قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ»، وهذا الشاهد أنه قال: «شَهْرُ رَمَضَانَ» فيصلح هذا، ويصلح هذا، الأمر فيه واسع.
قوله صلى الله عليه وسلم: «فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ» وجاء في رواية: «أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ» كما سيأتي في الرواية الأخيرة، وجاء «فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ» في رواية أخرى، فقوله: «أَبْوَابُ السَّمَاءِ» دليل على القبول وصعود العمل الصالح، وأيضًا الإثابة عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: «وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ» إيذان بتأمين الناس من العذاب، إيذان بالتأمين من العقوبة؛ فإنَّ غلق أبواب النار كف لشرها عن الخلق.
قوله صلى الله عليه وسلم: «وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» سُلسلت أي: صفدت، كما سيأتي، أي: رُبطت بالسلاسل. والشياطين هنا المقصود بها شياطين الجن. أما شياطين الإنس فإنهم لا يصفدون في رمضان. والسلسلة هنا هل هي لكلهم، لكل الشياطين، أم لمردة الشياطين؟ قولان لأهل العلم، والذي يظهر والله أعلم أن السلسلة لهم جميعًا.
ومفاد هذه السلسلة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم ضَعْف أذاهم، وقلة شرهم، وأنهم لا يصلون إلى الشر ما يصلون إليه في غيره، يعني: يضعف أثرهم، ويضعف شرهم، فلا يكون شرُّهم كشرِّهم في سائر الزمان.
ولا يعني هذا أنهم لا يتضرر بهم أحد، أو لا شر منهم، أو تنقطع وسوستهم، لا، ليس هذا مقصودًا، بل لهم وسوسة، ولكنه لا يكون لهم من الأذى والوسوسة والشر كما يكون في غيره من الأوقات.
فلم يقل: مُنعت من التأثير، إنما قال: «سُلْسِلَت» والسَّلْسَلة: حَبْسٌ، ومعلوم أن المسلسَل قد يصلك شره، الآن لو سلسلت لك شخصًا في مكانٍ ما مجرم أو مؤذ قبيح اللسان، يصلك من أذاه شيء وهو مسلسل أو لا؟ يصلك، كذلك أيضًا: لو كان لك كلب قد ربطته، هل تسلم من أذاه بالكلية بسلسلته؟ الجواب: يصلك أذى نباحه ونحو ذلك؛ هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» وبيان وجه استمرار وسوسة الشياطين مع سلسلتهم.