"فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟». قَالَ: لَا. قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟». قَالَ: لَا. فَقَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا".
قوله صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟»، هذه أول مراتب الكفارة. سأله: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً» أي: هل تملك رقيقًا؟ هل تملك عبدًا أو أمةً؟ «تُعْتِقُهَا» أي: تخلصها من الرِّق. العتق هو التخليص من الرق.
قوله رضي الله عنه: "لا"، أي: لا أملك.
قوله صلى الله عليه وسلم: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟»، أي: هل تقدر على أن تصوم شهرين متتابعين مكان ما جرى منك من وقاع لأهلك في نهار رمضان؟ قال: لا، أي: لا أستطيع.
وتأمل في جميع الأجوبة: النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد على السؤال، ما قال: ما عندك؟ كم عندك؟ أثبت أنك ما تملك؛ كيف لا تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ كيف لا تملك إطعام ستين مسكينًا؟ إنما قبل قول الرجل؛ لأن هذا مما يُدَيَّن فيه الإنسان؛ إذ إنه بين العبد وربه، فلا يحتاج فيه إلى يمين ولا إثبات، إنما يرجع فيه إلى قوله، فلما قال: لا، لم يزد النبي صلى الله عليه وسلم على أن انتقل إلى المرتبة الثانية، وبه يُعلم أن ما يتعلق بالقدرة على الفعل فيما هو من حق الله تعالى المرجع فيها إلى دين الإنسان، يُدَيَّن فيها الإنسان؛ أي: يُترك ودينه فيما بينه وبين ربه، الله عالمٌ به، إذا كان يستطيع هذا وقال: لا فهو يغش نفسه؛ لأن هذه عبادة.
كذلك فيما يتعلق بالاستطاعة، ما قال: كيف أنت صحيح ومعافى، إنما قبل منه أنه لا يستطيع؛ إما لشغلٍ، وإما لمرضٍ، وإما لما يعجز معه عن أن يصوم شهرين متتابعين، فالمرجع في تحديد القدرة المالية على الكفارات، وكذلك في القدرة على الصيام هو إلى المكلف نفسه.
