بدأ -رحمه الله- في بيان هذه الأقسام الأربعة: فقال رحمه الله: "أما المتطهِّر فهو المكلَّف الخالي عن مانع حسي أو شرعي".
قوله رحمه الله: "أما المتطهر فهو المكلف"؛ أي: من طُلِبَ منه الطهارة.
المكلَّف يطلقه الفقهاء على صنفين من الناس: على البالغ العاقل، هذا الصنف الأول.
والصنف الثاني: من كان مطلوبًا منه العمل ولو كان دون البلوغ؛ كالمميِّز؛ فإن المميز -وهو من يفهم الخطاب ويرُدُّ الجواب- تُطلَبُ منه الطهارة للصلاة، لكنه ليس بالغًا، فهو مكلف بالطهارة؛ أي: مطلوب منه الطهارة وإن كان ذلك على وجه التدريب والتعليم والتنشئة والتربية.
قوله رحمه الله:"فهو المكلَّف" يشمل البالغ ومن دونه ممن تُطلَب منه الصلاة، وهذا من المسائل التي تختص الصلاة تنبيهًا وذكرًا، وقد يكون لها ذكر أيضًا في بقية الأبواب، كالزكاة في مال الصغير، والصوم من الصغير، وما أشبه ذلك، لكن فيما يتعلق بالمكلَّف هنا يشمل من كان مطالبًا بالفعل ولو كان دون البلوغ.
قوله رحمه الله: "الخالي من مانع حسي أو شرعي"؛ أي: يخلو من مانع يمنعه حسًّا وهو المريض، أو شرعًا؛ أي: يمنعه من الطهارة ولا ينفعه التطهر كالحائض.
قوله رحمه الله: "الخالي عن مانع حسي" كالمريض الذي لا يقوى على الطهارة بالماء،
قوله رحمه الله :"أو شرعي"كالحائض؛ فإن الطهارة لا تنفعها.
قوله رحمه الله:"وأما المتطهَّر به فالماء الطهور، أو التراب عند عدمه، أو ضرر في استعماله".
ذكر -رحمه الله- هنا ما يُتطهَّر به؛ أي: المادة أو الشيء الذي يحصل به الطهارة، فقسَّمه إلى قسمين:
قوله رحمه الله :"فالماء الطهور"هذا هو القسم الأول،
قوله رحمه الله :"أو التراب"هذا هو القسم الثاني، لكنه ذكر في التراب حالين:
قوله رحمه الله :"عند عدمه أو الضرر في استعماله"، فقدَّم المؤلف في المتطهَّر به الماء؛ لأنه الأصل، كما قال جل وعلا في سورة النساء: ﴿وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ النساء: 43، فجعل الماء هو الأول، والتراب ثانيًا، وكذلك في سورة المائدة.
والماء الطهور ضابطه: هو الباقي على خِلْقته، الذي لم يجرِ عليه تغيير لصفاته؛ كالماء النازل من السماء، أو النابع من الأرض، أو المجتمع على أيِّ نحوٍ كان، وقد ذكره الله جل وعلا في قوله: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ الفرقان: 48، ومنه قوله جل وعلا: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ الأنفال: 11.
وقوله في ماء البحر: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ».
إذن قوله -رحمه الله- في تقسيم المتطهَّر به إلى قسمين: "الماء الطهور"؛ أي: الماء الباقي على خِلْقته، سواء كان نازلًا من السماء، أو نابعًا من الأرض أو من مياه البحار، أو غير ذلك.
وقوله: "الباقي على خلقته"؛ يعني: لم يطرأ عليه ما يغير صفاته الأصلية.
أما القسم الثاني من المتطهَّر به فهو التراب، ويُصار إليه كما دلت عليه آية النساء والمائدة: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ النساء: 43، المائدة: 6، والصعيد: هو ما تصعد من الأرض، وذكرُ التراب ليس قصرًا له على الحكم، إنما هو ذكر أبرز ما يُتيمَّم به، وإلا فجميع الأرض -كما سيأتي- محل للتيمم، على الراجح من قولي العلماء.
قوله رحمه الله :"أو التراب"؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة: «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا»،فذكر التراب على وجه الخصوص، والتراب يُتطهَّر به في حالين:
"عند عدمه"، الضمير يعود إلى الماء،
"أو ضرر في استعماله"، والعدم نوعان: عَدَم حقيقي، وعدم حُكمي، العدم الحقيقي هو ألَّا يجد ماءً يتطهَّر به، هذا القسم الأول. والقسم الثاني: عدم حكمي؛ وهو أن يوجد الماء لكن لا يتمكن من استعماله،
وأشار إليه رحمه الله بقوله:"أو ضرر في استعماله". والضرر هنا يشمل المريض الذي لا يقوى على استعمال الماء، ويشمل أيضًا مَن يقوى على استعمال الماء لكن يتضرر باستعماله، كالذي في صحراء وليس معه من الماء إلا شيء قليل لا يكفي لمصالحه، فهذا هو الذي أذن الله جل وعلا له باستعمال التراب ولو وُجد الماء.
فالتيمم يُصار إليه في حال عدم الماء، يعني يفقده ولا يوجد معه، وكذلك فيما إذا وجده لكنه يتضرر باستعماله؛ بأن يؤذيه استعمال الماء لمرضه، أو يحصل له به أذًى لكونه يفتقر إلى الماء في صحراء أو نحوها.