قال المصنف رحمه الله في كتابه: " الثاني: المعاملات، وهي أشياء، أحدها البيع، ولا بد فيه من بائع، ومبتاع، وثمن، ومثمن، ولفظ يُؤدَّى به أو ما في معناه.
الأول: البائع، فيشترط فيه أن يكون جائز التصرف، وهو البالغ الرشيد، غير عبد، بلا إذن، وأن يكون راضيًا، وأن تكون العين ملكه ، أو مأذونًا له في بيعها.
الثاني: المبتاع، ويُشترط فيه أيضًا أن يكون جائز التصرف راضيًا.
الثالث: الثمن، ويشترط فيه أن يكون مالًا في نفعٍ مباح، معلومًا مقدورًا على تسليمه، مملوكًا للمشتري.
الرابع: المثمن، ويشترط فيه أن يكون فيه نفع مباح لغير ضرورة، وأن يكون ملكًا لبائعه، أو مأذونًا له في بيعه، وأن يكون مقدورًا على تسليمه، وأن يكون معلومًا برؤية أو صفة يحصل بها معرفته.
الخامس: اللفظ المؤدى به، وهو الإيجاب والقبول والمعاطاة.
ويتعلق بالبيع عدة أمور ".
يقول رحمه الله:" الثاني: المعاملات ".
الثاني من أقسام الفقه، فقد قسم المؤلف رحمه الله الفقه إلى عشرة أبواب: أولها العبادات، وتحت هذا القسم: الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد، وقد تقدم الحديث عن ذلك.
الثاني من أبواب الفقه وأقسامه: المعاملات، والمعاملات في اللغة جمع معاملة، وهي مفاعلة تقتضي طرفين، وفي كلام العرب تقول: عاملته في كذا أي: تصرفت معه في بيع ونحوه.
فالمعاملة وما يتصرف منها دائرة على التصرف في بيع ونحوه، وفيما يتعلق بالمعنى الاصطلاحي للعلماء في معنى المعاملات طريقان:
الطريق الأول: طريق جمهور الفقهاء في إطلاق لفظ المعاملات على كل ما سوى العبادات، وهذا يطلقه كثير من الفقهاء، لكن عند التأمل والتحقيق نجد أن هذا الاصطلاح يُقال على وجه التجوز، وليس ذلك تحريرًا لنفس المصطلح، وإنما عند تحرير مصطلح المعاملات للفقهاء طريقان: طريق الجمهور وطريق الحنفية.
الجمهور: وهو ما أشار إليه طريقة المؤلف، يقصرون المعاملات على أبواب المعاوضات، كل معاوضة بين طرفين، وما يلحق بها من العقود تسمى معاملات، فالبيع معاملة، الإجارة معاملة، الشركة معاملة، وما يلحق بهذه العقود، كعقود التوثيقات، الرهن، الضمان، الكفالة، وما أشبه ذلك، كلها مندرجة في المعاملات، هذا الذي عليه جماهير العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة، يطلقون المعاملات ويريدون بها المعاوضات المالية.
الطريق الثاني في معنى المعاملات: أو في استعمال هذا اللفظ، في معنى هذا المصطلح: طريقة الحنفية، وهي الجارية على الإطلاق العام؛ أن المعاملات كل ما سوى العبادات فهو معاملة.
المؤلف جرى على أي الطريقين؟
جرى على الطريق الأول، طريق الجمهور، في إطلاق المعاملات على المعاوضات المالية، ولما نقول: معاوضات أي: ثمة عوض من الطرفين، من المتعاقدين، كل منهما يبذل شيئًا لتحصيل ما في يد الآخر، ولذلك سُميت معاوضة؛ لأن كلًّا منهما يبذل شيئًا يعتاض به عما يأخذه من الطرف الآخر.
قوله رحمه الله: "وهي" أي: المعاملات " أشياءٌ " عرفنا من هذا أن المعاملات لا تنحصر في صورة واحدة، بل هي في أشياء، وقد ذكر منها اثني عشر قسمًا، ذكر تحت أبواب المعاملات اثني عشر قسمًا، سنأتي عليها إن شاء الله تعالى بالبيان والإيضاح.
أول ما ذكر البيع؛ لأنه أوضح الصور فيما يتعلق بالمعاملات، فقال: " أحدها البيع " فبدأ به لأنه الصورة الظاهرة الجلية فيما يتعلق بالمعاوضات؛ لأن الملك ينتقل في عينين بين البائع والمشتري.
واعلم -بارك الله فيك- أن البيع هو أصل أنواع المعاوضات، ويُطلَق على كل أنواع المعاوضات بيع، ويطلق عليه تجارة؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ البقرة: 275 فالبيع هنا مطلق على كل أنواع المعاوضات التي تكون بين الناس، ويسمى تجارة؛ كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ النساء: 29، فتسمى جميع أبواب المعاملات بيوعات، وتسمى تجارة.
البيع في اللغة يطلق على الإعطاء والأخذ، فهو من الأضداد، فتقول: بعته أي: بذلته أعطيته، وتقول: بعته أي: أخذته.
وأما في الاصطلاح: أقصر التعريفات للبيع هو مبادلة مالٍ بمالٍ تمليكًا أو تملكًا، مبادلة مال بمال تمليكًا أو تملكًا، وثمة تعريفات أخرى فيها سعة في توصيف عقد البيع، لكن يكفينا في هذا المقام هذا التعريف؛ أن البيع مبادلة مالٍ بمالٍ تمليكًا وتملكًا.
قوله رحمه الله: "ولا بد فيه من بائعٍ، ومبتاع ، وثمنٍ، ومثمن، ولفظٍ يؤدى به، أو ما في معناه" هذه هي الأركان التي يقوم عليها عقد البيع، وقوله رحمه الله:" لا بد فيه من بائع" أي: لا يتم البيع إلا بهذه المذكورات، وهي أركان عقد البيع.
والمؤلف رحمه الله جرى في ترتيبه لمسائل الأبواب على تقسيمها وفق ما تتضمنه من أركان أو أقسام، هنا قال رحمه الله: "البيع ولا بد فيه من بائع" هذا أول أركان البيع، "ومبتاع" وهما العاقدان، وهذا عند جمهور العلماء ركن من أركان البيع، العاقدان: البائع والمبتاع، "وثمن ومثمن" هذان قسمان، وهما تحت ركن واحد وهو المعقود عليه.
قول رحمه الله: " ولفظ يؤدى به أو ما في معناه " هذا هو الركن الثالث من أركان البيع، وهو الصيغة التي يتم بها العقد، فالبيع له ثلاثة أركان: عاقدان، معقود عليه، والصيغة التي يتم بها العقد، وذكر في الصيغة اللفظ ثم قال: وما في معناه، وسيأتي تفصيل ذلك وبيانه.
فتناول المؤلف رحمه الله أحكام البيع على هذا النحو، ثم شرع في بيان البيع على هذه الأركان، بيّن المسائل بناءً على هذه الأركان، ومسائل البيع كثيرة، لكن مبنى هذا العقد على ما ذكر الله تعالى في قوله: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ البقرة: 275، فالأصل في البيعات بشتى أنواعها الإباحة والحِل؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾.
أركان البيع ثلاثة وليس خمسة : الركن الاول يشمل قسمين البائع والمبتاع ، والركن الثاني يشمل قسمين الثمن والمثمن والركن الثالث هو اللفظ المؤدى به