الزكاة من منهج السالكين

من وحتى
فقرات المساق مناقشات حول المساق إشعارات تعريف بالمساق البث المباشر الاختبار العام الشهادات

عداد المشاهدات : 97

التاريخ : 2025-01-23 10:20:36


ثم انتقل المؤلف بعد ذكر زكاة الأموال، إلى زكاة الأبدان، فقال باب زكاة الفطر، وزكاة الفطر هي زكاة البدن، وهى تجب على بدن الإنسان، جاء ذلك في القران إشارةً في قوله تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [ سورة: الأعلى، الآية: (14-15).].

وقال: {تَزَكَّى} أي: أخرج زكاة الفطر، {فَصَلَّى}.المقصود به صلاه العيد، هكذا قال جماعه من أهل العلم، وقد جاءت الآية دليلًا في مشروعية زكاة الفطر، وقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه ما يدل على فرضية الزكاة وحكمتها.

يقول -رحمه الله-: (باب زكاة الفطر). هذا من باب إضافة الشيء إلى سببه أو إلى وقته، الزكاة التي تكون في زمن الفطر، أو التي سببها الفطر، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم  زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين»[ البخاري الزكاة (1432) ، مسلم الزكاة (984)]. وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة.

 هذا بيان للزكاة المفروضة «صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير»، فذكر نوعين، «صاعًا من تمر»، والتمر معهود ومعروف،  «أو صاعًا من شعير»،  وهو حبٌّ معروف، ثم بين على من الفرض، قال «على العبد والحر، والذكر والأنثى»، ودل ذلك على عموم وجوب زكاة الفطر لكل المسلمين، حيث إن النبي فرضها على الحر والعبد، الذكر والأنثى، والصغير والكبير.

والأصل في هذا الوجوب أنه يتعلق بالمكلف نفسه، الذي فُرِضَ عليه، لكن فيما يتعلق بالعبد؛ لأن العبد لا يملك شيئًا على الصحيح، لا يثبت له ملكٌ على شيء، فإنها تجب على سيده، وأما ما يتعلق بالصغير، فكذلك الصغير تجب في الأصل عليه، إذا كان له ماله يخرج منه، فأما إذا لم يكن له مال، فإنها يخرجها عنه وليه.

قال: (وأمر بها). أي: أمر بزكاة الفطر (أن تؤدى). أي: تبذل (قبل خروج الناس للصلاة). هذا بيان للوقت الذي تجب فيه زكاة الفطر، وهو أفضل الأوقات، أفضل الأوقات قبل خروج الناس إلى الصلاة بعد الفجر، هذا أفضل أوقاتها، وأما وقت الكراهية في قول بعض أهل العلم، فهو يوم العيد قبل غروب الشمس، والصواب: أنه يحرم تأخيرها إلى هذا.

ثم قال -رحمه الله-: (وتجب لنفسه، ولمن تلزمه مؤنته). هذا بيان على من تجب زكاة الفطر، (تجب لنفسه). أي: تجب عليه لنفسه، لكون النبي صلى الله عليه وسلم فرضها على المسلمين، الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير، فتجب على كل إنسان لنفسه، وتجب أيضًا (لمن تلزمه مؤنته). أي: من تلزمه كلفة معاشه، والنفقة عليه، وهذا مبني على أحد القولين، وهو قول الجمهور طبعًا.

والقول الثاني: أنها تلزم كل إنسان بنفسه، وإلى هذا ذهب جماعه من المحققين من أهل العلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها صاعًا من تمر، فرضها على المسلمين: الحر والعبد، الصغير والكبير، والذكر والأنثى، فجعلها فرضًا على هؤلاء مباشرة، فإيجابها على غيرهم محل تأمل ونظر، ولكن لو تبرع بها أحدٌ أو أهداها أحدٌ فإن ذلك لا بأس به.

قال -رحمه الله- في بيان من تجب عليه، بين من تجب له، تجب لنفسه، ولمن تلزمه مؤنته من زوجةٍ، ولدٍ، ووالدٍ، ونحو ذلك ، قال -رحمه الله-: (إذا كان ذلك فاضلًا). هذا بيان شرط الوجوب، زكاة الفطر لا تجب على الإنسان لنفسه أو لمن يؤله، إلا إذا كان ذلك أي: الصاع الذي فرضه النبي عليه الصلاة والسلام (فاضلًا عن قوت يومه وليلته). (فاضلًا). يعني زائدًا، (عن قوت يومه وليلته). فإذا كان عنده ما يزيد عن قوته، وقت عياله في اليوم والليلة، فإنه تجب عليه الزكاة لنفسه، ولمن يعول.

قال: (وتجب صاعًا من تمرٍ أو شعير أو أقطٍ أو زبيب أو بُرٍّ، والأفضل فيهم الأنفع). (وتجب).أي: يثبت حكمها ومشروعيتها بما جاء من إخراج زكاة الفطر من التمر والشعير والأقط والزبيب.

قال: (أو بُر). قد جاء في حديث أبى سعيد رضي الله عنه، أنه قال: «كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعًا من بر، صاعًا من طعام، صاعًا من شعير، صاعا من بر»[أخرجه أبو داود(1616) في سننه بسند صحيح] .

ثم قال -رحمه الله-: (والأفضل فيها الأنفع). الأفضل من هذه الأنواع الأنفع، وهذه قاعدة مطردة بكل الأعمال المتعدية، سواءً كانت نفقات، أو كان ذلك من غير النفقات من أوجه الإحسان، فإنه في كل هذا يكون الأجر منوطًا بالمنفعة، فما كان أنفع كان عند الله أفضل، وأعظم درجة.

قال: (ولا يحل تأخيرها عن يوم العيد).

إذا هذا هو الوقت الرابع على المذهب، وهو تأخيرها إلى ما بعد يوم العيد، فهذا لا يجوز؛ لأنه يفوت المقصود الشرعي من هذه الصدقات، فالمقصد الشرعي من هذه الصدقات هو كفاية الفقراء في هذه الأيام، وكذلك التوسيع عليهم لمشاركة أولادهم ونحوهم.

(وقد فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات »[ أبو داود الزكاة (1609) ، ابن ماجه الزكاة (1827) .]

هذا بيان لعلة المشروعية وسببها، وهو أن الفطر طهرة للصائم من («اللغو»).  أي: من الكلام الذي لا فائدة فيه، («والرفث»). أي: الكلام في الجماع ونحوه. («وطعمة للمساكين»). فالمقصود منه هو هذا.

قال: («فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة »[ أبو داود الزكاة (1609) ، ابن ماجه الزكاة (1827) .]). من أدى ماذا؟، الزكاة، فهي زكاةٌ مقبولة، هذا وقت الجواز الذي أشرنا إليه، («ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات»). رواه أبو داوود وابن ماجه، ومعنى («صدقه من الصدقات») أي: لا يتحقق به الفضيلة التي تكون لمن أداها قبل الصلاة، فإنها لا تكون فقط صدقة، بل هي إحسانٌ وبر

  

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في كتابه (منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين )

باب زكاة الفطر

 ((عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ)) [ صحيح البخاري: باب فرض صدقة الفطر، حديث رقم:1432، صحيح مسلم: باب زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، حديث رقم:2326.]متفقًا عليه. 

وتجب لنفسه ولمن تلزمه مؤونته، إذا كان ذلك فاضلًا عن قوت يومه وليلته، صاعًا من تمر أو شعير، أو أقط أو زبيب أو بر، والأفضل فيها الأنفع .

 ولا يحل تأخيرها عن يوم العيد، عن ابن عباس قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) [ سنن أبي داود: باب زكاة الفطر ، حديث رقم:1609، سنن ابن ماجه: باب صدقة الفطر، حديث رقم:1827، قال الشيخ الألباني: حسن.] رواه أبو داود وابن ماجه.

وقال صلى الله عليه وسلم : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ »[ صحيح البخاري: باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، حديث رقم: 629، صحيح مسلم: باب فَضْلِ إِخْفَاءِ الصَّدَقَةِ، حديث رقم :2427.] متفق عليه.

الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

تقدم ما تعلق بباب زكاة الفطر، وأن زكاة الفطر هي زكاة للبدن، وشرعت لحكم عديدة، وأصل مشروعيتها ثابت في السنة على وجه متيقَّن، وفي القرآن في قوله تعالى : ((قد  أفلح من تزكى (14)وذكر اسم ربه فصلى (15) )) [ سورة الأعلى الآيتان 14،15] على أحد القولين في المسألة .

وابتدأ المؤلف -رحمه الله- ببيان حكمها بذكر الحديث الوارد فيها، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( زكاة الفطر صاعًا من تمر، وصاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثي والصغير والكبير من المسلمين ).

هذا ما يتعلق بفرضها وحكمها، وأنها فرض واجب، وفرضها عام على جميع المسلمين وليس خاصًّا بفئة منهم، على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد، ولعل هذا مما يميز زكاة الفطر، عموم وجوبها، فمما يميز زكاة الفطر على كثير من الواجبات، أنها فرض على جميع المسلمين. ولا يحضرني الآن شيئ على هذا النحو فيما يتعلق بالعبادات؛ من الصلاة والصوم والزكاة والحج، إلا في زكاة الفطر، فلا يحضرني في هذا شيء، ولعل البحث -يعني عن نظير لزكاة الفطر في الوجوب العام- حري بالاعتناء والاهتمام، فتأملوا فى شيء من العبادات.

 طبعًا التوحيد واجب على كل المكلفين، الإيمان وما يتعلق به هذا من أعمال القلوب وهو واجب على الجميع، لكن الكلام فيما يتعلق بالفرض في العبادات في أركان الإسلام، فى الصلاة والزكاة والصوم والحج، ليس ثمة شيئ مفروض فيما أعلم فرضًا عاما  كزكاة الفطر .

قال -رحمه الله-: (وتجب لنفسه )، وهذا بيِّن في قوله: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير )، وقوله: (ولمن تلزمه مؤونته)، المؤونة هي الكلفة، تكاليف معيشته من النفقات، ولمن تلزمه مؤونته  من ذكر أو أنثى وحرّ ومملوك وصغير وكبير طبعًا، ويبدأ بنفسه وترتيبه على القول بأنها تلزمه، وهو قول الجمهور، على القول بأنها تلزمه في حق من يمونه تكون مرتبة على حسب مراتب النفقة الواجبة، فيبدأ بزوجته، ثم مملوكة، ثم ولده، ثم والديه، حسب الترتيب في منازل الوجوب، من تلزمه مؤونته، ابتداء بالزوجة، ثم المملوك، ثم الولد، ثم الوالد، ثم الأقرب فالأقرب ممن تجب نفقته .

وقوله-رحمه الله-: (ولمن تلزمة مؤونته ) هذا الذي عليه الجمهور، وذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه يلزم كلَّ شخص بعينه كما تقدم فيما أشرنا إليه فى الدرس السابق.

 وهذا لعله الأقرب؛ لأن الفرض توجه إلى الحر والعبد والصغير والكبير والذكر والأنثى من المسلمين، والأصل في الفرض تعلقه بالشخص ذاته، هذا هو الأصل، لا بمن يقوم عليه، فإن كان للصغير مال، وإن كان للأنثى مال، فالواجب عليه وعليها أن تخرج زكاة فطره، فإن تبرع به أحد فأخرج عنها وعنه، عن الصغير فإنه يجزئ، ولا إشكال فيه، أما المملوك ففيه إشكال من حيث إن المملوك لا يملك، ماله لسيده، لكن يمكن أن يقال: إنه يستثنى من ملك السيد في ما يتعلق بالمال الذي يكتسبه المملوك يستثنى قدر زكاة الفطر حتى على القول بأنه لا يملك، ولو ملكه سيده، على القول بأنه لا يملك، يستثنى من ذلك قدر زكاة الفطر، فإن هذا مستثنى كسائر المستثنيات من ملك السيد، فإن السيد لا يملك أوقات الصلاة بالنسبة للعبد مع أنه يملكه ومنافعَه، لكن يستثنى من ذلك قدر ما يجب عليه الصلاة، فإنه لا يملكه، كذلك في ماله، في المال الذي يكتسبه الرقيق، يكون من المستثنيات قدرُ ما يخرج به زكاة الفطر عن نفسه، على القول بوجوبها على الفرد على كل أحد، وبهذا ينحل إشكال كيف تكون فرضًا على العبد والعبد لا يملك.

كذلك ألحق الفقهاء بمن تلزمه مؤونته، من تبرع بمؤونته فى شهر رمضان، في قول بعض أهل العلم، وقال آخرون بأن من تبرع بمؤونته خلال شهر رمضان لاتلزمه الفطرة على الصحيح، وهذا الذي اختاره الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله، وإنما تستحب كنفقه، وهذا الأقرب؛ لأن لمن تلزمه مؤونته هنا على وجه الفرض، أما من تبرع فهذا إحسان، والإحسان لا يستدعي فرضًا، ولهذا الراجح أن من تبرع بمؤونته خلال شهر رمضان لا يلزمة أن يطعم عنه ويخرج زكاة الفطر.

 هذا ما يتصل بقوله -رحمه الله-: ( تجب لنفسه ولمن تلزمه مؤونته).

مما اختلف الفقهاء -رحمهم الله- فيه مشروعية إخراج زكاة الفطر عنه الجنين، اختلف الفقهاء رحمهم الله، فمنهم من رأى أنه يخرج عنه استحبابًا، ومنهم من قال: إنه لا يخرج عنه، لأنها إنما تتعلق بمن تمت عليهم النعمة بالحياة، وهم الذين ثبتت حياتهم واستقرت بخروجهم إلى الحياة، وأما من في بطون الأمهات من الأجنة لا يتحقق فيه هذا الوصف، وإنما من استحب ذلك، من استحبه، لما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم، كما جاء عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه أخرج عن الجنين، وهذا على وجه الاستحباب كما جاء عن عثمان، وعثمان له سنة متبعة، لكن فيما يظهر -والله تعالى أعلم- أنه لا يلزم ولا يجب.

  

قال -رحمه الله- في بيان ضابط الوجوب: من الذي تجب عليه صدقة الفطر؟ زكاة الفطر، إذا كان ذلك فاضلًا عن قوت يومه وليلته، أي: تجب عليه صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو من سائر قوت البلد، إذا كان ذلك -يعنى هذا الصاع الذي يريد أن يخرجه- فاضلًا عن قوت يومه وليلته، أي: زائد عن حاجته وحاجة من يمونه، من ينفق عليه في يومه وليلته وقوله -رحمه الله-: (صاعًا من تمر أو شعير أو زبيب أو بر) هذا بيان  أجناس في زكاة الفطر، والصاع المقصود به الصاع النبوي، وهو كما تقدم يختلف باختلاف الحسابات المعاصرة من حيث مقياس ومعيار القياس المعاصر، فمنهم من يقول: الصاع اثنان كيلو وأربعون جراما، هذا ما ذهب إليه شيخنا رحمه الله، وقال آخرون: أكثر من ذلك، والذي يظهر -والله أعلم- أن المسألة تقريبية؛ لأن حتى هذا المقياس ليس منضبطًا في كل هذه الأنواع، فهو في البُرّ الرزين، أي المتوسط بين الصغر والكبر، وأيضًا المتوسط في الرطوبة واليبس وهو البر الجيد الرزين، وطبعا هذا يختلف عن الشعير وعن التمر وعن الزبيب؛ لأن الصاع قياس بالحجم بخلاف الوزن، ومعلوم أن الشيء قد يملأ الفراغ ووزنه خفيف .

 التمر نفسه تتفاوت أنواعه، يابس إذا اشتد يبوسه إذا وضعته في صاع يكون وزنه بالنظر إلى صاع آخر من تمر رطب من حيث الوزن متساويين أم مختلفين ؟ مختلفين . فالمسألة تقريبية نسبية، ولذلك لا يشدد بالتقدير الدقيق، يعنى الذي يسير إليه بعض الباحثين بالمقياس المحدد لأن ذلك أمر تقريبي، وإنما يقال: كيلوين، ثلاثة . هذا هو القدر الذي يجب في زكاة الفطر وما زاد فهو إحسان وبِرّ.

قوله -رحمه الله- صاعًا من تمرٍ أو شعير أو زبيب أو بر، هذا هو الأصل في ما يخرج لحديث عن ((أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ :كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ)) [ صحيح البخاري: باب صدقة الفطر صاع من طعام، حديث رقم: 1435.] .

وهذه الأصناف فيها الأقوات التي يقوم عليها طعام الناس وقوتهم، لذلك لا يحصر فيها بل هو فيها وفي كل ما يشابهها مما يعده الناس قوتًا، ولذلك؛ الصحيح أنه يجزئ أن يخرجها من غير هذه الأصناف إذا كانت قوتًا في البلد الذي ستخرج فيه؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذه على وجه السائد المعروف في المدينة.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان علة الصدقة :((أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم))[أخرجه البيهقي في الكبرى(7739)] فكل ما يحصل به الغناء من الطعام الذي يقتاته الناس فإنه يتحقق به المطلوب.

 والله تعالى لما ذكر المكفرات، ذكر من أوسط ما تطعمون أهليكم، فعاد الأمر إلى الأوسط من طعام الأهل، ومعلوم أن هذا يختلف باختلاف البلدان والأماكن والأزمان، وبالتالي المسألة في هذا قريبة.

 وهذا الذي جعل شيخنا رحمه الله (ابن عثيمين) يرى أنه لا يجزئ إخراج الشعير في هذا الوقت مع أنه من الأصناف التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، أو جاء النص على أنها كانت تخرج زمن النبي صلى الله عليه وسلم .

 فشيخنا يقول الشعير فى هذا الزمان ليس طعامًا للآدميين، وبالتالي إخراجه لا يتحقق به المطلوب الشرعي، وهذا أنكره بعض الناس، قال كيف تمنع إخراج شيئ جاء في السنة، أنه كان يخرج في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟ هذا في الحقيقة من قصور الفقه؛ لأن الفقه حقيقته فهم مقاصد الشريعة، فهم مقاصد كلام النبي صلى الله عليه وسلم .

النبي لما فرض صاعًا من بُرّ، وصاعًا من شعير، مبني على ماذا؟ هذا الفرض، على أنه طعام الأوادم، يأكله الآدميون في وقته، الآن لو تقدم لأحد الشعير لا يأكله، لا يأكله الناس في كثير من البلدان، وبالتالي تقديمه في البلاد التي ليس طعامًا للآداميين هو كما لو أخرج طعام بهائم، وليس المقصود إغناء البهائم، إنما المقصود إغناء بني آدم .

وهذا ليس أعمالًا للعقل في مصادمة النص، إنما هو فهم للنص. وهنا معقد الفقه أن تفهم مقاصد النبي صلى الله عليه وسلم، ومقاصد كلامه؛ لأنه هو روح الفقه الذي يغيب عن كثير من الناس.

قال -رحمه الله-: والأفضل فيها الأنفع، الأفضل في ماذا؟ الأفضل فيما يخرجه من هذه الأصناف وغيرها، الأنفع . فما كان أكثر نفعًا، كان أعظم أجرًا.

  

 قال: (ولا يحل تأخيرها عن يوم العيد)، وهذا تكلمنا عنه أمس، وقلنا: إن أحوال إخراج الزكاة على أربعة أحوال: مباح ومستحب ومكروه ومحرم، هكذا قال الفقهاء رحمهم الله.

المباح قبل العيد بيوم أو يومين، وهذا مذهب أحمد والشافعي، مذهب أحمد وهو مذهب الشافعي أيضًا فيما يظهر، وأيضًا مذهب مالك، وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه يجزيء إخراجها من أول الشهر، ولكن هذا خلاف ما هو ظاهر من عمل النبي صلى الله عليه وسلم وخلاف مقصوده؛ لأن ليس المقصود الإطعام، إنما المقصود الكفاية في ذلك الوقت وهو كفاية الناس عن السؤال في يوم العيد بإغنائهم، هذا بالنسبة للأفضل والمباح.

وأما المستحب فهو إخراجها بعد صلاة الفجر يوم العيد وقبل صلاتها، بعد الفجر وقبل صلاة العيد، هذا هو الأفضل، لحديث ابن عمر ( وأمر بها أن تؤدى قبل أن يخرج الناس إلى صلاة العيد ) .

المكروه هو في يومها هكذا ذهب الحنابلة وجماعة من أهل العلم، والذي يظهر أنه يحرم تأخيرها بعد صلاة العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها أن تخرج قبل الصلاة فتأخيرها مخالف لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما القسم الرابع المحرم على المذهب هو إخراجها بعد يوم العيد يكون قد أخرجها بعد وقتها وهي لازمة له، والصحيح أن الوقتين الأولين وهو إخراجها من قبل العيد بيوم أو يومين إلي صلاة العيد مستحب، هكذا قال بعض أهل العلم، ولكن أفضل ما يكون وأعلاه أجرًا أن يكون بعد صلاة الفجر وقبل صلاة العيد؛ لأن حديث ابن عمر ( وأمر بها أن تؤدى قبل الصلاة )[صحيح البخارى(1503)] يشمل إخراجها ليلة العيد وقبلها بيوم أو يومين . وذلك ابن عمر رضي الله عنه قيل عنه أنه كان يخبر أنهم كانوا يخرجونها قبل العيد بيومٍ أو يومين، وفي حديث أبي هريرة في قصة سرقة الشيطان من الزكاة كانت زكاة فطر فيما يظهر، وقيل: إنها اجتمعت قبل العيد بيومٍ أو يومين. والله تعالى أعلم .

ثم قال: وقد فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم (طهرة للصائم من اللغو والرفث )، هذا بيان حكمة المشروعية، (وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)[أخرجه أبو داود في سننه(1609)بسند حسن]  رواه أبو داوود .

وهذا يبين أن بعد الصلاة سواء كان في يوم العيد أو بعده صدقة من الصدقات، لا يحقق ما أمر به من زكاة الفطر، وإن كانت متعلقة بذمته لكنه أخرجها في غير وقتها.

ثم بعد ذلك ختم المؤلف -رحمه الله- الباب بذكر ما يتصل بفضائل وأحكام الصدقة وأيضًا بيان من تدفع لهم الزكاة وهم أهل الزكاة.

هذا الحديث ختم به المصنف -رحمه الله- كتاب الزكاة للحث على إخلاص النية لله -عز وجل- بالإنفاق وذلك بالإخفاء ما أمكن. فإن هذا الحديث، حديث أبي هريرة تضمن ذكر سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله، والشاهد من سياقه قوله صلى الله عليه وسلم: (ورجلًا تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه )، هذا في فضل الإخلاص في الصدقة وفضل إخفائها وهذا ما ندبت إليه الأدلة في الأصل، قال الله تعالى : ( وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ ) [ سورة البقرة، الآية 271] ،  فجعل إخفاءها خيرًا ممن أبداها هذا هو الأصل، لكن قد يتعارض مع هذا الأصل معنىً آخر كأن يكون في الإخراج تشجيع، أو أن يكون في الإخراج مصلحة ومنفعة، أو يكون لابد من الإظهار لا يمكن الإخفاء كالمساجد مثلًا وكالمشاريع الخيرية والأوقاف، هذه لا يمكن إخفاؤها فقد تظهر بأسماء أصحابها، وقد لا تظهر طبعًا .

هذا ما يتعلق بسبب إيراد هذا الحديث في آخر الباب، وهو الحث على الإخلاص لله -عز وجل- في الصدقة وفضيلة إخفائها، سواء كانت صدقة واجبة أو مستحبة. 

  

اختبر تحصيلك

يجب تسجيل الدخول اولا لتتمكن من مشاهدة الاختبار التحصيلى

التعليقات


التعليق