قوله صلى الله عليه وسلم: «يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي»، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هنا ثلاثة أمور فيما قص من هذا الحديث، وهو خبر عن الله عز وجل فيما سيأتي من مضاعفة وخصوصية الصيام، «يَتْرُكُ طَعَامَهُ» أي: يمسك عن الطعام، «وَشَرَابَهُ» أي: يمسك عن الشراب، «وَشَهْوَتَهُ» أي: يمسك عن الشهوة «مِنْ أَجْلِي» أي: من أجل التقرب إلي، لأجلي، إخلاصًا لي، لا يطلب عوضًا ولا مقابلًا من أحد على هذا العمل، ولذلك الصوم سر بين العبد وربه، فإنه لا يعلم حقيقة حال الصائم من الإمساك وعدمه أحد، إنما ذاك علم الله جل وعلا الذي يعلم السر وأخفى.

فبين وجه خصوصية الصوم بهذه الأمور الثلاثة: «يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ»، وهذه الثلاثة أمور يسميها العلماء أصول المفطرات، فأصول المفطرات ثلاثة، جاء النص عليها في القرآن وفي السنة، أما القرآن فيقول الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ﴾ في الليل ﴿بَاشِرُوهُنَّ﴾ هذا يتعلق بالشهوة ﴿وَكُلُوا﴾ هذا الثاني ﴿وَاشْرَبُوا﴾ هذا الثالث ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ البقرة: 187.

إذن أصول المفطرات في القرآن مذكورة في هذه الآية وهي ثلاثة: ما يتعلق بالشهوة، المباشرة، ما يتعلق بالطعام، ما يتعلق بالشراب. وهو ما ذكره هنا في قوله صلى الله عليه وسلم:«يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي» أي: لأجلي، بسببي، فـ«مِن» هنا سببية.

يقول: «يَتْرُكُ طَعَامَهُ» الطعام هو كل ما يصل مما يؤكَل ويدخل إلى الجوف، والشراب هو كل مائع وسائل يدخله إلى جوفه، فتعاطي السائل يسمى شرابًا، وتعاطي الممضوغ يسمى أكلًا، وأما الشهوة هنا فالمقصود بها أصلًا الجماع، ويلحَق بها كل أوجه استفراغ الشهوة اختيارًا؛ كالمباشرة والاستمناء؛ فإنها تندرج في قوله صلى الله عليه وسلم: «وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي».