"بَابٌ إِذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ".
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ، فَأَفْطَرَ النَّاسُ، قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَالْكَدِيدُ: مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ".
قوله رحمه الله: "بَابٌ إِذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ" هذا بيان الرخصة في السفر، هل الرخصة في السفر لمن أدركه رمضان وهو مسافر، أو لمن صام أيامًا ثم سافر؟
من العلماء من يقول: إن الرخصة في الفطر في رمضان هو لمن أدركه رمضان وهو مسافر، أما مَن أنشأ السفر في أثناء رمضان فإنه لا يفطر، ولذلك قال: "بَابٌ إِذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ" هل له أن يترخص برخصة السفر أو لا؟
جمهور العلماء على أن له أن يترخص؛ لعموم قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة: 184، ولا فرق في ذلك بين فطر اليوم الذي سافر فيه، أو فطر ما بعده من أيام، بمعنى أنه إذا أصبح في بلد، أصبح اليوم في الرياض وهو صائم، ورحلته الظهر، أو الضحى، فسافر وأراد أن يفطر، هل له الفطر أم يجب أن يتم صيام اليوم، ثم إن شاء أفطر بعد ذلك؟
من العلماء من يقول: ما دام أنه شرع في الصوم فيجب عليه إتمامه، فلا يحل له، ولو كان مسافرًا، أن يفطر في أثناء اليوم، ما دام أنه شرع في الصوم.
والصواب كما سيأتي أنه يُرخص له في الفطر، ولو كان شرع في الصيام، كما سيأتي في حديث جابر رضي الله عنه بعد قليل.
هذا الحديث حديث ابن عباس الذي ساقه هنا قال: "خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد". إذن أدركه أول رمضان وهو مقيم ثم سافر، "حتى بلغ الكديد أفطر"، وهل أفطر في أثناء اليوم أو أفطر بعد تكميل اليوم؟ الظاهر أنه أفطر، يحتمل هذا ويحتمل هذا، وسيأتي في حديث جابر ما يبين أنه أفطر صلى الله عليه وسلم بعد أن شرع في الصيام؛ في صيام يوم من الأيام.
قوله رحمه الله:"فأفطر الناس" أي: فتبعه الناس فأفطروا. والكديد منطقة في طريق مكة بين عسفان وقديد.