يظهر لي أن شيخ الإسلام -رحمه الله- أشار إلى هذه المسألة، وهل المعتبر عين ما كان صاعًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بالمقياس والمقدار أو ما أعده الناس صاعًا وتعارفوا عليه.

إذًا عرفنا الآن أن أقل ما قيل في تقدير النصاب في الحبوب والثمار، أن يبلغ ستمائة واثنا عشر كيلو، طبعا ستمائة واثنا عشر كيلو هي بالوزن، وليست بالكيل، هي وزن وليست كيلًا.

  

بعد أن بين المصنف -رحمه الله- ما تجب فيه الزكاة من الخارج من الأرض، وما النصاب، انتقل إلى بيان القدر الواجب، هذا ثالث ما بينه، القدر الواجب.

فقال:  وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثريًّا العشر، وفيما سُقي بالنضح نصف العشر»[ البخاري الزكاة (1412) ، الترمذي الزكاة (640)] رواه البخاري.

هذا الحديث بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم، اختلاف حال الواجب، اختلاف الواجب باختلاف حال الخارج من الأرض، فما كان فيه الخارج من الأرض للزارع فيه عمل، فإنه يجب نصف العشر، وما كان لا عمل فيه لرب الأرض، فإنه يجب فيه العشر، فقوله صلى الله عليه وسلم « فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًّا العشر». « فيما سقت السماء» يعني ما كان ناتجا من الأمطار أو العيون الجارية، دون كدٍّ من صاحب النبات أو صاحب الزرع، أو الشجر، بتوجيه الماء إليه، والقيام على سقيه.

«أو كان عثريًّا». عثريًّا أي: يعثر على الماء بنفسه، فتسميته بالعثر؛ لأنه يشرب الماء بعروقه، من غير سقي، فهو من عثر على الشيء أي وجده دون كد، ودون تعب من العامل، فقوله « أو كان عثريًّا». يعني يشرب بعروقه، ويعثر على الماء بنفسه دون عملٍ من صاحبه.

«العشر». أي عشر الخارج من الأرض، عشر ما يخرج من الأرض، فإذا كان قد حصل منها ألف صاع، فالعشر هو الواجب فيه مائة صاع، هذا إذا كان من غير عمل منه.

وأما إذا كان الناتج بعمل الإنسان وكده وتعبه، فهنا الواجب نصف العشر، «وفيما سُقي بالنضح ».  والنضح هو الرش، والسقي، والسواني، وكل  الوسائل التي يوصل فيها الماء إلى النبات، ففيه نصف العشر، نصف العشر، أي واحد على عشرين، هذا نص العشر، ففي العشرين صاع، صاعٌ واحد، ففي المائة صاع خمسة أصواع.

وبالقياس المعاصر يصير كم؟، خمسة في المائة، نص العشر هو خمسة في المائة، فيما يتعلق بالقياس النسب المعاصرة، وهذا من تيسير الشارع التفريق بين هذين هو من تيسير الشارع، وعدله حيث فرق بين ما سقي بغير مؤنه ولا كلفة، وبين ما سقي بمؤنه وكلفه، فجعل في الأول العشر وفي الثاني نصف العشر.

ولم يبين المصنف –رحمه الله- متى تجب زكاة، صدقة الخارج من الأرض، كما هو الحال في كل الأموال السابقة، لكن الأموال السابقة تجب بمضي الحول، أما الخارج من الأرض فتجب الزكاة فيه بتحصيله.

ولذلك قال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[ سورة: الأنعام، الآية (141).]. ويوم الحصاد هو يوم التحصيل، وهذا هو الوقت الذي تستقر فيه الزكاة وتجب، يعني يستقر وجوبها، هذا اليوم هو اليوم الذي يستقر فيه وجوب الزكاة، أما بداية الوجوب فيكون من بدو الصلاح؟

ولهذا لو أن إنسانًا عنده ثمره وبدا صلاحها، ثم باع الثمرة بعد بدو الصلاح، الزكاة على من على المشتري أم على المالك، طيب هي ما جدت، ولم تحصد إذا كان حبًّا، هي تجب من بدو الصلاح في الثمرة، تجب من بدو الصلاح، وبالتالي يستثني الزكاة مما باعه، وإما أن يخرجها من الثمن الذي قبضه، وكم يخرج من الثمن؟، يخرج العشر أو نصف العشر، نصف عشر القيمة، أو نصف عشر الثمن، وهذا يرجع إلى مسألة قد تأتي الإشارة إليها، وهي جواز إخراج القيمة في الزكاة، للحاجة أو المصلحة.

«جاء سهل بن أبي حثمة إلى مجلسنا فحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع »[ سنن الترمذي: باب ما جاء في الخرص، حديث رقم: 643، قال الشيخ الألباني : ضعيف.]. رواه أهل السنن.

هذا الحديث فيه توجيه السعاة، واجبات الزكاة، ألا يستقصوا الواجب فيما يتعلق بزكاة الحبوب والثمار، بل يدعوا لأرباب الأموال، أصحاب الثمار قدرًا من المال يتصرفون فيه، فلا تكون الجباية لكل ما وجب في ذمته، بل يدعون له الثلث، أو الربع، حسب ما يقدره الساعي من المصلحة.

ماذا يصنع، يدعونه له تملكًا؟، الجواب لا، يدعونه له يصرفه على من يشاء من ذوي رحمه الفقراء الذين يستحقون الزكاة، أو من يغشاه ويأتيه من الفقراء ويطلب منه، فهذا من سعة الشريعة، ومن السياسة الشرعية أن يترك لأصحاب الأموال ما يتصرفون فيه ولا يجبى منهم بما يسد الحاجة، وهو مقدار الثلث أو الربع حسب ما يقدره الساعي.

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق